2017/03/22

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ إغتيالات الحشَّاشين (الجزء الثاني): إغتيالات متفرقة.



وإلى جانب هذه الإغتيالات المدوية، قام الحشَّاشون أيضاً باغتيالات كثيرة خلال هذه الأعوام المائة وما بعدها، طالت العديد من الشخصيات السياسية والإجتماعية، بالإضافة إلى اغتيال العديد من الشخصيات الدينية، التي تصدَّت للفكر الباطني وأظهرت زيفه، ناهيك عن اغتيالات جاءت تتويجاً لمؤامراتٍ حبكها الحشّاشون للحصول على القلاع والحصون من أصحابها. كما فتك الحشّاشون بآلافٍ مؤَلَّفة من الأبرياء من عامة الناس ممَّن لا ذنبَ لهم ولا ناقةَ ولا جملَ لا في السياسة ولا في النفوذ ولا في المال، وخاصةً في بلاد فارس وخراسان وبلاد الشام...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثاني – الجزء الثاني

إغتيالات الحشَّاشين


إغتيالات متفرِّقة


حسين احمد صبرا
تلك كانت أبرز الإغتيالات التي قام بها الحشَّاشون على مدى مائة عامٍ ميلادية، وتحديداً من عام 485ه/ 1092م وحتى عام 588ه/ 1192م، وتناولها المؤرِّخون المعاصرون لتلك الفترة بالتفصيل.. لكن، وإلى جانب هذه الإغتيالات المدوية، قام الحشَّاشون أيضاً باغتيالات كثيرة خلال هذه الأعوام المائة وما بعدها، طالت العديد من الشخصيات السياسية والإجتماعية، بالإضافة إلى اغتيال العديد من الشخصيات الدينية، التي تصدَّت للفكر الباطني وأظهرت زيفه، ناهيك عن اغتيالات جاءت تتويجاً لمؤامراتٍ حبكها الحشّاشون للحصول على القلاع والحصون من أصحابها. كما فتك الحشّاشون بآلافٍ مؤَلَّفة من الأبرياء من عامة الناس ممَّن لا ذنبَ لهم ولا ناقةَ ولا جملَ لا في السياسة ولا في النفوذ ولا في المال، وخاصةً في بلاد فارس وخراسان وبلاد الشام، أي في البلاد والمناطق التي كان للحشّاشين نفوذٌ فيها. وسنحاول بشكلٍ سريع إيراد هذه الإغتيالات، تلك التي طالت شخصياتٍ معروفة، وبالترتيب الزمني أيضاً، على أن نترك عمليات الفتك بعامة الناس إلى فصلٍ مستقل(1) نظراً لما فيها من عجائبٍ وغرائب في عالم الإجرام تَقْشَعِرُّ لها الأبدان:
_____________________________________
(1) راجع فصل "اغتيالات وجرائم طالت عامَّة الناس".
_____________________________________
إنَّ أول اغتيالٍ قام به الحشّاشون في تاريخهم هو قتلُهُم مؤذِّناً من أهل مدينة ساوة قرب الري في بلاد فارس في أيام السلطان السلجوقي جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان، أي ما بين عامي 465ه- 485ه/ 1072م- 1092م، ذلك أنَّ "أول ما عُرف من أحوال الباطنية في أيام جلال الدولة (ملكشاه)، أنهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة (قرب الري)، ففطن بهم الشحنة (المسؤول العسكري والأمني)، فأخذهم وحبسهم، ثم أطلقهم، ثم اغتالوا مؤذناً من أهل ساوة"(2).. ونرجِّح أن يكون هذا المؤذِّن هو الذي أبلغ السلطات الحاكمة عنهم فانتقموا منه، وخاصةً أنه يؤَذِّن في الجامع الذي صلوا فيه، ولعلهم حاولوا استمالته إلى مذهبهم فرفض وكَشف أمرهم..
_____________________________________
(2) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص63.
_____________________________________
وبعد وفاة ملكشاه شنَّ الحشّاشون سلسة اغتيالات في بلاد فارس وخراسان بدءاً من عام 490ه/ 1096م، بحيث قاموا في ذلك العام وحده بثلاثة اغتيالات، إذ أقدم حشّاشيٌّ على اغتيال عبدَ الرحمان السُمَيْرَمي(3)، وزيرَ أرملة السلطان ملكشاه، أُمِّ السلطان بركياروق بن ملكشاه، وقد أُلقي القبض على الحشّاشيّ وقُتل.. ثم قَتَلَ حشّاشيٌّ أرغشَ النظاميّ، مملوكَ الوزير نظام المُلْك بالريّ في بلاد فارس، وكان متزوِّجاً إبنةَ عم السلطان بركياروق، وقد قُتل قاتلُهُ(4).. وبعدها قَتَلَ حشّاشيٌّ الأميرَ برسق، الذي كان من أكابر الأمراء ومن أصحاب السلطان السلجوقي طُغْرُلْبَك(5)، وكان برسقُ أوَّلَ شُحْنَة (أي المسؤول عن العسكر والأمن) في بغداد والمعيَّن من قبل السلاجقة الأتراك(6).
_____________________________________
(3) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص12.. وعبد الرحمان السُمَيْرمي هذا هو غير الوزيرِ أبي طالب السُمَيْرمي الذي أشرنا إلى اغتياله سابقاً.
(4) المصدر السابق/ ج9، ص12.
(5) طغرلبك هو مؤسس الدولة السلجوقية في بلاد فارس وخراسان، وقد توفي سنة 455ه/ 1063م.
(6) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص12.
_____________________________________
وفي سنة 493ه/ 1099م قَتَلَ حشّاشيٌّ شحنةَ أصفهان الأمير بلكابم سرمز في دار السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه بأن ضربه بسكِّينٍ في خاصرته، وقَتَلَ معه اثنين من مرافقيه(7).. وفي العام نفسه قَتَلَ حشّاشيٌّ أحدَ أمراء الريّ، وقد تمَّ إلقاء القبض عليه وأُخذ إلى الوزير فخر المُلك، إبن الوزير نظام المُلك، وقد كشف الحشاشيُّ بملىء إرادته متحدِّياً ومتباهياً بأنه أُرسل مع مجموعة أفراد لاغتيال ستة أشخاص، وقد دار بينهما هذا الحوار، إذ قال له الوزير فخرُ المُلك: "ويحك، أما تستحي؟ هَتَكْتَ حُرْمَتي وأَذْهَبْتَ حشمتي وقَتَلْتَهُ في داري! فقال الباطنيُّ (أي الحشّاشيّ): العَجَبُ منكَ أنك تَذْكُرُ أنَّ لكَ حُرمةً مهتوكة أو داراً مملوكة أو حشمةً تمنعُ من الدماء المسفوكة، أَوَ ما تَعْلَم أننا قد أُنْفِدْنا إلى ستة نَفَرٍ
_____________________________________
(7) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص54- 55.. بينما يقول ابن الأثير أنَّ واحداً فقط من مرافقي بلكابم سرمز قُتل بينما نجا الآخر/ الكامل/ ج9، ص30.
_____________________________________
(أي أُرسلنا لقتل ستة أشخاص) أحدُهُم أخوك وفلان وفلان!! فقال له (فخر المُلك): وأنا في جملتهم؟ فقال (الحشّاشي): أنتَ أقلُّ من أن تُذْكَرَ أو تُدَنَّسَ نفوسُنا بقتلك. فعُذِّبَ على أن يُقِرَّ مَنْ أَمَرَهُ بذلك، فلم يُقِرَّ فقَتَلَهُ"(8).
وشهد عام 495ه/ 1101م قيامَ الحشّاشين بتنفيذ أول عملية اغتيال يقومون بها في بلاد الشام على الإطلاق، حيث اغتالوا في حلب القاضيَ فضلَ الله الزَوْزَني العجمي الحنفي، "وكان (أي الزَوْزَني) أَزْرَى (أي عابَ) على الباطنية (الحشّاشين) وعلى معتقدهم فقيل إنهم قتلوه"(9).
_____________________________________
(8)إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص55.
(9) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص236.
_____________________________________
وفي العام نفسه (495ه/ 1101م) تمَّ اغتيال الوزير الأعز عبد الجليل الدهستاني (وزير السلطان السلجوقي بركيارُق)، وقد ذكر ابنُ الجوزي أنَّ الحشاشين هم الذين قتلوه، قائلاً: "قتلته الباطنيةُ بباب أصبهان"(10). لكنَّ ابن الأثير يقول: " جاء شابٌّ أشقر قيل: إنه كان من غلمان أبي سعيد الحداد، وكان الوزير قَتَلَهُ في العام الماضي، فانتهز الفرصة فيه، وقيل: كان باطنياً فجرحه عدة جراحاتٍ فتفرَّق أصحابه عنه، ثم عادوا إليه فجَرَحَ أقربَهم منه جراحاتٍ أثخنته، وعاد إلى الوزير فتركه بآخر رمق"(11).
_____________________________________
(10) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج16، ص77.
(11) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص50.
_____________________________________
وفي عام 498ه/ 1104م اغتال الحشّاشون أحدَ شيوخ الشافعية وهو أبو جعفر بن المشاط، "وكان يُدَرِّس بالريّ ويعظ الناس، فلما نزل من كرسيه أتاه باطنيٌّ (حشّاشيٌّ) فقتله"(12). وفي عام 502ه/ 1108م اغتال حشّاشيٌّ يوم عيد الفطر داخل جامع أصفهان القاضيَ صاعدَ بن محمد بن عبد الرحمان، الفقيهَ الحنفيَّ المعروف بأبي العلاء البخاري(13)، وألقي القبض على القاتل وقُتل(14).. وفي العام نفسه اغتال الحشّاشون قاضـــــــــــــــــــيَ
_____________________________________
(12) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص84.
(13) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص113..وقد ذكر ابنُ الأثير في "الكامل"، ج9، ص133 أنه قاضي نيسابور وأورد اسمه ضمن وفيات عام 502ه/ 1108م.. إلا أنه سبق لابن الأثير أن أورد اغتياله عام 499ه/ 1105م بصياغة مختلفة، على سبيل الخطأ على ما يبدو، وذلك في ج9، ص97- 98.
(14) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص133 
_____________________________________
أصفهان عبيد الله بن علي، المعروف بأبي اسماعيل الخطبي(15)، وقد اغتالوه بهمذان، وكان قد تفرَّغ لمهاجمة الباطنية وكشف أباطيلهم، "وصار يلبس درعاً حذراً منهم ويحتاط ويحترز، فقصده إنسانٌ عجميٌّ يوم جمعة ودخل بينه وبين أصحابه فقتله"(16). ونبقى في العام نفسه أيضاً حيث اغتال الحشّاشون(17) شيخَ الشافعية في بلاد فارس وخراسان عبد الواحد بن اسماعيل المعروف بأبي المحاسن الرُوَيّاني، صاحبَ كتاب "البحر"(18)، وهو من أهل آمل بطبرستان، وكان يحفظ مذهب الشافعي ويقول: "لو احترقَتْ كُتُبُ الشافعيّ لَأَمْلَيْتُها من حِفْظِي". وعن اغتياله قال ابن الجوزي: "توفي شهيداً مقتولاً ظلماً يومَ عاشوراء هذه السنة بآمل في الجامع يوم الجمعة"(19).
 _____________________________________
(15) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص113.
(16) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص133.
(17) الذهبي/ دول الإسلام/ ج2، ص7. وقد أشار الذهبي إلى أنَّ الإسماعيلية (أي الحشّاشين) هم الذين قتلوا الشيخ الرُوَيّاني، بينما لم يُشِر ابنُ الجوزي إليهم صراحةً.
(18) المرجع السابق، ج2، ص7.
(19) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص113. 
______________________________________
في عام 518ه/ 1124م اغتال الحشّاشون القاضيَ زين الإسلام أبا سعد محمد بن نصر بن منصور الهروي(20)، وكان الخليفة العباسي المسترشد بالله قد أوفده إلى خراسان في رسالةٍ إلى السلطان السلجوقي سَنْجَر بن ملكشاه، ثم قَفَلَ الهروي عائداً إلى الخليفة بالجواب، ونزل وهو في طريق العودة بهمذان للصلاة في جامعها، وهناك "وثب عليه على حين غفلةٍ منه قومٌ من الباطنية (الحشّاشين) فضربوه بسكاكينهم فقتلوه وهربوا في الحال ولم يَظهر لهم خبرٌ ولا بانَ لهم أثرٌ ولا تَبِعَهم شخصٌ للخوف منهم"(21).
_____________________________________
(20) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص131- 132.. وقد ذكر ابن القلانسي في "الذيل" ص210 تاريخ الإغتيال نفسه أي سنة 518ه، إلا أنَّ ابن الأثير ذكر أنَّ اغتياله حدث عام 519ه (راجع "الكامل"، ج9، ص234).
(21) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص210.
_____________________________________
وفي عام 523ه/ 1128م اغتال الحشّاشون رئيسَ الشافعية بأصبهان عبدَ اللطيف بن الخجندي(22).. وفي عام 527ه/ 1132م قَتَلَ حشّاشيٌّ القاضيَ العزيزَ(23) وهو يصلّي، وذلك في سجن قلعة تكريت حيث كان العزيز مسجوناً ظلماً جرّاء التآمر عليه(24).. وفي العام نفسه تمَّ اغتيال حاكم مَراغة (في أذربيجان) آقْسُنْقُر الأحمديلي، "قَتَلَهُ الباطنية (الحشَّاشون)"(25) في همذان.. وفي عام 529ه/ 1134م "قتلت الباطنيةُ (الحشاشون) صاحبَ دمشق شمسَ الملوك إسماعيل بن بُوري بن طُغْتِكِين"(26).. وفي عام 538ه/ 1143م "وفي شهر رمضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان منها وَرَدَت
_____________________________________
(22) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص252.
(23) وإسمه أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر المستوفي، المعروف بالعزيز، وهو عَمُّ المؤرِّخ عماد الدين الأصفهاني.
(24) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق - تلخيص البنداري/ ص153.
(25) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص269.
(26) الذهبي/ دول الإسلام/ ج2، ص32.
_____________________________________
الأخبارُ من ناحية العراق بقتل السلطان (السلجوقي) داود ابن السلطان محمود بن محمد بن ملك شاه بيد نفرٍ نُدبوا لقتله فاغتالوه وقتلوه ولم يُعرف لهم أصلٌ ولا جهة ولا عُلِمَ مستقرُّهم"(27).. في حين أشار الأصفهاني إلى أنَّ السلطان داود قُتِلَ "بأيدي الملاحدة (أي الحشّاشين) بتبريز غِيْلَةً"(28)..
وفي عام 573ه/ 1177م، في الرابع من شهر ربيع الأول (الشهر الثالث من السنة الهجرية)، اغتال الحشّاشون الوزيرَ شهابَ الدين أبا صالح العجمي، وزيرَ حاكم حلب الملك الصالح بن نور الدين محمود زنكي، وذلك "عندما خرج من باب الجامع الشرقي بالقرب من داره (في حلــــــــــــــــــــــــــــــب)، وقُتل
_____________________________________
(27) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص277.
(28) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق – تلخيص البنداري/ ص177.
____________________________________
الإسماعيليان (الحشّاشان) اللذان وثبا عليه"(29).. وبعد ذلك بمدةٍ وَثَبَ ثلاثةٌ من الحشّاشين على الأمير المجاهد ياقوت، الملقَّب باللالا(30)، بالقرب من خانكاه(31) قَصْرِ المَلِك الصالح وتعلَّق واحدٌ منهم بِذَيْلِ بغلتاقه(32) ليضربه بالسكِّين، "فرفس اللالا الفَرَسَ وخَرَجَ من البغلتاق فنجا. وأحاط الناسُ بالجماعة الذين قفزوا عليه، وفيهم اثنان كانا يترددان إلى ركابدار(33) اللالا، فقُتل أحدهما وصُلب الركابدار أيضاً، وكُتب علـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
____________________________________
(29) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص374.
(30) لالا، بالتركية، هو مربّي الأولاد، وكان الأمير المجاهد ياقوت متولِّياً تربية الملك الصالح، حيث كان الأخير يبلغ من العمر في تلك الفترة خمسة عشر عاماً.
(31) الخانكاه: مكان اجتماع اجتماع طائفة الصوفية وإيواء الفقراء منهم.
(32) البغلتاق: نوعٌ من الثياب يُلبَس فوق الثياب الأخرى، وهو قباءٌ بلا أكمام، وعُرف لاحقاً بإسم السلّاريّ نسبةً إلى الأمير المملوكي سلّار..
(33) الركابدار هو الذي يحمل الرُكَّاب.
_____________________________________
صدره: هذا جزاء مَنْ يؤوي الملاحدة. وأما الآخر فصعدوا به إلى القلعة، فضُرب ضرباً عنيفاً وثُقب كعبُهُ، ليُقَرِّر على السبب الذي أَوْجَبَ وُثُوبَهم..."(34).
وفي عام 589ه/ 1193م اغتال الحشّاشون صاحب خِلاط(35) السلطانَ سيفَ الدين بكتمرَ بن عبد الله، كان الحشّاشون قد طلبوا منه معاونتهم في أمرٍ ما فلم يوافقهم على اعتبار أنَّ ما طلبوه هو أمرٌ لا يليق، فقرَّروا اغتياله.. وكان بكتمر يصاحب العلماءَ والصوفيَّة، فتنكَّر اثنان من الحشّاشين في زيّ الصوفية وقصداه ودخلا إلى مجلسه مع صوفيَّين آخرين صودفا هناك، وتقدَّم إلى بكتمر واحدٌ من الحشّاشَيْن فمنعه الحرّاس، "فقال (بكتمر): دعوه. فتقدَّم (الحشّاشيُّ) وبيده قصة فأخذها (بكتمر) منه فضربه (هذا الحشّاشيُّ) بسكِّينٍ فشقَّ جوفه، فمات من ساعته، فأخذوهما وقرَّروهما فقالا: نحن من الإسماعيلية (الحشّاشين). وكانوا قد شَفَعوا إليه في أمرٍ لا يليق، فلم يقبلْ شفاعتَهم فعملوا هذا، فأُحرقوا"(36).
_____________________________________
(34) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص374 – 375.
(35) تقع خِلاط حالياً على بحيرة فان شرقيّ تركيا.
(36) سبط ابن الجوزي (582ه- 654ه/ 1186م- 1256م)/ مرآة الزمان في تاريخ الأعيان/ ص426، وقد اعتمدنا على أجزاءٍ من هذا الكتاب وردت ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج15).
____________________________________
وفي عام 602ه/ 1205م تمَّ اغتيال سلطان غَزْنَة والهند وبعض خراسان شهاب الدين محمد بن سام الغُوريّ، ذكر ابن الأثير أنَّ مَنْ قتله هم نفرٌ "من الكفَّار الكوكرية لزموا عسكرَهُ عازمين على قتله لِمَا فعله بهم من القتل والأسر والسبي"، إلى أن يقول: "وقيل إنما قتله الإسماعيلية (الحشاشون) لأنهم خافوا خروجه إلى خراسان، وكان له عسكرٌ يحاصر بعضَ قلاعهم"(37).
وفي عام 610ه/ 1213م اغتال الحشّاشون الفتى الصليبي ريموند، إبن أمير أنطاكية وطرابلس بوهيموند الرابع، وقد حدث الإغتيال في كنيسة أنطرسوس(38)، "وكان عمره ثماني عشرة سنة. فحزن عليه أبوه حزناً شديداً وأعظمت الملّة الفرنجية ذلك وخافوا واحترزوا لأنفسهم"(39).
_____________________________________
(37) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج10، ص303.
(38) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص452. (تقع أنطرسوس حالياً جنوب غربيّ تركيا).
(39) إبن الفرات (735ه- 807ه/ 1335م- 1405)/ تاريخ الدول والملوك/ المجلد رقم 5، ج1، ص135.
_____________________________________
وبعدها اغتالوا عام 612ه/ 1215م بطريرك بيت المقدس ألبرت، وهو أخو الملكة الصليبية صاحبة عكا، "وكان (ألبرت) قد خرج من البحر في عالمٍ عظيمٍ لا يُحصى من الفرنج (الصليبيين) لنصرة صاحب أنطاكية (بوهيموند الرابع)"(40).. ثم اغتال الحشّاشون عام 617ه/ 1220م آدم سيد مدينة بُغْراس (مدينة بين حلب وأنطاكية)، الوصيَّ على ملكة أرمينيا الطفلة إيزابيلا، إبنة ملك أرمينية الراحل ليو الثاني(41).. وفي عام 629ه/ 1231م اغتال الحشّاشون الدوق الصليبي لودفيك دو بافيير(42). واغتال
_____________________________________
(40) إبن واصل (604ه- 697ه/ 1208م- 1298م)/ مفرِّج الكروب في أخبار بني أيوب/ ج3، ص229.
(41) ستيفن رنسيمان/ تاريخ الحروب الصليبية، ج3، القسم الأول (مملكة عكا والحملات الصليبية المتأخرة)، تعريب د. السيد الباز العريني، إصدار دار الثقافة، بيروت، 1997/ ص306.
(42) سميرة بن عمّو/ أَلَمُوت أو إيديولوجيا الإرهاب الفدائي/ ص9.
_____________________________________
الحشاشون جغتاي، الإبن الثاني لجنكيزخان، أثناء غزو المغول لإيران في عشرينيات القرن السادس(43). وفي عام 659ه/ 1260م اغتال الحشّاشون حاكم مدينة سِيس(44)، وهو من ملوك الأرمن، وكان يُغير على بلاد المسلمين في زمن هولاكو(45).. وفي 27 ذي الحجة عام 668ه/ 16 آب – أغسطس عام 1270م اغتال الإسماعيليون الحشاشون واحداً من أقوى وأبرز زعماء الصليبيين في بلاد الشام وهو فيليب مونتفُورت(46)، إذ
_____________________________________
(43) ستيفن رنسيمان/ تاريخ الحروب الصليبية/ ج3، قسم2، ص515 (تعريب السيد الباز العريني.
(44) سِيس: أعظم مدن الثغور الشامية بين أنطاكية وطرسوس على عين زربة.
(45) راجع أبا شامة/ الذيل على الروضتين/ ج5 من كتاب الروضتين، ص323 – 324.
(46) كان فيليب مونتفرّات سيدَ تبنين حتى عام 641ه/ 1243م ثم سيد تبنين وصور.
_____________________________________
أرسلَ الحشَّاشون "أحدَ الفِدَاوِيَّة إلى صور. وفي صور زَعَمَ (الحشَّاشيُّ) أنه نصراني، فدلف يوم الأحد 17 أغسطس سنة 1270 إلى الكنيسة، حيث كان يؤدي الصلاة بها فيليب (مونتفورت) وابنه يوحنا، فانقضَّ عليهما فجأةً. وتعرَّض فيليب (مونتفورت) لجراحٍ قاتلة قبل أن تصل إليه النجدة، على أنه بقي على قيد الحياة حتى علم بأنه تمَّ إلقاء القبض على القاتل وأنَّ ابنه نجا من القتل"(47).. وفي عام 670ه/ 1271م اغتال الحشَّاشون أحد قادة الصليبيين، بارثولوميو، حاكم حصن مَرَقِيَّة(48)، حيث سَيَّرَ الحشَّاشون "وراءَه فِدَاوِيَّة"(49) أثناء توجُّهه إلى بلاد المغول و"قَفَزوا عليه وقَتَلوه"(50).. وفي العـــــــــــــــــــــــــــــــــــــام التالي (670ه/ 1271م) "سُيِّرَتْ
_____________________________________
(47) ستيفن رنسيمان/ تاريخ الحروب الصليبية/ ج3، قسم2، ص570.
(48) حصن مَرَقِيَّة: قلعة بساحل الشام قرب حمص.
(49) المقريزي/ السلوك لمعرفة دول الملوك/ ج3، ص76.
(50) المرجع السابق/ ج3، ص76.
_____________________________________
فداويَّةٌ إلى ورد (إدوارد) ملك الفرنج (ولي العهد الإنكليزي والإبن الأكبر لملك إنكلترا هنري الثالث) بهديَّةٍ، فقفز عليه أحدهم وقتله، وقُتل الفداوي لوقته"(51). بيد أنَّ إدوارد هذا لم يُقْتَل وإنما أصيب بجروحٍ بليغة، كما يذكر المؤرِّخ الصليبي وليم ريشنغر(52)، فقد كان إدوارد متواجداً في عكا عندما أرسل له أمير يافا رسولاً اسمه عبد العظيم، اتَّضح لاحقاً أنه من الحشاشين، وكان هذا الرسول دائماً ما يتردَّد بين الإثنين حاملاً رسائلهما، "وعندما كان إدوارد مائلاً أمام النافذة وموجِّهاً انتباهه نحو الخارج، سحب الحشيشيُّ فجأةً مديةً مسمَّمة وجرحه مرَّتين في ذراعه، ومرةً ثالثة تحت إبطه، وتمكَّن إدوارد على الفور من إلقاء الحشيشيّ على الأرض بقدمه وانتزع السكين من يديه، وقَتَلَ الجاني بها، وفي انتزاعه للسكين جَرَحَ نفسَه
_____________________________________
(51) بيبرس المنصوري/ زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة/ ص134/ بيروت، 1998.
(52) المؤرِّخ الصليبي وليم ريشنغر كان راهباً في دير القديس ألبان في إنكلترا، ونُسِبَ إليه أنه هو الذي كتب ذيلاً على كتاب "التاريخ الكبير" للمؤرِّخ الصليبي متَّى باريس/ متى باريس (633ه – 672ه/ 1235م – 1273م).
_____________________________________
جرحاً بليغاً في اليد، وبما أن السُمَّ انتشر في الجراح، فقد عالجوه بصعوبةٍ بالغة، وباستخدام عدة أنواعٍ من وسائل العلاج. وقال بعضهم أنه عندما وَجَدَ إدوارد نفسَه قد جُرِح فجأةً ولم يكن بيده شيءٌ يدافع عن نفسه به، أمسك المنصب الثلاثي الحامل لمنضدته وضرب به المجرمَ على رأسه (فمات)"(53).
وفي العقدين الثاني والثالث من القرن الهجري الثامن، وتحديداً بين عامي 712ه/ 1312م و728ه/ 1327م، جرت محاولاتٌ عديدة من قِبَل الحشَّاشين لاغتيال الأمير المملوكي شمس الدين قَراسُنْقُر، الذي كان قد فَرَّ إلى بلاد التتار، فكان الحشَّاشون يأتون من بلاد الشام "مرةً بعد مرة، فمنهم مَنْ يَدْخُلُ عليه دارَه فيُقْتَلُ دونه، ومنهم مَنْ يرمي بنفسه عليه وهو راكبٌ فيضربه. وقُتِلَ بسببه من الفِداوِيَّة (الحشَّاشين) جماعةٌ. وكان (قَراسُنْقُر) لا يفارق الدرعَ أبداً، ولا ينام إلا في بيتِ العود والحديد"(54).
_____________________________________
(53) وليم ريشنغر/ ذيل تاريخ متَّى باريس/ ص1849( ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج40، تعريب د. سهيل زكّار/ دمشق، 2001).
(54) إبن بطوطة/ تحفة النُظّار/ نسخة إلكترونية، ص48.
_____________________________________
وكان قد فَرَّ مع قراسُنقُر إلى بلاد التتار أميرٌ مملوكي آخر هو آقوش الأَفْرَم، فحاول الحشَّاشون اغتياله في مدينة تبريز في عام 715ه/ 1315م على الأرجح، حين كان راجعاً مع مجموعة من الأمراء "يريدون منازلهم، وفي الرجوع اختلط الأمراء بالأجناد والعوام على العادة، وإذا فداوي (حشَّاشي) قد وثب على الأفرم من مؤخَّر الفَرَس، وصرخ فيه بصوتٍ هائل، ثم ضربه بسكِّينٍ في صدره، فرُدَّت السكين إليه، ولم تعمل شيئاً لأنه كان عليه (على الأَفْرَم) زَرَدِية (درع) ضيقة العيون لا يعمل فيها شيء، فصرخ الأفرم على مماليكه فجاء إليه مملوكٌ وضرب الفداوي بالدبوس (عصا من خشب أو حديد كروية الرأس) فأَرْمَاه (أي ألقاه أرضاً)، فنظر الفداوي إلى ما حلَّ به فصاح: الله أكبر (...) ووَثَبَ على المملوك وضربه بالسكين في جنبه الأيمن ووصلت السكين إلى أمعائه فانقلب المملوك إلى الأرض، وتسابقت المماليك إلى الفداوي فجَعَلَ الفداوي يحمل عليهم يميناً وشمالاً، ويقول: يا علوق أين تروحون مني؟ فقَتَلَ منهم اثني عشر مملوكاً، فتكاثروا عليه، وجاء إليه واحدٌ من خلفه فضربه بدبوس على دماغه، فنثر مُخَّهُ من أُذُنِه"(55). وأما الأَفْرَم فقد حملوه إلى خيمته، "وكان قد انجرح من ضربةٍ ثانية"(56)، فطلبوا له "الجرائحيَّة (الجرَّاحين) فداووه وشَدُّوه"(57).
_____________________________________
(55) البدر العيني/ عقد الجُمان/ ص443، وقد ورد هذا المقطع ضمن كتاب "الحشيشية" لبرنارد لويس، وقد أضافه إليه الباحث د. سهيل زكّار وجاء تحت عنوان "ذكر قضية الفداوي مع الأَفْرَم"، من ص443 إلى ص446.
(56) المرجع السابق/ ص443.
(57) المرجع السابق/ ص443.
_____________________________________
الفصل التالي:
الفصل السابق:












 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق