إنَّ النفط المتنازع عليه بين القوى
العالمية الناهبة (أميركا وبريطانيا) والقوى الوطنية الإيرانية ليس سوى نفط عربي
أحوازي! وبالتالي فإنَّ الزعيم الوطني الإيراني محمد مصدّق قد قام عام 1951 بتأميم
النفط العربي لا النفط الإيراني...
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع
كاملاً
كتاب
الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!
تأليف: حسين احمد صبرا
(الكتاب قيد التأليف)
القسم الأول
تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي
(29)
هل سمعتم هذه النكتة:
الدكتور محمد مصدِّق أمَّم عام 1951
نفطَ الأحواز
والبحرين!
حسين احمد صبرا
ليس لدينا أدنى شك في أنَّ الدكتور
محمد مصدِّق (1882- 1967) كان رجل دولة بكل ما في الكلمة من معنى وزعيماً إيرانياً
وطنياً من الطراز الفريد بفضل ما كان يتمتَّع به هذا الرجل من صدقٍ ونضجٍ ونُبل
وثقافة رفيعة المستوى وخبرة سياسية قلَّ نظيرها، إلى درجة جعلته يحظى وما يزال
بإحترام العالم أجمع وعلى مدى الأجيال المتعاقبة..
لم يكن محمد مصدّق خرِّيجَ حوزةٍ دينية
(أو حلقة ماركسية) ليتعامل مع الأمور بغوغائية وعقلٍ مُقفل يتميَّز بهما رجالُ
الدين عادةً (تماماً مثلهم مثل الماركسيين سابقاً) حينما ينظِّرون للخرافة
والضلالة على أنها حقيقة واقعة يشيرون إليها بالبنان، ولا تعامَلَ مع الأمور
بتألُّهٍ وتطرُّف كما هو حال المعمَّمين بشكلٍ عام (والماركسيين سابقاً) كنتاجٍ
للبيئة التي يتربُّون فيها.. كما لم يكن لدى محمد مصدّق جوعٌ مزمن للمال والسلطة لِيَسْعَ
إلى النفوذ والثروة وكأنه لم يَرَ شيئاً في حياته.. بل كان محمد مصدّق إبنَ طبقةٍ
متوسطة استطاعت أن تعلِّمه ليحصل على أعلى الشهادات في القانون الدولي في طهران
وفرنسا وسويسرا في وقتٍ عزَّ فيه التعليم مطلع القرن العشرين.. ولم يكن محمد مصدّق
غريباً على السلطة، فوالده ظلَّ وزيراً للمالية على مدى ثلاثة عقود متتالية في عهد
العديد من شاهات بلاد فارس (والتي أُسميت إيران منذ العام 1937)، لا بل أنه هو
نفسه كان نائباً عن أصفهان في البرلمان الفارسي عام 1906، وتمَّ تعيينه وزيراً
للمالية عام 1921 ثم وزيراً للخارجية عام 1923، وأعيد انتخابه نائباً في البرلمان
عام 1924، وكان مقدَّراً له أن يتسنَّم أعلى المناصب في الحكومة لولا أنه كان
مشاغباً في سبيل الحق..
لقد نُفي محمد مصدّق من بلاد فارس عام
1919 بعدما قاد ثورة سياسية ضد "معاهدة التحالف والصداقة" التي عُقدت
آنذاك بين بلاد فارس وبريطانيا، ثمَّ أُعيد عام 1920 ليعيَّن حاكماً على إحدى
المقاطعات فاصطدم بالحكومة نتيجة سياسات التمييز التي تمارَس بين المقاطعات
المختلفة.. وحينما عُيِّن وزيراً للمالية عام 1921 (كما ذكرنا) قام بتخفيض مرتبات
الموظفين الحكوميين 50% وطالب بطرد جميع الموظفين الذين يتقاضون مرتبات عالية دون
أن يقوموا بأي عمل.. وحينما قاد رضا بهلوي انقلاباً على سلالة القاجاريين عام 1924
وعيَّن نفسه شاهاً عام 1925، وقف محمد مصدّق موقفاً معارضاً لهذا الإمبراطور
العسكري ليس لأنَّ مصدّق هو نفسه ينتمي نسباً إلى هذه السلالة بل إنطلاقاً من
موقفه المبدئي المعارض لعسكرة الحكم، فأُعفي من منصبه.. ومع تزايد نفوذ الشاه
وبطشه اعتكف محمد مصدّق منذ العام 1927 في مزرعته ثلاثة عشر عاماً، ولم يعاود
نشاطه السياسي كمعارض إلا عام 1940، حيث ما لبث أن سُجن أربعة شهور ونصف الشهر..
وفي عام 1944 نادى محمد مصدّق بعدم إعطاء أي امتيازاتٍ نفطية إضافية لبريطانيا
التي كانت آنذاك تحتل إيران (مع الإتحاد السوفياتي) منذ العام 1941.. وتوَّج نشاطه
السياسي بتأسيس "الجبهة الوطنية" بمشاركة زملائه الدكتور حسين الفاطمي
(عربي من الأحواز) وأحمد زراك زاده وعلي شاكان وكريم سنجابي، وكان على رأس أولوياتها
تأميم النفط الإيراني..
عام 1949 فشلت المفاوضات بين الحكومة
الإيرانية وشركة النفط البريطانية (برتش بتروليوم)، التي لم تكن تعطي إيران سوى
30% من عائدات النفط.. ومع تصاعد دعوات المعارضة الإيرانية المطالبة بالتأميم نجح
البرلمان الإيراني في 20/3/ 1951 بحضور محمد مصدّق في إصدار قرار يجيز التأميم،
واضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى تعيين مصدّق رئيساً للوزراء في 28/ 4/ 1951.. وبعد
أربعة أيام (أي في 1/ 5/ 1951) أصدر مصدّق القرار الذي دخل التاريخ بتأميم النفط
في إيران..
ودون الدخول في التفاصيل، نجحت
المخابرات المركزية الأميركية "السي. آي. إي" بتأليب العديد من القوى
داخل إيران ضد محمد مصدّق وخاصةً بعدما أتت نتائج الحصار الإقتصادي أُكُلَها على
الصعيد الشعبي.. وفي النهاية تمَّت الإطاحة بمصدّق في 19 آب/ أغسطس 1953 وهو ما
عُرف بإسم إنقلاب 28 مرداد 1332 (بالتقويم الفارسي الزرَدَشْتي)، وتم سجنه لمدة
ثلاث سنوات وبعدها وضع في الإقامة الجبرية إلى أن توفي في 5 آذار/ مارس عام 1967..
نسجِّل في هذا المجال بعض الملاحظات:
أولاً، أنَّ النفط المتنازع عليه بين
القوى العالمية الناهبة (أميركا وبريطانيا) والقوى الوطنية الإيرانية ليس سوى نفط
عربي أحوازي! وبالتالي فإنَّ الزعيم الوطني الإيراني محمد مصدّق قد قام عام 1951
بتأميم النفط العربي لا النفط الإيراني..
ثانياً، أنَّ الشاه كان عام 1948 قد
أصدر قانوناً يوصي باستعادة السيادة الإيرانية على البحرين على اعتبار أنها أرضٌ
إيرانية.. وعلى هذا الأساس فإنَّ قرار تأميم النفط الذي أصدره محمد مصدّق عام 1951
قد شمل نفط البحرين!!! وجديرٌ بالذكر أنَّ معظم البحرانيين من المهاجرين الفرس،
والذين يشكلون معظم شيعة البحرين، كانوا في ذلك الحين ينتسبون لحزب
"تودة" الشيوعي الإيراني وكانوا معادين للقضية الفلسطينية ومعادين للوحدة
العربية ومعادين لعروبة الخليج.. هؤلاء البحرانيون من المهاجرين الفرس وقفوا
موقفاً مؤيداً وبحماس لتأميم النفط البحريني ليصبح نفطاً إيرانياً!!!
ثالثاً، أنَّ الباحث الفرنسي روبرت
داريفوس قد ذكر في كتابه "رهينة الخميني.. الثورة الإيرانية والإستخبارات الأميركية
البريطانية" (الصادر عام 1981) أنَّ الخميني قد سار في المظاهرات المعادية
لمحمد مصدّق، تلك التي انطلقت في إيران صيف عام 1953، والتي كانت كما هو معروف
للقاصي والداني بتأليبٍ من الإستخبارات الأميركية (باعتراف الأميركيين أنفسهم
لاحقاً).. من هنا نسأل: ما علاقة الخميني بجهاز الإستخبارات المركزية الأميركية
"السي. آي. إي" منذ ذلك الحين؟!
رابعاً، أنَّ الخميني تلطَّى في الأشهر
الأولى التي أعقبت انتصار ثورة الشعوب الإيرانية خلف زملاء وأنصار الزعيم الوطني
الإيراني التاريخي محمد مصدّق، كأمثال مهدي بازركان وإبراهيم يزدي وكريم سنجابي
وعباس أمير إنتظام والجنرال أحمد مدني والراحل الكبير الإمام محمود الطالقاني
وغيرهم، لا بل وأحاط نفسه بهم منذ أن كان في نوفل لو شاتو في باريس قبل عدة أشهر
من انتصار الثورة.. وما أن بدأ بتوطيد سلطته الشخصية في إيران في الأشهر الأولى التي
أعقبت عودته من باريس إلى طهران حتى راح يتخلَّص منهم الواحد تلو الآخر، فأعدَمَ
مَنْ أعدم وسَجَنَ مَنْ سجن وأطاح بمن أطاح ونفى من نفى، إلى أن تخلَّص منهم
جميعاً شرَّ تخلُّص..
في الحديث المقبل نتابع الحديث عن المعارضة
الإيرانية وموقفها من قضية الأحواز العربية.
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية في 2 نيسان/ إبريل 2012، العدد 1537).
الحديث التالي:
- ماذا قال خامنئي ورفسنجاني لروبرت ماكفرلين أثناء احتفالهما بعيد ميلاده في طهران عام 1986: عيد ميلاد سعيد.. أم ثكلتك أمُّك؟!
الحديث السابق:
- الجنرال أحمد مدني وصف الأحواز بأنها قلب إيران النابض ولربما قلب العالم كله.. وقال: لولا قتلي للعرب بصورة جماعية لانفصلت الأحواز عن إيران!
***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من
على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق