2016/04/16

كتاب "الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!"/ 51/ تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي (51)/ أميركا أوصلت الخميني إلى السلطة ليساعدها في إنشاء هلال شيعي يفتِّت العرب مذهبياً!



لقد تيسَّر لنا أن نجمع من هنا وهناك بعض ما كان يقوله الأميركيون عن الخميني: فمندوب أميركا لدى الأمم المتحدة أندرو يونغ يصفه بأنه قدِّيس، قائلاً بالحرف: "الخميني في النهاية سيكون مرحَّباً به كقدِّيس".. ومستشار جيمي كارتر للأمن القومي جيمس بيل (وهو واحدٌ ممن عملوا على رحيل الشاه) يعلن في مقابلة مع صحيفة "نيوزويك" في 12 شباط/ فبراير 1979 أنَّ الخميني ليس مجاهداً مجنوناً ولكنه رجل "الصدق والإستقامة المعصومة".. والسفير الأميركي في طهران وليَم سوليفان يشبِّه الخميني بالمهاتما غاندي، قائلاً بالحرف: "الخميني هو صورة طبق الأصل من غاندي".. فَلِمَ كان كل هذا النفخ الأميركي بالخميني وتسويقه على أنه قدِّيس ومعصوم وغاندي الفرس؟!

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


كتاب
الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!
تأليف: حسين احمد صبرا

(الكتاب قيد التأليف)



القسم الأول


تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي (51)

أميركا أوصلت الخميني إلى السلطة
ليساعدها في إنشاء هلال شيعي يفتِّت العرب مذهبياً!



حسين أحمد صبرا
لِمَ كل هذا الدلال الذي دلَّلته أميركا للخميني وهذا الكم الهائل من المديح الذي كاله كبار المسؤولين الأميركيين له أثناء ثورة الشعوب الإيرانية ضد الشاه محمد رضا بهلوي؟! لقد تيسَّر لنا أن نجمع من هنا وهناك بعض ما كان يقوله الأميركيون عن الخميني: فمندوب أميركا لدى الأمم المتحدة أندرو يونغ يصفه بأنه قدِّيس، قائلاً بالحرف: "الخميني في النهاية سيكون مرحَّباً به كقدِّيس".. ومستشار جيمي كارتر للأمن القومي جيمس بيل (وهو واحدٌ ممن عملوا على رحيل الشاه) يعلن في مقابلة مع صحيفة "نيوزويك" في 12 شباط/ فبراير 1979 أنَّ الخميني ليس مجاهداً مجنوناً ولكنه رجل "الصدق والإستقامة المعصومة".. والسفير الأميركي في طهران وليَم سوليفان يشبِّه الخميني بالمهاتما غاندي، قائلاً بالحرف: "الخميني هو صورة طبق الأصل من غاندي".. فَلِمَ كان كل هذا النفخ الأميركي بالخميني وتسويقه على أنه قدِّيس ومعصوم وغاندي الفرس؟!    
هنا يبرز السؤال التالي: هل صحيح أنَّ أميركا أرادت الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي واستبداله بنظامٍ ديني شيعي متشدِّد بزعامة الخميني في إطار خطَّتها لإسقاط الإتحاد السوفياتي في أواخر سبعينيات القرن العشرين، أو في أهون الحالات لمنع الدب السوفياتي من الوصول إلى مياه الخليج العربي الدافئة حيث آبار النفط ومصالح الغرب الإستراتيجية؟!
هذا ما درج الساسة والمحللون الأميركيون على إشاعته (وما يزالون) منذ اندلاع ثورة الشعوب الإيرانية ضد الشاه.. أما من جهتنا فنرى خلاف ذلك، مع الإشارة إلى أنَّ وجود نظام ديني متشدِّد في إيران سيحُولُ (كتحصيلٍ حاصل) دون السماح للروس بالوصول إلى مياه الخليج العربي، كما لن يُقْدم هذا النظام الديني المتشدِّد (كتحصيلٍ حاصلٍ أيضاً) على دعم السوفيات في حرب الإسقاط التي ستشنُّها أميركا ضدهم.. إذاً، لماذا كان الأميركيون على عجلةٍ من أمرهم في إسقاط الشاه والإتيان بالخميني كبديلٍ له، الأمر الذي جعل الشاه يقول بإستغراب وأسى للسفير الأميركي في طهران وليَم سوليفان: "ما الذي اقترفتُه ضد أميركا حتى تعاملني بهذه الطريقة القاتلة؟!"..
لنبدأ من هذه النقطة، وسنصدِّق مؤقتاً ما يشيعه الأميركيون منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ونطرح السؤال التالي: ما هي الفائدة أميركياً من وجود الخميني على رأس السلطة في إيران أثناء حرب إسقاط الإتحاد السوفياتي، وما هي الخدمات التي قدَّمها الخميني بشكلٍ خاص والشيعة بشكلٍ عام لأميركا في هذا المجال؟! لا شيء على الإطلاق، أو بالأحرى لا شيء له قيمة! إذاً، لماذا أصرَّ طابخو سياسة أميركا الإستراتيجية عبر سفيرهم في طهران وليَم سوليفان على الإطاحة بالشاه (وهذا أمرٌ قد يبدو مفهوماً نظراً إلى تدهور صحة الشاه على الأقل) والإتيان بالخميني كبديلٍ عن الجيش الإيراني (وهذا أمرٌ غير مفهوم على الإطلاق للوهلة الأولى)؟!
أُنظروا إلى ما فعلته أميركا في باكستان حيث جاءت بالجيش الباكستاني ليتسلم السلطة بإنقلابٍ عسكري عام 1977 قادَه الجنرال ضياء الدين الحق على النظام المدني بزعامة ذو الفقار علي بوتو، وليصبغ ضياءُ الدين إثرها باكستانَ بصبغةٍ دينية معلناً عام 1979 تطبيق "الشريعة الإسلامية" وليُصار إلى بث أعمال جلد الزناة من على شاشات التلفزة، ولتصبح باكستان إثرها (بواسطة الجيش الباكستاني) القاعدة الأساسية التي انطلقت منها عملياً واستراتيجياً حربُ إسقاط الإتحاد السوفياتي، تلك التي أتت أكُلَها بشكلٍ ناجحٍ وسريع في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، إستخدمت فيها أميركا الإسلامجية السنَّة العرب من الإخوان المسلمين والجماعات التي تفرَّعت منهم وعلى رأسها مؤسسو تنظيم القاعدة كوقودٍ لهذه الحرب جنباً إلى جنبٍ مع ما يسمى بـ"المجاهدين الأفغان"! فلماذا لم تفعل أميركا الفعلَ نفسَه في إيران وتأتي بالجيش الإيراني كبديلٍ عن الشاه وليفعل إثرها ما فعله الجيش في باكستان فيقوم بتجنيد الإسلامجية الشيعة ليخوضوا صراعاً مسلَّحاً ضد الروس في أفغانستان جنباً إلى جنبٍ مع الإسلامجية السنَّة؟! مع لفت انتباهكم إلى أنَّ في تركيا (وهي أيضاً حائط سدٍّ أميركي حال دون وصول الإتحاد السوفياتي إلى المياه الدافئة) بات الجيش التركي هو الحاكم الفعلي منذ بدء الحرب الباردة بين أميركا والإتحاد السوفياتي في أواخر أربعينيات القرن الماضي وما يزال.. فلماذا لم تفعل أميركا في إيران ما فعلته في تركيا وباكستان، ولماذا راحت عوضاً عن ذلك تخطِّط عبر رَجُلِها الفعلي في طهران وليَم سوليفان لترحيل مئة من كبار ضباط الجيش الإيراني (الموثوق بولائهم لأميركا) على الطائرة نفسها التي كان مقرَّراً أن يغادر على متنها شاه إيران، وبل وتقوم أميركا عبر سوليفان بوضع أسماء هؤلاء الضباط المئة على اللائحة بالتنسيق التام والكامل مع رجل الخميني في إيران محمد بهشتي؟! أي بمعنى أنَّ أميركا هي التي تطوَّعت لتسأل الخميني: مَنْ تريده أن يذهب من ضباط الجيش الإيراني ومَنْ تريده أن يبقى!!
هنا ينبثق سؤالٌ أهم، أنْ كيف يعمد واضعو الإستراتيجية الأميركية وبكل ثقةٍ واندفاع وعن سابق تصور وتصميم إلى الإطاحة بالجيش الإيراني الموالي لهم ولاءً كاملاً والإتيان برجلِ دينٍ شيعيّ (هو الخميني) يرفع شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" (أي محو إسرائيل من الوجود)، وشعار تصدير الثورة إلى دول الخليج العربي (حيث آبار النفط والمصالح الإستراتيجية الأميركية والغربية)؟!
قبلها علينا الإشارة إلى أنَّ السفير الأميركي في طهران وليَم سوليفان لم يكن يتصرَّف من رأسه، ففي أميركا لا أحد من المسؤولين مهما علا شأنه بإمكانه التصرُّف من رأسه، ولكُم عبرة في ما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق رتشارد نيكسون عام 1974 حينما حاول أن يفتح على حسابه ويتنصَّت على جلسات الكونغرس المغلقة فكانت الفضيحة التي أُطلق عليها عمداً تسمية "فضيحة ماء الوجه" (ووتر غيت).. إذاً، وباختصار: مَنْ كان المقصود من وراء إتيان أميركا بالخميني ليتسلَّم السلطة كاملةً في إيران بعد ترحيلهم الشاه وبَتْرهم يدَ الجيش الإيراني؟! إنهم العرب وحدهم دون غيرهم من خلق الله! لماذا؟!
إنه مشروع كيسنجر الذي بُدِءَ بتنفيذه منذ العام 1974، أي عقب إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والذي نصَّ على افتعال حروبٍ أهلية (طائفية ومذهبية) على امتداد الوطن العربي.. وقد كان مفهوماً حينها أن يتم افتعال حربٍ طائفية بين المسلمين والمسيحيين في لبنان عام 1975 بفعل عوامل داخلية وخارجية عديدة، إلا أنه كان من غير المفهوم آنذاك أن ينشأ فجأةً صراعٌ مذهبي بين السنَّة والشيعة وخاصةً في ظل عدم وجود احتقان أو شحن أو صراع ما بين الطرفين يسمح بافتعال حربٍ مذهبية.. إلى أن أوصلت أميركا الخميني إلى السلطة عام 1979 لتتيح له إنشاء النظام الديني الشيعي الوحيد في العالم في عصرنا الراهن والذي من خلاله عمد الخميني وأتباعه منذ ذلك الحين إلى افتعال الصراع المذهبي السني- الشيعي والذي لم يخرج عن إطار ما نصَّ عليه مشروع كيسنجر، والعرب هم المقصودون أميركياً وفارسياً دائماً وأبداً!
في كتابه النقدي الهام بعنوان "لعبة الشيطان/ دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي"، الصادر في نيويورك عام 2005، والذي قام بتعريبه ونشره مركز دراسات الإسلام والغرب في القاهرة عام 2010، يكشف الباحث الأميركي (من أصلٍ فرنسي) روبرت دريفوس عن أنَّ الإستخبارات المركزية الأميركية "السي آي إي" درجت على تزويد الخميني وأتباعه بمعلوماتٍ إستخباراتية وعسكرية عن العراق وذلك منذ استلام الخميني للسلطة عام 1979.. فيقول ص266 (من النسخة المعرَّبة): "لكن إذا ما كانت الإستخبارات المركزية الأميركية لم تتوصل إلى نتائج بشأن مستقبل إيران فقد طلب [المسؤولون الأميركيون] إليها أن تنقل إلى إيران معلوماتٍ مهمة بشأن جارتها العراق. وبعد أقل من عامٍ سوف تقع بين البلدين حربٌ ضروس دامية تستمر عقداً من الزمان تتسبَّب في مقتل نحو مليون شخص. وإلى جانب جهاز "السي آي إي"، قام مسؤولون آخرون من الإستخبارات الأميركية بزياراتٍ إلى إيران في عام 1979 قبل الإستيلاء على السفارة الأميركية. وفي إحدى تلك الزيارات إلتقى أميز (رئيس قسم الشرق الأدنى في الإستخبارات الأميركية) مع آية الله محمد بهشتي. والتقى مسؤولون آخرون في الإستخبارات الأميركية مع إبراهيم يزدي وعباس أمير إنتظام ومسؤولين دينيين آخرين، وتم إنشاء نظام لتبادل المعلومات، خاصةً ما يرتبط بالعراق".
وهنا يعتمد الباحث روبرت دريفوس على مقابلة صحافية أجراها هو شخصياً في تموز/ يوليو  2004 مع موظفٍ سابق في "السي آي إي" (لم يذكر إسمه) ، وقد استشهد بما قاله هذا الموظف المتقاعد على النحو التالي: "ويقول مسؤولٌ إستخباراتي (أميركي) ساهم في العمل في القضية الإيرانية في ذلك الوقت: "بمجرد إقامة حكومة مهدي بازركان حاولنا التعاون معهم". وقال إنَّ الإستخبارات المركزية الأميركية حذَّرت إيران في عام 1979 من النوايا العسكرية للعراق".
يتابع روبرت دريفوس السرد، معتمداً هذه المرة على مقابلة صحافية أجراها هو شخصياً في حزيران/ يونيو 2004 مع الدبلوماسي الأميركي السابق بروس لينجين، وهو واحد من الدبلوماسيين الأميركيين الذين احتجزهم الخميني في السفارة الأميركية في طهران في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1979.. فيكتب دريفوس قائلاً: "ويؤكد بروس لينجين التقاريرَ القائلة بأنَّ أميركا شدَّدت على توصيل معلوماتٍ عن العراق إلى إيران. ويقول: "كنا نشعر بالقلق من العراق. كانت العلاقات بين البلدين قرب القاع تقريباً والخميني يكره صدام حسين وكان لديه رغبة في تصدير الثورة إلى العراق التي كانت بالفعل هدفاً رئيساً. وأتذكر أنَّ الإستخبارات المركزية الأميركية أمدَّت إيران بمعلوماتٍ عن العراق. أعطيناهم معلومات عن قدرات الجيش العراقي وقواته ونواياه ومواقعهم. كانت تجربة جديدة بالنسبة لي أن أنخرط، وأنا الدبلوماسي، في العمل الإستخباراتي".
ويتابع دريفوس قائلاً: "وفيما كانت أميركا توفِّر معلوماتٍ عن العراق لرجال الدين الإيرانيين، بمن فيهم محمد بهشتي، إتضح تدريجياً أن بازركان ويزدي وقطب زادة لم يكن لديهم أي سلطة، وأنَّ رجال الدين الشيعة هم الذين يسيطرون على كل شيء. وكان هذا واضحاً في ما يتعلق بالجيش الإيراني. لم يكن هناك تنسيق بين بازركان والجيش. وقال مسؤولٌ إستخباراتي أميركي سابق [ورد ذكره أعلاه في مقابلة أجراها معه دريفوس في تموز/ يوليو 2004] إنه متأكدٌ من ذلك. وأضاف أنَّ الجيش الإيراني كان تحت السيطرة الحديدية لرجال الدين".
في الحديث المقبل: الإتفاقات السرية بين سوليفان وبهشتي أظهرت الخميني وكأنه شخص خارق وشجاع!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 11 آذار/ مارس 2013، العدد رقم 1586).

الحديث التالي:
الحديث السابق:

***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:

www.alshiraa.comx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق