2018/05/18

حسين احمد صبرا يروي لكم بعضاً من أسراره/ قال لي عضو القيادة القطرية السابق في حزب البعث السوري في لبنان شتاء عام 2014: "داعش" سارعت إلى إطلاق سراح أحد السوريين بعدما أكَّد لها أنه ضابطٌ في استخبارات الأسد.. وأنا حالياً أُسكِنُهُ في شقتي في بيروت حيث يتنكَّر ليتجسَّس على المعارضين السوريين في لبنان!



وهنا وبلمح البصر ودون أي تفكيرٍ مُسْبَق ولا أي تردُّد، قال حسن صالح بفخرٍ شديد وبحماسٍ أشد:
- أحدُ أصدقائي ضابطٌ في الإستخبارات السورية، وقد أخبرني قبل عدة أشهر أنَّ داعش ألقت القبضَ عليه في إحدى المناطق في محافظة حمص، وأثناء التحقيق معه اعترف بأنه ضابطٌ في الإستخبارات السورية، فما كان من داعش إلا أن سارعت إلى إطلاق سراحه، بل ودلَّته على السبيل الآمن الذي عليه أن يسلكه خشية أن يتعرَّض للأذى أثناء عودته إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



حسين احمد صبرا يروي لكم بعضاً من أسراره

قال لي عضو القيادة القطرية السابق في حزب البعث السوري
في لبنان شتاء عام 2014:
"داعش" سارعت إلى إطلاق سراح أحد السوريين
بعدما أكَّد لها أنه ضابطٌ في استخبارات الأسد..
وأنا حالياً أُسكِنُهُ بشِقَّتي في بيروت حيث يتنكَّر
ليتجسَّس على المعارضين السوريين في لبنان!

الدكتور حسن صالح



حسين احمد صبرا
صيف عام 2008 تعرَّفتُ على الراحل الدكتور حسن صالح، عضو القيادة القطرية السابق في حزب البعث السوري في لبنان، وأستاذ الأدب العربي في الجامعة اللبنانية، وصاحب واحدة من أشهر شركات توزيع الصحف في لبنان ألا وهي "الشركة العامة لتوزيع الصحف والمطبوعات".
التعارف تمَّ عن طريق صديقي الحميم "أبو علي"، حيث أننا نحن الثلاثة من ثلاث قرى متجاورة في قضاء بنت جبيل في أقاصي جنوب لبنان: أنا من قرية "حَدَّاثا".. وصديقي أبو علي من القرية الملاصقة لها، "عيتا الجبل" (وهو في الأصل من قرية بنت جبيل ولكنه متزوِّجٌ من "عيتا" ويعيش فيها).. وحسن صالح من قرية "تبنين"، الملاصقة لقرية "عيتا".. مع الإشارة إلى أنَّ مساحة القرى في لبنان – وخاصةً في الجنوب – صغيرةٌ جداً، بحيث تستطيع أن تذهب بالسيارة من "حدَّاثا" بسرعة متوسطة وتصل إلى "تبنين" (مروراً بـ"عيتا") في 6 دقائق فقط).
أما صديقي الحميم أبو علي فهو مزارعٌ وحارثٌ للأراضي بواسطة جرَّاره الزراعي، والأهم أنه يملك خيمةً صغيرة يبيع فيها الفاكهة الموسمية، وذلك في قرية "بيت ياحون" الملاصقة لقرية "عيتا".. وفي تلك الخيمة الصغيرة كان لقائي الأول مع حسن صالح، حيث أنه في ذلك العام (2008) كان قد تقاعد من عمله كمدرِّس في الجامعة اللبنانية وأَوكلَ إلى أحد أبنائه إدارة شركة توزيع الصحف في بيروت، واستقرَّ نهائياً في الجنوب في قريته "تبنين"، التي كان يملك فيها وفي "بيت ياحون" وغيرهما أراضي شاسعة، استطاع شراءها سابقاً بفضل ما كانت تدرُّهُ عليه شركة التوزيع من أرباح.. وبات منذ العام 2008 يمضي حياته مزارعاً في النهار، وباحثاً يعكف على تأليف الكتب في الليل، وقد تعرَّف على صديقي أبو علي منذ ذلك الحين حيث كان صالح يبيعه ما تنتجه أرضُهُ من مزروعاتٍ وثمار وخاصةً من التين والعنب.

حسن صالح يصفع حسن تركماني على وجهه!

مع اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 كان دائماً ما يصارحني الدكتور حسن صالح بأنه "لا يؤمن بكل هذه التركيبة التي تحكم سورية"، مضيفاً: "الشخصُ الوحيد الذي أحترمُهُ وأُقَدِّرُهُ هو حافظ الأسد".. وكان يصر على رأيه حينما أقول له: "يا أَبَا بَاسِل إنَّ كل هذه الكوارث التي نعيشها سَبَبُـها حافظ الأسد".. وكما تلاحظون فإنَّ الحب الشديد الذي كان يكنُّهُ حسن صالح لحافظ الأسد جعله يسمِّي إبنَهُ البكر "باسل" تشبُّهاً بإسم الإبن البكر لحافظ الأسد، باسل الأسد، شقيق بشَّار..
حسن تركماني
في 18 تموز/ يوليو 2012 تمَّ تفجير مبنى الأمن القومي السوري في دمشق أو ما عُرِفَ بـ"تفجير خلية الأزمة"، وأسفر عن مقتل رئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني، ووزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، بالإضافة إلى إصابة وزير الداخلية محمد الشعار، وورود تقارير عن إصابة رئيس فرع التحقيق في جهاز أمن الدولة حافظ مخلوف.   
في اليوم التالي لهذا التفجير حَدَثَ أن التقيتُ بحسن صالح بالصدفة في خيمة صديقنا المشترك أبو علي في "بيت ياحون".. كان الحزنُ بادياً بوضوح على وجه الدكتور وفي نبرة صوته، وقال لي ونحن نحتسي الشاي – ثلاثَتُنا – على باب الخيمة تحت أشعة شمس الظهيرة: "لقد انتهى النظام"..
لحظة إعلان التلفزيون السوري عن مقتل حسن تركماني
كان حسن صالح صائباً في ما يقوله.. وكما يعرف المتابعون لأحداث الثورة السورية فإنَّ هذا التفجير مَهَّدَ جدياً ولأول مرة آنذاك لسقوط نظام بشار الأسد، حيث تسارعت وتيرة الأحداث عَقِبَ هذا التفجير فتزايدت الإنشقاقات عن جيش النظام السوري وزادت الرقعة الجغرافية التي باتت تسيطر عليها المعارضة السورية المسلَّحة بشكلٍ ملحوظ، وما أن حلَّ عام 2013 حتى باتت العاصمة دمشق مهدَّدة بالسقوط، الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى إبلاغ روسيا عبر القنوات السريَّة بينهما بأنها موافقة على بقاء بشار الأسد في السلطة، ما يعني أنها تعطي الضوء الأخضر للتدخل الإيراني العسكري المباشر والعلني لحماية بشار، ما أثار اعتراض فرنسا الشديد آنذاك على هذه الخطوة الأميركية.. وقد سارع الروس إلى إبلاغ الإيرانيين بالأمر، ما جعل علي خامنئي يستدعي أمينَ عام حزب الله حسن نصر الله على عجل إلى طهران في آذار/ مارس 2013 ليقنعه بضرورة تدخل حزب الله العسكري علناً في سورية تحت مظلة الإشارات الأميركية الواضحة في هذا المجال.. وهذا الضوء الأخضر الأميركي عاد بعد أقل من شهر وأكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بغدانوف لحسن نصر الله حينما التقى به في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 نيسان/ أبريل 2013، وهو اللقاء الذي أعقبه بعدة أيام تصريحٌ غير بريء لبغدانوف قال فيه إنَّ نصر الله قال له في هذا اللقاء إنه لن يقف متفرِّجاً والعاصمة دمشق تسقط في قبضة المعارضة السورية.. وواضح جداً الآن أنَّ الغاية من هكذا تصريح كان ذر الرماد في العيون في ذلك الحين لإظهار أَنْ لا علاقة لروسيا بتدخل حزب الله في سورية.
وبالعودة إلى الدكتور حسن صالح، فإنه في ذلك اليوم الذي أعقب تفجير خلية الأزمة، روى لي حادثةً مثيرة جرت بينه وبين حسن تركماني (رئيس خلية الأزمة، كما سبقت الإشارة) في بيروت عام 1976 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك حينما قام ياسر عرفات بتصفية منظمة الصاعقة، وهي إحدى المنظمات المسلحة المنتمية إلى منظمة التحرير الفلسطينية والمرتبطة مباشرةً بنظام حافظ الأسد وكان يتزعَّمها آنذاك زهير محسن..  
وتعود أسباب هذه التصفية إلى بداية التدخل السوري العسكري في الأزمة اللبنانية مع ميل دفة الصراع العسكري في لبنان لصالح ياسر عرفات وحلفائه من اللبنانيين ضمن ما كان يُعْرَفُ بـ"الحركة الوطنية" بزعامة كمال جنبلاط، وذلك ضد اللبنانيين المسيحيين الموارنة.. ففي نيسان/ أبريل من عام 1976 بدأ الجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية ما أثار اعتراض ياسر عرفات، وقد أوعز حافظ الأسد إلى منظمة الصاعقة بالدخول في صدام مسلَّح ضد حركة فتح في بيروت كنوع من الضغط وتوجيه الرسائل، إلا أنَّ عرفات سارع في أيار/ مايو 1976 إلى اتخاذ القرار بتصفية منظمة الصاعقة في بيروت، وقد تمَّ له ذلك في أقل من 12 ساعة..
ما يعنينا في هذا الأمر أنَّ كلاًّ من حسن صالح وحسن تركماني كانا متواجدَين في مقر منظمة الصاعقة في منطقة رأس النبع في بيروت الغربية حينما جرت التصفية السريعة لهذه المنظمة في 24 أيار/ مايو عام 1976: المواطن اللبناني حسن صالح، وهو البعثي السوري الموالي لنظام حافظ الأسد.. والمواطن السوري حسن تركماني، الذي كان ودون أدنى شك موفداً سرِّياً من قبل حافظ الأسد إلى لبنان تحت غطاء منظمة الصاعقة، وأستطيع الإستنتاج أنَّ من أبرز ما كُلِّف به تركماني من قِبَل الأسد هو إشعال فتنة وصدام مسلَّح مع ياسر عرفات، أدى في نهاية المطاف إلى استغلال حافظ الأسد لعملية تصفية الصاعقة كإحدى أبرز الحجج للصدام المسلَّح مع منظمة التحرير الفلسطينية بدءاً من شهر حزيران/ يونيو 1976 وهو الصدام الذي انتهى بالدخول العسكري السوري إلى بيروت.. بالإضافة إلى ما يمكن أن أذكره في هذا المجال عن المجزرة المروِّعة التي ارتُكِبَتْ ضد المسيحيين في بلدة الدامور الواقعة على بعد 25 كيلمتراً جنوب بيروت في 20 كانون الثاني/ يناير عام 1976، أي قبل تصفية منظمة الصاعقة بأربعة أشهر، حيث كانت الدامور تحت سيطرة حزب الكتائب (المسيحي الماروني)، أي الطرف الآخر في الحرب الأهلية اللبنانية والذي كان معارضاً للوجود الفلسطيني المسلَّح في لبنان..
صورة من مجزرة الدامور
إذ قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالهجوم على هذه البلدة والسيطرة عليها، إلا أنه حصل فيها مجزرة هي عبارة عن إبادة شبه جماعية للمسيحيين من سكان هذه البلدة، حيث تمَّ قتل وذبح حوالى 600 مواطن مسيحي من سكان البلدة الأبرياء.. والهام في هذا الإطار أنَّ العديد من قيادات حزب الكتائب يؤكِّدون أنَّ منظمة الصاعقة هي التي قامت بهذه المجزرة.. ولا أشك من جهتي بأنَّ حسن تركماني (وآخرين) وبتعليماتٍ من حافظ الأسد، كان له دورٌ ما في ارتكاب هذه المجزرة، والهدف من ذلك هو دفع المسيحيين إلى اللجوء إلى الأسد ليحميهم من "الإبادة" المفتعلة، بالإضافة إلى تشويه سمعة الفلسطينيين محلياً وعربياً ودولياً وإظهارهم على أنهم يبيدون المسيحيين في لبنان.. أما ما يؤكِّد استنتاجي أنَّ حسن تركماني كان موفداً سرياً لحافظ الأسد إلى لبنان تحت غطاء منظمة الصاعقة، فهي المراتب العليا التي رقَّاهُ إليها حافظ الأسد لاحقاً، ذلك أنَّ حسن تركماني لحظة تصفية منظمة الصاعقة عام 1976 كان قائد فرقة مشاة ميكانيكية في جيش حافظ الأسد وشارك في حرب تشرين عام 1973 بهذه الصفة.. أما بعد المهمة التي أوكله بها الأسد في بيروت عام 1976 ومن ثمَّ الدخول العسكري السوري إلى لبنان تحت غطاء ما عُرِفَ يومها بـ"قوات الردع العربية"، فإنَّ حافظ الأسد جعله واحداً من قيادات قوات الردع (السورية) في لبنان بين عامي 1977 و1978، ثمَّ رقَّاه إلى منصبِ مديرٍ لإدارة شؤون الضباط في جيش النظام عام 1978، ثم مديرٍ للإدارة السياسية في الجيش عام 1980، إلى أن رقَّاه إلى منصبٍ عالٍ بأن عيَّنَهُ نائباً لرئيس الأركان العامة، وقد ظلَّ في منصبه هذا إلى ما بعد وفاة حافظ الأسد، فعيَّنَهُ بشار الأسد رئيساً للأركان العامة عام 2002، ثم نائباً للقائد العام للجيش والقوات المسلحة ومعاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية عام 2004، ووزيراً للدفاع (خلفاً لمصطفى طلاس) من عام 2004 إلى عام 2009.
إذاً، حوصر حسن تركماني في مقر الصاعقة في بيروت في 24 أيار/ مايو 1976 من قبل حركة فتح (بقيادة أبو عمار)، وكان معه في المقر حسن صالح، موضوع حديثنا، حيث كان آنذاك أمين فرع حزب البعث السوري في بيروت.. فأدرك حسن صالح أنَّ الصراع الدائر هدفُهُ تصفية الصاعقة، وأنَّ نية ياسر عرفات هي قتل كل مَنْ في المقر، فطلب من حسن تركماني المغادرة، إلا أنَّ الأخير رفض وأصرَّ على البقاء ظنّاً منه أنَّ أبو عمار لن يجرؤ على قتله أو إلحاق أي أذىً به.. بيد أنَّ حسن صالح أصرَّ عليه بالإسراع في المغادرة، فأصر تركماني بدوره على البقاء..
في تلك اللحظة لم يكن أمام حسن صالح – كما روى لي – إلا أن صفع حسن تركماني على وجهه صفعةً قوية صائحاً به بغضب: "قلتُ لك أُخْرُجْ من هنا فوراً، إنهم آتون لقَتْلِنا جميعاً".. فما كان من حسن تركماني إلا أن استجاب لطلب حسن صالح وغادرا معاً مقر الصاعقة على الفور.. وقد صَدَقَ ظنُّ صالح، حيث أنَّ حركة فتح التي اقتحمت المكان قامت بتصفية كل عناصر الصاعقة الذين كانوا متواجدين في المبنى.. وقد نجح تركماني وصالح في مغادرة بيروت، إلا أنَّ ذلك لم يَحُل دون أن تقوم إحدى الميليشيات اللبنانية المتموِّلة من ياسر عرفات بإحراق مكاتب شركة حسن صالح لتوزيع المطبوعات في 6 حزيران/ يونيو 1976 (أي بعد أسبوعين)، حيث تمَّ إحراق مكاتب الشركة في بيروت في كلٍّ من منطقة الزيدانية والبسطة التحتا والغبيري، وذلك بعد نهبها.     

حسن تركماني يرد الجميل ويُنقذ حياة حسن صالح

هذه الصفعة التي وجَّهها حسن صالح على وجه حسن تركماني هي التي أنقذت حياةَ الأخير، الذي ظلَّ يذكُرُ لحسن صالح هذا الجميل.. إلى أن أتى اليوم الذي ردَّ فيه حسن تركماني الجميلَ إلى "أبو باسل"، وكان ذلك في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، أي في الفترة التي تلت دخول جيش النظام السوري إلى بيروت للمرة الثانية عام 1987..
عاصم قانصوه
وهنا تابَعَ حسن صالح روايته لما جرى، وقال لي في ذلك اليوم (أي في 19 تموز/ يوليو 2012، وهو اليوم الذي أعقب تفجير خلية الأزمة في دمشق ومقتل حسن تركماني، كما سبقت الإشارة)، إنه قد وَصَلَتْ إليه (أي إلى حسن صالح) معلوماتٌ مؤكدة (في أواخر الثمانينيات) عن قيام الأمين القطري آنذاك لحزب البعث السوري في لبنان عاصم قانصوه بالإتجار بالمخدِّرات، فما كان من حسن صالح إلا أن رفع تقريراً إلى القيادة السورية ذكر فيه بالتفصيل ما يقوم به قانصوه..
عاصم قانصوه مع حافظ الأسد
أكمل حسن صالح حديثه قائلاً لي إنَّ عاصم قانصوه قرَّر الإنتقامَ منه أو بالأحرى التخلص منه عن طريق اغتياله جسدياً.. لكن ومن حسن حظ حسن صالح أنَّ ما كان يُعِدُّ له قانصوه سُرِّبَ إليه عن طريق أحد الحزبيين البعثيين، فلم يكن من صالح إلا أن لجأ إلى حسن تركماني مُعْلِماً إياه بما يخطِّط له قانصوه، فما كان من تركماني إلا أن تدخَّلَ شخصياً ليُثْني عاصم قانصوه عن اغتيال حسن صالح.. وبذا أنقذ تركماني حياةَ صالح رادّاً له جميل الصفعة التي تلقاها على وجهه عام 1976 وأنقذَتْ حياته هو شخصياً.
جدير بالذكر أنَّ حسن صالح كان قد طُرِدَ من حزب البعث السوري (فرع لبنان) عام 1987 لكثرة ما كان ينتقد ويعترض على التجاوزات والفساد المستشري داخل هذا الحزب.. وأعود وأذكِّرُكُم بما كان يقوله لي من أنه لا "يَقْبِضُ" أحداً في النظام السوري جَدِّياً (أي أنَّ الكلَّ في نظره سيِّئون)، وأنَّ الشخص الوحيد الذي يحظى بتقديره هو حافظ الأسد فقط.

والآن إلى داعش

مع بدايات عام 2013 قال لي صديقي الحميم "أبو علي" بِأَسَىً إنَّ "أبو باسل" مريض جداً وإنه يعاني من اضطرابات شتَّى في جسمه وخاصةً في الكلى.. ولم يكن صديقي يعلم آنذاك أنَّ الدكتور حسن صالح مصاب بالسرطان.
باختصار، ومع حلول شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2014، هاتَفَني "أبو علي" ليقول لي إنَّ الدكتور حسن يدعونا إلى سهرةٍ في منزله.. وهكذا، وبعد أن اتفقنا على موعدٍ مناسب للجميع، ذهبتُ أنا و"أبو علي"، الذي اصطحب معه صديقاً ثالثاً (مهنتُهُ بلَّاط)، لزيارة "أبو باسل" في قريته تبنين، وكان الجو ماطراً وشديد البرودة.
جلسنا في الصالة الواسعة قرب المَدْخَنة الموجودة في الحائط (أي ما يُعرف بالفرنسية بإسم cheminée)، ثم دخل علينا "أبو باسل" وهو يمشي بصعوبة.. حيَّانا ثم جلس إلى جانب المَدْخَنَة، وطلب من الخادمة الحبشية إحضار صندوقٍ كبير مليء بالحطب وأن تضعه بالقرب منه.. وقد أمضى السهرة وهو يُذْكي النارَ بالحطب بين فترةٍ وأخرى نظراً لتدنِّي الحرارة في تلك الليلة.
في تلك السهرة كان الدكتور حسن صالح بَهِجاً ومتَّقدَ الذهن بشكلٍ لافت، في فترةٍ كان يصارع المرضَ الخبيث.. وأدركتُ على الفور أنَّ السبب الأبرز لهذه البهجةِ فروغُهُ من تأليف كتابه الجديد وطباعته ورقياً، وهو الكتاب الذي وضعه أثناء مرضه وحمل عنوان "الجوهر المجرَّد في تاريخ الأمير ناصيف النصَّار والأمراء من آل الأسعد/ أو: الوجه المضيء من تاريخ لبنان (1516م – 1916م)"، وهو من جزئين، والهدف الأساسي لحسن صالح من هذا الكتاب هو أن يقول إنَّ التاريخ الحقيقي للبنان صنعه الشيعة (المتاولة) والدروز، وليس الموارنة ولا السُنَّة.. كما يمكن للقارىء أن يلحظ بوضوح بين طيات هذا الكتاب قيام حسن صالح بتقريظٍ مبالَغٍ فيه بحسن نصر الله (الذي أهداه هذا الكتاب) وذمٍّ مُحِقٍّ ومُبَرَّر بنبيه بري..  
في تلك الليلة، وبعد أن أهدانا نسخةً من كتابه الجديد، راح "أبو باسل" يحدِّثنا بإسهاب عن الدولة الفاطمية (الشيعية) معبِّراً عن شدة إعجابه بها وتحمسه لها، مع الإشارة إلى أنه كان قد ألَّف عام 2010 كتاباً من ستة أجزاء بعنوان "التشيُّع المصري الفاطمي"..
طبعاً، كان من مدعاة عَجَبي واستغرابي أن كيف لإنسانٍ عروبي يرفع الشعار البعثي "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" أن يكون متعصِّباً مذهبياً، فكيف والمذهب الشيعي معادٍ للعروبة والإسلام! بيد أنني كنتُ أرى أنَّ هذه الحالة الكاريكاتيرية الشاذة ليست حالة فردية وإنما أصابت الكثير من "القومجيين العرب"، فما بالك بالذين ارتبطوا ارتباطاً عضوياً بالنظام العلوي في سورية!.. حتى أنني لم أستغرب حينما ذَكَرَ لي الدكتور حسن صالح في بدايات تعارفنا أنَّ أولاده منتسبون إلى حزب الله.
ولكن ماذا عن "داعش"، عنوان هذا المقال؟!
ذلك أنَّه، ومع دخولنا إلى منزل حسن صالح في تلك الليلة الباردة والماطرة ومجيئه للسلام علينا في الصالة، سرعان ما استأذننا "أبو باسل" وغاب عنَّا للحظات ليطلب من الخادمة إعداد الشاي والإتيان بنُسَخٍ من كتابه الجديد ليُهْدينا إياها.. وهنا سألني صديقي الحميم "أبو علي" عن رأيي في تنظيم "داعش"، فأجبتُهُ بأنَّ هذا التنظيم هو صنيعة نظام بشار الأسد.. وهذا ما أثار استغراب صديقي وقد فوجىء بما أقول.
وطبعاً، الداعي إلى هذا السؤال في كانون الثاني/ يناير 2014 هو ظهور تنظيم داعش المفاجىء على الساحة السورية، بالإضافة إلى قيامه بعددٍ من التفجيرات الإنتحارية في المناطق الشيعية في لبنان وتحديداً في الضاحية الجنوبية.. وإليكم الصورة التالية: كان نظام بشار الأسد على وشك السقوط في آذار/ مارس عام 2013 (كما سبق وأن أشرتُ سابقاً).. تدخَّلت أميركا وأخبرت روسيا بأنها موافقة على بقاء نظام بشار.. طَلَبَتْ روسيا من إيران التدخل عسكرياً في سورية بناءً على ضوء أخضر أميركي.. أرسل علي خامنئي بطلب حسن نصر الله، الذي زار إيران في ذلك الشهر، وطلب منه تدخل حزب الله العسكري العلني إلى جانب النظام السوري.. وفجأةً، وبعد أيامٍ من الضوء الأخضر الأميركي وزيارة نصر الله لإيران، تمَّ الإعلان في 8 نيسان/ أبريل 2013 عن قيام تنظيمٍ إسمه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو ليس إلا تنظيم القاعدة الذي كان ينشط في العراق منذ الغزو الأميركي لهذا البلد العربي عام 2003، وذلك بدعمٍ وتوجيهٍ من إيران والنظام العلوي في سورية، ومنذ هذا الإعلان في 8 نيسان/ أبريل عن تنظيم داعش بدأ تنظيم القاعدة نشاطه العسكري في سورية تحت مسمَّى "داعش".. وما أن حلَّ شهر أيار/ مايو 2013 حتى كان حزب الله قد أعد العدة للتدخل العسكري في سورية فكانت معركة القصير بادىء ذي بدء في التاسع عشر من ذلك الشهر.. وتزامناً مع التدخل العسكري لحزب الله بدأ تنظيم داعش منذ ذلك الحين حربه ضد المعارضة السورية المسلَّحة متعمِّداً في الوقت نفسه وبنجاحٍ باهر تشويه صورة الثورة السورية محلياً وعربياً ودولياً.. أما عن التفجيرات الإنتحارية المشبوهة التي قامت بها داعش في لبنان في المناطق الشيعية فإنها قدَّمت خدمةً جليلة لحزب الله وجعلت الجمهور الشيعي – الذي أُصيب بالذعر – يلتف حوله أكثر فأكثر ويزيد من تأييد تدخله العسكري في سورية.. مع الإشارة إلى أنَّ آخر عملية إنتحارية قامت بها داعش في لبنان كانت في بلدة القاع اللبنانية المسيحية في 27 تموز/ يوليو 2016، وكانت كفيلة بجعل الرأي العام المسيحي بشكلٍ خاص واللبناني بشكلٍ عام يقف موقفاً معادياً للثورة السورية، ومن الضروري القول في هذا المجال أنَّ الجهاز الأمني الرسمي اللبناني الوحيد الذي لا يقع تحت سيطرة حزب الله – عَنَيْتُ شعبةَ المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي في لبنان – كشف أنَّ مَنْ أدخل إنتحاريي داعش من سورية إلى بلدة القاع اللبنانية هو مواطنٌ بقاعي شيعي يحمل بطاقةً من الإستخبارات السورية، أي أنه عميل لنظام الأسد.
وبالعودة إلى سهرتنا في منزل الدكتور حسن صالح، وبعد أن سألني صديقي "أبو علي" عن رأيي بداعش وردِّي بأنها صنيعة النظام السوري، عاد ودخل مُضيفُنا "أبو باسل" إلى الصالة ليجلس معنا، فأخبره صديقي عن رأيي في تنظيم داعش وما إذا كان يوافقني الرأي.
وهنا وبلمح البصر ودون أي تفكيرٍ مُسْبَق ولا أي تردُّد، قال حسن صالح بفخرٍ شديد وبحماسٍ أشد:
- نعم، ما يقوله الأستاذ حسين صحيح مائة في المائة، وأنا لديَّ دليل على ما تفضَّلَ به، فأحدُ أصدقائي ضابطٌ في الإستخبارات السورية، وقد أخبرني قبل عدة أشهر أنَّ داعش ألقت القبضَ عليه في إحدى المناطق في محافظة حمص، وأثناء التحقيق معه اعترف بأنه ضابطٌ في الإستخبارات السورية، فما كان من داعش إلا أن سارعت إلى إطلاق سراحه، بل ودلَّته على السبيل الآمن الذي عليه أن يسلكه خشية أن يتعرَّض للأذى أثناء عودته إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وأضاف الدكتور حسن القولَ مفتخراً بحماسٍ وسرور:
- هذا الضابط (في الإستخبارات السورية) أستضيفه حالياً في شقَّتي في بيروت، إذ أَسْكَنْتُهُ بها لأداء مهمة إستخبارية، حيث يتنكَّر في هيئةِ عاملٍ سوري مُيَاوِم لغرض التجسس على المعارضين السوريين في لبنان.

(ملاحظة: توفي الدكتور حسن صالح صيف عام 2014 عن 71 عاماً).

(15/ 5/ 2018)







 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق