2017/04/28

إغتيالات الحشَّاشين (23)/ إغتيال حاكم صور الصليبي المركيز كونراد دو مونتفِرّات.



نجح اثنان من الحشَّاشين في الإندساس في صفوف الصليبيين ومن ثُمَّ اغتيال حاكم صور الصليبي المركيز كونراد دو مونتفِرّات في ثالث عشر ربيع الآخر سنة 588ه/ 28 نيسان- أبريل 1192م، وهو الإغتيال الذي هزَّ الممالك الصليبية نظراً لأهمية ومكانة هذا المركيز، الذي تقرَّر أن يُتَوَّج ملكاً على مملكة بيت المقدس قبل اغتياله ببضعة أيام.. لقد تظاهر هذان الحشّاشان بأنهما يريدان التحوُّلَ عن الإسلام إلى المسيحية...




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثاني – الجزء الأول

إغتيالات الحشَّاشين (23)

إغتيال حاكم صور الصليبي المركيز كونراد دو مونتفِرّات


حسين احمد صبرا
ونجح اثنان من الحشَّاشين في الإندساس في صفوف الصليبيين ومن ثُمَّ اغتيال حاكم صور الصليبي المركيز كونراد دو مونتفِرّات في ثالث عشر ربيع الآخر سنة 588ه/ 28 نيسان- أبريل 1192م، وهو الإغتيال الذي هزَّ الممالك الصليبية نظراً لأهمية ومكانة هذا المركيز، الذي تقرَّر أن يُتَوَّج ملكاً على مملكة بيت المقدس قبل اغتياله ببضعة أيام.. لقد تظاهر هذان الحشّاشان بأنهما يريدان التحوُّلَ عن الإسلام إلى المسيحية، الأمر الذي تمَّ لهما وباتا منذ ذلك الحين بمثابة خليّة نائمة تنتظر الأوامر لتنفيذ ما يُطلب منها، وقد "ذُكِرَ عنهما أنهما تَنَصَّرا منذ ستة أشهر، ودخلا في تَرَهُّبٍ وتَطَهُّر(...) وخَدَمَ أحدُهما ابنَ بارزان(1)، و(خَدَمَ) الآخرُ صاحبَ صيداء (بالين، حاكم صيدا الصليبي)، لقربهما (أي لقُرْبِ ابن بارزان وبالين) من المركيس (المركيز كونراد دو مونتفرّات)، واستحكما (أي أصبحا الحشّاشان مقرَّبَين جداً من هؤلاء القادة الصليبيين) بملازمتهما أسبابَ التأنيس (أي بأن جَعَلاهم يَأْنَسُونَ بهما ويَأْلَفُونَهما)"(2).. وعلى هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا النحـــــو بـــــات
____________________________________
(1) إسمه بالكامل باليابدين بارزان، وهو أحد ملوك السواحل الصليبيين، وقد ذكر ابنُ الأثير في "الكامل"، ج10، ص213، بأنه "صاحب رملة"، أي حاكم مدينة الرملة في فلسطين والتي تمَّ فيها الصلح بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين وعُرف ب"صلح الرملة" في الثاني والعشرين من شعبان سنة 588ه/ الثاني من أيلول سبتمبر 1192م، أي بعد أربعة أشهر من اغتيال حاكم صور كونراد مونتفِرّات، الذي حصل "يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر"، كما ذكر الأصفهاني في "الفتح القسّي".
(2) عماد الدين الأصفهاني/ الفتح القِسِّي في الفتح القُدْسي/ ص307 (وقد أصدرت دار المنار هذا الكتاب عام 2004 تحت عنوان "حروب صلاح الدين وفتح بيت المَقْدِس"، وهي النسخة التي نعتمدها في هذا البحث.).
_____________________________________
الحشَّاشان مقرَّبين جداً من حاكم صور الصليبي ويرافقانه أينما ذهب، إلى أن قصد صديقَه دي بواف -أُسْقُفَ صور-، فلمّا خرج من عنده وثب عليه الحشّاشان وطعناه بالسكاكين، وقد أُلقي القبض على أحدهما، فيما تمكَّن الآخرُ من الهرب والإختباء داخل الكنيسة، "وقال المركيسُ وهو مجروحٌ وفيه بقيَّةُ روح: احملوني إلى الكنيسة. فحملوه (...) فلمّا أبصَرَهُ أحدُ الجارِحَيْن (أي الحشّاش الذي هرب إلى الكنيسة) وَثَبَ إليه للحين وزادَهُ جُرحاً على جُرح (...) فأخذ الفرنجُ (الصليبيون) الرقيقَيْن (الحشّاشَين) فأَلْقُوهما (بمعنى استجوبوهما فاعترفا بأنهما) من الفدائية الإسماعيلية"(3). وقد قام الصليبيون بقتل الحشّاشَين بعد قتلهما حاكم صور(4).
____________________________________
(3) عماد الدين الأصفهاني/ الفتح القِسِّي في الفتح القُدْسي / ص307.
(4) رغم أنَّ ابن الأثير في كتابه "الكامل" قد نقل عن الأصفهاني روايته عن اغتيال حاكم صور الصليبي، إلا أنَّ ابن الأثير كان أكثر وضوحاً حينما ذكر أنَّ كلاً من حاكم صيدا وحاكم الرملة كانا متواجدَين في مدينة صور حينما تقرَّب منهما الحشّاشان، إذ قال إنَّ صاحب صيدا وصاحب الرملة "كانا مع المركيس بصور، فأقاما (أي الحشّاشَين) معهما (أي مع حاكم صيدا وحاكم الرملة) ستة أشهر يُظهران العبادة، فانسرَّ بهما المركيس ووثق إليهما" (الكامل في التاريخ/ ج10/ 213).. مع الإشارة إلى أنَّ الأصفهاني هو المصدر الرئيس لحادثة اغتيال حاكم صور، وجميع مؤرِّخي تلك الفترة ممَّن أشاروا إلى هذه الحادثة إنما قد نقلوها عنه، ذلك أنَّ الأصفهاني كان في تلك الفترة وتلك السنة بالتحديد من المقرَّبين جداً من صلاح الدين الأيوبي وحضر مفاوضاته مع الصليبيين وهو الذي صاغ صلح الرملة وكتبه بخط يده، حتى أنه أورد في "الفتح القسي" (ص307) أنه سأل أحدَ المفاوضين الصليبيين أن كيف زُفَّت أرملة المركيز كونراد دو مونتفِرّات عقب اغتياله إلى رجلٍ آخر وهي ما تزال حاملاً، وهذا ما يرجِّح أنَّ الأصفهاني استمع من الصليبيين أنفسهم إلى حادثة  اغتيال حاكم صور وبكافة تفاصيلها، مع إشارتنا هنا إلى أنَّ الإستعجال بزواج الأرملة إيزابيلا في 5 أيار/ مايو 1192، أي بعد أسبوعٍ واحد من اغتيال بعلها المركيز، كان لأسباب سياسية بحتة، ذلك أنَّ أيّاً مَنْ يتزوَّج بها سيصبح هو ملك بيت المقدس، نظراً لكونها إبنة ملك بيت المقدس الراحل عموري، الذي لم يُنْجب ذكوراً ليرثوا مُلْكَهُ، بل أنجب ابنتين اثنتين فحسب.  
____________________________________
ونقرأ في كتاب "ذيل تاريخ وليم الصُوْري"(5) بعض التفاصيل التي لم يذكرها المؤرِّخون العرب والمسلمون، وإن كان الأخيرون، وخاصةً العماد الأصفهاني، قد ذكروا تفاصيل دقيقة لم يذكرها الذين وضعوا الذيول على تاريخ وليم الصُوْري.. إذ يرد في هذا الكتاب أنَّ  مقدَّمَ الحشيشية (أي الحشَّاشين) شيخ الجبل سنان راشد الدين أصدر أوامرَه "إلى اثنين من رجاله للذهاب إلى مدينة صور واغتيال الماركيز (كونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراد دو مونتفِرّات)،
_____________________________________
(5) ذيل تاريخ وليم الصُوْري (1184 – 1197)/ تحقيق مرغريت روث مورغان، وقد قام بتعريبه د. سهيل زكّار ونشره في الجزء الثامن من "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1993.. ويصعب القول مَنْ هو مؤلِّف كتاب "ذيل تاريخ وليم الصُوْري"  على وجه التحديد لأنَّ العديد من المؤرِّخين الصليبيين اجتهدوا في تأليف ذيول على كتاب وليم الصُوري الذي يحمل عنوان "الأعمال التي تمَّ إنجازها فيما وراء البحر"، وذلك عقب وفاته عام 580ه/ 1184م.
____________________________________
فنفَّذا الأمرَ وارتحلا، وعندما وصلا إلى مدينة صور دخلاها وهما متظاهرَين بأنهما من المسيحيين، فقد لَبِسَا لباسَهم، وقصد أحدُهما الماركيزَ، وأما الآخر فقد قصد إلى بالين (حاكم صيدا) الذي كان متزوجاً من الملكة ماري، التي كانت مقيمةً في مدينة صور. وحدث في أحد الأيام أن كانت إيزابيل، زوجة الماركيز بالحمّام (أي تستحِمُّ في الحمّام العمومي الخاص بالنساء خارج المنزل)، ولم يرغب الماركيز بتناول طعامه حتى تعود، غير أنها مكثت مدّةً طويلة بالحمّام. وبما أنه كان راغباً بالأكل فقد امتطى ظهرَ حصانه وقام برفقة بعض الفرسان بالذهاب إلى بيت دي بواف – رئيس أساقفة صور – مستهدفاً تناول الطعام منه. لكنه عندما وصل إليه وجده قد تناول طعامه، ومع هذا قال للأُسْقُف: مولايَ الأُسْقُف لقد جئتُ لأتناول الطعام معكم، ولكن بما أنكم قد تناولتم طعامكم فسأعود من حيث أتيت. وابتهج الأُسْقُفُ بقدومه وترجّاه بالبقاء حتى يقدِّم ما يأكله، لكنه لم يقبل. ثم ما لبث الماركيز أن أخذ الطريق عائداً إلى بيته. وفيما هو خارجٌ من بوابةِ بيتِ رئيس أساقفة صور، وإذا به برجلين (أي الحشّاشين الإثنين) قد وقف كلٌ منهما على أحد الجانبين، ثم تقدَّما منه، وقام أحدهما بمناولته رسالةً، ومَدَّ الماركيزُ يدَه لتناول الرسالة، فما كان من الآخر إلا أن استلَّ مديةً ووثب عليه فطعنه بها عدة طعنات فأرداه قتيلاً، وجرى اعتقال القاتلَين، ثم حُمِلَ جثمانُ الماركيز حيث جرى دفنُهُ في مقر الإسْبِتَارِيّة"(6).
_____________________________________
 (6) ذيل تاريخ وليم الصُوْري/ ص423.    
_____________________________________
الفصل التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق