لقد حاول الخميني القضاء على
شريعتمداري أواخر عام 1979 بعد اعتراض الأخير وغيره من المراجع الدينية في إيران
على الدستور الجديد، الذي وضع صلاحيات إلهية ودنيوية مطلقة بيد رجل دين ألا وهو
الخميني، على اعتبار أنَّ هذا الدستور مناقض لروح الإسلام، فأراد الخميني إرهابه
وإرعابه بأن أرسل نحو 10 آلاف شخص من أتباعه إلى دار شريعتمداري وهم يحملون العصي
والهراوات ويهتفون قائلين: "يجب هدم وكر التجسس هذا وإحراقه"...
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع
كاملاً
كتاب
الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!
تأليف: حسين احمد صبرا
(الكتاب قيد التأليف)
القسم الأول
تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي
(36)
الخميني أقنع صادق قطب زاده بأن يعمل عجين الفلّاحة
على شاشة التلفزيون في مقابل أن يطلِق سراحه..
بعدها قام بإعدامه على الفور انتقاماً من شريعتمداري!
حسين احمد صبرا
يجب الإنتباه إلى أنَّ مصطفى الخميني
(الإبن البكر للخميني) مات في النجف ولم يمت في إيران.. لقد أصيب بذبحةٍ قلبية في
تشرين الأول/ أكتوبر 1977 فوجدها الخميني فرصةً ليختلق رواية كاذبة روَّج فيها
أنَّ إبنه مات مسموماً وأنَّ الشاه هو من قام بِسَمِّه! تُرى، لو أنَّ الشاه هو الذي
سمَّم مصطفى الخميني أولم يكن من الأجدى له أن يسمِّم الخميني نفسه؟! إنَّ مصطفى
كان يعيش مع أبيه في النجف، ولو أنَّ الشاه هو الذي سمَّم الإبن فهذا معناه أنه
كان قادراً على أن يسمِّم الأب، أليس كذلك؟! فما الفائدة حينها من قتل الإبن وترك
الأب؟! وهكذا، اختلق الخميني هذه الكذبة التي كان من نتيجتها بزوغ نجمه في خضم
ثورة الشعوب الإيرانية الباحثة عن زعيمٍ تلتف حوله، وهذا ما جعل الخمينيَّ نفسَه
يصف موت إبنه مصطفى بأنه كان من "الألطاف الإلهية الخفيَّة"!
كما يجب الإنتباه إلى أنَّ الخميني،
الذي لجأ إلى العراق قادماً من تركيا عام 1965 بعد نفيه من إيران، كان شخصاً
منبوذاً من جميع المراجع الدينية الشيعية في النجف طوال أكثر من ثلاثة عشر عاماً
إلى حين خروجه من العراق في 5 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1978، والسبب هو طروحاته الدينية والسياسية
الغارقة في التطرف والدموية والنزعة الإجرامية (بغض النظر عن أنَّ الخميني كان من
الناحية الشخصية نرجسياً متعجرفاً وفظ الطباع).. إنَّ أكبر مرجع ديني على صعيد
الشيعة قاطبةً في العالم أجمع آنذاك آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قام بزيارة
الخميني فور وصوله إلى النجف عام 1965، فطلب منه الأخير السير معاً للقيام بثورة
شاملة تطيح بالشاه وتقيم نظاماً دينياً شيعياً، فما كان من السيد محسن الحكيم إلا
أن أجاب الخميني بجوابٍ بالغ الدلالة دينياً وسياسياً: "أنا حَسَنِيّ وأنتَ
حُسَيْنِيّ" (أي بما معناه أنا من طريق وأنت من طريقٍ آخر، أنا على نهج الحسن
بن علي الذي هادنَ معاوية بن أبي سفيان وأنتَ على نهج الحسين بن علي الذي ثار على
يزيد بن معاوية.. ولاحقاً صار أنصار السيد محسن الحكيم يصفون الخميني بأنه هادم
الإسلام وهادم الحوزة الدينية).. مع الإشارة إلى أنَّ كل المراجع الدينية الشيعية
الكبار كانوا وما زالوا على نهج الحسن لا على نهج الحسين، من هنا جاء هذا النبذ
المرجعي الديني الشيعي وما يزال لشبق الخميني ونظرائه نحو السلطة وقد أدركوا منذ
وقتٍ مبكر ثم لمسوا لاحقاً لمسَ اليد وما يزالون بأنه ليس سوى ممارسة للتأله
والإجرام والعهر واللصوصية بإسم الدين..
إذاً، نجح الخميني في سرقة ثورة الشعوب
الإيرانية الساعية إلى الحرية والكرامة وتأمين لقمة العيش، واللافت أنَّ صِدامَه
الأكبر والأعنف والأبشع والأكثر دِعَةً في أعقاب انتصار الثورة كان مع المراجع
الدينية الشيعية الكبيرة التي اعترضت اعتراضاً شديداً على إقامة أي نوع من أنواع الحكم
الديني في إيران.. في البداية تجلَّت خيانة الخميني لآمال وتطلعات وتضحيات الشعوب
الإيرانية بأن بطش بالأقليات التي نادت بتحقيق أبسط حقوقها وسط تسلُّط الفرس الذين
يشكلون أكبر أقلية في إيران، فارتكب مجزرة ضد الأكراد في كردستان إيران في آذار/
مارس 1979 أي بعد أقل من شهر على انتصار الثورة، ثم مجزرة ضد العرب في الأحواز في
أيار/ مايو من العام نفسه، ولاحقاً مجزرة ضد الأذريين في أذربيجان الشرقية.. ثم
بدأ الصدام الأكبر مع كل القوى والمنظمات والأحزاب والشخصيات السياسية والفكرية
والمرجعيات الدينية الإيرانية نتيجة إصرار الخميني بمفرده على إقامة دولة دينية
اعترض عليها الجميع ولم يوافقه عليها إلا حفنة من المجرمين والإنتهازيين
(والساذجين) ممن لم يكن لهم على الساحة الإيرانية آنذاك وزنٌ ولا قيمة لا سياسياً
ولا فكرياً ولا دينياً ولا حتى أخلاقياً.. إنَّ أكبر مفكر إسلامي عرفته إيران في
العصر الحديث هو الدكتور المظلوم علي شريعتي (الملقَّب بمنظِّر الثورة) كان يرفع
شعاراً لافتاً ألا وهو "دولة إسلامية بدون رجال دين".. وعلى المنوال
نفسه كان شعار أكبر مرجع ديني في إيران آية الله العظمى محمد كاظم شريعتمداري،
الذي كان يدعو إلى إقامة جمهورية مدنية تعمل بِهَدْيِ الإسلام..
مع رجال السياسة بدأ الخميني صدامه مع
الزعيم الوطني الكبير مهدي بازركان، رئيس أول حكومة مؤقتة تمَّ تشكيلها في أعقاب
انتصار الثورة، والذي سرعان ما استقال في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 وهو يشكو حاله
قائلاً: "لقد سلَّموني سكيناً بدون نصل".. واستمرَّت عمليات الإقصاء
والإعتقال والإعدام إلى أن تخلَّص الخميني في حزيران/ يونيو من آخر شخصية سياسية
وقفت في طريقه ألا وهو أول رئيس للجمهورية بعد الثورة أبو الحسن بني صدر، الذي
صادر الخميني عملياً صلاحياته الرئاسية وأراد جعله (وهو رجل الإقتصاد) مراسلاً
حربياً على جبهة حربه المجوسية ضد العراق..
أما مع رجال الدين فإنَّ الخميني بدأ
صدامه مع المرجع الديني العربي الأحوازي الكبير آية الله العظمى محمد كاظم آل شبير
الخاقاني، والذي انتهى باعتقال الخميني للخاقاني مكبَّل اليدين بعد مجزرة
المحمَّرة في الأحواز في أواخر أيار/ مايو 1979 وقام بوضعه في الإقامة الجبرية في
مدينة قم مانعاً عنه الزيارة ومانعاً عنه الطبابة إلى أن توفي عام 1986، فمنع دفنه
في مسقط رأسه المحمَّرة في الأحواز وأمر بتشييعه في مدينة قم وسط حراسة مشدَّدة
ومدجَّجة بالأسلحة.. ومع بداية عام 1982 كان الخميني قد قضى على كل معارضيه من
السياسيين ورجال الدين والأحزاب والأقليات.. ولم يبقَ في الميدان إلا شريعتمداري..
لقد حاول الخميني القضاء على
شريعتمداري أواخر عام 1979 بعد اعتراض الأخير وغيره من المراجع الدينية في إيران
على الدستور الجديد، الذي وضع صلاحيات إلهية ودنيوية مطلقة بيد رجل دين ألا وهو
الخميني، على اعتبار أنَّ هذا الدستور مناقض لروح الإسلام، فأراد الخميني إرهابه
وإرعابه بأن أرسل نحو 10 آلاف شخص من أتباعه إلى دار شريعتمداري وهم يحملون العصي
والهراوات ويهتفون قائلين: "يجب هدم وكر التجسس هذا وإحراقه"، فدارت
معارك بينهم وبين أنصار وحرس شريعتمداري أدت إلى سقوط قتيلين.. وليس لدينا أدنى شك
في أنَّ الخميني قد اضطرَّه الأمرُ إلى تأجيل معركته مع شريعتمداري إلى الآخر
نظراً إلى عناصر القوة التي كان يتمتَّع بها هذا الأخير: فمن ناحية أولى كان
شريعتمداري المرجع الديني الأكبر داخل إيران.. ومن ناحية ثانية كان شريعتمداري
ينتمي إلى الأقلية الأذرية (وهي من العرق التركي) والتي هي ثاني أكبر أقلية في
إيران بعد الفرس ويبلغ عددها ربع عدد السكان في أبسط الحالات (من بين كل أربعة
إيرانيين يوجد إثنان من الفرس وواحد من الأذريين الأتراك وواحد من الأقليات
الأخرى).. ومن ناحية ثالثة كان شريعتمداري زعيماً لحزب الشعب المسلم (خلق مسلمان)،
الذي تأسَّس عام 1979 وبلغ عدد المنتسبين إليه مليوناً وربع المليون (معظمهم من
الأذريين)، أي أكثر من عدد المنتسبين إلى حزب الخميني (الحزب الجمهوري الإسلامي)..
لذا لم يكن من السهل على الخميني القضاء على شريعتمداري قبل القضاء على جميع
معارضيه الآخرين وقد كان آخرهم مجاهدو
خلق، الذين بدأ بتصفيتهم منذ حزيران/ يونيو 1981.. والآن، أي مطلع 1982، استدار
الخميني نحو شريعتمداري (آخر عدوٍّ له) ليصفّي الحساب معه.. فماذا فعل؟!
لقد قرَّر الخميني اصطياد شريعتمداري
عن طريق صادق قطب زادة من منطلق أنَّ الأخير كان أذرياً ومن أنصار شريعتمداري ومن
المقرَّبين منه ونستطيع القول بأنه كان ممثلاً له في السلطة بشكلٍ أو بآخر.. وكان
صادق قطب زادة في ما سبق أحد المعارضين للشاه، وقد سافر إلى فرنسا للدراسة، وحينما
لجأ الخميني إلى باريس في أواخر عام 1978 أصبح قطب زادة واحداً من أهم مستشاريه
جنباً إلى جنب مع مهدي بازركان وإبراهيم يزدي وأبو الحسن بني صدر، وبطبيعة الحال
فإنَّ صادق قطب زادة كان واحداً من فريق الخميني الرباعي الذي أجرى إتصالات مع
المسؤولين الأميركيين والإستخبارات المركزية الأميركية "السي. آي. إي"
بطلبٍ صريح من الخميني نفسه.. ومع عودة الخميني إلى طهران تولى قطب زادة إدارة
الإذاعة والتلفزيون، ثم أضيف إلى منصبه هذا منصب القائم بأعمال وزير الخارجية في
28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 ليحل محل بني صدر الذي اكتفى بمنصبه كوزير للمالية
والإقتصاد، ولاحقاً أصبح قطب زادة وزيراً أصيلاً للخارجية..
كان صادق قطب زادة رجلاً علمانياً
ليبرالياً، وكانت زمرة الخميني تصفه بأنه شخصٌ "فاسق" يعاقر الخمرة
والنساء (هنا مناسبة لأن نَذْكُر بين هلالين أنَّ كل المهووسين دينياً ومن دون
استثناء لديهم نزعة إجرامية وراثية مصحوبة بإعاقة عقلية تجعلهم يحرِّمون حُمرة
الخمرة المسكوبة ويحلِّلون حُمرة الدماء المسفوكة!!).. وكان من الطبيعي أن يقف قطب
زادة كعلماني ليبرالي ضد سلطة رجال الدين، وقد حصل أن هاجم حزبَ الخميني الحاكم
(الحزب الجمهوري الإسلامي) في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1980 فتمَّ اعتقاله لفترة
وجيزة، ثم ما لبث الخميني أن عفى عنه.. وهنا السؤال: لماذا لم يقم الخميني بإعدام
صادق قطب زادة في تلك الفترة؟! الجواب واضح مما تقدَّم، إذ لم تكن ساعة القضاء
النهائي على شريعتمداري قد حانت بعد..
الآن، أي مطلع 1982، لم يبق للخميني من
عدوٍّ سوى شريعتمداري، الذي بقي يجاهر علناً بمعارضته بدعة الخميني المسماة ولاية
الفقيه، فكان لا بد من طبخة! لقد تمَّ تلفيق الأمر على هذا النحو: في 6 نيسان/
إبريل عام 1982 أُلقي القبض على صادق قطب زادة، وكانت التهمة الموجهة إليه هي
التخطيط لإنقلابٍ عسكري يبدأ بوضع متفجرة في بئرٍ قرب منزل الخميني لإغتياله.. وقد
نفى قطب زادة أثناء محاكمته تلك الإتهامات قائلاً: "إنني أختلف مع الحكومة
لكنني لم أفكر بالإنقلاب العسكري"..
ما علينا سوى أن نلاحظ التالي: لقد كان
بإمكان نظام الخميني إعدام صادق قطب زادة بسهولة مطلقة بعد توجيه مجموعة من التهم
إليه، تلك التي اعتاد توجيهها إلى كل من عارض الخميني وولاية الفقيه، مع عدم إعطاء
نفيه للتهم الموجهة إليه أي أهمية.. إلا أنَّ الخميني نفسه كان شديد الحرص على أن
يظهر قطب زادة على شاشة التلفاز ليعترف بكل التهم الملفقة، ولم يكن الهدف من ذلك
إظهار قطب زادة بأنه عميل للإستخبارات الأميركية ولا إعترافه بالتخطيط لإغتيال
الخميني والإطاحة بنظامه، بل إنَّ الغاية الأساسية من ذلك كانت أن يَجُرَّ قطبُ
زادة رِجْلَ شريعتمداري ويتَّهمه علناً بالصوت والصورة بأنه الرأس المدبِّر
لمحاولة اغتيال الخميني وقلب نظامه..
إليكم ما ذكره الراحل الكبير آية الله
العظمى حسين علي منتظري في كتابه الذي أصدره عام 2000 وحمل عنوان
"الذكريات": "لقد ذهب أحمد الخميني (إبن الخميني) إلى صادق قطب
زادة في السجن وقال له: "لمصلحة النظام إعترفْ بهذه التُهَم وسوف يعفو عنك
المرشد (أي أبوه الخميني)".. ثم يتابع منتظري في ذكرياته قائلاً: " إنَّ
مسألة زرع المواد المتفجرة في بئرٍ قرب منزل الخميني كانت مزوَّرة وكان الهدف منها
إتِّهام المرحوم شريعتمداري بالمؤامرة الإنقلابية ضد الحكومة"..
إذاً، كانت مسألة إتهام شريعتمداري هي
هدف الخميني الوحيد من اعتقال صادق قطب زادة، إلى درجة أنه أرسل إليه إبنَه أحمد
ليقنعه بالإعتراف بالتهم المنسوبة إليه على أن يقوم الخميني بالعفو عنه! وهكذا ظهر
صادق قطب زادة على شاشة التلفزيون الإيراني ليعمل عجين الفلّاحة (وبالإقناع هذه
المرة)، "فاعترفَ" بأنه عميل للإستخبارات الأميركية وبأنه
"خطَّط" لإغتيال الخميني والإنقلاب على نظامه، والأهم من ذلك كله
"اعترافُه" بأنَّ شريعتمداري هو الرأس المدبِّر لكل ذلك..
بعد هذا "الإعتراف" وَفَى
الخميني "بوعده" فأعدمَ صادق قطب زادة في 15 أيلول/ سبتمبر عام 1982!!
في الحديث المقبل: بأمرٍ من الخميني..
محمد الريشهري صفعَ آية الله العظمى شريعتمداري على وجهه أثناء التحقيق معه وأجبره
على تلاوة بيان إعتذار من الخميني بعدما هدَّده بإغتصاب عِرضه أمام عينيه!
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع"
اللبنانية في 25 حزيران/ يونيو 2012، العدد رقم 1549).
الحديث التالي:
- بأمرٍ مباشر من الخميني: محمد الريشهري صفع آية الله العظمى شريعتمداري على وجهه أثناء التحقيق معه وأظهره كمجرم ذليل بعدما هدَّده باغتصاب عِرضه أمام عينيه!
الحديث السابق:
- شريعتمداري أصبح المرجع الديني الأكبر والزعيم السياسي الأبرز في إيران ما بعد الثورة.. فقرَّر الخميني مَحْوَه من الوجود!
***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من
على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق