2017/03/01

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (29)/ هكذا أوصلت الإستخبارات الروسية فلاديمير بوتين إلى السلطة.



لقد خلع جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" ثوب العقيدة الشيوعية ذات الطابع الأممي ولبس ثوباً آخر يتمثَّل في شقَّين اثنين بالغَي الأهمية بعدما بات هو الحاكم الفعلي والأوحد في روسيا: الشق الأول، النزعة القومية الروسية البحتة والسعي الدؤوب لإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية القيصرية، وهو ما يحظى بشعبية كاسحة لدى غالبية الشعب الروسي بكل أسف والذي يؤيِّد بشدة استعادة أمجاد "روسيا العظمى"، ونرى هذا الدعم الشعبي والتأييد الكاسح لسياسات "روسيا – بوتين" العدوانية وتدخلاتها العسكرية الهمجية في الشيشان وشمال القوقاز وفي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وفي سورية...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (29)

هكذا أوصلت الإستخبارات الروسية
فلاديمير بوتين إلى السلطة





حسين احمد صبرا
لكي نفهم الوضع في روسيا بشكلٍ أفضل وأكثر دقة لا بد لنا من أن نؤكد على حقيقة دامغة لا يجب أن تغيب عن أعيننا ألا وهي أنَّ فلاديمير بوتين ليس سوى رَجُل الإستخبارات الروسية في السلطة..
   ولكي نوضِّح الصورة أكثر لا بد لنا من أن نشير إلى أنه سابقاً، وقبل انهيار الإتحاد السوفياتي، كان جهاز الإستخبارات السوفياتية الـ"كي. جي. بي" جهازاً عقائدياً مارس الكثير من الإرهاب داخل الإتحاد السوفياتي وخارجه، وقد شارك في حكم الإتحاد السوفياتي تحت سلطة الحزب الشيوعي.. أما الآن فإنَّ وريثَهُ، أي جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي"، خَلَعَ ثوب العقيدة الشيوعية ذات الطابع الأممي ولبس ثوباً آخر يتمثَّل في شقَّين اثنين بالغَي الأهمية بعدما بات هو الحاكم الفعلي والأوحد في روسيا:
  الشق الأول، النزعة القومية الروسية البحتة والسعي الدؤوب لإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية القيصرية، وهو ما يحظى بشعبية كاسحة لدى غالبية الشعب الروسي بكل أسف والذي يؤيِّد بشدة استعادة أمجاد "روسيا العظمى"، ونرى هذا الدعم الشعبي والتأييد الكاسح لسياسات "روسيا – بوتين" العدوانية وتدخلاتها العسكرية الهمجية في الشيشان وشمال القوقاز وفي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وفي سورية وتجاه دول البلطيق وغيرها من الدول التي كانت ضمن جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق، وأيضاً في العداء المفتعَل للعالم الغربي من أجل كسب المزيد من الشعبية..
    أما الشق الثاني فيتمثَّل بالفساد الذي يمارسه جهاز الإستخبارات الروسية ويدعمه ويحميه وينظِّمه ويوجِّهه داخل روسيا وخارجها، حيث بات جَمْعُ أكبر ثروة مالية حُلمُاً لأي ضابط استخباراتي روسي، وبات جهاز الـ"أف. سي. بي" عبارة عن مافيا بكل ما للكلمة من معنى، وجهازٍ إرهابي يمارس الإرهاب على الصعيدين الروسي والعالمي على حدٍّ سواء، يمثِّله في السلطة فلاديمير بوتين شخصياً، حيث تحظى السياسات العدوانية لهذا الأخير بدعمٍ شعبي روسي من منطلقات قومية بحتة كما سبق وأشرنا.
   عقب انهيار الإتحاد السوفياتي عام 1991 تراجع دور ونفوذ الإستخبارات الروسية (الـ"كي. جي. بي" سابقاً) نسبياً، وعمل الجهاز الوريث، الذي حمل تسمية الـ"أف. سي. بي"، على نشر الفوضى والجريمة المنظَّمة داخل روسيا وخارجها عبر أدواته من مافيات وعصابات الجريمة المنظَّمة للضغط على السلطة الجديدة وابتزازها ووضع العقبات أمامها.. إلى أنَّ قررت الإستخبارات الروسية استلام السلطة مباشرةً وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء مستغلةً ضَعْف الرئيس الأول لروسيا بوريس يلتسين ومرضه، وجاء ذلك في يوم 25 تموز/ يوليو 1998، اليوم الذي تمَّ فيه تعيين فلاديمير بوتين مديراً للإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي".. مع الإشارة إلى أنَّ تعيين بوتين لهذا المنصب لم يكن الهدف منه سوى التمهيد لإيصاله إلى رأس السلطة ليصار إلى حكم روسيا من خلال جهازها الإستخباري منذ ذلك الحين، وهذا هو موضوع حديثنا.
   بعد عامٍ على تعيين بوتين في منصب مدير الإستخبارات الروسية ضَغَطَ جهاز الإستخبارات على يلتسين لتعيين بوتين رئيساً للوزراء لهدفين اثنين: الهدف الأول أن يقوم بوتين بشن حربٍ ثانية على الشيشان بعدما نالت استقلالها مما هدَّد السيطرة الروسية على باقي دول القوقاز.. والهدف الثاني كيما يصبح بوتين شخصية سياسية معروفة، الأمر الذي يخوِّله للترشح إلى منصب الرئاسة، وبالتالي ليحكم جهاز الإستخبارات الروسية البلاد بعدها بشكلٍ مباشر من خلاله..
   وما علينا سوى أن نلاحظ جملة التطورات المذهلة التي جرت في يومٍ واحد، أي في 9 آب/ أغسطس 1999: ففي ذلك اليوم تمَّ أولاً تعيين بوتين من قبل الرئيس يلتسين كواحدٍ من ثلاثة نوابٍ لرئيس الوزراء الروسي، ثم بعد ساعاتٍ قليلة تمَّ تعيينه أيضاً قائماً بأعمال رئيس وزراء حكومة الإتحاد الروسي، ثم ما لبث أن صرَّح يلتسين في اليوم نفسه بأنه يريد أن يرى فلاديمير بوتين خليفةً له في منصب الرئاسة، ثم في مساء ذلك اليوم أعلن بوتين عن "موافقته" على الترشح للرئاسة!! ثم بعد أسبوعٍ واحد، أي في 16 آب/ أغسطس 1999 تمَّ تعيين بوتين رئيساً لمجلس الوزراء الروسي.. ولم تكد تمضي سوى عشرة أيام حتى شنَّت روسيا حربها الثانية على الشيشان بدءاً من 26 آب/ أغسطس 1999، وهي الحرب التي استمرَّت حتى أيار/ مايو 2000، ضمَّت "روسيا – بوتين" بنتيجتها الشيشان إليها مانعةً استقلالها عنها،
الشهيد بوريس نيمتسوف مع بيل كلينتون
(وبذا يكون يلتسين قد أُجبر على التراجع عن ترشيحه لبوريس نيمتسوف لمنصب الرئاسة كخليفةٍ له ، حيث سبق ليلتسين أنَّ قدَّم نيمتسوف للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في مؤتمر يالطا لحقوق الإنسان خريف عام 1997 على أنه خليفته المرتقب، وخاصةً أنَّ نيمتسوف كان قد حصل صيف ذلك العام على أكثر من 50% من الأصوات في استطلاعات الرأي حول المرشحين المحتملين لرئاسة روسيا، مع الإشارة إلى أنَّ نيمتسوف أصبح لاحقاً وفي ظل حكم بوتين زعيماً للمعارضة الروسية، وقد قتله بوتين في 27/ 2/ 2015 في المربَّع الأمني للكرملين في موسكو، وسبق أن تحدَّثنا ملياً عن نيمتسوف وسنتحدَّث لاحقاً عن تقاريره الهامة حول فساد بوتين)..
   حسناً، الآن تمَّ تعيين بوتين لمجلس الوزراء في 16 أغسطس/ آب 1999، ليبدأ حربه الثانية على الشيشان بعد عشرة أيامٍ عبر القصف الجوي والمدفعي (حرب الشيشان الأولى امتدَّت من أواخر 1994 وحتى أواسط 1996، وقد منيت فيها روسيا بهزيمةٍ نكراء).. بيد أنَّ قرار الحرب الثانية على الشيشان، والذي اتخذته الإستخبارات الروسية، كان يتضمَّن غزو الشيشان والقضاء على استقلالها بالقوة العسكرية، وهذا ما كان يحتاج إلى مبرِّر، وإليكم المبرِّر المصطنع الذي تمَّ استخدامه:
   إذ ما أن حلَّ الشهر التالي، أي أيلول/ سبتمبر من عام 1999، حتى قام جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" بإحداث العديد من التفجيرات عن عمدٍ في بعض المدن الروسية، بما فيها العاصمة موسكو، طالت مباني سكنية قُتل وجُرح فيها المئات من المواطنين الروس المساكين.. وإليكم ما جرى: أولاً، اتَّهم جهاز الإستخبارات الروسية على الفور الثوارَ الشيشان بهذه التفجيرات.. ثانياً، اتخذ بوتين على الفور، ومن ورائه جهاز الإستخبارات، قرارَ غزو الشيشان.. ثالثاً، أدَّت الحرب الثانية على الشيشان، وكما خطَّط جهاز الإستخبارات الروسية تماماً، إلى ارتفاع شعبية بوتين لدى الروس، وهذا ما خوَّله للترشُّح لمنصب رئاسة الجمهورية والفوز الكاسح فيها في 7/ 5/ 2000، بعدما كان قد تحوَّل إلى رئيس روسيا الفعلي منذ 31/ 12/ 1999 بحُكم استقالة بوريس يلتسين.. هذا بالإضافة أيضاً إلى فوز الأحزاب التي تشكَّل منها حزب "روسيا الموحَّدة" الحاكم لاحقاً بالأغلبية النيابية، وهي الأحزاب التي أيَّدت بشدة غزو الشيشان والمرتبطة ببوتين وبالإستخبارات الروسية، مع الإشارة إلى أنَّ حزب "روسيا الموحَّدة" ومنذ تأسيسه في 1/ 12/ 2001 بعد اندماج عدة أحزاب، قد بات هو الحزب الحاكم لروسيا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ويترأسه حالياً ديمتري ميدفيديف منذ العام 2012.
   نريد أن نضيء ملياً على هذه النقطة بالتحديد، أي تفجيرات الشقق السكنية في روسيا في أيلول/ سبتمبر 1999، والتي كانت السبب في استلام بوتين للسلطة في روسيا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ممثلاً لجهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً).. فالمعارضة الروسية ناهيكم عن العديد من المحقِّقين والصحافيين الروس المستقلين قدَّموا عشرات الأدلة الدامغة على تورُّط جهاز الإستخبارات الروسية آنذاك في هذه التفجيرات، الأمر الذي سنعرض له بإسهابٍ لاحقاً.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، رقم العدد 1769).

الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق