2018/07/15

مقاتلون وقادة عسكريون من حزب الله شاركوا في الحرب عام 2006 قالوا لحسين احمد صبرا: لو أنَّ حرب تموز/ يوليو استمرَّت 10 أيام أخرى لَـمَا كان أمامنا مفر سوى الإستسلام.



هذا الأمر يؤكده لي كثيرون من مقاتلي الحزب وقادته العسكريين ممَّن شاركوا في المعارك ضد القوات الإسرائيلية أثناء العدوان الأخير، إِنْ في الخطوط الأمامية في قتالٍ مباشر أو في الخطوط الخلفية ومن خلال إطلاق الصورايخ أو تقديم الدعم اللوجستي، فيُقِرُّون بأنَّ العدوان الإسرائيلي في ما لو استمرَّ أسبوعاً إضافياً كحدٍّ أقصى لخَرَجَ حزب الله مهزوماً للأسباب التالية:

إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة


لماذا ألحَّ حزب الله على وقف إطلاق النار في الأسبوعين الأخيرين من الحرب؟
مقاتلون وقادة عسكريون من حزب الله شاركوا في الحرب مع إسرائيل عام 2006
قالوا لحسين احمد صبرا:
لو أنَّ حرب تموز/ يوليو استمرَّت 10 أيام أخرى
لَـمَا كان أمامنا مفر سوى الإستسلام

صورة لراجمة صواريخ الكاتيوشا تابعة لحزب الله بعدما قصفها الطيران الإسرائيلي، وقد إلتقطتُّ هذه الصورة عقب انتهاء الحرب وقبل أن يسارع حزب الله إلى إخفائها عن الأنظار، وأنشرُها لأول مرة.. وقد كانت هذه الراجمة تقصف الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي تقف بجوار المنازل السكنية، فاستهدفها الطيران الإسرائيلي مرات عديدة قبل أن يدمرها في الختام، وقد تسبَّب قصفُها من قبل إسرائيل بمقتل العديد من السكان اللبنانيين الأبرياء وهم مختبئين في منازلهم حيث كانت الراجمة ترمي بصواريخها بالقرب منهم.


(الصور المنشورة في هذا الموضوع تُنشر لأول مرة، وقد إلتقطتُّها بنفسي)

·   حزب الله أطلق صواريخ الكاتيوشا من داخل الأحياء السكنية في القرى الجنوبية منذ اليوم الأول للحرب وحتى آخرها
·      العدو الإسرائيلي كشف معظم منصَّات صواريخ حزب الله وضَرَبَها
·      وَقْفُ الحرب في 14 آب/ أغسطس كان ضربة حظ لحزب الله
·   حزب الله طَلَبَ من قادته في الجنوب إخلاء بيوتهم والإختباء في أماكن آمنة وذلك قبل خطف الجنديين الإسرائيليين

(قبل أن تقرأ هذا المقال:
هذا هو أول مقال في الصحافة اللبنانية والعربية يكشف زيف ما ادَّعاه حزب الله من "إنتصار إلهي" في حرب تموز/ يوليو عام 2006 مع إسرائيل، وقد كتبتُ هذا المقال في أعقاب انتهاء الحرب مباشرةً استناداً إلى ما ذكره لي بعض المقاتلين والقادة العسكريين في حزب الله من الذين شاركوا في الحرب، تلك التي جرَّت الويلات والكوارث إلى لبنان والطائفة الشيعية بالتحديد وخلَّفت دماراً هائلاً لم تشهد له البلاد مثيلاً.. وقد كان ضرباً من الجنون الذهاب إلى نشر هذا المقال بعد الحرب مباشرةً نظراً لأجواء الإحتقان وحالة السُعَار التي أصابت حزب الله في الأشهر التي تلت الحرب واستقوائه على اللبنانيين وقد أدار سلاحه صوبهم بعدما أُغْلِقَت عليه ساحة المقاولة مع إسرائيل وانكشفت الأهداف الحقيقية من سلاحه المكدَّس.. من هنا انتظرنا حتى حلول الذكرى الأولى لهذه الحرب فنُشِرَ هذا المقال بدون توقيع إسمي عليه، وإنما ولإبعاد الشبهات عني صير إلى ديباجةٍ زَعَمْنا فيها أنَّ كاتب هذا المقال هو مقاتل سابق في حزب الله.
ومن سخريات الزمن هَرَبُ حزب الله من هزيمته النكراء إلى تصويرها انتصاراً إلهياً، في حين استمات أمين عام هذا الحزب حسن نصر الله في الأسبوعين الأخيرين من الحرب على طلب إيقاف إطلاق النار راجياً من رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك فؤاد السنيورة العملَ على ذلك لدى مجلس الأمن الدولي، وعلى حد التعبير الحرفي لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع فإنَّ حسن نصر الله "كاد يبوس تنورة السنيورة وهو يرجوه لإيقاف الحرب".. ثم بات بعد الحرب يُخَوِّن السنيورة ويتَّهمه بالعمالة لإسرائيل!
والحقيقة تُقال أن ليس فؤاد السنيورة مَنْ أنقذ حزب الله من الهزيمة المطبقة وتدخَّل وأوقف الحرب بمساعيه الدبلوماسية، وإنما أميركا نفسها هي التي أوقفت الحرب بعدما تحقَّق الغرض الأوحد منها ألا وهو إغلاق ساحة مقاولة حزب الله مع إسرائيل وإلى الأبد، إذ لم يكن الغرض منها أن تقضي أميركا على حزب الله بتاتاً..
فالآن، وبعد مرور 12 عاماً على حرب تموز/ يوليو، باتت الصورة أكثر وضوحاً وعلى لسان حسن نصر الله نفسه وفق اعترافاته: فأميركا ومنذ العام 2001 على الأقل تطلب من حزب الله إغلاق ساحة المقاولة مع إسرائيل مقابل استلام السلطة في لبنان وخدمة المصالح الأميركية في المنطقة.. ويغيب عن بال الكثيرين أنَّ القرار الدولي 1559 والصادر عام 2004 والمطالِب بخروج النظام السوري من لبنان إنما كان القصد منه إخراج النظام السوري لإدخال إيران إلى لبنان، وهذا ما حدث.. وقد جاء هذا القرار بعد قيام أميركا بالتدخل المباشر لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 وإدخال إيران إلى العراق، وها هي عام 2004 تطلب من بشار الأسد الخروج من لبنان لإدخال إيران إليه.. وكثيراً ما تدعونا أحداث الثورة السورية لاحقاً إلى التساؤل: فإذا كانت أميركا إلى هذا الحد متمسكة ببقاء النظام العلوي في سورية واستعانت بإيران وتابعه حزب الله وبروسيا للقضاء على الثورة والحفاظ على النظام العلوي، إذاً لماذا أخرجته من لبنان، وبماذا كان يضايقها وجوده في لبنان؟!
الجواب بات واضحاً، ذلك أنَّ بنود الإتفاق الأميركي مع إيران وتابعه حزب الله موجودة في نتائج حرب تموز/ يوليو عام 2006 المستمرة إلى الآن، أي:
1- تولي حزب الله الحفاظ على أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، وهو الأمر الحاصل منذ انتهاء حرب تموز وإلى الآن دون طلقة رصاص واحدة.
2- إلسيطرة المطلقة لحزب الله على جميع مفاصل السلطة في لبنان مع بقاء سلاحه كاملاً باستثناء ما يهدِّد أمن إسرائيل، وهو ما تتولى إسرائيل نفسها القضاء عليه عبر قصف هذا النوع من السلاح الموجود في مخازن الأسلحة التابعة لحزب الله في سورية.
3- قيام حزب الله بحماية المصالح الأميركية في الوطن العربي بما عجزت عنه إسرائيل طوال 70 عاماً، أي تفتيت النسيج الإجتماعي العربي المسلم الذي هو الرافض الحقيقي لوجود الكيان الصهيوني، وذلك بنشر الفتنة المذهبية بين الشيعة والمسلمين ووأد ثورات الربيع العربي وتشويه صورة العرب المسلمين، وأبرز مثال صارخ على ذلك تدخل حزب الله في سورية ضد الشعب السوري العربي المسلم الثائر ضد حكم الطائفة العلوية المجرمة الحامية لحدود إسرائيل الشمالية هي الأخرى منذ 45 عاماً على الأقل.. ناهيك عن تشويه صورة العرب المسلمين عبر الإحتضان الإيراني للجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش وتمويلها وتدريبها وتوجيهها بما يخدم المصالح الإيرانية والأميركية على حدٍّ سواء، وكان آخرها استغلالها لتشويه ثورة الشعب السوري العربي المسلم وإجهاضها.
وقبل أن أختم أود أن أذكر هذه المعلومة لأول مرة، حيث لم أشأ أن أذكرها في مقالي قبل 12 عاماً لأسبابٍ تتفهَّمونها، إذ أخبرني أحد القادة العسكريين في حزب الله فور انتهاء حرب تموز أنه كان يقصف صواريخ الكاتيوشا من على راجمة بالقرب من مغارة كانت مقراً له ولمجموعة من العناصر التي يقودها.. ولكن، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من الحرب، ونظراً للقصف المدفعي الإسرائيلي المتواصل دون انقطاع خلال هذه الأيام الثلاثة، إختبأ مع بقية العناصر داخل المغارة ولم يجرؤ لا هو ولا أيٌّ من العناصر التي معه على أن يتَّجهوا إلى باب المغارة حيث كان يوجد "جالون" لماء الشرب، فظلُّوا ثلاثة أيام متواصلة عطشى، وقد أصابهم الإنهاك والإعياء.. فهل عرفتم لماذا كاد حسن نصر  الله أن يَـبُوس "تنورة" فؤاد السنيورة لإيقاف الحرب؟! فقط إقرأوا المقال في الأسفل لتعرفوا المزيد من التفاصيل والأسرار.
حسين احمد صبرا
(12/ 7/ 2018)

 
حسين احمد صبرا في منزل أهله المدمَّر (آب/ أغسطس 2006)
 (والآن إلى المقال:)
  
حسين احمد صبرا
ليس غريباً أن تجد بين سكان الجنوب اللبناني مَنْ يرى أنَّ "الإنتصار" الذي حقَّقه حزب الله على إسرائيل خلال عدوانها الأخير على لبنان في 12 تموز/ يوليو 2006 كان فعلاً إنتصاراً "إلهياً"، لأنَّ العدوان في ما لو استمر لبضعة أيامٍ أخرى لكان حزب الله في وضعٍ آخر.. ومن ثَمَّ فإنَّ إيقاف الحرب في 14 آب/ أغسطس كان مجرد ضربة حظ لصالح الحزب.
هذا الأمر يؤكده لي كثيرون من مقاتلي الحزب وقادته العسكريين ممَّن شاركوا في المعارك ضد القوات الإسرائيلية أثناء العدوان الأخير، إِنْ في الخطوط الأمامية في قتالٍ مباشر أو في الخطوط الخلفية ومن خلال إطلاق الصورايخ أو تقديم الدعم اللوجستي، فيُقِرُّون بأنَّ العدوان الإسرائيلي في ما لو استمرَّ أسبوعاً إضافياً كحدٍّ أقصى لخَرَجَ حزب الله مهزوماً للأسباب التالية:
1- الإنهاك والإعياء الشديدان وانعدام فرص الإسترخاء أو النوم أو الإستحمام وتبديل الملابس، إضافةً إلى الجوع والعطش (جرَّاء نقص الماء والغذاء)، والتي أصابت المقاتلين في الأيام الأخيرة للعدوان، ليس في المواقع الأمامية فحسب، بل وفي المواقع الخلفية أيضاً.
2- التعذُّر شبه التام لعملية التواصل اللاسلكي بين المقاتلين وقياداتهم وكذلك بين موقعٍ وآخر، وذلك في الأيام الأخيرة للعدوان. وواجه مسؤولو الحزب في أرض المعركة صعوبةً بالغة في تلقِّي الأوامر أو توجيهها إِنْ من ناحية إعطاء الأوامر بإطلاق صواريخ الكاتيوشا وتوفير الإحداثيات لها أو من ناحية تحريك مجموعات المقاتلين على الخطوط الأمامية أو الخلفية، أو من ناحية تلقِّي المعلومات أو إبلاغها أو طَـلَب الإعانة أو توفيرها، وغيرها من الأمور العسكرية.
3- الشلل التام في عملية تحرُّك مجموعات المقاتلين من مكانٍ إلى آخر في الخطوط الأمامية كما في الخطوط الخلفية ولو كان الأمر ضمن القرية الواحدة، بل وضمن الشارع نفسه، نظراً إلى انكشاف معظم هذه التحركات – مهما كانت بسيطة – أمام الطيران الإسرائيلي، وسرعة اصطيادها في الليل كما في النهار، بالإضافة إلى انهمار قذائف القصف المدفعي كالمطر المتواصل دون أي انقطاع ولا سيما في الأيام الثلاثة الأخيرة من العدوان، حتى لم يعد بإمكان مقاتلي الحزب في الجبهة الأمامية أو الخلفية أن يُطِلُّوا من نوافذ المنازل أو من الخنادق أو من المغاور حيث هم مختبئون.
4- نفاد الذخيرة في الأيام الأخيرة للعدوان في كثيرٍ من المواقع الأمامية أو الخلفية وندرتها في مواقع أخرى، وعدم القدرة على إمداد هذه المواقع بالصواريخ أو القذائف أو الرصاص (ناهيك عن المواد الغذائية). ولعلنا نلاحظ من وقائع أحداث العدوان الإسرائيلي يومياً كيف أنَّ مقاتلي حزب الله باتوا في الأيام الأخيرة من العدوان يتصيَّدون جنود العدو الإسرائيلي الفرادى على الجبهة الأمامية بقذائف الـ"آر. بي. جي" (المحمولة على الكتف) لا بالرصاص، وهو أمرٌ لا تفسير له من الناحية العسكرية سوى نفاد الرصاص من جعبة المقاتلين، ذلك أنَّ الأجدى والأكثر فاعلية عسكرياً في عملية التصدي لفردٍ واحدٍ  من جنود العدو أن يتم ذلك باستخدام الرصاص لا بالقذائف المحمولة على الكتف.
5- فرار بعض عناصر ومسؤولي حزب الله من أرض المعركة في جبهة الخطوط الأمامية والخلفية، ما أثار غضباً عارماً في صفوف المقاتلين الذين ثَبَتوا في مواقعهم حتى اليوم الأخير من العدوان وأفصحوا عنه عقب انتهاء الحرب.
6- إعتراف الكثير من عناصر حزب الله ممًّن شاركوا في القتال طوال العدوان والذين إلتقيتُهم بعد الحرب بأنَّ الحربَ لو طالت لأسبوعٍ أو عشرة أيامٍ إضافية لما كان أمامهم مفر من الإستسلام.

وماذا عن استراتيجية الدفاع!

مع كل ما تقدَّم يبرز السؤال التالي:
هل نجحت الإستراتيجية التي وضعها حزب الله بمفرده للدفاع عن الجنوب اللبناني ضد أي عدوان إسرائيلي مرتقب؟
الإجابة عن هذا السؤال تأتي من خلال الحديث عن أبرز تفاصيل هذه "الإستراتيجية"، التي فوجىء بها أهل الجنوب أثناء العدوان وبعده ودفعوا ثمناً باهظاً مع باقي أفراد الشعب اللبناني ولَـمَّا يَشْفوا من آثارها بعد.. فما هي خطوط هذه الإستراتيجية التي طبَّقها حزب الله خلال عدوان تموز/ يوليو للدفاع عن أرض الجنوب وسكانه وعمرانه وأرزاقه؟
نصادف ما يلي:

1- قبل قيامه بخطف الجنديين الإسرائيليين بوقتٍ قليل طلب حزب الله من قادته في الجنوب إخلاء بيوتهم مع عائلاتهم والإختباء في أماكن آمنة. وفي اليوم التالي على اندلاع الحرب طلب الحزب من جميع عناصره وحينما تسمح لهم الفرصةُ إخراجَ عائلاتهم من الجنوب حفاظاً على أرواحهم، كما سمح لمن يرغب من عناصره غير العسكرية مغادرة الجنوب، في حين ظلَّ السكان الجنوبيون ممن لا ينتمون إلى الحزب (وهم الأغلبية) خارجَ هذه التعاميم متروكين ومن اليوم الأول ليواجهوا مصيرهم المشؤوم الذي واجهوه إِنْ في قراهم أو أثناء فرارهم المتأخر نحو العاصمة.
2- أنَّ حزب الله في استراتيجيته الدفاعية تلك لم يكن في ما يتعلق بعملية إطلاق صواريخ الكاتيوشا يعتمد اعتماداً أساسياً على قواعده العسكرية الموجودة في أَحراج كل قرية من القرى الجنوبية، وهي الأحراج التي أصبحت عبارة عن جُزُرٍ أمنية مغلقة، ممنوعٌ على أي مواطنٍ الإقتراب منها منذ سنواتٍ عديدة وحتى هذه اللحظة.. وإنما اعتمد حزب الله اعتماداً رئيساً على إطلاق صواريخ الكاتيوشا بشكلٍ منظَّم من داخل الأحياء السكنية في كل قرية من القرى الواقعة جنوب خط الليطاني من اليوم الأول وحتى اليوم الأخير منه.
3- أنَّ مجموعات حزب الله المقاتلة، ووفقاً للإستراتيجية الدفاعية هنا، جعلت من المواطنين ومن بيوت المواطنين (دون استئذانهم) ساحة حرب وفقاً لما كانت تختاره مناسباً لتحركاتها، فمنها ما حوَّلته إلى غرفة عمليات لها، ومنها ما جعلته ملجأً للإختباء فيه، ومنها ما جعلته دُشَماً استعداداً لمواجهة أي تقدُّم عسكري إسرائيلي محتمل، فقامت بحفر الخنادق أسفلها.. مع الإشارة  إلى أنَّ أصحاب هذه البيوت هم إما من سكان العاصمة أو من سكان القرى. ومَنْ صادف وجوده في بيته طلبت منه عناصر الحزب المغادرة فوراً بحجة احتمال تعرُّض المحيط المجاور للقصف الإسرائيلي.. وما أن عاد المواطنون إلى منازلهم مع انتهاء العدوان حتى فوجىء البعض منهم بوجود مقاتلين من حزب الله ما زالوا متواجدين داخل بيوتهم، ومنهم مَنْ فوجىء بأنَّ مقاتلي الحزب سبق لهم أن تواجدوا داخل منازلهم من خلال ما خلَّفوه من آثار، وفوجىء بعضٌ ثالث بالخنادق التي حُفرت أسفلَ غُرَف منازلهم..

نتائج هذه الإستراتيجية

أما عن النتائج التي ترتَّبت عن هذه الإستراتيجية الدفاعية لحزب الله فقد أتت على هذا النحو:
   ·   إطلاق صواريخ كاتيوشا من قبل حزب الله من داخل الأحياء السكنية في جميع القرى الواقعة جنوب نهر الليطاني دون استثناء وبدءاً من اليوم الأول للعدوان، محتمياً بذلك بالبيوت وبالسكان أيضاً. وكانت راجمات الصواريخ سرعان ما تنتقل من بيتٍ إلى آخر ومن حيٍّ إلى آخر بعد إطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، وبالتحديد من داخل الأحياء القديمة للقرى حيث تتميَّز هذه الأحياء بالبيوت المتجاورة والمتلاصقة وبأنها تتألف في الأغلب من طابق أرضي أو طابقين، مما لا يُعيق مسار الصواريخ عند انطلاقها.
·   قيام المجموعات القتالية الصغيرة لحزب الله في كل قرية بالإختباء في بيوت أهالي القرية (والتي كانت إما خالية أو طلب عناصر الحزب من أصحابها المغادرة كما سبق وذَكَرْت)، وانتقال هذه المجموعات الصغيرة من بيتٍ إلى آخر حسبما كانت تقتضي دواعيهم القتالية والأمنية.
هنا عدد من المنازل السكنية المدمَّرة والتي 
كانت راجمات صواريخ حزب الله تقصف بالقرب منها
فقصفها الطيران الإسرائيلي ما أدى إلى مقتل كل
مّنْ كان يختبىء فيها من السكان اللبنانيين الأبرياء

   ·   ومع حال الإرباك الشديد التي وقع فيها مقاتلو حزب الله مع تصاعد العدوان الإسرائيلي، فإنَّ إطلاق صواريخ الكاتيوشا كان يتم من أمام البيوت التي يختبىء فيها أصحابها مع أقاربهم وجيرانهم في ظل اعتقاد عناصر الحزب بأنَّ هذه البيوت خالية من السكان. لا بل وصل حال الإرباك وانعدام التواصل بين المقاتلين أنفسهم إلى حد إطلاق الصواريخ من أمام البيوت التي تختبىء بها مجموعات الحزب المقاتلة نفسها!

فماذا حدث في المقابل؟

   ·   لقد تمكن العدو الإسرائيلي عن طريق طائرات الإستطلاع وأقمار التجسس الصناعية من كشف معظم منصات الصواريخ الثابتة والمتحركة التابعة لحزب الله والقيام بضربها بسرعة قياسية، إلى حد أنَّ التعليمات التي  بات يوجِّهها قادة الحزب العسكريين إلى المقاتلين العاملين على هذه المنصَّات في الأسبوعين الأخيرين من الحرب كانت تطلب منهم مغادرة المكان الذي اختير لوضع منصة الصواريخ فيه على الفور مع إطلاق أول صاروخ منها، وتَرْك المنصة والذخيرة في أرضها وعدم الإقتراب من المكان نفسه مرةً أخرى.. وهذا ما كان يفسِّر معنى الكثير من اللقطات التي كان يَبُثُّها تلفزيون العدو الصهيوني لقَصْفِ طيرانه الحربي منصَّاتٍ ظَهَرَ فيها انفجار صواريخ الكاتيوشا التي كانت ما تزال في داخلها.
·   وفي الإطار ذاته تمكَّن العدو الإسرائيلي عن طريق طائرات الإستطلاع من كشف معظم مجموعات الحزب الصغيرة المقاتلة والمختبئة داخل البيوت السكنية، والقيام بضربها على الفور بواسطة طائرات الإستطلاع نفسها والتي تحمل صواريخ، أو ضربها بعد عدة دقائق بواسطة الطيران الحربي.. وكانت الدقة من العدو في اكتشاف هذه المواقع ليلاً كما نهاراً متناهيةً إلى حد أنَّ التعليمات التي أُعْطِيَتْ إلى مقاتلي الحزب من قِبَل قادتهم كانت الإمتناع من أن يَطِلُّوا من نوافذ البيوت المختبئين فيها لا في النهار فحسب بل وفي الليل أيضاً.

وماذا كانت النتيجة؟

وبعد كل ما تقدَّم، فإنَّ النتيجة التي يعلمها أهل الجنوب وما تزال غصَّةً في قلوب الكثيرين منهم، هي:
آثار قصف الطيران الإسرائيلي في حديقة
تحيط بها منازل سكنية بعدما كانت إحدى
راجمات الصواريخ التابعة لحزب الله تقصف
من هذا المكان
أولاً، أنَّ معظم الضحايا المدينيين الذين سقطوا وهم في مساكنهم في القرى الجنوبية جراء القصف الإسرائيلي الجوي كان قد تمَّ قبيل هذا القصف إطلاقُ صواريخ كاتيوشا من أمام بيوتهم أو بالقرب من الأماكن التي لجأوا إليها للإختباء فيها؛ أو أنَّ مجموعاتٍ من مقاتلي حزب الله كانت تختبىء تحت مساكنهم (وبعض الضحايا كانت تقع بمحاذاتهم منازلُ أو مؤسساتٌ تابعة للحزب).
ثانياً، أنَّ معظم البيوت والورش والمؤسسات التجارية (صغيرةً كانت أم كبيرة) في القرى الجنوبية والتي تضرَّرت جزئياً أو كلياً جراء القصف الجوي الإسرائيلي، كان قد تمَّ قبيل قصفها إطلاقُ صواريخ الكاتيوشا من أمامها أو أنَّ مقاتلي حزب الله يلجأون إليها للإختباء فيها أو الإستفادة من محتوياتها (وبعضها كان يقع بمحاذاة منازلَ أو مؤسساتٍ تابعة للحزب).
والآن، وبعدما تبيَّن من خلال عدوان تموز/ يوليو أنَّ استراتيجية الدفاع عن الجنوب، والتي وضعها حزب الله، تقوم على حساب أرواح الناس وبيوتهم وأرزاقهم وتُنَفَّذُ في غفلةٍ عنهم (وهم أصحاب الأرض)، فإنَّ قيادة الحزب مصممة على تكرار السيناريو الذي جلب الخراب والدمار للقرى الجنوبية، وتقوم بتخزين صواريخ الكاتيوشا وراجمات الصواريخ في أماكن سرية داخل الأحياء السكنية في جميع القرى الجنوبية الواقعة جنوب الليطاني استعداداً لإنتصارٍ "إلهيٍّ" آخر.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2007 – رقم العدد 1297).






 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق