2017/03/22

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (2): بركيارُق على خطى والده ملكشاه.



بعدما توفي الحاكم السلجوقي ملكشاه سرعان ما نشب صراعٌ على السلطة بين أبناء ملكشاه، على أنَّ الصراع الأقوى كان بين بركيارُق وأخيه محمد.
الأبرز في هذا المجال أنَّ بركيارُق سار على خطى والده ملكشاه فاستعان بالباطنية الحشَّاشين في صراعه مع أخيه محمد وفي تصفية رجاله...




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثالث

الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (2)


بركيارُق على خطى والده ملكشاه



حسين احمد صبرا
عندما توفي الحاكم السلجوقي ملكشاه عام 485ه/ 1092م خلَّف وراءه أربعة أبناء، هم: بركيارُق، ومحمد، وسَنْجَر، ومحمود، والأخير كان ما يزال طفلاً كما سبق القول، مع الإشارة إلى أنَّ محمد وسَنْجَر كانا أخوين شقيقين، وسرعان ما نشب صراعٌ على السلطة بين أبناء ملكشاه (بالإضافة إلى أرملة ملكشاه خاتون، والدة الطفل محمود)، على أنَّ الصراع الأقوى كان بين بركيارُق(1) وأخيه محمد، وتحديداً من عام 491ه/ 1097م وحتى وفاة بركيارُق عام 498ه/ 1104م.
_____________________________________
(1) نشب صراعٌ أيضاً بين بركيارُق وعَمِّه تُتُش بن ألب أرسلان، الذي كان عيَّنه أخوه ملكشاه حاكماً سلجوقياً على بلاد الشام.
_____________________________________
الأبرز في هذا المجال أنَّ بركيارُق سار على خطى والده ملكشاه فاستعان بالباطنية الحشَّاشين في صراعه مع أخيه محمد وفي تصفية رجاله، حتى "اشتدَّ أمرُ الباطنية وقويت شوكتُهم وكَثُرَ عددُهم (وَ) صارَ بينهم وبين أعدائهم ذُحُولٌ(2) وإِحَنٌ(3) (...) وكان أكثرَ مَنْ قَتَلوا مَنْ هو في طاعة (السلطان) محمد (بن ملكشاه) (ممَّن هو) مخالفٌ للسلطان بركيارُق، مثل شُحْنَة (مسؤول أمن) أصبهان سرمز (عام 493ه/ 1099م) وأرغش (عام 490ه/ 1096م) وكمش النظاميين وصهره وغيرهم"(4)، حتى "نَسَبَ أعداءُ بركيارق ذلك إليه واتَّهموه بالميل إليهم (أي إلى الباطنيين الحشَّاشين)"(5).. وبعدما انتصر بركيارُق على أخيه محمد في إحدى المعارك
____________________________________
(2) عداوة وثأر.
(3) أحقاد.
(4) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص41 – 42.
(5) المرجع السابق/ ج9، ص42.
____________________________________
"انبَسَطَ (انتَشَرَ بجرأة) جماعةٌ منهم (أي من الباطنية) في العسكر (عسكر بركيارُق) واستغووا كثيراً منهم وأدخلوهم في مذهبهم (الباطني) وكادوا يَظْهُرُون (يَغْلِبُون) بالكثرة والقوة، وحصل (أصبح) بالعسكر منهم طائفةٌ من وجوههم (من أعيانهم) وزاد أمرُهُم فصاروا يتهدَّدون مَنْ لا يوافقهم بالقتل، فصار يخافهم مَنْ يخالفهم حتى أنهم لم يتجاسر أحدٌ منهم لا أميرٌ ولا متقدّمٌ (من أتباع بركيارُق)على الخروج من منزله حاسراً بل يلبس تحت ثيابه دِرْعاً، حتى أنَّ الوزير الأعز أبا المحاسن كان يلبس زَرَدِيةً (دِرعاً) تحت ثيابه"(6).. ووصلت سرعة انتشار الباطنية إلى حد أنَّ الأمير أنز، الذي ولَّاه بركيارُق على بلاد فارس جميعها عام 492ه/ 1098م، "أقام بأصبهان ثم سار منها إلى أقطاعه بأذربيجان، وعاد (من أذربيجان) وقد انتشر أمرُ الباطنية بأصبهان"(7).. وهذا ما دَفَعَ أتباع بركيارُق إلى أنْ أشاروا عليه "أنْ يفتك بهم قبل أن يَعْجَزَ عن تلافي أمرهم، وأَعْلَمُوهُ ما يتَّهمه الناسُ به من الميل إلى مذهبهم (الباطني)، حتى أنَّ عسكر أخيه السلطان محمد يُشَنِّعُون بذلك، وكانوا في المَصَافّ (ساحة القتال) يُكَبِّرُون عليه (أي على بركيارُق)
_____________________________________
(6) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص42.
(7) المرجع السابق/ ج9، ص18.
_____________________________________
ويقولون: يا باطنية، فاجتمعت هذه البواعث كلُّها، فأَذِنَ السلطان (بركيارُق) في قَتْلِهِم (أي قَتْل الباطنية الحشَّاشين) والفتك بهم"(8).. وفي مكانٍ آخر يشير ابن الأثير أيضاً إلى إلقاء أتباع محمد بن ملكشاه تهمةَ "الباطنية" على بركيارُق وأتباعه من باب التَعْيير، وكمثالٍ على ذلك أنه حينما وصل عسكرُ محمد إلى بغداد يريد احتلالها سنة 494ه/ 1100م، وكان يحتلها آنذاك أخوه بركيارُق، إلتقى العسكران كلٌّ على ضفةٍ من ضفَّتي دجلة، إذ يقول ابن الأثير: "وكان أكثرَ ما يَسُبُّهم عسكرُ محمد (بن ملكشاه): يا باطنية، يُعَيِّرونهم بذلك"(9).
_____________________________________
(8) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص42.
(9) المرجع السابق/ ج9، ص34.
_____________________________________
ومن الأمثلة التي نجدها في "الكامل في التاريخ" عن تعاظم أمر الباطنية في عسكر بركيارُق، أنَّ الأخير كان قد عيَّن والياً على خراسان عام 490ه/ 1096م هو الأمير داذ حبشي بن التونتاق، ولمَّا جاء بركيارُق لنجدة الأمير داذ حبشي في المعركة ضد أخيه سَنْجَر بن ملكشاه عام 493ه/ 1099م "كان مع الأمير داذ عشرون ألف فارسٍ، فيهم من رَجَّالة الباطنية خمسةُ آلاف"(10).
ولا بد لنا هنا من التوقف عند ما جرى لوزير بركيارُق مجد المُلك البلاساني(11) عام 492ه/ 1098م، والذي "تحكَّم في دولة السلطان بركيارُق وتمكَّن منها"(12)، وقد صير إلى قتله.. "وأما سَبَبُ قَتْلِهِ فإنَّ الباطنيةَ لمّا توالى منهم قتلُ الأمراء الأكابر من الدولة السلطانية (السلجوقية) نَسَبُوا ذلك إليه (أي إلى مجد الُملك) وأنه هو الذي وَضَعَهـــــــــــــــــم
_____________________________________
(10) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص27.
(11) أبو الفضل أسعد بن محمد البلاساني، الملقَّب بمجد المُلك.
(12) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص23.
____________________________________
على قتل مَنْ قتلوه، وعظَّم ذلك قتلُ الأمير برسق (عام 490ه/ 1096م على يد أحد الإسماعيليين الحشاشين)، فاتَّهَمَ أولادُهُ (أي أولادُ برسق) –زنكي وأقبوري وغيرُهما- مجدَ الُملك بقتله"(13)، وطالبوا بركيارُق بتسليمهم إياه، وهذا ما حدث، ثم قتلوه.. وبغض النظر عما إذا كان مجد المُلك بريئاً من عدمه، فإنَّ في ذلك دليلاً إضافياً على أنَّ الباطنية الحشَّاشين كانوا يغتالون أكابر الدولة السلجوقية بأمرٍ من بركيارُق وحاشيته، وربما هم أشاروا إلى مجد المُلك لإبعاد التهمة عن شخصٍ آخر
____________________________________
(13) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص23.
____________________________________
من جماعة بركيارُق، والله أعلم،  ذلك أنَّ ابن الأثير يدافع عن مجد المُلك بطريقة غير مباشرة، إذ يقول: "وكان مجد المُلك خيِّراً كثيرَ الصلاة بالليل كثيرَ الصدقة لا سيَّما على العلويين وأرباب البيوت وكان يكره سفكَ الدماء، وكان يتشيَّع إلا أنه كان يذكر الصحابةَ ذِكْراً حَسَناً ويلعن مَنْ يسُبُّهم"(14).   
ومن الأدلة أيضاً على تعاون بركيارُق مع الباطنية الحشَّاشين اشتداد شوكتهم وتعاظم أطماعهم بعد قتلهم الوزير نظام المُلك ووفاة السلطان السلجوقي ملكشاه، "وكان سببَ قوَّتهم أنَّ السلطان بركيارُق لمَّا حَصَرَ (أي
____________________________________
(14) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص23.
____________________________________
حاصر) أصبهان وبها أخوه (الطفل) محمود وأمه خاتون الجلالية وعاد منها، ظهرت مقالةُ الباطنية بها (أي الدعوةُ إلى معتقَدهم بأصفهان) وانتشرت وكانوا متفرِّقين في الَمحالّ فاجتمعوا وصاروا يسرقون مَنْ قَدروا عليه من مُخالفيهم ويقتلونهم"(15)، وهذا معناه بشرحٍ أوفى وعطفاً على الأدلة السابقة أنَّ بركيارُق هو الذي طلب منهم زيادة نشاطهم بأصفهان وتصفية خصومه وخاصةً من أتباع خاتون، والدة أخيه محمود والتي جعلت من طفلها سلطاناً، بالإضافة إلى إثارة البلبلة والفوضى.
_____________________________________
(15) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:






 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق