2017/03/21

كتاب "حزب الله والحشاشون"/ وصف المؤرخين للحشاشين.



إنَّ كلَّ المؤرِّخين العرب والمسلمين، الذين عاصروا أحداث القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، إضافةً إلى كلِّ المؤرخين الصليبيين والباحثين الأوروبيين اللاحقين، قد أجمعوا على أنَّ "فنَّ" الإغتيال هذا لم يسبق الإسماعيلية الحشاشين إليه أحدٌ عبر تاريخ البشرية جمعاء.. لقد نجح حسن الصبّاح، منطلقاً من بلاد فارس، في استقطاب مجموعة معيَّنة من البشر استثمر فيهم جهلَهم المطبق وعنصريَّتهم وروحهم العدوانية العالية وجاهزيَّتهم للإنقياد، بحيث استطاع تنظيم هذا الجهل والعنصرية والعدوانية والإنقياد في إطارٍ عقيدي ديني، أدى النجاح فيه إلى إنتاج طاعةٍ عمياء أثمرت إرهاباً وإرعاباً دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وهو الإستثمار نفسه الذي استنسخه نظامُ الوليّ الفقيه في إيران بحذافيره ليطبِّقه بنجاحٍ في بعض الشيعة العرب ليحصد منهم طاعةً عمياء لا يضاهيها في عماها إلا طاعة الحشَّاشين الشيعة لإمامهم...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)

الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الأول

وصف المؤرِّخين للحشَّاشين




حسين احمد صبرا
إنَّ الوصف الأكثر دقَّةً وبلاغةً في التعبير، والذي قرأناه عن الإسماعيلية الحشَّاشين بعد أشهرٍ طويلة ومضنية من القراءة عنهم والبحث فيهم، هي لباحثٍ إنكليزي في القرن التاسع عشر اسمه ستانلي لين بول، قاله في كتابه "صلاح الدين وسقوط مملكة القدس"، إذ يقول هذا الباحث الإنكليزي (وقد أعدنا تصويب الصياغة كما يُفترض): "إنَّ فيلق الفدائيين (من الحشَّاشين) كانوا يتدرَّبون على الإغتيال وكأنه فَنٌّ من الفنون الجميلة"(1)!
إنَّ كلَّ المؤرِّخين العرب والمسلمين، الذين عاصروا أحداث القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، إضافةً إلى كلِّ المؤرخين الصليبيين والباحثين الأوروبيين اللاحقين، قد أجمعوا على أنَّ "فنَّ" الإغتيال هذا لم يسبق الإسماعيلية الحشاشين إليه أحدٌ عبر تاريخ البشرية جمعاء.. لقد نجح حسن الصبّاح، منطلقاً من بلاد فارس، في استقطاب مجموعة معيَّنة من البشر استثمر فيهم جهلَهم المطبق وعنصريَّتهم وروحهم العدوانية العالية وجاهزيَّتهم للإنقياد، بحيث استطاع تنظيم هذا الجهل والعنصرية والعدوانية والإنقياد في إطارٍ عقيدي ديني، أدى النجاح فيه إلى إنتاج طاعةٍ عمياء أثمرت إرهاباً وإرعاباً دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وهو الإستثمار نفسه الذي استنسخه نظامُ الوليّ الفقيه في إيران بحذافيره ليطبِّقه بنجاحٍ في بعض الشيعة العرب ليحصد منهم طاعةً عمياء لا يضاهيها في عماها إلا طاعة الحشَّاشـــــــــــــــــــــــــــين الشيعة لإمامهم.. ويُلقي المؤرِّخ
____________________________________
(1) ستانلي لين بول/ صلاح الدين وسقوط مملكة القدس/ ص129 (صدر الكتاب قي نيويورك عام 1898م، تعريب فاروق سعد أبو جابر، طبعة 1995).
____________________________________
العربي ابن الجوزي (المتوفَّى سنة 597ه/ 1200م) الضوء على الخطة التي اتَّبعها الحسن بن الصبّاح في تجنيد الشباب وضمِّهم إلى صفوف ميليشياته، فيقول في كتابه "المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم":
"وكانت سيرته (أي الحسن بن الصبّاح) في دعائه أنه لا يدعو إلا غبياً لا يفرِّقُ بين شماله ويمينه، ومَنْ لا يعرف أمور الدنيا، ويُطْعِمُهُ الجوزَ والعسلَ والشونيزَ (الحبة السوداء)، حتى يتسبَّط دماغُهُ (أي بمعنى يَسْهُلُ التأثير عليه)، ثمَّ يذكر له حينئذٍ ما تمَّ على أهل بيت المصطفى من الظلم والعدوان، حتى يستقرَّ ذلك في نفسه، ثم يقول (الصبّاح) له: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أميّة، فما سبب تَخَلُّفِكَ بنفسك في نصرة إمامك؟ (أي الإمام بالمفهوم الشيعي عامةً   والإسماعيلي خاصةً). فيتركه بهذه المقالة طعمةً للسباع"(2).
______________________________________
(2) ابن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج17، ص63 – 64.
______________________________________
ثم يضرب ابن الجوزي مثالاً على هذه الطاعة العمياء التي أطاعها الحشاشون لأئمَّتهم، فيأتي على ذكر حادثةٍ حدثت مع رسولٍ أرسله السلطان السلجوقي ملكشاه في أواخر القرن الخامس الهجري إلى حسن الصبّاح، فيقول:
"وكان (السلطان السلجوقي) ملك شاه قد أَنْفَذَ إلى هذا -ابنِ الصبَّاح- يدعوه إلى الطاعة ويتهدَّده إنْ خالَفَ ويأمره بالكفّ عن بثِّ أصحابه لقتل العلماء والأمراء، فقال (الصبّاحُ) في جواب الرسالة والرسولُ حاضرٌ: الجوابُ ما ترى، ثم قال (الصبّاحُ) لجماعةٍ وقوفٌ بين يديه: أريد أن أَنْفُدَكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمَنْ ينهض لها؟ فاشرأبَّ كلُّ واحدٍ منهم لذلك، وظنَّ رسولُ السلطان أنها رسالةٌ يُحَمِّلُها إياهم، فأومأ (الصبّاحُ) إلى شابٍ منهم، فقال له: أُقتُلْ نفسَك. فجذب (الشابُّ) سكّينَهُ وضرب بها غَلْصَمَتَهُ (الغَلْصَمَة: اللحمُ بين الرأس والعُنُق) فخَرَّ ميتاً. وقال لآخرَ: إرْمِ نفسَك من القلعة، فألقى نفسَه فتمزَّق، ثم التَفَتَ (الصبّاحُ) إلى رسول السلطان فقال: أَخْبِرْهُ أنَّ عندي من هؤلاء عشرين ألفاً، هذا حَدُّ طاعتهم لي، وهذا هو الجواب. فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه، فأخبره بما رأى، فعجب من ذلك وترك كلامهم، وصار بأيديهم قلاعٌ كثيرة"(3).
_____________________________________
(3) ابن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج17، ص 64.
____________________________________
في عام 707ه/ 1307م وضع محمد بن الحسن الديلمي كتاب "بيان مذهب الباطنية وبطلانه"، ذكر فيه أنَّ "ابتداء وضع مذهب الباطنية (...) كان في سنة خمسين ومائتين من الهجرة (250ه)، وَضَعَهُ قومٌ تطابقوا، وكان في قلوبهم بغضٌ للإسلام وبغضُ النبي عليه السلام من الفلاسفة والملحدة والمجوس واليهود، ليسلخوا الناسَ عن الإسلام بعد قوَّته، وبَعثوا الدعاةَ إلى الآفاق والأطراف ليدعوا الناس إلى هذا المذهب الميشوم لعلَّ المملكة ترجع إليهم ويبطُل دينُ النبي العربي"(4).
ويصف ابن بطوطة الحشَّاشين، بعدما مرَّ بحصونهم، قائلاً: " وهذه الحصون لطائفةٍ يقال لهم: الإسماعيلية، ويقال لهم الفداوية. ولا يَدخل عليهم أحدٌ مِنْ غيرهم.(...) ولهم سكاكين مسمومة يضربون بها من بُعثوا إلى قَتْلِه. وربما لم تَصِحُّ حِيَلُهُم فقُتِلُوا"(5).
وكانت أمهات الحشَّاشين تتزيَّنَّ وتَكْتَحِلْنَ إذا ما قُتِلَ أبناؤهُنَّ أثناء تنفيذ عمليات الإغتيال وكأنَّهنَّ يُحْيينَ أعراساً لأبنائهنَّ القتلى. أما إذا عاد أبناؤهنَّ سالمين فيَتَّشِحْنَ بالسوادَ حزناً وكأنَّهنَّ في حالة حداد. وينقل ابنُ
______________________________________
(4) محمد بن الحسن الديلمي/ بيان مذهب الباطنية وبطلانه/ ص3 – 4.
(5) إبن بطوطة/ تحفة النُظَّار/ نسخة إلكترونية، ص47.
______________________________________
العديم عن المؤرِّخ أبي الفوارس حمدان(6) هذه الواقعة نقلاً عن كتابه التأريخي المفقود: "قال حمدان فيما نَقَلْتُهُ من خطِّه: وحَدَّثَني رجلٌ منها (أي من ضيعة كفر ناصح من أعمال عَزَاز شماليّ حلب) أنه كان له والدةٌ عجوز لمَّا سَمِعَتْ بفتكة (حاكم الموصل وحلب) البرسقي (أي باغتياله من قبل الحشّاشين سنة 520ه/ 1126م)، وكانت تعرف أنَّ ولدَها (الحشّاشي) من جملة مَنْ نُدِبَ لقتله، فَرِحَتْ واكْتَحَلَتْ، وجلست مسرورةً كأنه عندها يوم عيد. وبعد أيامٍ وَصَلَها (إبنُها) سالماً، فأَحْزَنَها ذلك، وقامت بجَزِّ شَعْرِها وسَوَّدَتْ وَجْهَهَا"(7).
ويصف ابن القلانسي حال الحشَّاشين وأهل دمشق عام 520ه/ 1126م حينما حلَّ بها الزعيم الحشَّاشي الفارسي بهرام، فيقول: "وتَبِعَهُ جهلةُ الناس وسفهاءُ العوامِّ وسَفْسَافُ الفلاحين الطَغَام، مَنْ لا عقلَ له ولا ديانةَ فيه، احتماءً به وطلباً للشرِّ بحزبه"(8). وكان أن حَصَلَ بهرامُ على
_____________________________________
(6) أبو الفوارس حمدان، مؤرِّخٌ وشاعر (460ه/ 1067م – 542ه/ 1147م). أورد ابنُ العديم ترجمتَه في "بغية الطلب"، ج6، من ص2926 وحتى ص2932.
(7) إبن العديم/ بغية الطلب في تاريخ حلب/ ج4، ص1970.
(8) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص215.
_____________________________________
حصن بانياس (على الحدود السورية الفلسطينية اللبنانية) " فلما حصلَ فيهِ اجتمع إليه أوباشُهُ من الرعاع والسفهاء والفلاحين والعوامّ وغوغاءِ الطَغَام، الذين استَغْواهُم بمُحالِهِ وأباطيلِهِ واستمالهم بخِدَعِهِ وأضاليله، فعَظُمَت المصيبة بهم وجلَّت المحنةُ بظهور أمرهم (...) وضاقت صدور الفقهاء والمتديِّنين والعلماء وأهلِ السُنّة والمقدَّمين والستر والسلامة من الأخيار المؤمنين، وأحجمَ كلٌّ منهم من الكلام فيهم والشكوى لواحدٍ منهم دفعاً لشرِّهم وارتقاباً لدائرة السوء عليهم لأنهم شَرَعوا في قتل مَنْ يعاندهم ومعاضدة مَنْ يؤازرهم على الضلال ويُرافِدُهم، بحيث لا يُنكِر عليهم سلطانٌ ولا وزير ولا يَفُلُّ حدَّ شرِّهم متقدَّمٌ ولا أمير"(9).
والمؤرِّخ الصليبي الشهير وليم الصُوْري(10)، الذي عاصر الحملة الصليبية الثانية وأرَّخ للأولى والثانية، وكان قريباً جداً من مواقع القرار الصليبية، يُدلي برأيٍ مشابهٍ للذي أدلى به المؤرِّخون العرب والمسلمون في ما خصَّ الحشَّاشين، إذ يقول في كتابه "تاريخ الأعمال المُنْجَزة في ما وراء البحار":
_____________________________________
   (9) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص215.
(10) وليم الصُوْري (525ه- 580ه/ 1130م-1184م). لُقِّب بالصُوْري نسبةً إلى مدينة صور، وهو أوروبي الأصل وقد وُلد وعاش في بلاد الشام، والأرجح أنه وُلد في القدس، وعُيِّنَ رئيساً لأساقفة صور عام 571ه/ 1175م، ويُعتبَر في أوروبا من أهم وأعظم مؤرِّخي الحروب الصليبية.
_____________________________________
"تعيش قبيلةٌ من الناس (يقصد الحشَّاشين) في منطقة صور في فينيقية وفي أبرشية طرطوس حيث تمتلك عشرة حصون مع القرى المُلحَقة بها، ويبلغ تعدادهم -كما سمعنا مراراً- نحو سبعين ألف نسمة، وربما يزيد على ذلك. ولقد اعتاد هؤلاء الناس على اختيار حاكمهم ليس بحقٍّ وراثي، بل بامتيازِ الجدارة، ويُطلقون على زعيمهم عند اختياره اسم "الشيخ"، مترفِّعين بذلك عن مناداته بلقَبٍ مبجَّل. وخضوعُهُم وطاعتُهُم له مُطْلَقتان حيث لا يعتبرون أيَّ شيءٍ صعباً أو قاسياً جداً في سبيل ذلك، ويتولَّون القيام بتلهُّفٍ بأكثر المهام خطراً تلبيةً لأمره، ومثالاً على ذلك: إذا ما حدث ووُجِدَ أميرٌ جَلَبَ على نفسه كراهية هذا الشعب (أي الحشَّاشين) أو عدم الثقة به، فإنَّ الزعيم يضع خنجراً في يدِ واحدٍ أو عددٍ من أتباعه فيعملون بحماسةٍ طالما يستلزم ذلك، حتى تأتي الفرصة المواتية في آخر الأمر بحيث يمكنهم تنفيذ أمر الزعيم. ولا يعرف المسيحيون ولا المسلمون من أين اشتُقَّ اسم الحشيشية هذا، حيث كان الحشيشية قد اتَّبعوا شريعةَ وتقاليدَ المسلمين منذ قرابة أربعمائة عامٍ وبشكلٍ عامّ، لدرجة أنَّ جميع الشعوب تبدو بالمقارنة معهم منحرفةً(11) وأنهم وحدهم المتقيِّدون الكاملون بالشريعة"(12).
______________________________________
(11)  أي أنَّ الحشّاشين يجدون جميعَ الشعوب منحرفةً ما عداهم.  
(12) وليم الصوري/ تاريخ "الأعمال المُنْجَزة في ما وراء البحار"، الفقرة رقم 29 من الكتاب العشرين، ص366- 367، وقد قام بتعريب هذا الكتاب د. سهيل زكَّار ونشره في الجزء السابع من "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، إصدار دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1995 (أيضاً سنعتمد لاحقاً على نسخة أخرى من هذا الكتاب قام بتعريبها د. حسن حبشي وقد أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1991 في أربعة أجزاء تحت عنوان "الحروب الصليبية").
_____________________________________
ويرى الباحث الإنكليزي المعاصر ستيفن رنسيمان في كتابه الهام "تاريخ الحروب الصليبية"، الصادر في لندن عام 1954، أنَّ إنجاز حسن الصبّاح البارز يُعتبر عملياً "إنشاؤه نظاماً تتمثَّل وحدتُهُ في الطاعة العمياء لأوامره باعتباره السيد الأعظم (...) وكان سلاحه السياسي الرئيس هو الإغتيال (Assassination). وكانت الطوائف المبتدَعة في الإسلام دائماً ما تمارس الإغتيال في سبيل العقيدة. على أنَّ حسن الصبّاح أفلح في الإرتفاع به إلى مستوى عالٍ من الكفاءة، إذ أنَّ ما كان أَتباعُهُ عليه من تكريسٍ لا مسائلةَ فيه واستعدادهم للإرتحال إلى أماكن قاصية والمخاطرة بأرواحهم تنفيذاً لأوامره، قد مكَّنه من أن يضرب أيَّ خصمٍ له في أي مكانٍ في العالم الإسلامي"(13). ويضيف: "ولم يكن أحدٌ يعلم متى سوف يَسْلَم من طعنة خنجر تأتيه من أحد الحشَّاشين المخلصين، أو متى ينجو من سُمٍّ يدسّه له خَدَمُهُ"(14).
_____________________________________
(13) ستيفن رنسيمان/ تاريخ الحملات الصليبية/ ج2، مملكة القدس، ص151، تعريب نور الدين خليل.
(14) المرجع السابق/ ص372.
_____________________________________
ويرد في "ذيل تاريخ وليم الصُوْرِي (ذيل روثلين) تحت عنوان "تقرير عن الحشيشية وعن مقدَّمهم": "كان في بلاد دمشق وأنطاكية أُناسٌ يُعرَفون باسم الحشيشية، وكان مقدَّمهم يدعى باسم شيخ الجبل، ويأكل هؤلاء المسلمين غير المؤمنين لحمَ الخنزير وينامون مع أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم ومع كل امرأةٍ يمكنهم الوصول إليها، وذلك على عكس شرائع (النبي) محمد. وهم يعيشون في جبالٍ عالية، وفي قلاعٍ عظيمة وحصون كبيرة، وكانت المنطقة غنية بالصيد، مما كان مفيداً كثيراً لهم. وفي القريب والبعيد شعر جميع أنواع الناس بالرعب من هذا المقدَّم، لأنه غالباً ما اعتاد على قتل الناس من دون حق أو سبب. ويمتلك هذا المقدَّم على قصرٍ فخمٍ مليء بالثروات وبالأشياء الجميلة والرائعة، ومحاطٌ بشرافاتٍ عالية، ومحصَّن بشكلٍ فائق تماماً، وله مدخلٌ واحد، ولا طريقَ أخرَ إليه. ولديه في هذا القصر أولاد أتباعه الفاسدين، حيث تجري تربيتهم وتنشئتهم من اللحظة التي يكونون فيها في مهودهم، ومن ذلك الوقت فصاعداً لا يرى هؤلاء الأطفال أحداً غير سادتهم، وهناك يجري تعليمهم مختلف الحِرَف ومختلف اللغات. وهم أيضاً يعلِّمونهم أن يخافوا من مقدَّمهم وأن يطيعوا أوامره، ويخبرونهم أنهم بهذه الطريقة وليس بطريقةٍ أخرى سوف يحصلون على الجَنَّة، وهم لا يغادرون القصر حتى اليوم الذي يرسلهم فيه مقدَّمهم بمهمة قتل أحد الناس، وعندما يَمْثُل مثل هذا الإنسان أمامه، سوف يسأله المقدَّم عما إذا كان يريد إطاعة أوامره، ومن خلالهم ينال الجنة. وسوف يجيبه الرجل تماماً كما علَّموه: "نعم يا مولاي، كل ما ترغب به وفي أي طريقٍ تأمر به". ثم يعطي المقدَّمُ كلَّ واحدٍ منهم مديةً حادَّة ومقبضاً جيداً ويرسلهم إلى حيثما أراد من أجل اقتراف أذى وقتل إنسان، وإذا ما تمكَّنوا بعد ذلك من النجاة والعودة إلى سيدهم فسيتسلَّمون تشريفاً عظيماً وتمجيداً وثروةً وسلطة في تلك المنطقة أكثر من أي إنسانٍ آخر، لكن إذا ما اعتُقلوا وقُتلوا، فإنهم يعتقدون بشكلٍ مؤكَّد بأن أرواحهم سوف تقف أمام الرب في الجَنَّة"(15).
_____________________________________
(15) برنار لويس/ الحشيشية – الإغتيال الطقوسي عند الإسماعيلية النزارية/ ص355 (وهذا نصٌّ قد أضافه إلى الكتاب د. سهيل زكَّار نقلاً عن ذيل تاريخ وليم الصُوْري، كان قد كُتِبَ في فرنسا في القرن الثالث عشر الميلادي وعُرف باسم ذيل روثلين نسبةً إلى دير روثلين شمالي إنكلترا حيث عُثر فيه على مخطوطة الكتاب).
_____________________________________
ويصف المؤرِّخ الصليبي وليم ريشنغر الفردَ الحشَّاشي بأنه "قد تعلَّم في أماكن تحت الأرض منذ طفولته، وهناك تعلَّم كيف يقوم بهجومٍ مفاجىء على أي أميرٍ من خصوم طائفته، وزُرِعَ في نفسه واُفْهِمَ أنه وإن تعرَّض للقتل أثناء محاولته، فإنه لعمله هذا سوف يتلقَّى حياةً جديدة وسط المباهج في الجَنَّة"(16).
ولاحظ المؤرِّخون الصليبيون الجذورَ الفارسية في الحشَّاشين، إذ قال الراهب الألماني بورتشارد، الذي زار بلاد الشام ومصر عام 630ه/ 1232م، وعاش مدة طويلة في القدس وتوفي عام 679ه/ 1280م: " ويُقال بأنَّ هؤلاء الناس كانوا من أصلٍ فارسي"(17). وأضاف بورتشارد: "ولقد مررت خلال جزءٍ من هذه البلاد، وهم مطيعون إلى درجة الموت، ويقومون بناءً على أوامر مقدَّمهم (شيخ الجبل) بقتل أي إنسان مهما كان، ويقولون إنهم بفعلهم ذلك يحصلـــــــــــون على الجَنَّة، حتى وإن قُتلوا قبل أن
_____________________________________
(16) وليم ريشنغر/ ذيل تاريخ متَّى باريس/ ص1849( ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج40).
(17) بورتشارد/ ذيل تاريخ متَّى باريس/ ص242 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج37).
_____________________________________
ينفِّذوا أوامرهم (...) ولم يستطع أي واحدٍ من السلاطين حتى الآن إخضاعهم، بل إنهم اتخذوا لأنفسهم شرائع وعاداتٍ يتَّبعونها كما يرغبون، وهم مرعبون بالنسبة إلى جميع الأقوام من حولهم بسبب حِدَّتهم المتناهية العَظَمة"(18).
ويسجِّل الراهب الدوميكاني فيليكس فاربري في رحلاته التي قام بها إلى المشرق العربي ما بين عامي 885ه/ 1480م – 888ه/ 1483م أنَّ الحشَّاشين "يطيعون مقدّمَهم طاعةً عمياء، لأنهم يؤمنون أنهم بطاعتهم له وحده سوف ينالون السعادة في الآخرة، ويتدبَّر مقدَّمُهم تعليم فتيانهم مختلف اللغات، ويرسله إلى الممالك الأخرى ليخدموا الملوك هناك من أجل أنه عندما يتطلَّب الوقت، يقوم خادمُ كلِّ مَلِكٍ بقتله بالسم أو بطريقةٍ أخرى، وإذا ما تمكَّن الخادمُ من النجاة والعودة إلى بلاده فإنه يكافأ بتشريفات وثروات ومراتب عليا، وإذا ما اعتُقل وأُعدم، عَدُّوهُ في بلاده شهيداً"(19).
_____________________________________
(18) بورتشارد/ ذيل تاريخ متَّى باريس/ ص242 - 243 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج37).
 (19) جولات الراهب الدوميكاني فيليكس فاربري ورحلاته/ ص1194 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج38، القسم الرابع).
_____________________________________
ويذكر المؤرِّخ الصليبي جوانفيل(20) أنَّ الراهب الإنكليزي إيف لي بريتون، الذي زار زعيمَ الحشَّاشين في بلاد الشام شيخَ الجبل راشد الدين سنان أواسط القرن الهجري السادس بطلبٍ من الملك الفرنسي لويس التاسع قائد الحملة الصليبية التاسعة، قد لاحظ "أنَّ شيخ الجبل لم يكن من أتباع (النبي) محمد، بل كان خاضعاً لشريعة (الإمام) عليّ الذي كان ابن عم محمد"(21).
وينقل جوانفيل عن لسان الراهب إيف لي بريتون عقب مقابلته شيخ الجبل راشد الدين سنان أنه "كان كلما رَكِبَ شيخُ الجبل وسارَ، مَشَى أمامَهُ منادٍ يحمل بيده بلطة دانمركية لها حدٌّ طويل مغلَّف بالفضة وقد ثُبِّتَ عليها عددٌ من الخناجر، وكان الرجل ينادي طوال سيره: "إبتعدوا عن طريق الذي يحمل في يديه مَوْتَ المُلوك"(22).
_____________________________________
(20) جين جوانفيل (622ه – 717ه/ 1225م – 1317م).
(21) جين جوانفيل/ حياة القديس لويس/ ص169 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج35).
(22) جين جوانفيل/ حياة القديس لويس/ ص171 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج35).
_____________________________________
ويتطرَّق جوانفيل إلى معتقد التناسخ والتقمُّص الذي كان يؤمن به الحشَّاشون، فيقول: "وهناك نقطةٌ أخرى قرَّرها (الإمام) علي أنه إذا ما قُتِلَ إنسانٌ وهو في طاعة أوامر مولاه (شيخ الجبل) سوف تذهب روحه إلى جسد إنسانٍ آخر أفضل من المتقدِّم، وهذا هو السبب في أنَّ الحشيشية لا يتجنَّبون التعرُّض للقتل بأي حالٍ من الأحوال عندما يأمرهم سيدهم (شيخُ الجبل) بذلك، لأنهم يعتقدون أنهم سوف يكونون أكثر سعادة بعد الموت منهم وهم أحياء"(23).
  ويفضح المؤرِّخ عبد اللطيف البغدادي زيفَ هذا المعتقد عند شيخ الجبل نفسه، إذ يروي أنَّ راشد الدين سنان "كان أعرج لحجرٍ وقع عليه من الزلزلة الكائنة في دولة نور الدين (زنكي)، فاجتمع إليه محبُّوه على ما ذكره الموفَّق عبد اللطيف لكي يقتلوه، فقال لهم: لِمَ تقتلوني؟ قالوا: لِتَرجع إلينا صحيحاً، فإنَّا نَكْرَهُ أن تكون فينا أعرج. فشكرهم ودعا لهم فقال: اصبروا عليَّ فليس هذا وقتُهُ، ولاطَفَهُم"(24).
_____________________________________
(23) جين جوانفيل/ حياة القديس لويس/ ص170 (ورد الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج35).
 (24) عبد اللطيف البغدادي/ من تاريخ عبد اللطيف البغدادي ورحلته/ ص79 – 80 (وردت الشذرات ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج14).


الفصل التالي:

الفصل السابق:


















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق