2016/04/24

عبد الحليم حافظ.. يا عندليب يا حلو يا اسمر (1 من 5)






قال الموسيقار النبيل كمال الطويل للمطرب العملاق محمد عبد المطلب مطلع الخمسينيات: "أمَّا انا عندي حِتّة دين مطرب، حَيْقَعَّدك في البيت".. وانتَظَرَ "طِلِب" ريثما غنَّى هذا المطرب الجديد واسمه عبد الحليم حافظ أغنيته الأولى التي لحَّنها له كمال الطويل وكانت بعنوان "لقاء" (شعر صلاح عبد الصبور)، والتي نادراً ما نجد منكم مَنْ سمع بها حتى الآن أو يحفظ لَحْنَها.. وعندما التقى عبد المطلب بكمال الطويل عقب إذاعة أغنية عبد الحليم من الإذاعة، قال له متهكِّماً: "بقى هُوَّ ده المطرب اللي حَيْقَعَّدني في البيت!!".. 



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


38 عاماً على رحيله (1 من 5)

عبد الحليم حافظ..
يا عندليب يا حلو يا اسمر





حسين احمد صبرا
قال الموسيقار النبيل كمال الطويل للمطرب العملاق محمد عبد المطلب مطلع الخمسينيات: "أمَّا انا عندي حِتّة دين مطرب، حَيْقَعَّدك في البيت".. وانتَظَرَ "طِلِب" ريثما غنَّى هذا المطرب الجديد واسمه عبد الحليم حافظ أغنيته الأولى التي لحَّنها له كمال الطويل وكانت بعنوان "لقاء" (شعر صلاح عبد الصبور)، والتي نادراً ما نجد منكم مَنْ سمع بها حتى الآن أو يحفظ لَحْنَها.. وعندما التقى عبد المطلب بكمال الطويل عقب إذاعة أغنية عبد الحليم من الإذاعة، قال له متهكِّماً: "بقى هُوَّ ده المطرب اللي حَيْقَعَّدني في البيت!!"..
 
عبد الحليم يتوسَّط
 عبد المطلب ويوسف وهبي عام 1962
ومرَّ ت بضع سنوات كان نجم عبد الحليم حافظ خلالها قد لمع وبات اسمه وصوته وأغانيه وأفلامه ملء الأسماع والأبصار.. أقام محمد عبد المطلب حفلةً غنائية في الإسكندرية لم يحضرها سوى عدد قليل من الجمهور.. توجَّه "طِلِب" إلى كوكب الشرق أم كلثوم مستنجداً لإنقاذ حفلته من الفشل.. أمسكت أم كلثوم سماعة الهاتف، ثم تحدَّثت: "أيوه يا حليم، أنا عايزاك تغني في حفلة "طِلِب" في الإسكندرية".. يومها لبَّى عبد الحليم طَلَبَ أم كلثوم وعبد المطلب وذهب إلى الإسكندرية بصحبة الشحرورة صباح وغنَّيا مع عبد المطلب ونجحت الحفلة نجاحاً باهراً [في النصف الأول من الستينيات مرض عبد المطلب ودخل إلى المستشفى، وكان كمال الطويل أحد زوَّاره، ولم يكن قد لحَّن لعبد المطلب أي أغنية، فقال "طِلِب" للطويل ممازحاً: "اللي ما يلَحَّنْليش مش حَيْخُشّ التاريخ"، وبالفعل استجاب الموسيقار كمال الطويل ولحَّن له الأغنية الرائعة "الناس المغرمين"]..
العندليب وموسيقار الأجيال
كان عبد الحليم نحيلاً متوسِّط القامة، لم يكن أحدٌ يتوقَّع أن يصبح نجماً غنائياً وسينمائياً، بمن فيهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي ورغم أنه جعل عبد الحليم يَمْضي معه عام 1953  على عقد فيلمين تعهَّد بإنتاجهما له، إلا أنَّ موسيقار الأجيال أبقى هذا العقد حبيس الأدراج بانتظار أن يُثْبِت هذا الشاب الأسمر موهبته.. وظلَّ عبد الحليم معلقاً بأدراج الرياح حتى أنه لم يجد بداً في ذلك الوقت – وهو يَجْهَد للبروز – من ظهور صوته على الأقل في بعض الأفلام السينمائية، وهي: النسخة العربية من فيلم "علاء الدين والمصباح السحري"؛ وفيلم "بعد الوداع" (30/ 3/ 1953/ بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي/ إخراج أحمد ضياء الدين)؛ وفيلم "بائعة الخبز" (17/ 8/ 1953/ بطولة شادية وماجدة وأمينة رزق وزكي رستم/ إخراج حسن الإمام) حيث ظهر صوت عبد الحليم في أغنية ثنائية بالإشتراك مع برلنتي؛ ثم فيلم "فجر" (17/ 1/ 1955 / بطولة ماجدة وجمال فارس/ إخراج عاطف سالم) حيث غنى عبد الحليم على لسان الممثل عبد المنعم إسماعيل أغنية " لو كنت يوم على قلبي تهون" من ألحان محمد الموجي..

لكنَّ هاجس السينما ظلَّ يلح بشدة على العندليب الأسمر، وما أن عُرِضَت الفكرة على المخرج الكبير حلمي رفلة عام 1954   بأن يُخْرِج لعبد الحليم فيلماً، حتى قال متهكِّماً: "ما ينفعش، ده انا مش حامْنَعُه يمثِّل بس، ده انا حامنَعُه يِعَدِّي من قدّام السينما"..


حينها لجأ عبد الحليم والمحيطون به من المؤمنين بموهبته إلى مخرجين آخرين، فمثَّل فيلمين سينمائيين عُرضا دفعةً واحدة مطلع عام 1955  بالتتالي: الأول "لحن الوفاء" (من إنتاج وإخراج إبراهيم عمارة) مع النجمة الغنائية والسينمائية آنذاك شادية، وقد عُرض لأول مرة في 1/ 3/ 1955..  والثاني "أيامنا الحلوة" (من إخراج حلمي حليم وإنتاج "الفيلم العربي")، وعُرض لأول مرة بعده بستة أيام، أي في 7/ 3/ 1955، حيث كان الفيلم من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، فجاءت مشاركة عبد الحليم في الفيلم في دور بطولة من الصف الثاني مع أحمد رمزي..


وبعد نجاح هذين الفيلمين وبروز عبد الحليم كمشروع نجمٍ غنائي وسينمائي من الطراز الأول، سارع حلمي رفلة إلى إنتاج وإخراج فيلمٍ لعبد الحليم في أواخر العام نفسه هو فيلم "ليالي الحب" (مع آمال فريد)، وعُرض لأول مرة في 15/ 10/ 1955..


   ولم يكد ينتهي هذا العام حتى سارع محمد عبد الوهاب مع المخرج الكبير هنري بركات ليُنتجا لعبد الحليم فيلمه الرابع "أيام وليالي" (مع إيمان، وهو من إخراج بركات) عُرض لأول مرة في 5/ 12/ 1955.. ولاحقاً أسس عبد الوهاب مع عبد الحليم شركة "صوت الفن" للإنتاج الغنائي والسينمائي..

هذا النجاح الغنائي – السينمائي الباهر لعبد الحليم حافظ دفع النجم الفكاهي السينمائي والمسرحي الأول آنذاك إسماعيل ياسين إلى أن يعرض على عبد الحليم الظهور في أحد أفلامه كضيف شرف، وجاء ذلك في فيلم "إسماعيل ياسين في البوليس الحربي" (عُرض لأول مرة في 10/ 11/ 1958)..




ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنه ومع نجاح فيلم عبد الحليم "شارع الحب" (مع صباح) في 13/ 10/ 1958  وذيوع أغنيته الجديدة "أبو عيون جريئة" وما أثارته من لغط في المجتمع المصري آنذاك،  نجد أنَّ الفنان إسماعيل ياسين يسارع إلى تمثيل فيلم جديد يحمل الإسم نفسه (أبو عيون جريئة) والذي عرض لأول مرة في 7/ 12/ 1958     ( مع زهرة العلا/ إخراج حسن الصيفي).. واللافت أنَّ مَنْ كَتَبَ قصة الفيلم وسمَّاها "أبو عيون جريئة" هو الصحافي الفني الكبير جليل البنداري، الذي أظهر من خلال هذه التسمية مدى حفاوته بالموهبة الجديدة عبد الحليم حافظ، فما هي قصته مع العندليب الأسمر؟!


   
جليل البنداري
كان جليل البنداري محط أنظار الفنانين الطامحين إلى الشهرة، إذ يكفي أن يُجري معهم مقابلة فنية وينشرها في مجلة "آخر ساعة" حتى يُعتبر ذلك تكريساً لنجومية هذا الفنان أو تلك الفنانة.. فسعى عبد الحليم إلى مقابلةٍ يُجريها معه البنداري، بيد أنه كان يخشى من سلاطة لسانه، ذلك أنَّ البنداري كان يُنهي كلَّ سؤالٍ له بشتيمة، فهو مثلاً إذا ما سأل الفنان عن اسمه الحقيقي يقول: إسمك الحقيقي إيه يا ابن الكلب؟ أو سأله عن أعماله الفنية يقول: إيه آخر أعمالك الفنية يا ابن الهِرْمَة؟ فأراد عبد الحليم أن يتحاشى شتائم جليل البنداري، فتوجَّه عام 1956 مباشرةً إلى مكتب رئيس تحرير "آخر ساعة" وكان آنذاك محمد حسنين هيكل، وطلب منه أن يستدعي جليل البنداري ليُجري المقابلة أمامه في مكتبه، بحيث أنَّ البنداري لن يجرؤ على توجيه الشتيمة إليه أمام هيكل.. وهذا ما حصل فعلاً، لكنَّ عبد الحليم لم يكن أذكى من البنداري، ذلك أنَّ الأخير ظلَّ صامتاً وراح يسجِّل السؤال على ورقة ويعطيها لعبد الحليم ليقرأ السؤال ويُجيب عنه، وكان يُنهي كلَّ سؤالٍ مكتوبٍ بشتيمة مكتوبة، لكنَّ عبد الحليم ظلَّ محافظاً على هدوئه ورباطة جأشه قدر الإمكان وأجاب عن كل الأسئلة.. وقد بحثنا عن نص هذه المقابلة في أعداد "آخر ساعة" القديمة ونشرناه بالكامل في "الشراع" عام 1999.. واللافت في الأمر أنَّ جليل البنداري هو الذي أطلق لاحقاً على عبد الحليم حافظ لقب "العندليب الأسمر"، ثم ألَّف عنه كتاباً مطلع الستينيات بعنوان "جسر التنهُّدات"..    
نختم بالقول إنَّ عبد الحليم كان واحداً من عمالقة مصر وعباقرتها، الذين شكَّلوا صفحات مصر كما يشكِّلها نيلها العظيم.. وقد غنى عبد الحليم لهذا النيل: يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا اسمر.. ونقول لعبد الحليم في ذكراه الثامنة والثلاثين: آه يا عندليب يا حلو يا اسمر.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 29 آذار/ مارس 2015، العدد رقم 1690).

الحديث التالي:

 













x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق