2016/04/15

كتاب "الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!"/ 35/ تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي (35)/ شريعتمداري أصبح المرجع الديني الأكبر والزعيم السياسي الأبرز في إيران ما بعد الثورة.. فقرَّر الخميني مَحْوَه من الوجود!



كان الراحل الكبير آية الله العظمى محمد كاظم شريعتمداري يمثِّل عقدة العقد للخميني، حتى أننا نكاد نجزم بأنَّ الخميني هذا لم يَخَفْ من زعامة شخصية إيرانية كخوفه من زعامة شريعتمداري.. وتعالوا نبحث عن الأسباب: 

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


كتاب
الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!
تأليف: حسين احمد صبرا

(الكتاب قيد التأليف)




القسم الأول


تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي (35)
شريعتمداري أصبح المرجع الديني الأكبر
والزعيم السياسي الأبرز في إيران ما بعد الثورة..
فقرَّر الخميني مَحْوَه من الوجود!


حسين احمد صبرا
كان الراحل الكبير آية الله العظمى محمد كاظم شريعتمداري يمثِّل عقدة العقد للخميني، حتى أننا نكاد نجزم بأنَّ الخميني هذا لم يَخَفْ من زعامة شخصية إيرانية كخوفه من زعامة شريعتمداري.. وتعالوا نبحث عن الأسباب: 
السبب الأول، أنَّ شريعتمداري (وبدرجةٍ أقل، آية الله كلبَيْكاني وآية الله مرعشي النجفي)، أصبح منذ مطلع الستينيات المرجع  الديني الشيعي الأكبر داخل إيران في أعقاب وفاة أهم داعية للوحدة بين المسلمين السنَّة والشيعة آية الله العظمى حسين البروجردي عام 1961، في حين أصبح آية الله السيد محسن الحكيم في العراق (في أعقاب وفاة البروجردي) هو المرجع الديني الأكبر عند الشيعة قاطبةً.. أما الخميني فلم يكن يسمع به أحد!.. يقول الراحل الكبير آية الله العظمى علي حسين منتظري في مذكراته: "ما زلت أتذكر أنني ذهبتُ ذات يومٍ الى بيت آية الله كلبيكاني الذي كان مزدحماً للغاية بالزوار الذين حضروا مراسم تأبين آية الله بروجردي المقامة في بيت كلبيكاني. وفي اليوم نفسه ذهبتُ الى بيت آية الله الخميني أيضاً وأدَّيت صلاة المغرب والعشاء وراءه. وجلستُ بعد ذلك معه وتبادلنا الحديث بشأن وفاة البروجردي. وخلال هذه الساعات لم يزر أيُّ شخصٍ بيتَ الخميني".
السبب الثاني، أنَّ الراحل الكبير شريعتمداري هو الذي أنقذ الخميني من الإعدام عام 1964.. فالخميني كرجل دين مغمور، والذي لم يكن أيٌّ من المراجع الدينية الشيعية الكبيرة يعيره أيَّ اهتمام ولم يكن له أيٌ من المقلِّدين وسط جمهور الشيعة داخل إيران أو خارجها، علا صوتُه فجأةً بعد سلسلة الإصلاحات التي أقرَّها الشاه محمد رضا بهلوي عام 1963 وعُرفت بإسم الثورة البيضاء.. كثيرون من المراجع الدينية الشيعية اعترضوا على بعض هذه الإصلاحات، ولكنَّ الخميني كان الأعلى صوتاً والأكثر عنفاً وتطرفاً في إعلان معارضته، أي كما لو أنها "باضَتْ له في القفص".. إليكم ما اعترض عليه الخميني: لقد اعترض على إعطاء النساء حقَّ التصويت في الإنتخابات، واعترض على إعطاء الأقليات الدينية مقاعد في المجلس النيابي، واعترض على منح المرأة في الزواج حقوقاً قانونية مساوية لحقوق الرجل، واعترض على مصادرة بعض ممتلكات رجال الدين الشيعة وحوزاتهم الدينية من الأراضي الشاسعة وتوزيعها على الفلاحين... وهكذا، فإنَّ الخميني بدا كما لو أنه هو الذي فجَّر حركة الإحتجاجات في مدينة قم والتي اندلعت شرارتها في 5 حزيران/ يونيو 1963 والمعروفة بإسم إنتفاضة الخامس عشر من خرداد.. وعلى الأثر اعتقل الشاهُ الخمينيَّ للتحقيق معه وبعدها أودعه السجن العسكري بما يعني التأهُّب لإعدامه.. وهنا لا بد من لفت الإنتباه إلى أنه كان ممنوعاً بموجب القوانين الإيرانية آنذاك إعدامُ المراجع الدينية الشيعية، أما الخميني وكما ذكرنا أعلاه فلم يكن مرجعاً ولا نيلة (كان يبلغ من العمر حينها 62 عاماً)، وكان الشاه يعلم علم اليقين أنَّ الخميني لم يكن في عداد أيٍّ من المراجع الدينية الشيعية في إيران (لقب "الإمام" لم يتم إطلاقه على الخميني إلا بعد عودته من باريس إلى طهران في الأول من شباط/ فبراير 1979).. وهذا ما دفع بالراحل الكبير شريعتمداري لأن يكون صاحب الكلمة الأمضى في ثني الشاه عن قراره إعدام الخميني بأن وجَّه رسالةً إليه تحجَّج فيها بأنَّ الأخير هو من المراجع الدينية في قم، قائلاً للشاه بالحرف الواحد: "أنا أؤيد مرجعية وإجتهاد السيد روح الله الخميني، وهو مرجعٌ مسلَّمٌ به في الحوزة ويوجد من يقلِّده".. الأمر الذي أَحرج الشاهَ وجعله يُطلق سراح الخميني، الذي سرعان ما استغلَّها فرصةً للإستمرار في المزايدة في مهاجمة الشاه لكسب المزيد من الشهرة والشعبية.. إنه لمن دواعي السخرية أنَّ الخميني راح عقب إطلاق سراحه يركِّز هجومه على علاقة الشاه مع أميركا وإسرائيل، وإليكم ما جاء في بيانٍ أصدره في 26/ 10/ 1964 حيث قال فيه: "لتعلمَ الدنيا أنَّ كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني والشعوب المسلمة إنما هي بسبب الأجانب وعلى رأسهم أمريكا.. إنَّ الشعوب المسلمة تكره الأجانب عموماً وأمريكا على الخصوص.. أمريكا هي التي تدعم إسرائيل وأنصار إسرائيل.. أمريكا هي التي تقوِّي إسرائيل كي تشرِّد العرب المسلمين..."!! إلى أن قام الشاه باعتقاله في 4/ 11/ 1964 وقام بنفيه إلى تركيا حيث مكث فيها 11 شهراً، بعدها لجأ إلى العراق حيث مكث حوالى 14 عاماً أمضاها الخميني في الترويج لفكرة ولاية الفقيه، تلك التي تتيح له كرجل دين استلام السلطة وبصلاحياتٍ إلهية أين منها صلاحيات الأنبياء المتواضعة، وذلك تمهيداً لأن يحكم عبادَ الله بتلك الصلاحيات الإلهية إذا ما أتاح له القدر ذلك، وهذا ما حصل! [الشارع الإيراني يتداول روايةً مفادُها أنَّ سائق سيارة الإستخبارات (السافاك) التي أقلَّت الخميني من قم إلى السجن في طهران عام 1963 سأل الأخير: "أين هم أتباعك وأنصارك ليدافعوا عنك؟".. فأجابه الخميني: "إنهم في مَهْدِهِم" (أي في طور التشكُّل).. أما رئيس الشرطة الذي أشرف على صعود الخميني إلى الطائرة التي أقلَّته من مطار طهران إلى منفاه في تركيا عام 1964 فقد روى لاحقاً ما قاله له الخميني وهو يصعد سلَّم الطائرة: "لقد همس ذلك السيد (أي الخميني) في أذني كلاماً أرعبني واقشعرَّ بدني منه. لقد قال لي: قل لرئيسك (أي الشاه) أنني سأطرده يوماً ما من هذا المطار نفسه طردةً لا عودةَ من بعدها"].  
السبب الثالث (في الخوف من شريعتمداري) جاء بعد نجاح الخميني في اعتلاء عرش ولاية الفقيه في إيران بعد الإطاحة بالشاه جراء الصفقة السرية التي عقدها الخميني هذا مع أميركا نفسها وأشرنا إليها في أحاديث سابقة، ليجد أنَّ شريعتمداري هو أكبر مرجعية دينية شيعية ليس على صعيد إيران وحدها فحسب وخاصةً بين قومه الأذريين بل وفي دولٍ أخرى عديدة مثل باكستان والهند وتركيا والكويت وقطر، بالإضافة إلى لبنان حيث لعب تلميذه الإمام موسى الصدر دوراً أساسياً في هذا المجال.. أضف إلى ذلك أمراً آخر بالغ الأهمية كان بمثابة كارثة الكوارث بالنسبة إلى الخميني، ألا وهو أنَّ شريعتمداري أصبح الزعيم السياسي الأبرز في إيران ما بعد الثورة بعدما تزعَّم حزب "خلق مسلمان" (حزب الشعب المسلم)، وهو الحزب الذي سرعان ما أصبح الحزب الأكبر في إيران ما بعد الثورة بعدما بلغ عدد المنتسبين إليه مليوناً وربع المليون، أي أكثر من الأعضاء المنتسبين إلى حزب الخميني نفسه (أي الحزب الجمهوري الإسلامي الذي كان يتزعَّمه محمد بهشتي)، الأمر الذي أثار الرعب في نفس الخميني!
السبب الرابع، وهو سبب مباشر، ويتلخَّص في أنَّ شريعتمداري عارض نظرية ولاية الفقيه ووقف ضد إقامة دولة دينية وكان من دعاة إقامة دولة مدنية، أي بمعنى جمهورية علمانية تَحْكُم بِهَدْيِ الإسلام..
قد يكون هذا السبب الرابع كافياً لوحده لمعرفة الدافع الذي أدى إلى هذا العداء الذي كَنَّه الخميني في نفسه تجاه شريعتمداري، إلا أنَّ الحقد الشديد الذي برز واضحاً وضوح الشمس في الأسلوب الذي اعتمده الخميني في التخلُّص من شريعتمداري هو الذي جعلنا نورد الأسباب الثلاثة الأولى التي اجتهدنا في إبرازها أعلاه.. فما الذي جعل الخميني يحقد على شريعتمداري إلى هذه الدرجة المخيفة وغير المسبوقة إلا عند عتاة المجرمين؟!
السبب بسيط وهو أنَّ الخميني شخص نرجسي مريض، زائد أنه ذو طبيعة إجرامية خالصة.. وغنيٌ عن القول أنَّ الشخص المصاب بالنرجسية المفرطة لا يغفر لمن يتفوَّق عليه، وقد كان شريعتمداري متفوِّقاً على الخميني ومنذ زمنٍ بعيد بأن كان المرجع الديني الأكبر والأبرز والأهم داخل إيران وخارجها قبل الثورة وبعدها، كما كان رجل الدين الأبرز الذي لعب دوراً تاريخياً هاماً في التصدي لمحاولات الإتحاد السوفياتي ضم محافظة أذربيجان الإيرانية إليه بمساعدة حزب تودة الشيوعي الإيراني فور انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.. أضف إلى ذلك أنَّ شريعتمداري، الذي استقبل الخميني في مطار طهران في رحلة العودة من باريس عام 1979، أصبح بعد الثورة هو الزعيمَ السياسي الأبرز والأهم، وليس أدل على ذلك من أن حزبه (خلق مسلمان) بات هو الحزب الأكبر في إيران من حيث عدد المنتسبين إليه (مليون وربع المليون عضو).. ونَوَدُّ منكم أن تتنبَّهوا إلى أنَّ الشخص المصاب بالنرجسية المفرطة لا يغفر على الإطلاق لمن أسدى له جميلاً ما في حياته وفقاً للقاعدة التي لخَّصها المتنبي في شعره (وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا)، فما بالكم بشريعتمداري الذي أنقذ رقبة الخميني من حبل المشنقة!!.. وأخيراً وليس آخراً فإنَّ الشخص المصاب بالنرجسية المفرطة لا يغفر لمن لا يؤيده، فما بالكم بمن يعارضه!
ولكن، رُبَّ قائلٍ بأنَّ شاه إيران الراحل (ألف رحمة ونور عليه) كان أيضاً صاحب شخصية نرجسية مفرطة، إلا أنه لم يفعل مع خصومه ومعارضيه ما فعله الخميني، بدليل أنه تراجع عن إعدام الخميني نفسه واكتفى بنفيه إلتزاماً منه بما شرَّعه هو من قوانين نصَّت على عدم المس بالمراجع الدينية الشيعية في إمبراطوريته، وهذا أبسط مثال.. فنقول هنا إنَّ الفارق ما بين النرجسيَّتين هو أنَّ الخميني كان، وكما ذكرنا قبل قليل، ذا طبيعة إجرامية خالصة وهذا ما يجب علينا أن نأخذه في الحسبان.. صحيحٌ أنَّ ذلك بادٍ من خلال أنَّ الخميني لم يَدَع مجرماً في إيران إلا وقرَّبه منه ولم يَدَع رجلاً صالحاً إلا ونكَّل به، إلا أنَّ ما فعله مع الراحل الكبير شريعتمداري كان كفيلاً لوحده بأن يُظهر طبيعتَه الإجرامية الخالصة على الملأ بحذافيرها..
فقط نود التذكير بأن آية الله العظمى محمد كاظم شريعتمداري كان أذرياً، والقومية الأذرية (التي هي من العرق التركي) هي القومية الأكبر في إيران بعد القومية الفارسية (التي هي من العرق الآري).. إنَّ سكان إيران الذين بلغ عددهم 75 مليون نسمة عام 2011، فإنَّ نِصْفُهُم من الفرس (أي حوالى 37,5 مليون)، وما بين ربعهم إلى ثلثهم من الأذريين (أي ما بين 19 مليوناً إلى 25 مليوناً، مع إشارة هامة إلى أنَّ الأتراك الأذريين (وليس الفرس) هم من أنشأوا الدولة الصفوية في بلاد فارس مطلع القرن السادس عشر ميلادي وفرضوا المذهب الشيعي عنوةً ضمن صراعهم  الدموي مع أتراك السلطنة العثمانية).. إذاً، عندما يأتي مرجع ديني شيعي أذري كبير كشريعتمداري ليتزعَّم حزباً سياسياً أذرياً يفوق عدد المنتسبين إليه عددَ الفرس المنتسبين إلى حزب الخميني الفارسي، نفهم حينها مدى التهديد الحقيقي الذي بات يشكِّله هذا الرجل على نظام الخميني وخاصةً بعد صدامات دموية حصلت بين الخميني والأذريين في السنوات الأولى بعد الثورة جراء مطالبة هذه الأقلية الأذرية الكبرى بحقوقها القومية..
الآن أراد الخميني أن يَمْحُو شريعتمداري من الوجود، فماذا فعل؟!
في الحديث المقبل:   الخميني أقنع صادق قطب زاده بأن يعمل عجين الفلّاحة على شاشة التلفزيون مقابل أن يطلِق سراحه.. بعدها قام بإعدامه على الفور انتقاماً من شريعتمداري!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 11 حزيران/ يونيو 2012، العدد رقم 1547).

الحديث التالي:
الحديث السابق:


***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:

www.alshiraa.comx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق