موقع الكاتب حسين احمد صبرا: يا عندليب.. يا حلو يا اسمر (3)/ التطور الغنائي في مسيرة عبد الحليم حافظ في النصف الثاني من الخمسينيات.

لقد كان اختبار الإذاعة المصرية هو أول حاجز تجاوزه عبد الحليم، وبقي أمامه الحاجز الثاني ألا وهو الجمهور، وهنا كانت العقبة الكأداء حيث لم يتقبَّله جمهور الإسكندرية وهو يغني "صافيني مرة" على سبيل المثال.. إلى أن أتيحت الفرصة من أبوابها الواسعة حينما اختاره الإذاعي الكبير جلال معوَّض ليشارك في حفل أضواء المدينة في 18 حزيران/ يونيو عام 1953 بمناسبة الإعلان عن قيام الجمهورية في مصر، وقد قدَّمه على المسرح الفنان العظيم يوسف وهبي قائلاً: "اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، وأقدِّم لكم الفنان عبد الحليم حافظ"..

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً

يا عندليب.. يا حلو يا اسمر (3 من 5)

التطور الغنائي في مسيرة عبد الحليم حافظ

في النصف الثاني من الخمسينيات

حسين احمد صبرا

عبد الحليم يتوسط جلال معوض ويوسف وهبي

إلى أن أتيحت الفرصة من أبوابها الواسعة حينما اختاره الإذاعي الكبير جلال معوَّض ليشارك في حفل أضواء المدينة في 18 حزيران/ يونيو عام 1953 بمناسبة الإعلان عن قيام الجمهورية في مصر، وقد قدَّمه على المسرح الفنان العظيم يوسف وهبي قائلاً: "اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، وأقدِّم لكم الفنان عبد الحليم حافظ".. في هذا الحفل غنى عبد الحليم أغنية "صافيني مرة"، وتقبَّلها الجمهور وصفَّق للعندليب، ولاقت عكس ما لاقته سابقاً، حيث أنَّ ثورة عبد الناصر عام 1952 أزالت الفوضى والتوتر والتخبُّط الذي كان يعاني منه المجتمع المصري قَبْلَها وولَّدت أملاً بالتغيير نحو الأحسن، مما أدى إلى أن يسود جوٌّ من الإسترخاء الإجتماعي وبالتالي تولُّد القدرة على تقبُّل كل جديد..

كان نجاح العندليب الأسمر في حفل أضواء المدينة هو الحاجز الثاني الذي تجاوزه بنجاح، وبقي أمامه الحاجز الثالث وهو الأصعب ألا وهو السينما، وقد تحدَّثنا عن هذا الموضوع ملياً في الحديث ما قبل الماضي، وكيف أنَّ عبد الحليم مثَّل عام 1955 في أربعة أفلام سينمائية دفعةً واحدة..

عبد الحليم وشادية وحسين رياض في فيلم "لحن الوفاء" (1955)

رياض السنباطي

وشيئاً فشيئاً بدأ عبد الحليم يختار الألحان التي تناسب صوته وقناعاته ليصقل شخصيته الغنائية، مع ملاحظة أنَّ عبد الحليم قد بدأ عامَهُ السينمائي بالتعامل مع عملاق الموسيقى العربية رياض السنباطي في فيلمه الأول "لحن الوفاء" (أغنية "لحن الوفاء"، كلمات حسين السيد) ثم في فيلمه الثالث "ليالي الحب" (أغنية "فاتوني"، كلمات حسين السيد)، ومع ذلك فإنه لم ينجح، حتى أنَّ السنباطي وضع حداً للتعامل مع العندليب بقوله له: "لا صوتك يناسب ألحاني، ولا ألحاني تناسب صوتك"،

ليتلقَّفه في نهاية ذلك العام موسيقار الأجيال في فيلم "أيام وليالي" مع الأغاني التي ما زالت تشنِّف آذان المستمعين إلى الآن: إيه ذنبي إيه (مأمون الشناوي) – عشانك يا قمر (مأمون الشناوي) – أنا لك على طول (مأمون الشناوي) – توبة (حسين السيد) – شغلوني وشغلوا النوم عن عيني ليالي (حسين السيد).

محمد الموجي يعزف على العود،
وإلى يمينه جلوساً عبد الغني السيد وعبد الحليم
فيما يبدو إلى أقصى اليسار الموسيقار محمد فوزي

وهكذا، شهد النصف الثاني من الخمسينيات ولادة عبد الحليم حافظ الحقيقية على يد ثلاثة من عباقرة التلحين: الملحنان الشابان محمد الموجي وكمال الطويل، والملحن المخضرم محمد عبد الوهاب.. فلحَّن الموجي لعبد الحليم ألحاناً، منها ما هو غارق في الرومانسية ويفتقر إلى التطريب والإيقاع الراقص، ولكنها في العموم رسمت شخصية عبد الحليم التي أرادها لنفسه في بداياته الغنائية: أحن إليك (فتحي قورة/ 1955) – يا قلبي خبِّي (حسين السيد/ 1955) – ليه تشغل بالك ليه (مرسي جميل عزيز/ 1955) – أقول ما أقولشِ (مأمون الشناوي/ 1955) – لو كنت يوم أنساك (مأمون الشناوي/ 1956) – اللي انشغلت عليه (مأمون الشناوي/ 1956) – كان فيه زمان قلبين (حسين السيد/ 1956) – حرام يا نار (حسين السيد/ 1956) – مشغول وحياتك مشغول (إسماعيل الحبروك/ 1957) – الحب بيسأل (عبد الفتاح مصطفى/ 1957) – لايق عليك الخال (عبد المنعم السباعي/ ربما عام 1957) – الليالي (مرسي جميل عزيز/ 1958) – حبك نار (مرسي جميل عزيز/ 1959) – إسبقني يا قلبي (مرسي جميل عزيز/ 1959).. [بالإضافة إلى مجموعة أدعية دينية بعنوان "أدعوك يا سامع دعايا" أو "يا رب سبحانك" (عبد الفتاح مصطفى/ 1960)].

عبد الحليم وكمال الطويل

بينما لحَّن كمال الطويل لعبد الحليم ألحاناً بات العندليب يُعرف بها وطبعت شخصيته الغنائية بطابعٍ متجدِّد (كما الموجي تماماً) ولكن بشكلٍ حيوي وإيقاعي تطريبي سابق لعصره: على قد الشوق (محمد علي أحمد/ 1955) – لا تَلُمْني (محمد علي أحمد/ 1955) – الحلو حياتي (مرسي جميل عزيز/ 1955) – هِيَّ دي هِيَّ (مرسي جميل عزيز/ 1955) – كفاية نورك عليَّ (مأمون الشناوي/ 1955) – حلِّفني (مأمون الشناوي/ 1955) – كان يوم حبَّك أجمل صدفة (مأمون الشناوي/ 1956) – بيني وبينك إيه (مأمون الشناوي/ 1956) – حبيب حياتي (مرسي جميل عزيز/ 1956) – في يوم من الأيام (مأمون الشناوي/ 1957) – أسمر يا اسمراني (غنتها فايزة أحمد أولاً ثم غناها عبد الحليم/ إسماعيل الحبروك/ 1957) – بيع قلبك (حسين السيد/ 1957) – سمراء يا حلم الطفولة (عبد الله الفيصل/ 1957) – أبو عيون جريئة (مرسي جميل عزيز/ 1958) – نعم يا حبيبي نعم (مأمون الشناوي/ 1958) – بتلوموني ليه (مرسي جميل عزيز/ 1959) – في يوم في شهر في سنة (مرسي جميل عزيز/ 1959) – جواب (مرسي جميل عزيز/ 1960) – راح (مرسي جميل عزيز/ 1960).

عبد الحليم مع عبد الوهاب

أما محمد عبد الوهاب فقد تابع رسم الصورة الغنائية لعبد الحليم، تلك التي رسمها الموجي والطويل، وأضاف إليها الكثير: إيه ذنبي إيه (مأمون الشناوي/ 1955) – عشانك يا قمر (مأمون الشناوي/ 1955) – أنا لك على طول (مأمون الشناوي/ 1955) – توبة (حسين السيد/ 1955) – شغلوني وشغلوا النوم عن عيني ليالي (حسين السيد/ 1955) – كنت فين (حسين السيد/ 1957) – يا قلبي يا خالي (حسين السيد/ 1957) – عقبالك يوم ميلادك (حسين السيد/ 1957) – أهواك (حسين السيد/ 1957) – ظلموه (حسين السيد/ 1957) – فوق الشوك (علي مهدي/ 1958).

محمود الشريف

وإلى جانب الموجي والطويل وعبد الوهاب، كان لثلاثة ملحنين آخرين مساهمة جانبية، لكن لا يستهان بها، الأول: محمود الشريف، الذي اشتهر بصناعة ألحان يُعْتَقَد للوهلة الأولى أنها من الفولكلور الشعبي من شدة أصالتها، وقد لحَّن لعبد الحليم لحنين يتيمين هما: "ياسيدي أمرك" (فتحي قورة/ 1955) و "حلو وكذاب" (مأمون الشناوي/ 1956).. ويحتوي هذان اللحنان على قدرٍ كبير من التنغيم والتطريب، لكنَّ عبد الحليم أداهما بأسلوبه..

عبد الحليم مع منير مراد

الثاني، هو منير مراد، الذي لحَّن لعبد الحليم في النصف الثاني من الخمسينيات عدداً من الأغاني الخفيفة الحيوية الراقصة ومنها ما هو مفعم بالطرب والأصالة، وهي: ثنائية "تعالي أقول لك" مع شادية (فتحي قورة/ 1955) – ثنائية "إحنا كنا فين" مع شادية (حسين السيد/ 1956) – أول مرة تحب يا قلبي (إسماعيل الحبروك/ 1957) – بكرة وبعده (فتحي قورة/ 1957) – باحلم بيك (مرسي جميل عزيز/ 1959).

عبد الحليم مع بليغ حمدي

الثالث، هو بليغ حمدي، الذي اقتصر تلحينه لعبد الحليم في النصف الثاني من الخمسينيات على أغنيتين فحسب، وجاءتا تخاطبا أسلوب عبد الحليم في تلك الفترة، بل وأسلوب بليغ حمدي آنذاك: تخونوه (إسماعيل الحبروك/ 1957) – خسارة خسارة (مأمون الشناوي/ 1957)، وقد بدا مدى ما في أغنية "خسارة" من لحنٍ شعبي بامتياز عندما غناها المطرب الشعبي أحمد عدوية منذ بضع سنوات..

عبد الناصر مصافحاً عبد الحليم

هذا في ما يتعلَّق بغناء عبد الحليم العاطفي، أما عن الغناء الوطني فإنَّ أول أغنية وطنية شدا بها العندليب كانت بمناسبة الذكرى السنوية لثورة عبد الناصر وهي أغنية "ثورتنا المصرية" (كلمات مأمون الشناوي - ألحان رؤوف ذهني/ ربما عام 1955) – إحنا الشعب (صلاح جاهين – كمال الطويل/ 1956) – الله يا بلدنا الله (أنور عبد الله – محمد عبد الوهاب/ في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956) – إني مَلَكْتُ زمامي في يدي (مأمون الشناوي/ كمال الطويل/ في أعقاب عدوان 1956) – تحت راية بور سعيد/ 1957) – يا جمال يا حبيب الملايين (إسماعيل الحبروك – كمال الطويل/ في أعقاب الوحدة بين مصر وسورية عام 1958) ذكريات (أحمد شفيق كامل/ محمد عبد الوهاب/ 1960).

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 13 نيسان/ ابريل 2015، العدد 1692).

الحديث التالي:

- إنعطافة عبد الحليم حافظ مع بليغ حمدي منذ النصف الثاني من الستينيات.

الحديث السابق:

- عبد الحليم حافظ في أغانٍ مجهولة في النصف الأول من الخمسينيات.

في الذكرى الـ38 لرحيل العندليب الأسمر:

1- عبد الحليم حافظ .. يا عندليب يا حلو يا اسمر.

2- عبد الحليم حافظ في أغانٍ مجهولة في النصف الأول من الخمسينيات.

3- التطور الغنائي في مسيرة عبد الحليم حافظ في النصف الثاني من الخمسينيات.

4- إنعطافة عبد الحليم حافظ مع بليغ حمدي في النصف الثاني من الستينيات.

5- عبد الحليم حافظ ومرحلة الأغنية الطويلة والجرأة والتساؤلات القدرية.

فهرس