نريد بعجالة التنبيه إلى أنَّ كلَّ الغزاة
القادمين من الشرق (بعد الإسلام على الأقل)، الطامعين في السيطرة على بلاد العرب
وإخضاع أهلها وقهرهم، سواء أكانوا –أي الغزاة– من الفرس أو من الأتراك، من الشيعة
أو من السُنَّة، وأنشأوا ممالك وإمبراطوريات في بلاد فارس وخراسان وأذربيجان (أو
ما يُعرف اليوم بإيران)، فإنَّك تجد أنَّ هَمَّ هؤلاء الغزاة الأوَّل والأساس هو
حل جيش العراق، لأنَّ في ذلك ضماناً لتسيُّد هذه القوى المحتلة والغاصبة للسلطة في
ديار العرب بإسم الإسلام،
إقرأ الموضوع كاملاً في الأسفل
جيشُ
العراقِ متى يعود؟ (2 من 5)
الأمويون
دافعوا عن العروبة..
والعباسيون
باعوها للفرس والأتراك!
حسين أحمد صبرا
نريد بعجالة التنبيه إلى أنَّ كلَّ الغزاة القادمين من
الشرق (بعد الإسلام على الأقل)، الطامعين في السيطرة على بلاد العرب وإخضاع أهلها
وقهرهم، سواء أكانوا –أي الغزاة– من الفرس أو من الأتراك، من الشيعة أو من
السُنَّة، وأنشأوا ممالك وإمبراطوريات في بلاد فارس وخراسان وأذربيجان (أو ما
يُعرف اليوم بإيران)، فإنَّك تجد أنَّ هَمَّ هؤلاء الغزاة الأوَّل والأساس هو حل
جيش العراق، لأنَّ في ذلك ضماناً لتسيُّد هذه القوى المحتلة والغاصبة للسلطة في
ديار العرب بإسم الإسلام، لنكتشف أنَّ ما جرى بالأمس البعيد قبل ألف عامٍ بالِغُ
الشبه بما حصل في نصف القرن الأخير من عصرنا الحالي حينما قامت أميركا بحصار
العراق ومن ثمَّ غزت أراضيه وأطاحت بنظامه الحاكم السنِّي العروبي (بغض النظر عن
مساوئه وكوارثه) وأتت بنظامٍ شيعي عنصري تابعٍ للفرس مباشرةً، فكان أول ما فعلته
أميركا بعد احتلالها العراق هو حل جيشه الوطني من أجل تسهيل وضمان السيطرة
الإيرانية عليه ومن ثمَّ تسهيل وضمان اكتمال المشروع الفارسي المتمثِّل بالهلال
الشيعي الخصيب الممتد من الأحواز شرقاً إلى لبنان غرباً، المفتِّت للُحمة
المجتمعات العربية، وبالتالي الضامن لأمن إسرائيل والمصالح الأميركية في دنيا
العرب..
ولا بد أن يظل حاضراً في أذهاننا أمرٌ هام جداً، أنه
ومنذ فجر الإسلام أصبح للعرب المسلمين جيوشهم الجرارة المكوَّنة في الأساس من
العنصر العربي البحت، بدءاً من حياة الرسول العربي الكريم، مروراً بزمن الخلفاء
الراشدين، وانتهاءً بالدولة الأموية.. لكن، وبعد الإنقلاب الفارسي على الدولة
الأموية وقيام الدولة العباسية على أكتاف الفُرس المتشيِّعين عام 132ه/ 749م، بدأ
العنصر الفارسي يظهر بشكلٍ لافت في الجيش العباسي حيث اقتصر عليهم سلاح المشاة،
بينما بقي سلاح الفرسان المتسلحين بالرماح مقتصراً على العرب.. ولم يكن لدخول
الفرس بأعدادٍ متزايدة في عداد الجيش العباسي إلا معنىً واحد ألا وهو ازدياد
نفوذهم في جسم الدولة العباسية نفسها منذ الخليفة العباسي الأول أبي العباس
السَفّاح حينما استوزر خالد بن برمك، حفيد سدنة معبد المجوس (النوبهار) في خراسان،
ليستمر نفوذ هؤلاء البرامكة الفرس المجوس المتشيِّعون بالتصاعد مع مرور السنين
(على مدى 55 سنة)، حتى استحوذوا على الدولة بأكملها في بدايات خلافة هارون الرشيد
بتفويضٍ منه، إلى حد أنَّ إبنا يحيى بن خالد بن برمك (الفضل وجعفر) أصبحا هما
اللذان يقودان الجيوش.. إلى أن قضى هارون الرشيد عليهم واستأصلهم كلياً من الحكم
عام 187ه/ 802م بعدما اكتشف تآمرهم للإنقلاب على الدولة العباسية بالإشتراك مع
شيعة خراسان..
ثم يأتينا ما هو محزنٌ ومُبْكٍ، ذلك أنَّ كل الجيوش التي
قامت في بلاد الرافدين والشام ومصر منذ خلافة المتوكل على الله عام 232ه/ 874م
وحتى سقوط دولة البويهيين في بغداد عام 447ه/ 1055م كانت من الأتراك والفرس الديلم
(أي طوال 181 سنة).. ثم غلب على جيش الخلافة الطابع التركي التام منذ سقوط دولة
البويهيين عام 447ه/ 1055م وحتى زوال الخلافة العباسية حين دخول التتار بغداد عام
656ه/ 1258م (أي طوال قرنين).. والمتوكِّل هذا، المشار إليه أعلاه، إنما ورث عن
أبيه المعتصم بالله تركةً ثقيلة، ذلك أنَّ المعتصم (218ه- 227ه/ 833م- 841م)، الذي
كانت أمُّهُ تركية، كان أول خليفة عباسي يُدخل العنصر التركي في الجيش العراقي وفي
إدارة الدولة، وظلَّ يقرِّبهم ويزيد من أعدادهم (مبعداً العربَ والفرسَ معاً) حتى
استحوذ الأتراك على الخلافة العباسية بأكملها تقريباً، ما جعل المعتصم يندم على
ذلك بمرارة بعدما لم تعد له سلطةٌ عليهم.. هذا النفوذ التركي، الذي أتى به المعتصم
والذي استمرَّ مستفرداً بأمور الدولة
العباسية 71 عاماً متواصلة منذ خلافة المتوكل على الله عام 232ه/ 874م وحتى قيام
دولة البويهيين الفرس عام 334ه/ 945م ، شَهِدَ قيام الدولة الطولونية التركية في
مصر أولاً ثم تمدَّدت إلى بلاد الشام (254ه- 292ه/ 868م- 905م)؛ وقيام الدولة
الإخشيدية التركية في مصر والشام (323ه- 358ه/ 935م- 969م)؛ وقيام الدولة الفاطمية
الشيعية في المغرب العربي (297ه/ 909م) ثم في مصر (362ه/ 972م) وتمدَّدت إلى بلاد
الشام؛ وفوضى القرامطة الشيعة (بدءاً من سنة 311ه/ 923م) ودخولهم إلى الكوفة
والبصرة ومكة ووصولهم إلى بلاد الشام؛ وقيام الدولة الحمدانية الشيعية في الموصل
وحلب (317ه- 394ه/ 929م -1003م)... لينتهي هذا الإستفراد التركي مع خلافة المستكفي
بالله بكارثة الكوارث: لقد نشأ في عهده (333ه/ 944م) وفي عهد سَلَفِهِ المتَّقي
لله (329ه/ 940م) صراعٌ عبثيٌّ سال فيه الدمُ حتى الركب داخل جيش الخلافة بين
العسكر التركي والعسكر الديلمي الفارسي، يصح أن نسميه صراعَ وحوشٍ جائعة على
السلطة، انتهى بسيطرة الفرس البويهيين السامانيين المتشيِّعين على دولة الخلافة
العباسية بأكملها لمدة 110 سنوات (من سنة 334ه/ 945م وحتى سنة 447ه/ 1055م)، وذلك
من بعد سيطرتهم على بلاد فارس وخراسان..
هؤلاء الفرس البويهيون المتشيِّعون، المنحدرون من سلالة
آخر أكاسرة الفرس كسرى أنو شروان، ويزدجرد وسابور ذي الأكتاف، وجدوا أنفسهم منذ
البداية مضطرِّين للإبقاء على الخليفة العباسي العربي السُنِّي كمجرَّد واجهة
شكلية تَزُوغُ الأبصارَ بعيداً عن دولتهم الفارسية على أرض العرب والتي التحفت
بلحاف التشيُّع، وليصبح البويهيون السامانيون (أحفاد كسرى) هُمُ الحكام الفعليون
وبشكلٍ مطلق لبلاد العرب لأول مرة منذ عصر الرسول العربي الكريم بعد ثلاثة قرون من
هزيمة الفرس في القادسية على يد العرب المسلمين وتقويض امبراطوريتهم، ذلك أنهم هم
الذين باتوا يديرون الدولة ويعيِّنون الوزراء والولاة ويعلنون الحرب ويعقدون الصلح
ويوقِّعون المعاهدات ويجبون الأموال ويخزِّنونها في خزائنهم ويتصرَّفون بها كيفما
شاؤوا، دون العودة إلى الخليفة العباسي في أي شأنٍ من الشؤون مهما كان صغيراً أو
تافهاً.. وقد تكوَّن جيشهم من جيشين اثنين: جيشٍ من الفرس الديلم وجيشٍ من
الأتراك، وقد ضمّوا إلى الأتراك بعض الأكراد والبدو العرب والمغاربة البربر (جيشُ
الفاطميين كان على المنوال نفسه إضافةً إلى العسكر السودانيين)..
لقد دافع الأمويون عن العروبة وتعصَّبوا لها، فلم
يُدخلوا أياً من الأعاجم (لا الفرس ولا الأتراك ولا الأكراد ولا الأرمن) في جيوشهم
ولا في إدارات الدولة، فبقي العنصر العربي هو الحاكم في أرض العرب ما بعد الإسلام
وهو المدافع عنها، إلى أن جاء العباسيون على أكتاف الفُرس.. وتحديداً، فإنه ومنذ
زمن المعتصم بالله (218ه- 227ه/ 833م- 841م)
وحتى مطلع القرن العشرين، أي على مدى أكثر من ألف عامٍ، لم تعد جيوش العرب
عربية، وتلك كارثة الكوارث التي ما زالنا إلى الآن ننزف من جرحها الغائر، لأنَّ ذلك
أدى إلى أن تكون الأنظمة التي حكمت العرب (منذ ما بعد الإسلام بقرنين وحتى
البارحة) أنظمةً أعجمية بحتة: فارسية أو
أرمنية أو تركية أو كردية!! إنها لحقيقةٌ مُرَّة أنْ يعيش العربُ المسلمون أكثر من
ألف عامٍ لا يحكمون أنفسهم.. لقد قهرهم "المسلمون" الأعاجم، فهل التاريخ
على وشك إعادة نفسه من جديد؟!
(آب/ أغسطس 2014)
الحديث التالي:
الحديث السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق