2017/03/22

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (3): رضوان يستعين بالحشَّاشين ضد أخيه دُقاق.



عام 488ه/ 1095م تقاسَمَ حُكْمَ بلاد الشام ولدا تُتُش: رضوان ودُقاق.. أمَّا رضوان فحصل على حلب، فيما حصل دُقاق على دمشق، ثم ما لبثت أن وقعت الحرب بينهما.. على أنَّ ما يعنينا هنا هو أنَّ رضوان قد استعان بالإسماعيليين الحشَّاشين في حربه الباردة ضد أخيه دُقاق وضد آخرين، حتى قال عنه ابنُ الأثير: "وكان (رضوان) يستعين بالباطنية (الحشَّاشين) في كثيرٍ من أموره لِقِلَّة دِيْنِهِ"...



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثالث

الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (3)


رضوان يستعين بالحشَّاشين ضد أخيه دُقاق



حسين احمد صبرا
أشرنا في هامشٍ سابق إلى أنَّ السلطان السلجوقي ملكشاه عيَّن أخاً له هو تُتُش بن ألب أرسلان ملكاً سلجوقياً على بلاد الشام. وبعد مقتل تُتُش عام 488ه/ 1095م تقاسَمَ حُكْمَ بلاد الشام ولداه: رضوان ودُقاق.. أمَّا رضوان فحصل على حلب (من عام 489ه/ 1096م إلى عام 507ه/ 1113م)، فيما حصل دُقاق على دمشق (من عام 489ه/ 1096م إلى عام 497ه/ 1103م) .. ثم ما لبثت أن وقعت الحرب بينهما عام 490ه/ 1096م حينما طمع كلٌّ منهما في الإستيلاء على مُلك الآخر. ومع هزيمة جيش دُقاق أمام جيش رضوان عند قِنِسَّرين (جنوب حلب/ أو قِنَّسْرِين)، قامت هدنةٌ بينهما، إلا أنَّ الصراع على النفوذ في بلاد الشام استمر محتدماً بين الإثنين.. على أنَّ ما يعنينا هنا هو أنَّ رضوان قد استعان بالإسماعيليين الحشَّاشين في حربه الباردة ضد أخيه دُقاق وضد آخرين، حتى قال عنه ابنُ الأثير: "وكان (رضوان) يستعين بالباطنية (الحشَّاشين) في كثيرٍ من أموره لِقِلَّة دِيْنِهِ"(1).
_____________________________________
(1) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص151.
_____________________________________
قَوِيَ نفوذُ الحشاشين في حلب وجوارها "واشتدَّت شوكتُهُم بها"(2) "في أيام (رضوان)، وتابَعَهم خلقٌ كثيرٌ على مذهبهم طلباً لجاههم، وصار كلُّ مَنْ أراد أن يحمي نفسَه من قتلٍ أو ضيمٍ إلتجأَ إليهم"(3)، "ومالَ إليهم خلقٌ كثيرٌ من الإسماعيلية (الحشَّاشين) بسَرْمِين والجور وجبل السمَّاق (جبل الأربعين) وبني عُلَيْم"(4)، "وخاف إبنُ بديع – رئيسُ الأحداث (أي رئيس الشرطة) – بحلب وأعيانُ البلد منهم لكثرتهم وشَدِّ بعضِهم من بعضٍ وحمايةِ مَنْ يلجأ إليهم منهم لكثرتهم"(5). وكان يتزعَّم الحشاشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــين آنذاك
_____________________________________
(2) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص189.
(3) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص259.
(4) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص189.
(5) المرجع السابق/ ص189.
_____________________________________
شخصٌ يدعى أسعد أبو القنج، ولَقَبُهُ الحكيم المُنَجِّم، والذي "استمالَ رضوانَ إلى الباطنية جداً، وظَهَرَ مذهبُهم في حلب، وشايَعَهم رضوانُ وحَفِظَ جانبَهم، وصار لهم بحلب الجاهُ العظيم والقدرة الزائدة، وصارت لهم دارُ الدعوة بحلب في أيامه. وكاتَبَهُ (أي رضوانَ) الملوكُ في أمرهم فلم يلتفت ولم يرجع عنهم"(6).
هذا النفوذ القوي للحشاشين في حلب برز بعد خلافٍ بين رضوان وبعل أمه جَناح الدولة (حسين بن ملاعب) سنة 490ه/ 1096م بعدما "تغيَّرت نية الملك رضوان على جَناح الدولة حسين فهَرَبَ (الأخيرُ) من حلب إلى حمص، وخرج من حلب ليلاً ومعه زوجته أم الملك رضوان؛ وأقام بحمص لأنها كانت في يده وحصَّنها"(7).. "وكان لرضوان مُنَجِّمٌ (من الحشَّاشين) يُقال له الحكيم أسعد (الحكيم المُنَجِّم)، وكان يميل إليه، فقَدَّمَهُ (أي قرَّبه منه) بعد مسير جَناح الدولة"(8)، "فحَسَّنَ (الحكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ
_____________________________________
(6) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص246.
(7) المرجع السابق/ ص235.. وقد ذكر ابن الأثير ذلك بقوله: "فرأى (جناحُ الدولة) من رضوان تغيُّراً فسار إلى حمص وهي له" (الكامل في التاريخ، ج9، ص11).
(8) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص11.
_____________________________________
المنجِّمُ) له (أي لرضوان) مذاهبَ العلويين (الفاطميين) المصريين"(9)، وأقنعه بالإنضواء تحت لوائهم على أمل أن يساعدوه على السيطرة على دمشق وحكم بلاد الشام بمفرده، فاختار لمهمة المراسلة بينه وبين الفاطميين عام 490ه/ 1096م قاضيَ حلب "فضلَ الله الزوزني العجمي الحنفي، وسيَّره رسولاً إلى مصر"(10)، و"أُجيبَ بالشكر والثناء"(11)، و"وَرَدَ على فخر الملوك رضوان كتابُ (الخليفة الفاطمي) المستعلي بالله صاحب مصر مع رسوله يلتمس منه الدخول في طاعته وإقامة الدعوة لدولته (الفاطمية)، وكذلك كتاب (قائد الجيوش الفاطمي) الأفضل (شاهنشاه أحمد بن بدر الجمالي) يتضمَّن مثل هذه الحال، فأجابهما (رضوان) إلى ما
________________________________________
(9) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص11.
(10) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص236.
(11) المقريزي/ إتعاظ الحنفا/ ج3، ص19.
________________________________________
التمساه وأَمَرَ بأنْ يُدْعى للمستعلي على المنبر وللأفضل من بعده ولنفسه بعده، وأَقامَت الخُطْبَةُ على هذه القضية تقدير أربع جُمَع"(12)، "فخَطَبَ (رضوانُ) لهم (للفاطميين) بشَيْزَر (شمال غرب حماة) وجميع الأعمال سوى (ما عدا) أنطاكية وحلب والمعرَّة"(13). "وكان الملك رضوان قد بنى الأمرَ في ذلك على الإجتماع مع العسكر المصري والنزول على دمشق لأخذها من أخيه الملك دُقاق"(14).
____________________________________
(12) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص133 (يذكر ابنُ العديم في زبدة الحلب، ص236: "ودامت الدعوة (للفاطميين) بحلب إلى رجب من سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة (أي من عام 490ه/ 1096م وحتى عام 492ه/ 1098م). وقيل: لم تَدُمْ أكثر من أربع جُمَع".. أما المقريزي فقال خطأً في "اتعاظ الحنفا"، ج3، ص19: "فكان مدة الخطبة للمستعلي أربعة أشهر").
(13) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص11.
(14) إبن القلانسي/ الذيل/ ص133.
____________________________________
على أنَّ ارتباط حاكم حلب السلجوقي رضوان بالفاطميين أثار حفيظة باقي الحكام السلاجقة شمال سورية وتحديداً ياغي سيان (حاكم أنطاكية) وسقمان بن أرتق (حاكم سَرُوج، شمال سورية من ديار مُضَر بالقرب من حرَّان)، فحَضَرا عند رضوان وأنكرا عليه "الدخول في هذا الأمر واستَبْدَعَاهُ من فِعْلِهِ وأشارا عليه بإبطاله وإطراح العمل به، فقَبِلَ ما أُشير به إليه وأعاد الخطبةَ"(15) "للإمام (العباسي) المستظهر ثم (السلطان السلجوقي) بركيارُق ثم لنفسه"(16)، "وأرسل إلى بغداد يعتذر عمَّا كان منه"(17)، "ولم يَصُحّ له مما التَمَسَهُ من المصريين شيءٌ"(18).
____________________________________
(15) إبن القلانسي/ الذيل/ ص133.
(16) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص236.
(17) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص11.
(18) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص236.
____________________________________
مع ازدياد نشاط الحشَّاشين في بلاد الشام عامةً وحلب خاصةً نتيجة ارتباط رضوان الوثيق بهم، راح الأخير يستعين بهم لاغتيال خصومه، وراحوا هم أنفسهم يغتالون خصومَهم، وطالت أولُ عملية اغتيالٍ نفَّذوها في بلاد الشام قاضيَ حلب فضلَ الله الزوزني سنة 495ه/ 1101م، "وكان (الزَوْزَني) قد خَرَجَ من يَدَي رضوان، فقُتل في بعض الدروب؛ وكان أَزْرَى (أي عابَ) على الباطنية (الحشّاشين) وعلى معتقدهم فقيل إنهم قتلوه"(19).. وفي كل الأحوال لا نستطيع أن نُخْرِج رضوانَ نفسَه من دائرة الإتهام، إذ قد يكون هو مَنْ طلب من الحشَّاشين اغتيال الزَوْزَني، ولا سيَّما أنَّ الإغتيال جاء عَقِبَ خروج قاضي حلب من عنده، بالإضافة إلى أنَّ هجوم الزَوْزَني على الحشَّاشين لا بدَّ وأن يكون آذى رضوانَ، وخاصةً أنهم حلفاؤه وذراعه اليمنى.. أو أنهم تجرَّأُوا على اغتياله من تلقاء أنفسهم وقد حَمُوا ظهرَهم برضوان، فالأمر سيَّان.
____________________________________
(19) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص236.
____________________________________
أما الإغتيال السياسي الأول من نوعه في بلاد الشام فكان اغتيال حاكم حمص جناح الدولة حسين بن ملاعب، العدو الأول لحاكم حلب رضوان، وذلك في العام التالي (496ه/ 1102م).. وكانت قد وقعت معركةٌ عام 495ه/ 1101م بين جَناح الدولة ورضوان، حيث "سار (جناحُ الدولة) إلى سَرمين (من أعمال حلب) فكَبَسَ عسكرَ الملك رضوان ونَهَبَهُ؛ وانهزم رضوانُ وأكثرُ عسكره وأَسَرَ (جناحُ الدولة) الوزيرَ أبا الفضل بن الموصول (وزير رضوان) وجماعةً وحَمَلَهم إلى حمص. وطَلَبَ (جناحُ الدولة) الحكيمَ المنجِّمَ الباطنيَّ (أي أراد إلقاء القبض عليه) فلم يظفر به، وكان هذا الحكيمُ قد أَفْسَدَ ما بينه وبين رضوان (...) فوَصَلَ هذا الحكيمُ حلبَ سالماً في جملة مَنْ سَلِمَ في هذه الوقعة"(20).
____________________________________
(20) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص246.
____________________________________
في عام 496ه/ 1102م تمكَّن الحشَّاشون من اغتيال جَناح الدولة في حمص بعدما "نزل من القلعة إلى الجامع لصلاة الجمعة وحوله بعض خواصّ أصحابه بالسلاح التام"(21)، حيث كان يعتزم بعد أداء الصلاة التوجه بعسكره لمنازلة الصليبيين وطردهم من منطقة طرابلس وجوارها، فاغتاله في الجامع "ثلاثةُ نَفَرٍ عَجَمٍ من الباطنية (...) وقد كان المعروف بالحكيم المُنَجِّم الباطني، صاحبِ الملك فخر الملوك رضوان – صاحب  حلب – أول مَنْ أظهَرَ مذهبَ الباطنية في حلب والشام وهو الذي ندب الثلاثة النَفَر لقتل جناح الدولة بحمص"(22)، "وقيل: إنَّ ذلك كان بأمـــــــــــــــــــــــــــــر
_____________________________________
(21) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص142.
(22) المرجع السابق/ ص142.
______________________________________
رضوان ورضاه"(23). "وورد الخبر بهلاكه (أي هلاكِ الحكيم المُنَجِّم) بعد الحادثة بأربعة عشر يوماً"(24)، "وقام بعده بأمر الدعوة الباطنية بحلب رفيقُه أبو طاهر الصائغ العجمي"(25).
بعد ثلاث سنوات، حَبَكَ الحشَّاشون بزعامة أبي طاهر الصائغ العجمي مؤامرةً لاغتيال صاحب حصن أفامية(26) خَلَف بن ملاعب بغية السيطرة على الحصن، "وأن يسلِّم (أبو طاهر) أفامية إلى الملك رضوان"(27). مع الإشارة إلى أنَّ القاضي الشيعي أبا فتح السرميني، الـــــــــــــــــــــذي
_____________________________________
(23) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص247.
(24) إبن القلانسي/ الذيل/ ص142.
(25) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص247.
(26) حصن أفامية يقع شمال غرب محافظة حماة.
(27) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص150.

_____________________________________
نسج المؤامرة مع زعيم الحشَّاشين أبي طاهر الصائغ العجمي، "أشار عليه (أي على زعيم الحشَّاشين) أن يوافِقَ رضواناً على إنفاذ ثلاثمائة رجل من سرمين"(28) لاحتلال الحصن، أي أنَّ مؤامرة الحشَّاشين تمَّت بموافقة ملك حلب رضوان. وبالفعل، فإنَّ الحشَّاشين بعدما قتلوا خَلَف بن ملاعب واستولوا على حصن أفامية عام 499ه/ 1105م "نادوا بشعار الملك رضوان"(29).
  هذا النفوذ القوي للحشَّاشين في المناطق التي يسيطر عليها رضوان، بالإضافة إلى ما أدت إليه حادثة اغتيال خَلَف بن ملاعب في النهاية من سيطرة الصليبيين على حصن أفامية عام 500ه/ 1106م بعدما حرَّضهم
_____________________________________
(28) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص94.
(29) المرجع السابق/ ج9، ص94.
_____________________________________
على ذلك مصبح، إبنُ خلف بن ملاعب، انتقاماً لمقتل أبيه على يد الحشَّاشين، كل ذلك أدى إلى أنَّ السلطان محمد بن ملكشاه لَعَنَ في مجلسه ابنَ عمِّه رضوان بسبب مشايعة الأخير  للحشَّاشين، ووصل هذا الأمر إلى مسامع رضوان، حيث يذكر ابن العديم: "وبَلَغَ رضوانَ في سنة إحدى وخمسمائة (501ه/ 1107م)، ما ذُكِرَ به من مشايعة الباطنية وأنه لُعِنَ بذلك في مجلس السلطان محمد بن ملكشاه، فأَمَرَ (رضوانُ) أبا الغنائم إبن أخي أبي الفتح (السرميني) الباطني – الذي عمل في قتل (خلف) ابن ملاعب – ما دبَّر الخروجَ من حلب (أي خروجَ أبي الغنائم) فيمن معه، فانسلَّ (أبو الغنائم) وخرج بجماعةٍ من أصحابه بعد أن قُتل أفرادٌ منهم"(30). وعلى كلٍّ فإنَّ إبعاد رضوان قَتَلة خلف بن ملاعب من الحشَّاشين عن حلب لم يكن الهدف منه سوى ذر الرماد في العيون، إذ استمر تعاونه الوثيق مع الحشَّاشين.  
_____________________________________
(30) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص250 – 251.
_____________________________________
"وكان رضوان يحب المالَ، ولا تسمح نفسُه بإخراجه، حتى كان أمراؤه وكتَّابُه يَنْبِزُونَهُ (أي يلقِّبونه) بأبي حَبَّة، وهو (أي المالُ) الذي أفسدَ أحوالَه وأضعفَ أمرَه"(31). وقد دفع حبُّ المال برضوان إلى حد أنه كان يستخدم الحشاشين في أعمال السطو والنهب، والحادثة الشهيرة في هذا الإطار محاولة الحشاشين بالإتفاق مع رضوان اغتيال رجل الأعمال المشرقي الخُجَنْدي بغية سرقة أمواله وبضائعه، وهو الذي كان قد قَدِمَ في قافلــــــــــــــــــةٍ
_____________________________________
(31) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص257.
_____________________________________
 تجارية من خراسان إلى حلب عام 505ه/ 1111م "ومعه خمسمائة حِمْلٍ عليها أصنافُ التجارات، وكان (الخُجَنْدي) شديداً على الباطنية (الحشَّاشين) أنفقَ أموالاً جليلة على مَنْ يقاتلهم، وكان قد صحبه من خراسان باطنيٌ يقال له أحمد ابن نصر الرازي، وكان أخوه (أخو الرازي) قد قَتَلَهُ رجالُ الخُجَنْدي. فدخل (الباطنيُّ) أحمد إلى حلب ومضى إلى أبي طاهر الصائغ العجمي – رئيس الباطنية بحلب – وكان (الصائغ العجمي) متمكناً من رضوان، فصعد إلى رضوان وأَطْمَعَهُ في مال الفقيه أبي حرب (الخُجَنْدي)، وأَراهُ أنه بريءٌ من التهمة في شأنه (أي لا يبغي الإنتقام منه بسبب عداوته للحشَّاشين)، إذ هو (أي الخُجَنْديُّ) معروفٌ بعداوة الباطنية. فطَمِعَ رضوانُ في ماله وطار فرحاً وبعث غلماناً له يتوكَّلون به، وسيَّر أبو طاهر الباطني معه جماعةً من أصحابه، فبينا أبو حرب الخُجَنْدي في غلمانٍ له يستعرض أحمالَه وحوله جماعةٌ من مماليكه وخَدَمِهِ إذ هجم عليه أحمد بن نصر الرازي في جماعةٍ من أصحاب أبي طاهر الباطني، فقال (الخُجَنْدي) لغلمانه: أليس هذا رفيقنا؟ فقالوا: هُوَ هُوَ. فوقعوا عليه فقتلوه. وقُتل الجماعةُ الذين معه من أصحاب أبي طاهر الباطني العجمي بأَسْرهم (...) فأَخْبَرَ (الخُجَنْدي) رضوانَ بذلك فأَبْلَسَ (تَحَيَّرَ)، وصار (أي ذَهَبَ) السُنَّةُ والشيعةُ إلى هذا الرجل (الخُجَنْدي) وأظهروا إنكار ما تمَّ عليه، وعَبَثَ أحداثُهم (فتيانُهم) بجماعةٍ من أحداث (فتيان) الباطنية فقتلوهم، ولم يتجاسر رضوانُ على إنكار ذلك. وكاتَبَ الفقيهُ أبو حرب (الخُجَنْدي) أتابكَ طُغْتِكِينَ (حاكم دمشق) وغيرَه من ملوك الإسلام، فتوافت رسُلُهُم إلى رضوان ينكرون عليه، فأنكر (رضوانُ) وحَلَفَ أنه لم يكن له في هذا الرجل نيَّة. وخرج الرجلُ (أي الخُجَنْديُّ) عن حلب مع الرُسُل، فعاد إلى بلده، ومكث الناسُ يتحدَّثون بما جرى على الرجل، ونَقَصَ (رضوانُ) في أعين الناس، فتوثَّبوا (نهضوا أو تجرَّأوا) على الباطنية من ذلك اليوم"(32).
____________________________________
(32) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص255 – 256.
____________________________________
بعد وفاة رضوان عام 507ه/ 1113م تسلَّم الحكم في حلب "إبنُهُ ألب أرسلان الأخرس وعمره ست عشرة سنة (...) ولم يكن ألب أرسلان أخرسَ وإنما في لسانه حُبْسةٌ (تَعَذُّر الكلام) وتمتمة (...) ولمّا مَلَكَ الأخرسُ (في حلب) استولى على الأمور لؤلؤُ الخادمُ(33)، ولم يكن للأخرس معه إلا إسم السلطنة، ومعناهُ (أي معنى المُلك عملياً) للؤلؤ (الخادم) "(34)، وقد عمل لؤلؤ الخادم على إبقاء نفوذ الحشَّاشين في حلب وأعمالها قوياً، "فكَتَبَ السلطانُ (السلجوقي) محمد بن ملك شاه إلى ألب أرسلان (الأخرس)، وقال له: "كان والدُك (رضوان) يخالفني في الباطنية (أي متحالفاً مع الحشَّاشين)، وأنت وَلَدي فأُحِبُّ أن تَقْتُلَهم"(35). "فشرَعَ (صاعِدُ) ابنُ بديع، رئيسُ (شرطة) حلب، في الحديث مع الملك ألب أرسلان
_____________________________________
(33) كان لؤلؤ خادماً في بلاط رضوان بن تُتُش.
(34) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص151.
(35) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص260.
_____________________________________
بن رضوان في أمرِهم (أي أمرِ الحشَّاشين) وقرَّر الأمرَ معه على الإيقاع بهم والنكاية فيهم، فقَبَضَ على (زعيمِ الحشاشين) أبي طاهر الصائغ وعلى كلِّ مَنْ دَخَلَ في هذا المذهب (الإسماعيلي الحشَّاشي) وهو زُهاء مائتي نَفْسٍ، وقُتل في الحال أبو طاهر الصائغ وإسماعيل الداعي وأخو الحكيم المنجِّم والأعيان المشار إليهم منهم، وحُبس الباقون واستُصفيت أموالهم وشُفع في بعضهم، فمنهم مَنْ أُطلق ومنهم مَنْ رُمي من أعلى القلعة ومنهم مَنْ قُتل، وهرب جماعةٌ أفلتوا إلى الإفرنج (الصليبيين) وتفرَّقوا في البلاد"(36).
_____________________________________
(36) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص189 – 190.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:














 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق