خلال الستينيات تتالت أغاني عبد الحليم
حافظ بصورة قريبة نوعاً ما مما كانت عليه في النصف الثاني من الخمسينيات، وهو ما
أضأنا عليه في الحديث الماضي، مع فارق أنَّ المدة الزمنية لمعظم أغانيه باتت أطول
نسبياً بحيث لم تعد قصيرة ومختصرة في خمس دقائق، بل امتدَّت المدة الزمنية إلى عشر
دقائق أو ربع ساعة، وكانت شخصية عبد الحليم الغنائية قد تحدَّدت معالمها بوضوح..
واستمرَّ العندليب معتمداً على العمالقة الثلاثة: محمد الموجي وكمال الطويل ومحمد
عبد الوهاب، وقد برز في الإطار وبشكلٍ أوسع هذه المرة عملاقان آخران هما منير مراد
وبليغ حمدي...
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
يا عندليب.. يا حلو يا اسمر (4 من 5)
إنعطافة عبد الحليم حافظ مع بليغ حمدي
منذ النصف الثاني من الستينيات
حسين احمد صبرا
خلال الستينيات تتالت أغاني عبد الحليم
حافظ بصورة قريبة نوعاً ما مما كانت عليه في النصف الثاني من الخمسينيات، وهو ما
أضأنا عليه في الحديث الماضي، مع فارق أنَّ المدة الزمنية لمعظم أغانيه باتت أطول
نسبياً بحيث لم تعد قصيرة ومختصرة في خمس دقائق، بل امتدَّت المدة الزمنية إلى عشر
دقائق أو ربع ساعة، وكانت شخصية عبد الحليم الغنائية قد تحدَّدت معالمها بوضوح..
واستمرَّ العندليب معتمداً على العمالقة الثلاثة: محمد الموجي وكمال الطويل ومحمد
عبد الوهاب، وقد برز في الإطار وبشكلٍ أوسع هذه المرة عملاقان آخران هما منير مراد
وبليغ حمدي، مع ملاحظة تراجع رصيد كمال الطويل من الألحان العاطفية، لكن مع
احتلاله المرتبة الأولى في تلحين الأغاني الوطنية وخاصةً بعدما أصبح عبد الحليم في
هذه الفترة مطرب الثورة المعتمد ضمناً من قبل زعيم الثورة جمال عبد الناصر..
نبدأ مع الملحنين وما لحَّنوه للعندليب
من الأغاني (من عام 1961 وحتى عام 1969):
محمد الموجي: مغرور (محمد حلاوة/ 1962)
– حبيبها (كامل الشناوي/ 1965) – أحبك (مرسي جميل عزيز/ 1967) – جبار (حسين السيد/
1967) – أحضان الحبايب (عبد الرحمان الأبنودي/ 1969).
كمال الطويل: بعد إيه (مأمون الشناوي/
1961) – الحلوة (مرسي جميل عزيز/ 1962) – أعز الناس حبايبنا (مرسي جميل عزيز/
1965) –بلاش عتاب (مرسي جميل عزيز/ 1967)، وتلك كانت آخر أغنية عاطفية لحَّنها
كمال الطويل للعندليب.
محمد عبد الوهاب: لست أدري (إيليا أبو
ماضي/ 1962) – قول لي حاجة (حسين السيد/ 1962) – ضي القناديل (الأخوان الرحباني/
1962) – لا تكذبي (كامل الشناوي/ 1962) – الويل الويل (صالح جودت/ 1963) – لستَ
قلبي (كامل الشناوي/ 1967) – يا خلي القلب (مرسي جميل عزيز/ 1969).
منير مراد: ضحك ولعب وجد وحب (مرسي
جميل عزيز/ 1961) – بأمر الحب (مرسي جميل عزيز/ 1961) – وحياة قلبي وأفراحه (فتحي
قورة/ 1962) – جاحة غريبة (بالإشتراك مع شادية/ حسين السيد/ 1967) – قاضي البلاج –
دقوا الشماسي (حسين السيد/ 1969).
بليغ حمدي: خايف مرة أحب (مأمون
الشناوي/ 1961) – سواح (محمد حمزة/ 1966) – أنا كل ما اقول التوبة (عبد الرحمان
الأبنودي/ 1966) – على حسب وداد قلبي (صلاح أبو سالم/ 1966) – الهوى هوايا (عبد
الرحمان الأبنودي/ 1969) – جانا الهوى (محمد حمزة/ 1969).
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنَّ عبد
الحليم غنَّى في أواسط الستينيات اللون الخليجي بطلبٍ من حكومة الكويت عام 1965، فغنَّى:
يا هلي (وليد جعفر/ عبد الحميد السيد/ 1965) – عيني ضناها السهر (عبد المحسن
الرفاعي/ سعود الراشد/ 1966) – يا فرحة السُمَّار (أحمد العدواني/ حمد الرجيب/
1966).. كما غنَّى في الفترة نفسها أغنيتين هما: "خدني معاك يا هوى"
تسجيل استديو، و"الليالي" سجَّلها على العود (كلمات محمد حمزة/ ألحان
بليغ حمدي)، لكنهما لم تذاعا بسبب انسحاب عبد الحليم من الموضوع كله بعدما تعرَّض
للإستفزاز من بعض الإعلاميين الكويتيين، ولم تظهر أغنية "خدني معاك يا
هوى" إلا مطلع التسعينيات..
وهنا نبدي بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى أنَّ عبد الحليم لم
يمثِّل في الستينيات (من عام 1961 إلى عام 1969) سوى 4 أفلام، هي: يوم من عمري
(17/ 3/ 1961) – الخطايا (4/ 3/ 1962) – معبودة الجماهير (9/ 1/ 1967 وهو
بالألوان) – أبي فوق الشجرة (17/ 2/ 1969، بالألوان أيضاً).. بينما نجده قد مثَّل
في النصف الثاني من الخمسينيات كماً هائلاً من الأفلام بلغ عددها 12 فيلماً خلال 6 سنوات (1955 – 1960)، وهي:
لحن الوفاء (1/ 3/ 1955) – أيامنا الحلوة (7/ 3/ 1955) – ليالي الحب (15/ 10/
1955) – أيام وليالي (5/ 12/ 1955) – موعد غرام (7/ 3/ 1956) – دليلة (15/ 10/
1956، وهو بالألوان، وقد فشل هذا الفيلم لأنه مملّ) – بنات اليوم (21/ 1/ 1957) –
الوسادة الخالية (7/ 10/ 1957) – فتى أحلامي (22/ 12/ 1957) – شارع الحب (13/ 10/
1958) – حكاية حب (6/ 4/ 1959) – البنات والصيف (القصة الثالثة/ 28/ 3/ 1960)..
وربما يعود السبب إلى تراجع الظهور السينمائي للعندليب في الستينيات إلى ظهور
التلفزيون أواخر الخمسينيات، بحيث باتت أغاني عبد الحليم وحفلاته تُعرض من خلال
الشاشة الصغيرة، وخاصةً أغانيه الوطنية، أو لظروف السينما بعد التأميم، أو ربما
لظروف عبد الحليم الصحية والكم الهائل لما خضع له من عمليات جراحية بسب مرض
البلهارسيا الذي أصاب كبده منذ الصغر، مع الإشارة إلى أنَّ فيلم "معبودة
الجماهير" استغرق الإعداد له وتصويره أربع سنوات (من 1963 إلى أواخر 1966)..
الملاحظة الثانية، ظهور الأغنية
العاطفية التي يطغى عليها نوعاً ما الطابعُ التصويري كلاماً ولحناً، وذلك في
أغنيتي "لا تكذبي" (كامل الشناوي/ محمد عبد الوهاب) و"حبيبها"
(كامل الشناوي/ محمد الموجي).
الملاحظة الثالثة، أنَّ كمال الطويل
ومنذ مطلع الستينيات وحتى رحيل عبد الحليم في 31/ 3/ 1977 لم يلحن للعندليب الأسمر
سوى أربع أغنيات عاطفية (راجع عنها في الأعلى)، واستعاض عن ذلك بتلحين الأغاني
الوطنية في وقتٍ بات يُطلق على عبد الحليم لقب "مطرب الثورة".. مع
الإشارة إلى أنَّ خلافاً نشب بين الطويل والعندليب في تلك الفترة بسبب شراكة
الأخير مع عبد الوهاب في شركة "صوت الفن" (قرأنا للطويل مقابلة أجرتها
معه مجلة "صباح الخير" المصرية عام 1996 أو ربما عام 1997 قال فيها إنَّ
عبد الحليم كان على حق بالتعاون مع عبد الوهاب في شركة "صوت الفن")..
إذاً، عاد الطويل وتصالح مع العندليب مطلع السبعينيات وأراد عبد الحليم منه أن
يلحِّن قصيدة "قارئة الفنجان" (شعر نزار قباني)، فاعترض الطويل قائلاً:
"بعد الغيبة الطويلة دي أَلَحَّن لك قصيدة؟! إيه رأيك لو نبتدي بأغنية عاطفية
شعبية، مش تبقى ألطف؟!".. وكان الطويل آنذاك قد فرغ من تلحين أغنية لنجاة
الصغيرة هي "ولا كل من ضحكت عينيه عاشق"، فاستمع إليها عبد الحليم
وأعجبته وأصرَّ على غنائها، ثم حدث أن لم يغنِّها أحد، لا عبد الحليم ولا نجاة.
 |
| ثلاثي الأغنية الوطنية: صلاح جاهين - كمال الطويل - عبد الحليم حافظ |
الملاحظة الرابعة، أنَّ عبد الحليم قد
تحوَّل منذ مطلع الستينيات إلى مطرب الثورة وبالأخص مع الثنائي صلاح جاهين وكمال
الطويل، بالإضافة إلى عبد الوهاب ومحمد الموجي، وأنَّ بليغ حمدي دخل على الخط بعد
عدوان 1967.. فغنَّى: بالأحضان (صلاح جاهين – كمال الطويل/ 1961) – الجيل الصاعد
(مع مجموعة من المطربين/ حسين السيد/ محمد عبد الوهاب/ 1961) – مطالب شعب (أحمد
شفيق كامل/ كمال الطويل/ 1962)) – أرض الجزائر (كمال منصور/ بليغ حمدي/ 1962) –
الوطن الأكبر (مع مجموعة من المطربين/ أحمد شفيق كامل/ محمد عبد الوهاب/ 1962) –
المسؤولية (صلاح جاهين/ كمال الطويل/ 1963) – فوازير (مرسي جميل عزيز/ محمد الموجي/
1963) – صوت الجماهير (مع مجموعة من المطربين/ حسين السيد/ محمد عبد الوهاب/ 1963)
– يا حبايب بالسلامة (حسين السيد/ محمد عبد الوهاب/ 1964) – بستان الإشتراكية
(صلاح جاهين/ محمد الموجي/ 1964) – موال "أدهم الشرقاوي" (مرسي جميل
عزيز/ محمد الموجي) – بلدي يا بلدي (مرسي جميل عزيز/ كمال الطويل/ 1964) – السد العالي (صلاح جاهين/ كمال الطويل/ 1964) – يا اهلاً
بالمعارك (صلاح جاهين/ كمال الطويل/ 1965) – صورة صورة (صلاح جاهين/ كمال الطويل/
1966).. وبعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 غنَّى عبد الحليم: عَدّا النهار (عبد الرحمان
الأبنودي/ بليغ حمدي/ 1967) – إبنك يقول لك يا بطل (كمال الطويل/ 1967) – المسيح
(عبد الرحمان الأبنودي/ بليغ حمدي/ 1968) – البندقية اتكلِّمت (محسن الخياط/ بليغ
حمدي/ 1968) – فدائي فدائي (عبد الرحيم منصور/ علي إسماعيل/ 1968) – أحلف بسماها
وبترابها (عبد الرحمان الأبنودي/ كمال الطويل/ 1969) – موال "أدهم
الشرقاوي" (مرسي جميل عزيز/ محمد الموجي).
 |
| عبد الحليم ومحمد رشدي |
الملاحظة الخامسة، الإنعطافة الكبيرة
نحو الغناء الشعبي وتقديم الفلكلور بصيغة جديدة على يد بليغ حمدي، وذلك بعد النجاح
الباهر لأغاني المطرب محمد رشدي على يد الموسيقار الأصيل عبد العظيم عبد الحق..
هذا اللون الشعبي الجديد بدأ مطلع الستينيات على يد محمد رشدي والشاعر الغنائي
الشاب آنذاك عبد الرحمان الأبنودي، ويعود السبب في هذا اللون الذي ظهر به رشدي إلى
أنه كان مطرباً معتمداً في الإذاعة المصرية منذ الخمسينيات، إلى أن أرسل بطلبه
الإذاعي والموسيقي الكبير المايسترو محمد حسن الشجاعي مطلع الستينيات وأَفْهَمَهُ
أنَّ في الإذاعة مَنْ يبيع بضاعة ذات ألوان متعدِّدة، فمنهم مَنْ يبيع الجبنة
ومنهم مَنْ يبيع الزيتون، أما أنت (أي رشدي) فإنك تبيع بضاعة موجودة عندنا في
الإذاعة، وخَيَّره بين أمرين: إما أن تبيع بضاعة ليست موجودة في الإذاعة، وإما ما
لكش غُنَى عندنا.. وأمام هذا التحدِّي لم يكن أمام محمد رشدي من خيار سوى البحث عن
لون جديد من الغناء لا يغنِّيه أحد، فاختار هذا اللون الشعبي الأصيل والكلام
الشعري الريفي الفريد من نوعه، فكانت أغنية رشدي الأولى (بحدود عام 1964):
"تحت الشجر يا وهيبة يا ما اكلنا برتقال/ ضحكة عينك يا وهيبة واخدة قلوب
الجدعان"، وتتالت بعدها أغاني رشدي الشعبية وأغاني الأفراح، فنال شهرة واسعة
كما بات من نجوم السينما..
 |
| عبد الحليم وبليغ حمدي وبينهما عمر الشريف |
فأحبَّ عبد الحليم أن يغني الغناء الشعبي، لكن بأسلوبه
الرومانسي البعيد عن التطريب، فغنَّى عام 1966 من ألحان بليغ حمدي: أنا كل ما اقول
التوبة (عبد الرحمان الأبنودي) – على حسب وداد قلبي (صلاح أبو سالم) – سَوَّاح
(محمد حمزة).. مع الإشارة إلى أنَّ أغنية "سواح" كان قد لحَّنها بليغ
حمدي للمطرب السوري فهد بلّان، ومَنْ يستمع إلى التنغيم في كلمة "سواح"
ويتخيَّل فهد بلان وهو يغنِّيها سيدرك أنَّ هذه الأغنية لُحِّنَت خصيصاً له، لكن
ما ان سمع عبد الحليم عن هذه الأغنية حتى أصرَّ على أن يغنيها هو بعدما أعجبه
لحنها، وقد أراد المضي بهذا اللون مع بليغ، وهو اللون الذي ختمه في مرحلة
الستينيات مع أغنية "جانا الهوى" (محمد حمزة/ بليغ حمدي) و"الهوى
هوايا" (عبد الرحمان الأبنودي/ بليغ حمدي) في فيلم "أبي فوق
الشجرة" عام 1969، وقد جاءت هاتان الأغنيتان في أعقاب أغنية
"عدوية"، التي كتبها عبد الرحمان الأبنودي ولحَّنها بليغ حمدي لمحمد
رشدي في فيلمه "عدوية" عام 1968..
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية بتاريخ 20 نيسان/ ابريل 2015، العدد رقم 1693).
الحديث التالي:
الحديث السابق:
x
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق