2017/04/28

إغتيالات الحشَّاشين (20)/ المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين.



في العام التالي، أي سنة 571ه/ 1175م، عاد صلاح الدين إلى حلب وحاصر أَعْزاز (أو عَزَاز، وهي من أعمال حلب)، فعاود الحشاشون الكرَّة وحاولوا اغتياله مرَّةً ثانية وبالطريقة ذاتها بالإندساس في صفوف عسكر  صلاح الدين..






إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثاني – الجزء الأول

إغتيالات الحشَّاشين (20)

المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين


حسين احمد صبرا
وفي العام التالي، أي سنة 571ه/ 1175م، عاد صلاح الدين إلى حلب وحاصر أَعْزاز (أو عَزَاز، وهي من أعمال حلب)، فعاود الحشاشون الكرَّة وحاولوا اغتياله مرَّةً ثانية وبالطريقة ذاتها بالإندساس في صفوف عسكر  صلاح الدين.. وينقل أبو شامة في "كتاب الروضتين" عن ابن أبي طي في "السيرة الصلاحية" أنَّ الحشّاشين "جاؤوا بزِيّ الأجناد، ودخلوا بين المُقَاتِلة، وباشروا الحربَ (أي قاتلوا في صفوف صلاح الدين) وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان (صلاح الدين) لعلَّهم يجدون فرصةً ينتهزونها (لاغتياله). فبينما السلطان يوماً جالسٌ في خيمة (الأمير) جاولي (الأسدي)، والحربُ قائمة، والسلطان مشغولٌ بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحدُ الحشيشية وضربه بسِكِّينةٍ على رأسه(1)، وكان رحمه الله محترزاً خائفاً من الحشيشية، لا ينزع الزَرَدِيّة (نوعٌ من الدروع) عن بدنه، ولا صفائحَ الحديد عن رأسه، فلم تصنع ضربةُ الحشيشيّ شيئاً لمكان صفائح الحديد(2). وأحسَّ الحشيشيُّ بصفائح الحديد على رأس السلطان
_____________________________________
(1) ذَكَرَ عماد الدين الأصفهاني في كتابه "البرق الشامي في تاريخ الدولة الصلاحية" أنَّ صلاح الدين إنما كان يتفقَّد عسكرَهُ والآلات الحربية، إذ قال: " وكان للأمير جاولي الأسدي خيمةٌ قريبةٌ من المنجنيقات، وكان السلطان يحضر فيها كل يوم لمشاهدة الآلات وترتيب المهمات، وحضِّ الرجال والحثِّ على القتال (...) والحشيشية في زِيِّ الأجناد وقوفاً، والرجال عنده صفوف، إذ قفز واحدٌ منهم (أي من الحشَّاشين) فضرب رأسَه (أي رأس صلاح الدين) بسكِّينه". (رواية الأصفهاني أوردها أبو شامة في "الروضتين"، ج2، ص268- 269، مع الإشارة إلى أنَّ أجزاء كتاب الأصفهاني "البرق الشامي" مفقودة ما عدا الجزئين الثالث والرابع، وهذه الرواية وردت في الجزء الثاني المفقود، حيث أنَّ الجزء الثالث يبدأ في التأريخ من عام 573ه/ 1177م).
(2)  الملابس الواقية التي كان صلاح الدين يرتديها ورد الحديث عنها بتفصيلٍ أكثر في ما ذكره ابنُ الأثير عن تلك الحادثة في "الكامل"، ج10، ص76، إذ قال: "فبينما صلاح الدين يوماً في خيمةٍ لبعض أمرائه، يُقال له جاولي، وهو مقدَّمُ الطائفة الأسدية، إذ وثب عليه باطنيٌّ فضربه بسكِّينٍ في رأسه، فجرحه، فلولا أنَّ المِغْفَرَ (الدِرع الذي يُلبس تحت القَلَنْسُوَة) الزَرَدَ تحت القَلَنْسُوَة لَقَتَلَهُ، فأمسك صلاح الدين يدَ الباطنيِّ بيده، إلا أنه لا يقدر على منعه من الضرب بالكلية إنما يضرب ضرباً ضعيفاً، فبقي الباطنيُّ يضربه في رقبته بالسكِّين، وكان عليه كَزَاغُنْد (الكزاغند أو القزاغند، مفرد كزاغنديات أو قزغنديات، لفظٌ فارسي معناه المعطف القصير يُلبَس فوق الزردية، وكان يُصنع من القطن أو الحرير المبطَّن المنجَّد)، فكانت الضربات تقع في زِيْقِ الكَزَاغُنْد (الزِيْقُ هو ما يحيط بالعُنق من الثوب)، فتقطِّعه، والزَرَدية (الدِرع) تمنعها من الوصول إلى رقبته، لبُعْدِ أَجَلِهِ، فجاء أميرٌ من أمرائه، إسمه يازكش، فأمسك السكّيِن بكفِّه، فجرحه الباطنيُّ، ولم يُطْلقها من يده إلى أن قُتل الباطني، وجاء آخرُ من الإسماعيلية (الحشَّاشين) فقُتل أيضاً، وثالثٌ فقُتل ورَكِبَ صلاحُ الدين إلى خيمته كالمذعور، لا يصدِّق بنجاته".
_____________________________________
فسَبَحَ (أَجْرَى) يدَه بالسِكِّينة إلى خدِّ السلطان، فجرحه وجرى الدم على وجهه؛ فتَعْتَعَ السلطانُ لذلك (أي تعثَّر لسانه من الألم). ولما رأى الحشيشيُّ ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه حتى وضعه على الأرض ورَكِبَه ليَنْحَرَهُ(3). وكان مَنْ حَوْلَ السلطان قد أَدْرَكَتْهُم دهشةٌ أَخَذَتْ بعقولهم. وحَضَرَ في ذلك الوقت سيفُ الدين يازكوج (ولّاه صلاح الدين لاحقاً قلعة حلب سنة 579ه)  – وقيل: إنه كان حاضراً – فاخْتَرَطَ (إسْتَلَّ) سيفَه وضرب الحشيشيَّ فقتله. وجاء آخرُ من الحشيشية أيضاً يقصد السلطان، فاعترضه الأمير (داود بن) منكلان الكُرْدي وضربه بالسيف، وسبق الحشيشيُّ إلى منكلان فجرحه في جبهته، وقتلــــــــــــــــه منكـلان،
________________________________________
(3)  ذَكَرَ الأصفهاني في "البرق الشامي" أنَّ صلاح الدين هو مَنْ وَقَعَ على الحشيشيّ ورَكِبَهُ، إذ قال: "ولَفَحَت المِدْيَةُ (الشَفْرة الكبيرة) خَدَّه فخدشته. فقوَّى السلطانُ (صلاحُ الدين) قلبَه، وحاشَ رأسَ الحشيشيّ إليه وجذبه، ووَقَعَ عليه ورَكِبَهُ" (راجع "كتاب الروضتين" لأبي شامة ، ج2، ص269).
________________________________________
ومات منكلان من ضربة الحشيشيّ بعد أيام. وجاء آخرُ من الباطنية فحصل في سَهْمِ (أي كان من نصيب) الأمير علي بن أبي الفوارس، فهجم على الباطني ودخل الباطني فيه ليضربه، فأخذه عليٌّ تحت إبطه، وبقيت يدُ الباطنيّ من ورائه لا يتمكَّن من ضربه، فصاح عليٌّ: اقتلوه واقتلوني معه(4). فجاء ناصر الدين محمد بن شِيركُوه، فطَعَنَ بطنَ الباطنيّ بسيفه، وما زال يُخَضْخِضُهُ فيه حتى سقط ميتاً ونجا ابنُ أبي الفوارس، وخرج آخرُ من الحشيشية منهزماً، فلقيه الأمير شهاب الدين محمود – خال السلطان (صلاح الدين) – فتنكَّبَ الباطنيّ عن طريق شهاب الدين، فقصَده أصحابُهُ وقطَّعوه بالسيوف"(5).
____________________________________
(4) أورد الأصفهاني في "البرق الشامي" أنَّ عليَّ بنَ أبي الفوارس نادى قائلاً: "اقتلوني معه فقد قتلني، وأَذْهَبَ قُوَّتي وأَذْهَلَني (أي جَعَلَهُ يغيب عن رشده)" (راجع "كتاب الروضتين" لأبي شامة، ج2، ص269).
(5) أبو شامة/ كتاب الروضتين/ ج2، ص270.
____________________________________
بعد نجاة صلاح الدين لثاني مرة من محاولة الحشّاشين اغتياله لم يعد يكتفي بلباس الدروع الواقية، بل زاد عليها بأن بنى برجاً من الخشب يجلس فيه وينام ولا يدخل إليه إلا مَنْ يعرفه ويثق به، إذ يتابع ابنُ أبي طي قائلاً في كتابه المفقود "السيرة الصلاحية": "وأما السلطان (صلاح الدين) فإنه ركب من وقته إلى سرادقه ودمه على خدِّه سائل، وأخذ من ذلك الوقت في الإحتراس والإحتراز، وضَرَبَ حول سرادقه مثال الخَرْكاة(6)، ونُصب له في وسط سُرادقه برجاً من الخشب كان يجلس فيه وينام، ولا يدخل عليه إلا مَنْ يعرفه(7)، وبَطَلَت الحربُ في ذلك اليوم، وخاف الناسُ على السلطان. واضطرب العسكر، وخاف الناس بعضهم من بعض، فألجأت الحال إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس، فركب حتى سَكَنَ العسكرُ، وعاد إلى خيمته، وأخذ في قتال عَزَار فقاتلها مدة ثمانيةً وثلاثين يوماً حتى عجز مَنْ كان فيها وسألوا الأمان، فتسلَّمها حادي عشر ذي الحجة"(8).
_____________________________________
 (6) الخَرْكاه: لفظ فارسي، بيتٌ من خشبٍ مصنوعٌ على هيئة مخصوصة ويُغَشَّى بالجوخ ونحوه، تُحْمَلُ في السَفَر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد/وفي تفسيرٍ آخر أنه نوع من الخيمة يتكوَّن من قطعٍ من الخشب معقودٌ بينها على شكل قبة، وتغطِّيها قطعٌ من اللبد.
(7) ذّكَرَ الأصفهاني في "البرق الشامي" أنَّ صلاح الدين "جلس في بيت الخشب، وبرز للناس كالمحتجِب، وما صرَّف (فَوَّضَ) إلا مَنْ عَرَفَه، ومَنْ لم يعرفه صَرَفَهُ، وإذا ركب وأبصر مَنْ لا يعرفه في موكبه أبعده ثم سأل عنه، فإن كان مُسْتَسْعِفاً أو مُسْتَسْعِداً (طالباً للمعاونة أوالمساعدة) أسعفه وأسعده". (راجع "كتاب الروضتين" لأبي شامة، ج2، ص269).
(8) أبو شامة/ كتاب الروضتين/ ج2، ص270 – 271.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:











 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق