2017/03/22

كتاب" حزب الله والحشَّاشون"/ الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (4): حاكم دمشق طُغْتِكين يتحالف مع الحشَّاشين.



بعد وفاة حاكم دمشق السلجوقي دُقاق بن تُتُش تسلَّم حُكْمَ دمشق بعلُ والدته الأتابك طُغْتِكِين، الذي تعاون بدوره مع الحشَّاشين على اغتيال خصومه وإرعاب أهل دمشق، وأول ما يُسَجَّل في  هذا الإطار اغتيال الحشَّاشين لحاكم الموصل الأمير مودود، وهو الإغتيال الذي حدث في دمشق بينما كان طُغْتِكِين على بعد عدة خطواتٍ منه...




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثالث

الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (4)


حاكم دمشق طُغْتِكين يتحالف مع الحشَّاشين



حسين احمد صبرا
بعد وفاة حاكم دمشق السلجوقي دُقاق بن تُتُش (أخي رضوان) عام 497ه/ 1103م، تسلَّم حُكْمَ دمشق بعلُ والدته الأتابك(1) طُغْتِكِين، الذي تعاون بدوره مع الحشَّاشين على اغتيال خصومه وإرعاب أهل دمشق، وأول ما يُسَجَّل في  هذا الإطار اغتيال الحشَّاشين لحاكم الموصل الأمير مودود، وهو الإغتيال الذي حدث في دمشق بينما كان طُغْتِكِين على بعد عدة خطواتٍ منه.
_____________________________________
(1) الأتابكيات كانت عبارة عن وحدات سياسية نشأت مع تفكك الدولة السلجوقية وظهور البيوتات السياسية الحاكمة، ويُعرف أصحابها بالأتابكة، ومفردها أتابك.
_____________________________________
وقع الإغتيال "يوم الجمعة الأخيرة من شهر ربيع الآخر سنة  507 (ه/ 1113م)"(2)، "وقيل إنَّ هذه الواقعة كانت سنة خمسٍ وخمسمائة (505ه/ 1111م)"(3). وكان الأمير مودود "جاء إلى الشام لمساعدة أتابك طُغْتِكِين (ضد الصليبيين)"(4)، "فسار المسلمون إلى بيسان ونهبوا بلاد الفرنج بين عكا إلى القدس وخربوها، وقتلوا مَنْ ظفروا به من النصارى، وانقطعت المادة عنهم لبعدهم عن بلادهم، فعادوا (إلى دمشق)"(5)، "وأَذِنَ (مودودُ) للعساكر في العودة (إلى الموصل) والإستراحة ثم الإجتماع في الربيع
____________________________________
(2) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص187.
(3) إبن شَدَّاد/ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية – سيرة صلاح الدين الأيوبي (ورد الكتاب ضمن الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية، ج15، ص296).
(4) المرجع السابق/ ص296.
(5) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص149.
____________________________________
(المقبل) لمعاودة الغزاة، وبقي في خواصه، ودخل دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند طُغْتِكِين إلى الربيع"(6). ونَزَلَ مودودُ في "مخيَّمه بمرج باب الحديد"(7)، "وكان يَدْخُلُ كلَّ جمعةٍ إلى دمشق، فيصلّي بالجامع، ويتبرَّك بمصحف عثمان رضوان الله عليه"(8)، فدخل مودودُ "إلى الجامع على رَسْمِهِ (على عادته) ومعه أتابك (طُغْتِكِين)، فلما قُضِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيَت
____________________________________
(6) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص150.
(7) إبن القلانسي/ الذيل/ ص187. وقد ذكر ابن الأثير في الكامل، ج9، ص149 – 150 أنَّ الأمير مودود "نَزَلَ في مرج الصُفَّر"، ولعلَّ التسميتين واحدة.
(8) إبن شداد/ النوادر السلطانية/ ص296.
____________________________________
الصلاةُ وتَنَفَّلَ بعضَها مودودُ وعادا جميعاً وأتابك (طغتكين) أَمَامَهُ على سبيل الإكرام له، وحولهما من الديلم والأتراك والخراسانية والأحداث والسلاحية بأنواع السلاح (...) وَثَبَ رجلٌ من بين الناس لا يُؤبَهُ له ولا يُحْفَل به فقَرُبَ من الأمير مودود كأنه يدعو له ويتصدَّق منه فقبض بِبَنْدِ (قَيْد) قَبَائه (ردائه أو قنبازه) بسرعةٍ وضربه بخنجره أسفل سُرَّته ضربتين إحداهما نَفَذَتْ إلى خاصرته والأخرى إلى فخذه"(9)، وتوفي مودود "بعد ساعاتٍ يسيرة في اليوم المذكور"(10)، "فقيل إنَّ الباطنية (الحشَّاشين) بالشام خافوه وقتلوه، وقيل بل خافَهُ طُغْتِكِين فوَضَعَ عليه مَنْ قَتَلَهُ"(11). ويبقى اللافت ما ذكره ابنُ الأثير عن الرسالة التي أرسلها ملكُ الصليبيين
_____________________________________
(9) إبن القلانسي/ الذيل/ ص187.
(10) المرجع السابق/ ص187.
(11) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص150.
_____________________________________
بلدوين الأول إلى طُغْتِكِين يتَّهمه فيها بقتل مودود، فكتب نقلاً عن والده: "حدَّثني والدي قال: كَتَبَ ملكُ الفرنج إلى طُغْتِكِين بعد قَتْلِ مودود كتاباً من فُضُوله: إنَّ أُمَّةً قَتَلَت عميدَها يومَ عيدها في بيتِ معبودِها لحقيقٌ على الله أن يُبِيْدَهَا"(12).
 وبلغ تحالف حاكم دمشق طُغْتِكِين الوطيد مع الحشَّاشين أَوْجَهُ عام 520ه/ 1126م حينما قَدِمَ إليها الزعيم الجديد للحشَّاشين بهرام قادماً من حلب.. ويعود سبب قدومه إلى بلاد الشام إلى "أنَّ بهرام – ابن أخت الأسد أباذي (أو الإستراباذي) – لمَّا قُتِلَ خالُهُ (الأسد أباذي) ببغداد (...) هَرَبَ إلى الشام وصار داعي الإسماعيلية (الحشَّاشين) فيه"(13). "وفي هذه السنة (520ه/ 1126م) استفحل أمرُ بهرام، داعي الباطنية، وعَظُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمَ
_____________________________________
(12) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص150.
(13) المرجع السابق/ ج9، ص235.
_____________________________________
خَطْبُهُ في حلب والشام وهو على غايةٍ من الإستتار والإختفاء وتغيير الزيّ واللباس بحيث يطوف البلادَ والمعاقلَ ولا يعرف أحدٌ شخصَه، إلى أن حَصَلَ في دمشق (أي استقرَّ بها) بتقريرٍ قرَّره (حاكمُ حلب) نجمُ الدين أيل غازي بن أُرْتَق مع الأمير ظهير الدين أتابك (طُغْتِكِين) وخطابٍ وَكَّدَهُ بسببه، فأُكرم (بدمشق) لإتقاء شرِّه وشرِّ جماعته، وحُملت له الرعاية وتأكَّدت به العناية بعد أن تقلَّبت به الأحوال وتنقَّل من مكانٍ إلى مكان، وتَبِعَهُ جهلةُ الناس وسفهاءُ العوامِّ وسَفْسَافُ الفلاحين الطَغَام، مَنْ لا عقلَ له ولا ديانةَ فيه، احتماءً به وطلباً للشرِّ بحزبه"(14).
لا بد لنا من أن نوضِّح ما ذكره ابن القلانسي قبل قليل، ذلك أنَّ قدوم بهرام من حلب واستقراره بدمشق إنما جاء بعد اتفاقٍ بين حاكم حلب إيلغازي وحاكم دمشق طُغْتِكِين، حيث أن بهرام سبق له قبل قدومه إلى دمشق أن "أقام بحلب مدةً ونَفَقَ على إيلغازي صاحبِها (أي أنَّ إيلغازي هو الذي استضافه)، وأراد إيلغازي أن يعتضد به لإتقاء الناس شرّه وشرّ أصحابه لأنهم كانوا يقتلون كلَّ مَنْ خالفهم وقَصْد مَنْ يتمسَّك بهم. وأشار إيلغازي على طُغْتِكِين صاحبِ دمشق بأن يجعله (أي بهرام) عنده لهذا السبب، فقَبِلَ رأيَه وأخذه (أي بهرامَ) إليه"(15).
_____________________________________
(14) إبن القلانسي/ الذيل/ ص215.
(15) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص235.
_____________________________________
وهنا لا بد لنا من مناقشة أمرٍ فيه الكثير من المغالطة ذَكَرَهُ ابن القلانسي وردَّده ابن الأثير من بعده وهو أنَّ إيلغازي آوى الحشَّاشين بزعامة بهرام عنده بحلب لإتقاء شرِّهم وأنه أقنع طُغْتِكِينَ بأن يؤويهم بدوره بدمشق للسبب نفسه. بينما الحقيقة أنَّ إيلغازي استخدم الحشَّاشين (كما سَلَفِهِ رضوان) لإرعاب خصومه واغتيال منافسيه، وكذا فعل طُغْتِكِين. وأبرز دليل على استعانة إيلغازي بالحشَّاشين لاغتيال منافسيه هو حادثة اغتيال رئيس شرطة حلب السابق صاعد ابن بديع عام 513ه/ 1119م، والذي سبق له – كما ذكرنا – أن اقتلع الحشَّاشين من حلب أيام ألب أرسلان الأخرس ابن رضوان، وذلك بعد وفاة حاكم حلب رضوان بن تُتُش عام 507ه/ 1113م، وتمَّ الأمر استجابةً لطلب السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه، الذي أرسل رسالةً إلى ألب أرسلان يقول له فيها: "كان والدُك (رضوان) يخالفني في الباطنية (أي متحالفاً مع الحشَّاشين)، وأنت وَلَدي فأُحِبُّ أن تَقْتُلَهم". وبعد اجتثاث الحشَّاشين من حلب بواسطة رئيس شرطة حلب آنذاك صاعد بن بديع استعان ألب أرسلان بحاكم دمشق طُغْتِكِين على تدبير شؤون الحكم في حلب، فكان أول ما فعله طُغْتِكِين تقديم النصح بإقالة ابن بديع من منصبه وسَجْنِهِ، وكما يذكر ابن العديم: "وقَبَضَ (ألب أرسلان الأخرس) على رئيس (شرطة) حلب صاعِد بن بديع، وكان وجيهاً عند أبيه رضوان، فصادَرَهُ بعد التضييق عليه حتى ضَرَبَ نفسه في السجن بسكِّين ليقتل نفسه (أي حاول إبنُ بديع الإنتحار في السجن)، ثم أَطْلَقَهُ بعد أن قرَّر عليه مالاً، وأَخْرَجَهُ وأهلَه من حلب، فتوجَّه (ابنُ بديع) إلى مالك بن سالم إلى قلعة جعبر(16)"(17). وبعدما تسلَّم إيلغازي حُكْمَ حلب عام 511ه/ 1117م راسله ابن بديع طالباً منه السماح له بالعودة إلى حلب، فأرسل إليه إيلغازي العسكرَ ليَصْحَبُوه، فنزل ابنُ بديع من القلعة، " فلما صار عند الزورق ليقطع الماء إلى العسكر وَثَبَ عليه اثنان من الباطنية فضرباه عدة سكاكين"(18)، فتوفي ابنُ بديع متأثراً بجراحه. والسؤال هنا: كيف عَرَفَ الحشَّاشون أنَّ ابن بديع نازلٌ من القلعة في ذلك اليوم وفي تلك اللحظة، فهل كانت لديهم قوة اسطورية خارقة ليعرفوا ذلك، اللهم إلا إذا كان حليفهم الوطيد إيلغازي قد أخبرهم وطلب منهم اغتياله ليبدو الأمر على أنه انتقامٌ من الحشاشين على ما فعله بهم ابنُ بديع في حلب قبل سنوات. وبذا تخلَّص إيلغازي من خصمٍ له كان سيعارض تحالفه مع الحشاشين فيما لو قُدِّر له (أي لابن بديع) العودة إلى حلب.
_____________________________________
(16) قلعة جعبر أو الدَوْسَر أو الدُوسَرية، وهي تقع على الفرات قرب صفّين بين حلب والرقّة.   
(17) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص261.
(18) المرجع السابق/ ص270.
_____________________________________
وبالعودة إلى بهرام وتحالف ظهير الدين طُغْتِكِين معه بدمشق، فإنَّ وزير طُغْتِكِين واسمه المزدقاني، تعاون بدوره مع الحشَّاشين، والأمر الطبيعي هنا أنَّ يكون تعاونه قد تمَّ بناءً على أوامر من طُغْتِكِين نفسه، حتى أنه سلَّم لهم حصن بانياس(19).. يقول ابن القلانسي: "ووافقه الوزير طاهر بن سعد المزدقاني – وإن لم يكن على مذهبه – على أمره (أي أنَّ المزدقاني تعاون مع زعيم الحشَّاشين بهرام)، وساعده على بثّ حبال شرِّه وإظهار خافي سرِّه. فلما ظَهَرَ أمرُهُ وشاع وطاوعه وزيرُ ظهير الدين المذكور ليكون عوناً له على فعله وتقوية يدِهِ في شغلِهِ، إلتَمَسَ من ظهير الدين أتابك (طُغْتِكِين) حصناً يأوي إليه ومعقلاً يحتمي به ويعتمد عليه، فسلَّم له ثغرَ بانياس في ذي القعدة سنة 520 (ه) (تشرين الثاني/ نوفمبر 1126م)، فلما حصلَ فيهِ (أي لمَّا حصل بهرام على حصن بانياس) اجتمع
_____________________________________
(19) بانياس: تقع عند سفح جبل الشيخ قرب نهر بانياس (أحد روافد نهر الأردن) ، وهي الآن بين الحدود اللبنانية الفلسطينية السورية.
_____________________________________
إليه أوباشُهُ من الرعاع والسفهاء والفلاحين والعوامّ وغوغاءِ الطَغَام، الذين استَغْواهُم بمُحالِهِ وأباطيلِهِ واستمالهم بخِدَعِهِ وأضاليله، فعَظُمَت المصيبة بهم وجلَّت المحنةُ بظهور أمرهم (...) وضاقت صدور الفقهاء والمتديِّنين والعلماء وأهلِ السُنّة والمقدَّمين والستر والسلامة من الأخيار المؤمنين، وأحجمَ كلٌّ منهم من الكلام فيهم والشكوى لواحدٍ منهم دفعاً لشرِّهم وارتقاباً لدائرة السوء عليهم لأنهم شرعوا في قتل مَنْ يعاندهم ومعاضدة مَنْ يؤازرهم على الضلال ويُرافِدُهم، بحيث لا يُنكِر عليهم سلطانٌ ولا وزير ولا يَفُلُّ حَدَّ شرِّهم متقدّمٌ ولا أمير"(20). ويُعيد ابن الأثير صياغة هذا الكلام بشكلٍ أوضح فيقول: "فلولا أنَّ عامَّة دمشق يغلب عليهم مذاهب أهل السنَّة وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه لَمَلَكَ (بهرامُ) البلدَ. ثم إنَّ بهرام رأى من أهل دمشق فظاظةً وغلظةً عليه فخاف عاديتهم فطلب من طُغْتِكِين حصناً يأوي إليه هو ومَنْ اتَّبَعَهُ، فأشار الوزير (المزدقاني) بتسليم قلعة بانياس إليه، فسُلِّمت إليه، فلمّا سار إليها اجتمع إليه أصحابُهُ من كل ناحية فعَظُمَ حينئذٍ خَطْبُهُ وجلت المحنةُ بظهوره واشتدَّ الحال على الفقهاء والعلماء وأهل الدين، لا سيما أهــــــــــــــــــــــــــــــــــل
_____________________________________
(20) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص215.
_____________________________________
السُنَّة والستر والسلامة، إلا أنهم لا يقدرون على أن ينطقوا بحرفٍ واحدٍ خوفاً من سلطانهم (طُغْتِكِين) أولاً ومن شر الإسماعيلية (الحشَّاشين) ثانياً، فلم يُقْدِم أحدٌ على إنكار هذه الحال، فانتظروا بهم الدوائر"(21).
بعد تسلُّم الحشَّاشين بزعامة بهرام حصن بانياس من طُغْتِكِين أرادوا التوسع شمالاً باتجاه وادي التيم(22)، "وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك أصحابُ مذاهب مختلفة من النصيرية والدرزية والمجوس وغيرهم"(23)، "واتَّفق أنَّ بهرام (...) حدَّثَتْهُ نفسُهُ بقتل برق بن جندل(24)، أحد مقدَّمي وادي التيم لغير  سببٍ حَمَلَهُ عليه ولا جنايةٍ دَعَتْهُ إليه، بل اغترارٌ بعاقبة
_____________________________________
(21) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص235.
(22) وادي التيم: يقع حالياً جنوب شرق لبنان، ومن أشهر بلداته حالياً راشيّا الوادي.
(23) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص250.
(24) من زعماء الإسماعيلية الدروز.
_____________________________________
الظالمين في سفك الدماء المحرَّمة (...)، فخَدَعَهُ (بهرامُ) إلى أن حَصَلَ في يده فاعتَقَلَهُ وقَتَلَهُ صَبْراً (إعداماً)"(25). حينها صمَّم أخوه ضحّاك بن جندل على الأخذ بثأر أخيه من الحشاشين، وصودف أن عاد بهرام وقصد وادي التيم مرة أخرى، فكان ضحَّاك وقومه بانتظاره حيث هجموا بغتةً على مكان تجمُّع الحشَّاشين وأمعنوا فيهم قتلاً، وكان من بين القتلى بهرام نفسه، إذ قطَّعوه إرباً وأخذوا رأسه إلى مصر، وكان ذلك عام 522ه/ 1128م(26).
"وقام بعد بهرام صاحبُهُ إسماعيل العجمي (أو إسماعيل الداعي) (...) مقامَهُ، وأخذ في الإستغواء للسَفْسَاف مثالِهِ وزاد في الجهل زيادةً أظهرت سُخْفَ عقله ومُحاله وتجمَّع إليه بقايا الطائفة (الحشَّاشية) الخبيثة مــــــــــــــن
_____________________________________
(25) إبن القلانسي/ الذيل/ ص221.
(26) راجع المرجع السابق ص222.
_____________________________________
النواحي والأصقاع ومَنْ كان منهم متفرِّقاً في النواحي والبقاع. وجرى أبو علي طاهر بن سعد المزدقاني، الوزيرُ، على الحال التي سَلَكَها مع بهرام في حق إسماعيل في المساعدة على مراده والمعاضدة على أغراضه"(27).
عام 522ه/ 1128م توفي حاكم دمشق ظهير الدين طُغْتِكِين وتولَّى الحكم بعده إبنُهُ بوري بن طُغْتِكِين، الملقَّب بتاج الملوك. "وأقرَّ (بوري بن طُغْتِكِين، أي بمعنى أبقى) وزيرَ أبيه أبا علي طاهر بن سعد المزدقاني على وزارته (...) ولم يصرف أحداً من نوَّابه المعروفين بخدمته (...)، وأحسن إلى وزيره المقدَّم ذكرُهُ (أي طاهر المزدقاني) وأطلق له عُشر ارتفاعه مع حقوق العرض عن الإقطاعات الواجبات والنفقات"(28)، في الوقت الذي استمرَّ تعاون المزدقاني مع الحشَّاشين و"أقام (أي المزدقاني) بدمشق عوَضَ بهرام
_____________________________________
(27) إبن القلانسي/ الذيل/ ص222 – 223.
(28) المرجع السابق/ ص220.
_____________________________________
إنساناً (من الحشَّاشين) إسمه أبو الوفا فَقَوِيَ أمرُه وعلا شأنُه وكَثُرَ أتباعُهُ، وقام بدمشق فصار المستولي على مَنْ بها من المسلمين وحكمُهُ أكثر من حكم صاحبها تاج الملوك (بوري بن طغتكين)"(29)، حيث أنَّ الوزير المزدقاني عيَّن الحشَّاشي أبا الوفا في منصب قاضي قضاة دمشق "وأعانهم (أي المزدقاني) على الإيغال في هذا الضلال معونةً بالَغَ فيها"(30). كلُّ ذلك "وتاجُ الملوك (بوري بن طُغْتِكِين) غيرُ راضٍ بذاك ولا مؤثرٍ له، بل تبعثُه السياسة السديدة والحلم الوافر والمعرفة الثاقبة على الإغضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
_____________________________________
(29)إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص250.
(30) إبن القلانسي/ الذيل/ ص221.
_____________________________________
منهم على القذى والصبر على مؤلم الأذى، وهو يسرُّ في نفسه ما لم يُظْهِرْهُ، ويطوي من أمرهم ما لم ينشره، إلى حين يجد الفرصة متسهِّلة المرام والمَكِنَة (أي التمكُّن) من أعداء الله بادية الاعلام، فعند ذاك تُنتهز  الفرصة وتُقتنص الفريسة"(31).
إلى أن حصل أن وقع المزدقاني والحشَّاشين في شرِّ أعمالهم، إذ تآمروا مع الصليبيين على أن يسلِّموهم مدينة دمشق ويحصلوا منهم في المقابل على مدينة صور، مع الإشارة إلى أنَّ الصليبيون كانوا قد احتلوا صور وطردوا الفاطميين منها عام 518ه/ 1124م (أي قبل عامين)، لكنَّ أمر المزدقاني والحشَّاشين انكشف لبوري بن طُغْتِكِين. يقول ابن الأثير: "ثم إنَّ (الوزير) المزدقاني راسَلَ الفرنجَ ليسلِّم إليهم مدينة دمشق ويسلِّموا إليه مدينة صور، واستقرَّ الأمر بينهم على ذلك وتقرَّر بينهم الميعاد يـــــــــــــــــــــــــــــومَ
____________________________________
(31) إبن القلانسي/ الذيل/ ص221.
____________________________________
جُمُعَةٍ ذَكَرُوه، وقرَّر المزدقاني مع الإسماعيلية (الحشَّاشين) أن يحتاطوا ذلك اليوم بأبواب الجامع فلا يمكِّنون أحداً يخرج منه ليجيء الفرنج ويملكوا البلاد. فبلغ الخبر تاجَ الملوك (بوري بن طُغْتِكِين) صاحب دمشق، فاستدعى المزدقاني إليه فحضر وخلا معه فقتله تاجُ الملوك وعلَّق رأسَه على باب القلعة ونادى في البلد بقتل الباطنية فقُتل منهم ستة آلاف نفسٍ، وكان ذلك منتصف رمضان من السنة (523ه/ 1128م)، وكفى الله المسلمين شرَّهم وردَّ على الكافرين كيدَهم. ولما تمَّت هذه الحادثة بدمشق على الإسماعيلية خاف (الداعي الحشَّاشي) إسماعيلُ، والي بانياس، أن يثور به وبمن معه من الناس فيهلكوا، فراسَلَ الفرنجَ وبَذَلَ لهم تسليمَ بانياس إليهم والإنتقال إلى بلادهم، فأجابوه، فسلَّم القلعةَ إليهم وانتقل هو ومَنْ معه من أصحابه إلى بلادهم، ولَقُوا شدّةً وهواناً، وتوفي إسماعيل سنة أربعٍ وعشرين (524ه/ 1129م)، وكفى اللهُ المؤمنين شرَّهم"(32).
_____________________________________
(32) إبن الأثير/ الكامل/ ص250 – 251.
_____________________________________
بعد مذبحة دمشق تلك، والتي طالت الحشَّاشين، قرَّر زعماء الحشَّاشين في قلعة أَلَمُوت في بلاد فارس اغتيال حاكم دمشق تاج الملوك بوري بن طُغْتِكِين بعدما قتل منهم 6 آلاف. يقول ابن القلانسي: "إنَّ الباطنية لمّا جرى عليهم ما قضاه الله من البوار وأحلَّه بهم من الهلاك والدمار، انتهى خبر ذاك إلى رفقائهم بـ (قلعة) أَلَمُوت، فأسفوا عليهم وقلقوا لِمَا نَزَلَ بهم وشَرَعوا في بث حبائل شرِّهم ونصب أشراك خَتْرِهم (غَدْرِهم) ومكرهم وندبوا لتاج الملوك مَنْ يغتاله ويوقع به من جُهّال إخوانهم وفُتّاك أقرانهم. ووقع اختيارهم على جاهلَين من الخراسانية قرَّروا معهما التحيُّل في أمر تاج الملوك (بوري بن طُغْتِكِين) والطلب له والفتك به في داره عند إمكان الفرصة فيه. ووصل هذان الرجلان إلى دمشق في زيّ الأتراك بالقباء والشربوش وحضرا إلى معارف لهما من الأتراك وسألوهما الوساطة في استخدامهما وتقرير الواجب لهما، وخدعاهم ولم يرتابوا بهما، وتدرَّجا بالحيلة والمكر إلى أن صارا في الجملة من الخراسانية المرتّبين لحفظ ركاب تاج الملوك (بوري بن طُغْتِكِين)، وتمكَّنا وسَكَنَت القلوب إليهما لأنهما ضُمِنا. ورَقَبَا الفرصةَ في تاج الملوك إلى أن دخل الحمّام وعاد منه ووصل إلى باب داره من القلعة بدمشق وتفرَّق عنه مَنْ كان في ركابه من الخراسانية والديلم والأحداث الحفظة له، فوثبا عليه في يوم الخميس لخمسٍ خَلَوْنَ من جمادى الآخرة سنة 525 (ه/ ) وضَرَبَهُ أحدُهما بالسيف طالباً لرأسه فجرحهُ في رقبته جرحاً لم يتمكَّن منه، وضَرَبَهُ بسكّين عند خاصرته نفذت بين اللحم والجلد، ورمى (تاج الملوك بوري) بنفسه في الحال عن فرسه سليماً وتكاثرت الرجال عليهما فقطَّعوهما بالسيوف، وأُحضر أهل الخبرة بمداواة الجراح من الأطباء والجرّائحيين، وعولِجا (أي الجرحان)، فبَرَأَ أحدُهما الذي عند الرأس، وتنَسَّرَ الذي في الخاصرة، وصَلُحَت الحال في ذلك ورَكِبَ وأقامَ مدّةً يحضرُ مجلسَه الخواصُّ والعسكرية والأجناد للسلام والشراب على الرسم المعتاد"(33). وفي العام التالي (سنة 526ه/ 1131م) توفي بوري بن طُغْتِكِين "يوم الإثنين الحادي والعشرين من رجب"(34) متأثراً بجراحه.
_____________________________________
(33) إبن القلانسي/ الذيل/ ص230.
(34) المرجع السابق/ ص233.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق