2017/03/22

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ فصل: الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب(1): ملكشاه أول مَن استعان بالحشَّاشين لاغتيال خصومه.



قويت شوكة الباطنية الحشَّاشين في إيران أول ما قويت أيامَ السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان، الملقَّب بجلال الدولة، أقوى حكَّام الدولة السلجوقية.. وقد قرَّب ملكشاهُ الباطنيةَ الحشاشين منه واستعان بهم لاغتيال خصومه وإرهاب الخلافة العباسية في بغداد.. وبدأوا بعدها باحتلال القلاع الحصينة في إيران...




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثالث

الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (1)


ملكشاه.. أول مَن استعان بالحشَّاشين
لاغتيال خصومه



حسين احمد صبرا
قويت شوكة الباطنية الحشَّاشين في إيران أول ما قويت أيامَ السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان(1)، الملقَّب بجلال الدولة، أقوى حكَّام الدولة السلجوقية. يقول القلقشندي: "واعلم أنَّ أصل هذه الفِرقة كانت بالبحرين في المائة الثانية وما بعدها، ومنهم كانت القرامطة الذين خرجوا من البحرين حينئذٍ، نسبةٌ إلى رجلٍ منهم اسمه قَرْمَط، خرج فيهم وادَّعى النبوّة وأنه أُنزل عليه كتابٌ؛ ثم ظهروا بالمشرق بأصبهان في أيام السلطان مَلِكْشاه السَلجوقي(2)، واشتهروا هناك بالباطنية لأنهم كانوا يُبْطِنون خلاف ما يُظْهرون، وبالملاحدة لأنَّ مذهبهم كلُّه إلحاد؛ ثم صاروا إلى الشام ونزلوا فيما حول طرابلس، وأظهروا دعوتهم هناك، وإليهم تُنْسب قلاع الإسماعيلية المعروفة بقلاع الدعوة، فيما حول طرابلس كمِصْيافٍ والخَوابي والقَدَمُوس وغيرها"(3).
____________________________________
(1) ملكشاه بن ألب أرسلان (466ه – 485ه/ 1073م – 1092م).
(2) كانت أصفهان مقر إقامة ملكشاه وعاصمة مُلكه.
(3) القلقشندي/ صبح الأعشى في كتابة الإنشا/ ج13، ص245 (دار الكتب السلطانية، القاهرة، 1918).
___________________________________
قرَّب ملكشاه الباطنية الحشاشين منه واستعان بهم لاغتيال خصومه وإرهاب الخلافة العباسية في بغداد. يقول ابن الجوزي: "وكان هذا السلطان (ملكشاه) قد أفسَدَ عقيدَتَه الباطنيةُ، ثم رجع إلى الصلاح. قال المصنّف: نقلتُ من خط ابن عقيل قال: كان الجرجاني الواعظ مختصاً بجلال الدولة (ملكشاه)، فاستسرَّني أنَّ الملك (ملكشاه) قد أفسَدَهُ الباطنيةُ، فصار (ملكشاه) يقول لي: إيش هو الله؟ وإلى ما تُشيرون بقولكم الله؟ فبُهِتُّ وأردتُ جواباً حسناً فكتبتُ: إعلم أيها الملك أنَّ هؤلاء العوامَّ والجهَّال يطلبون اللهَ من طريق الحواس، فإذا فقدوه جحدوه، وهذا لا يَحْسُنُ بأرباب العقول الصحيحة، وذلك أنَّ لنا موجوداتٍ ما نالها الحس، ولم يجحدها العقل (...) قال (ابنُ عقيل): فحكى لي (الجرجاني) أنه أعادَهُ عليه فاستحسنه (ملكشاهُ)، وهَشَّ إليه(4) (ارتاح)، ولَعَنَ أولئك (الحشَّاشين)، وكَشَفَ إليه ما يقولونه له (أي ما يقول الحشَّاشون لملكشاه)"(5)
_____________________________________
(4) الأصح لغوياً: هَشَّ به أو هَشَّ له.
(5) إبن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج16، ص312 – 313.
_____________________________________
في أواخر عهد ملكشاه ألَّف وزيرُهُ نظامُ المُلك الطوسي(6) كتاباً بعنوان "سِيَاسَتْ نَامِهْ"(7) (سِيَر الملوك) انتقد فيه بشدة سياسة ملكشاه بتوظيف عددٍ من غير المسلمين في دوائر الدولة السلجوقية ولا سيما منهم الباطنية الحشَّاشون، داعياً إلى إبعادهم بأسرع ما يمكن وإلا فإنَّ بقاءهم سيؤدي إلى اندثار الدولة السلجوقية. فيقول في الفصل الثالث والأربعين تحت عنوان "في عرض أحوال ذوي المذاهب الخبيثة أعداء الملك والإسلام": "وددتُ أن أكتب بضعة فصول في خروج الخارجين ليعلم العالم أجمع مدى إشفاقي على هذه الدولة (السلجوقية)، وشدة هوايَ ومَيْلي لمُلك آل سلجوق، لا سيَّما مولاي (ملكشاه) (...) وليس ثمَّةَ فِرْقَةٌ أكثر شؤماً وتخريباً وسوءاً من هؤلاء القوم (الباطنية الإسماعيلية الحشَّاشين) لأنهم يُبَيِّتــــــــــــــــــون
_____________________________________
(6) أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، الملقَّب بنظام المُلك (408ه- 485ه/ 1017م – 1092م).
(7) "سياستْ نامِهْ"، أو "سِيَر الملوك"/ طبعة وزارة الثقافة الأردنية، 2012، تعريب د. يوسف بكَّار.
_____________________________________
الشرَّ لهذه المملكة من وراء حجاب، ويسعون إلى إفساد الدين. كُلُّهم آذانٌ صاغية تنتظر نداء القيام (الإنقلاب) على الدولة، وأعينٌ ساهرة تترقَّب إشارة الخروج عليها. وإذا ما نَزِلَتْ – والعياذ بالله – بهذه الدولة القاهرة نازلةٌ سماوية، فإنَّ هؤلاء الكلاب يَظْهَرون من أوكارهم ومعاقلهم، ويَخْرُجُون على دولتنا بدعوى التشيُّع، مستمدِّين أكثرَ قوَّتهم ومَدَدِهم من الرافضة (الشيعة) والخَرْمِيَّة (إحدى الفرق الشيعية)،ولن يألوا جهداً في بث الشَرّ والفساد والقتل والبِدَع. إنهم يدَّعون الإسلامَ في الظاهر، لكنهم ينهجون نهجَ الكفَّار في الباطن. باطنُهُم خِلافُ ظاهرهم، وقولُهم عكسُ عملهم. وليس ثمَّةَ مَنْ هو ألدُّ عداوةً لدين محمدٍ عليه السلام، أو أكثر شؤماً وويلاً على مُلك مولانا (ملكشاه) منهم في الدولة اليوم، ممَّن يتسنَّمون المقاماتِ الرفيعة ولَهُمْ فيها هالة، مَنْ يُطِلُّون برؤوسهم من أقبية الشيعة وليسوا منهم، بل هم في حقيقة أمرهم من هؤلاء القوم (الباطنية الإسماعيلية الحشَّاشين) يُدَبِّرون شؤونَهم سرّاً ويَدْعَمُونهم ويَدْعُون لهم، في حين أنهم يُغْرُون سيدَ الدنيا (ملكشاه) ويخدعونه بأنهم يعملون على الإطاحة بخلافة العباسيين. إن أَكْشِفْ عن القِدْرِ غطاءها تَبَنْ فضائحُهم وأعمالُهم الشائنة للعيان، لكنَّني بما تظاهروا به لمولاي (ملكشاه) – خلَّد اللهُ مُلكه – وزَعَمُوا، حتى مَلَّني، لا أخوضُ في هذا الموضوع. هذا سببٌ، وسببٌ آخر هو كثرة التوفيرات التي يتظاهرون بها حتى جعلوا مولايَ (ملكشاه) حريصاً على المال يتكالب عليه، وأَظْهَرُوني صاحبَ غَرَضٍ ومآرب. إنَّ نصيحتي في هذه الحال لا تلقى (عند ملكشاه) قبولاً، ولا تُجْدِي فتيلاً"(8).  
_____________________________________
(8) "سياستْ نامِهْ"، أو "سِيَر الملوك"/ ص227 – 228.
_____________________________________
يتابع نظامُ المُلك قائلاً: "سيتَّضح للمَلِك في اليوم الذي أتنحَّى فيه جانباً فسادُهُم ومكرُهُم وسوءُ فِعْلِهِم، ويَعْلَمُ أيضاً مدى ما كان لي من شفقةٍ وهوىً وميلٍ في دولته القاهرة، وأنني لم أكن بغافِلٍ عن أحوال هذه الطائفة وما كان يدور في خُلْدِها، بل لقد كنت أعرضها على الأعتاب السامية دائماً، ولم أتركها تفوته وتخفى عليه. لكنني لمَّا رأيتُ أنَّ أقوالي لم تكن تلقى لديه قبولاً، ولم يصدِّقها، عَزَفْتُ عن تكريرها. لكنني أدرجتُ في خروج هؤلاء القوم خاصةً باباً موجزاً في كتاب "السِيَر" هذا، يشتمل على أهم ما يتعلَّق بهم من مِثْل: مَنْ هم الباطنية؟ وما مذهبُهُم واعتقادُهُم؟ أين ظَهَروا بادىء ذي بدء، كَمْ مرَّةً خَرَجوا، وعلى يد مَنْ قُهِروا وهُزِموا في كل مرة؟ فما هذا إلا تَذْكِرَةً لأرباب المُلك وحُماة الدين"(9).
_____________________________________
(9) "سياستْ نامِهْ"، أو "سِيَر الملوك"/ ص228.
_____________________________________
إذاً، قَوِيَ الباطنيةُ الحشاشون في إيران زمن ملكشاه بعدما قرَّبهم إليه وصار منهم واستخدمهم لصالحه في إرهاب خصومه، وبدأوا باحتلال القلاع الحصينة في تلك البلاد وكان أهمها زمن ملكشاه القلعة العصيَّة الأَلَمُوت(10) في الريّ، والتي احتلَّها زعيم الإسماعيلية النزارية الحسن بن الصبَّاح عام 483ه/ 1090م، "ولما بلغ الخبرُ إلى (الوزير السلجوقي) نظام المُلك بَعَثَ عسكراً إلى قلعة أَلَمُوت فحَصَرُوه (أي الحسنَ بن الصبَّاح) فيها وأخذوا عليه الطُرُقَ فضاق ذرعُه بالحصر فأرسل مَنْ قَتَلَ نظامَ المُلك، فلما قُتل رجع العسكر عنها"(11).
_____________________________________
(10) قلعة أَلَمُوت، أي عش النسر، تقع على بعد 100 كلم شمال غرب طهران.
(11) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص39.
 ____________________________________
جاء اغتيال الحشَّاشين للوزير السلجوقي نظام المُلك عام 485ه/ 1092م، أي بعد عامين اثنين من احتلال الصبَّاح لقلعة أَلَمُوت، وتلك كانت أول عملية اغتيالٍ سياسي على الإطلاق يقوم بها الباطنية الحشاشون (أو الإسماعيلية النزارية) في تاريخهم، وقد وقع الإغتيال في قريةٍ بالقرب من مدينة نهوند في بلاد فارس بعدما كان نظام الملك قد قابل السلطان ملكشاه في أصفهان وبعدها قفل عائداً إلى بغداد، فاغتاله وهو في طريق العودة صبيٌّ ديلميٌّ من الحشَّاشين.. بيد أنَّ الحشَّاشين هؤلاء لم يتَّخذوا القرار باغتيال نظام المُلك من تلقاء أنفسهم كما يبدو الأمر لأول وهلة، وإنما "كان سبب قتله"(12) خلافٌ شديد نشب فجأةً بين نظام المُلك والسلطان ملكشاه، وتفاصيل الخلاف – كما ذكر ابنُ الأثير – أنَّ نظام المُلك عيَّن حفيداً له اسمه عثمان رئيساً على مرو، ثم أرسل ملكشاه شُحْنَةً(13) إلى مرو نفسها اسمه قودون، وهو من أكبر مماليكه وأعظم أمرائه، فحصلت بين عثمان وقودون منازعات دفعت عثمانَ إلى القبض على قودون وسجنه، ثم أَطلق سراحه، فقصدَ قودونُ ملكشاهَ مستغيثاً شاكياً، فأرسل ملكشاهُ رسالةً إلى نظام المُلك يحذِّره فيها ويُعْلِمُهُ
____________________________________
(12) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج8، ص478.
(13) الشُحْنَةُ هو الحاكم العسكري المكلَّف من قبل الخليفة أو السلطان بمراقبة القوى المعارِضة.
___________________________________
بأنه قد تجاوز حدودَه، قائلاً له: "إنْ كنتَ شريكي في المُلك ويدُكَ مع يدي في السلطنة، فلذلك حُكْمٌ؛ وإن كنتَ نائبي وبحُكْمي فيجب أن تَلْزَمَ حَدَّ التبعيَّة والنيابة، وهؤلاء أولادُك قد استولى كلُّ واحدٍ منهم على كورةٍ عظيمة ووَلِيَ ولايةً كبيرة ولم يُقْنِعْهُم ذلك حتى تجاوزوا أمرَ السياسة وطَمِعُوا إلى أنْ فعلوا كذا وكذا"(14).. فما كان من نظام المُلك حينما سمع هذا الكلام عبر المُرْسَلين إلا أنْ رَدَّ بكلامٍ قاسٍ جداً فيه الكثير من المِنَّة والتحدي، ومما جاء في الرد: "قولوا للسلطان (ملكشاه) إنْ كنتَ عَلِمْتَ أني شريكُكَ في المُلك فاعلمْ فإنك ما نُلْتَ هذا الأمرَ إلا بتدبيري ورأيي، أَمَا يَذْكُرُ حين قُتِلَ أبوه(15) فقُمْتُ بتدبير أمرِهِ وقَمَعْتُ الخوارجَ عليه من أهله وغيرهم (...) وهو في ذلك الوقت يتمسَّك بي ويَلْزَمُني ولا يخالفني، فلمَّا قُدْتُ الأمورَ إليه وجَمَعْتُ الكلمةَ عليه وفَتَحْتُ له الأمصارَ القريبة والبعيدة وأطاعه القاصي والداني أَقْبَلَ يتجنَّى لِيَ الذنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوبَ ويَسْمَعُ فيَّ
________________________________________
(14) ابن الأثير/ الكامل/ ج8، ص478 – 479.
(15) عضد الدولة ألب أرسلان، قُتِلَ عام 465ه/ 1072م، وكان تولَّى الحكم عام 455ه/ 1063م عقب وفاة عَمِّه طُغْرُلْبَك.
_______________________________________
السِعايات. قولوا له عنّي إنَّ ثَباتَ تلك القلنسوة (أي ثباتَ ملكشاه على عرشه) مَعْذُوقٌ بهذه الدواة (أي يعود الفضل في ذلك إلى مِحْبَرة وزيره نظام المُلك)، وإنَّ اتفاقهما (أي القلنسوة والدواة) رباطُ كلِّ رغيبة وسبب كلِّ غنيمة، ومتى أَطْبَقَتْ (انكَمَشَتْ) هذه زالتْ تلك، فإنْ عَزَمَ على تغييرٍ فليَتَزَوَّد للإحتياط قبل وقوعه وليأخذْ الحَذَرَ من الحادث أمام طروقه"(16).
هذا الرد العنيف من نظام المُلك أغضب ملكشاه غضباً شديداً، "فما زال (ملكشاه) يدبِّر عليه (أي يُدَبِّر على هلاك نظام المُلك)، فيُقال أنه أَلَّفَ عليه بمواطأة تاج المُلك أبي المغانم(17) مَنْ قَتَلَهُ، فلم تَطُل مدة السلطان (ملكشاه) بعدَهُ، وإنما كان بينهما خمسةٌ وثلاثون يوماً، فكان في ذلك عبرة، فكان الناس يتحدَّثون أنَّ السلطان إنما رَضِيَ بقتله (أي بقتل نظام المُلك) لأنَّ السلطان كان قد عَزَمَ على تشعيث (تفريق) أَمْرِ (الخليفة العباســـــــــــــــــــــــــــي)
_____________________________________
(16) إبن الأثير/ الكامل/ ج8، ص479.
(17) تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو، وهو الشخص المقرَّب من خاتون (إحدى أزواج ملكشاه).
____________________________________
المقتدي، ودَبَّر ذلك تاجُ المُلك وخاتونُ زوجةُ السلطان (ملكشاه) لأنها أرادت من السلطان أن ينصَّ (على وراثة العرش من بعده) على ولدها محمود(18) فَثَنَاهُ عن رأيه النظامُ (أي نظامُ المُلك)، فخَشُوا من النظام (نظام المُلك) تثبيطاً عن مرادهم"(19).
وثمَّةَ أمران يؤكِّدان تورُّط تاج المُلك أبي المغانم (أو الغنائم) في قتل الوزير نظام المُلك (عن طريق الحشَّاشين):
____________________________________
(18) كان محمود بن ملكشاه آنذاك ما يزال طفلاً رضيعاً، حيث ذكر ابن الجوزي في "المنتظم"، ج16، ص269: "وفي هذا الشهر (أي شهرِ صَفَر من عام 480ه) وُلِدَ للسلطان (ملكشاه) ولدٌ سمّاهُ محموداً "، وبذا فإنه حين مقتل نظام المُلك كان محمود يبلغ من العمر أربع سنوات وبضعة أشهر.
(19) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج16، ص306.
___________________________________
الأمر الأول، أنَّ السلطان ملكشاه عقب مقتل وزيره نظام المُلك "كان قد فوَّض الأمر إلى تاج الملك أبي الغنائم، وأوقع عليه إسمَ الوزارة (أي أن يتولى أمر الوزارة الشاغرة بعد مقتل نظام المُلك)"(20)، لكنَّ موت السلطان ملكشاه المفاجىء "منعَ هذا الأمر الذي جرى"(21).. بيد أنَّ زبيدة خاتون نجحت في أن تجعل من إبنها محمود سلطاناً وكان "عمرُهُ يومئذٍ خمس سنين وعشرة أشهر (...) وتَرَتَّبَ لوزارته تاجُ المُلك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو (أي عُيِّن وزيراً له)"(22).
___________________________________
(20) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج16، ص300.
(21) المرجع السابق/ ج16، ص300.
(22) المرجع السابق/ ج16، ص300.
_________________________________
الأمر الثاني، أنه وبعد مقتل نظام المُلك وموت السلطان ملكشاه بعده بـ35 يوماً، جاءت خاتون – أرملة ملكشاه – مع عسكرها إلى أصبهان، وكانت كما أشرنا تريد أن تجعل من طفلها محمود سلطاناً وعيَّنت تاجَ المُلك وزيراً له، ففرَّ بركيارُق بن ملكشاه من أصفهان إلى الري، وكان قد أعلن نفسه السلطان، وهنا يذكر المؤرِّخ ابن الأثير أنَّ عسكر الوزير الراحل نظام المُلك انضمُّوا إلى بركيارُق ضد خاتون وضد تاج الملك أبي المغانم، ثم يذكر السبب قائلاً: "وإنما حَمَلَ النظامية (أتباع نظام المُلك) على الميل إلى بركيارُق كراهتُهُم لتاج المُلك لأنه كان عدوَّ نظام المُلك والمتَّهَم بقتله"(23).
____________________________________
(23) إبن الأثير/ الكامل/ ج8، ص485.
____________________________________
وهكذا، أعطى ملكشاهُ الفرصةَ للحشَّاشين بزعامة الحسن بن الصبَّاح للإنتقام من عدوٍّ لهم، ليس فقط لأنه حاصرهم في قلعة أَلَمُوت فحسب، بل أيضاً لأنه آذاهم أول ظهورهم في إيران، إذ يذكر ابنُ الأثير أنَّ "أول ما عُرف من أحوالهم، أعني هذه الدعوة الأخيرة التي اشتُهرت بالباطنية والإسماعيلية في أيام السلطان (السلجوقي) ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً فَصَلُّوا صلاةَ العيد في "ساوة" (قرب الري) ففطن بهم الشُحْنةُ (المسؤول الأمني) فأخذهم وحبسهم، ثم سُئِلَ فيهم (أي طُلِبَ منه العفو عنهم) فأطلقهم، فهذا أولُ اجتماعٍ كان لهم، ثم دعوا مؤذِّناً من أهل "ساوة" كان مقيماً بأصبهان فلم يُجِبْهم إلى دعوتهم فخافوه أن يَنُمَّ عليهم فقتلوه، فهو أول قتيلٍ لهم وأولُ دمٍ أراقوه، فبلغ خبرُهُ إلى (الوزير السلجوقي) نظام المُلك، فأمر بأخذ مَنْ يُتَّهم بقتله (أي إلقاء القبض عليه) فوقعت التهمة على نَجَّارٍ اسمه طاهر، فقُتل ومُثِّل به وجَرُوا برِجْلِهِ في الأسواق، فهو أول قتيلٍ منهم (...) ثم إنَّ الباطنية قَتَلوا (الوزيرَ السلجوقي) نظامَ الملك، وهي أول فتكة مشهورة كانت لهم، وقالوا: قَتَلَ (مِنَّا) نَجَّاراً فقتلناه (أي نظامَ المُلك) به"(24).
_____________________________________
(24) ابن الأثير/ الكامل/ ج9، ص36 – 37/ راجع أيضاً ابن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج17، ص63.
_____________________________________
نذكر أنَّ نظامَ المُلك قد وَزَرَ لألب أرسلان وابنه من بعده ملكشاه لأكثر من ثلاثين سنةً، وقد بدأ وزيراً لألب أرسلان "وهو حينئذٍ صاحب خراسان"(25)، وظلَّ وزيرَهُ بعد تسلُّمه الحكم عام 455ه/ 1063م وحتى مقتله عام 465ه/ 1072م، واستمرَّ وزيراً للسلطنة السلجوقية مع تسنُّم ملكشاه سدةَ العرش عام 465ه/ 1072م وحتى مقتله (أي نظامِ المُلك) على يد الحشَّاشين عام 485ه/ 1092م، "ومات السلطانُ (ملكشاه) بعده بخمسةٍ وثلاثين يوماً، وانحلَّت الدولة ووَقَعَ السيفُ"(26).
_____________________________________
(25) ابن الأثير/ الكامل/ ج8، ص362.
(26) المرجع السابق/ ج8، ص479.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق