2013/06/04

الربيع الشيعي صعب.. لكنه ليس مستحيلاً- الأسباب التي تَحُول دون انقلاب شيعة لبنان على حزب الله حتى الآن


السبب الأول في عدم انقلاب معظم شيعة لبنان حتى الآن على حزب الله المتورِّط حتى الثمالة في ذبح الشعب السوري الثائر هو الإتِّضاح يوماً بعد يوم أنَّ معظم شيعة لبنان، كمعظم الشيعة العرب، لم يستطيعوا الخروج من العقدة التاريخية التي ابتدعها الفرس بغية إعادة إخضاع العرب، والتي لم ينفكُّوا يشتغلون عليها منذ القرن الثاني الهجري (أي على مدى 1200 عام) والمتمثِّلة  بالتمهيد لإقامة ما يسمى "دولة صاحب العصر والزمان"، أي دولة المهدي المنتظر، وبمعنى آخر الدولة الشيعية الكبرى التي تشمل تحديداً كافة أرجاء الوطن العربي زائد بلاد الفرس، وذلك دون غيرها من أصقاع العالم!


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


الربيع الشيعي صعب.. لكنه ليس مستحيلاً
الأسباب التي تَحُول دون انقلاب
شيعة لبنان على حزب الله حتى الآن

حسين احمد صبرا
الأسباب التي تَحُول دون انقلاب معظم شيعة لبنان على حزب الله المتورِّط حتى الثمالة في ذبح الشعب السوري الثائر هي أسباب عديدة ومتشابكة، وإليكم أبرزها:
السبب الأول، هو الإتِّضاح يوماً بعد يوم أنَّ معظم شيعة لبنان، كمعظم الشيعة العرب، لم يستطيعوا الخروج من العقدة التاريخية التي ابتدعها الفرس بغية إعادة إخضاع العرب، والتي لم ينفكُّوا يشتغلون عليها منذ القرن الثاني الهجري (أي على مدى 1200 عام) والمتمثِّلة  بالتمهيد لإقامة ما يسمى "دولة صاحب العصر والزمان"، أي دولة المهدي المنتظر، وبمعنى آخر الدولة الشيعية الكبرى التي تشمل تحديداً كافة أرجاء الوطن العربي زائد بلاد الفرس، وذلك دون غيرها من أصقاع العالم! مع التشديد على أنَّ هذا التمهيد يجب أن يتم بإقامة دويلات شيعية على أي مساحة ممكنة من الأرض العربية كلما سنحت الظروف، سعياً للسيطرة الشاملة في ما بعد، في تكرارٍ لما فعله الفرس في القرون الأولى للإسلام عبر أجداد الشيعة العرب الحاليين (دويلة البويهيين في العراق، دويلة الفاطميين في مصر، دويلة الزيديين في اليمن، دويلة القرامطة في البحرين، دويلة الإسماعيليين ودويلة النصيريين في سوريا، دويلة الشيعة في لبنان).. ومن هذا المنطلق يجب فهم الجانب المخفي في الدفاع المستميت من قبل حزب الله ومعظم شيعة لبنان عن النظام العلوي في سوريا على اعتبار أنَّ هذا النظام هو نظامٌ "شيعي" في مفهوم الفكر الباطني عند السلفيين الشيعة وفي المزاج الشيعي بشكلٍ عام حالياً، وأنَّ المسألة ليست مقتصرة على حماية نظامٍ يمرِّر سلاحاً إيرانياً إلى حزبٍ شيعي في لبنان.. المسألة أنَّ معظم شيعة لبنان لا يؤيدون قيام نظامٍ سنِّي في سوريا حتى ولو تحالف معهم، مع التشديد على أنَّ مَنْ يظن بأنَّ الإخوان المسلمين سيمنعون تمرير هذا السلاح إلى حزب الله فيما لو استلموا السلطة في سوريا فهو واهم.
السبب الثاني، أنَّ شيعة لبنان تحوَّلوا تدريجياً ومنذ الإحتلال العلوي للبنان عام 1976 إلى لقمة سائغة بفم حافظ الأسد، وهو السلفي الذي اعتبر بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) بالممارسة العملية إرثاً علوياً يجب استعادته.. لقد دخل الأخير إلى لبنان وعينه على الشيعة، الذين سرعان ما تحوَّل معظمهم وبالتدريج إلى رافعة للنظام العلوي في لبنان منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا، حتى أنَّ بإمكاننا الجزم بأنه لولا بعض شيعة لبنان لكان تعذَّر على آل الأسد أن يحكموا هذا البلد بالطريقة التي حكموا لِما يقرب من أربعة عقود ولمَّا تنتهي آثار هذا الحكم بعد.. بفئةٍ من الشيعة وطَّد آل الأسد سيطرتهم على هذا البلد، وبها حاربوا كلَّ خصومهم وأعدائهم من لبنانيين (مسلمين ومسيحيين) وفلسطينيين وعرب، وبها ساوموا وضغطوا على كل اللاعبين الدوليين، وبواسطتها جُعلت ساحة الجنوب اللبناني ملعباً للصفقات مع الغرب وللمتاجرة بالصراع مع إسرائيل بعدما أدخلوا إلى هذه الساحة شريكهم الفارسي.. ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أنَّ الطائفة الشيعية هي الطائفة اللبنانية الوحيدة التي تعمَّد النظام العلوي أن يُبقي على سلاحها بل وحوَّلها إلى جيشٍ مدجَّج بالسلاح  لضمان بلعه هذا البلد إلى الأبد، حتى أنَّ شيئاً في الأمر لم يتغيَّر رغم خروج نظام آل الأسد من لبنان في العام 2005.. والنتيجة التي حصدها الشيعة من دورهم كرافعة للنظام العلوي في سوريا ومن ترسانة السلاح التي جعلها في أيديهم هي أنهم باتوا هم المسيطرون الوحيدون فعلياً على السلطة في لبنان منذ العام 2005 وبشكلٍ مطلق..
السبب الثالث، أنَّ حافظ الأسد قد خَلَق الثنائية الشيعية أمل وحزب الله من العدم وتعمَّد أن يجعل الطائفة الشيعية حكراً عليهما ومَنَعَ أيَّ استثمارٍ سياسي داخل هذه الطائفة خارج هذه الثنائية واعتبره خطاً أحمر، سواء أكان هذا الإستثمار السياسي من قبل شيعة آخرين أو من جهاتٍ حزبية أو طائفية أخرى، أو من قبل أي جهة خارجية (باستثناء إيران)، حتى أنَّ رفيق الحريري، على سبيل المثال، حينما حاول الإستثمار السياسي في الساحة الشيعية الجنوبية في التسعينيات تمَّ إجهاض محاولته بوضع خطوطٍ حمر أمامه، لا بل أنَّ ميشال عون نفسه قد حاول عقب تحالفه المقدَّس مع حزب الله عام 2006 أن يستثمر سياسياً في الساحة الشيعية عبر تعيين مندوبين له من الشيعة المؤيدين لحزب الله في المناطق الشيعية، فما كان من حزب الله إلا أن أسرع إلى ثني هؤلاء المندوبين عن القبول بهذه المهمة بالترغيب وبالترهيب..
إذاً، في البداية أغلق حافظ الأسد الساحة الشيعية على حركة أمل في السنوات الأولى التي أعقبت الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، فقضت بقوة السلاح على كل الأنشطة التي كانت تمارسها الأحزاب اليسارية على الساحة الشيعية، مثلما نحَّت لاحقاً وبالقوة كل الزعامات الشيعية التقليدية.. وفي أواخر الثمانينيات أصبحت الساحة الشيعية الجنوبية مؤهلة بالنسبة إلى حافظ الأسد كي يجعل منها ساحةً للمقاولة مع إسرائيل فقرَّر أن يلعب في هذه الساحة عبر إدخال حليفه الإيراني إليها والذي كان يرفع عبر تابعه حزب الله شعار تحرير القدس من جنوب لبنان، وقد أدى رفض أمل لأن يشاركها أحد في القرار الشيعي إلى سيلان أنهارٍ من الدماء في المعارك التي جرت بينها وبين حزب الله ذهب ضحيَّتها خلال ثلاث سنواتٍ من المعارك أكثر من ألفي قتيل، وكان بنتيجتها أنَّ حافظ الأسد ومنذ مطلع التسعينيات بات يُغلق الطائفة الشيعية على الإستثمار العلوي- الفارسي عبر ثنائية ترتبط به ارتباط الجنين بحبل السُرَّة، إحداهما تحتكر العمل السياسي الشيعي والأخرى تحتكر العمل المسلَّح ضد إسرائيل.. وبعد خروج النظام العلوي من لبنان عام 2005 وحتى هذه اللحظة بقيت الطائفة الشيعية، وبقوة السلاح، حكراً على هذه الثنائية، مع فارق أنَّ حزب الله بفائض سلاحه قد وضع حركة أمل في جيبه الصغرى، وهو ما يزال مبقياً على نشاطها السياسي على الساحة الشيعية من منطلق مصلحته التي تقتضي أن يكسب جمهورها عوضاً عن أن يستعديه طالما أنَّ أمل قد تحوَّلت (بفعل سلاحه) إلى رجع صدى لكل ما يقرِّره هذا الحزب على مختلف الصعد مقابل محافظته على ما كانت تحصل عليه من حصة وافرة من مغانم الدولة..
السبب الرابع، أنَّ الإستثمار العلوي- الفارسي داخل الطائفة الشيعية كان يؤتي أُكُلَه يوماً بعد يوم في أوساط الشيعة بعدما رمى هذا الإستثمار في حضن هذه الطائفة (بعد حرمانٍ تاريخي مزمن) مكاسبَ ومغانم مادية وسلطوية مهولة أعطاها لها مجاناً وبالهَبَل على حساب الوطن وعلى حساب الدولة وعلى حساب باقي اللبنانيين، وبالتالي فمن الصعب التخلي عن كل هذه المكاسب وعن كل هذه السطوة بسهولة..
السبب الخامس، وبما أنَّ الطائفة الشيعية قد مضى على مصادرتها ثلاثةُ عقودٍ من الزمن من قبل لونٍ واحد وصبغة واحدة وخطاب واحد وثقافة واحدة بعدما جُعلت قهراً حكراً على الإستثمار العلوي- الفارسي، فإنَّ هذه المصادَرة قد جعلت هذه الطائفة تفقد صوابها طواعيةً وتجعل من عقولها أوعية فارغة تستقبل ما يتم ملأَهُ بها من أضاليل وأكاذيب وأوهام وتجعل من نفسها عجينة طيِّعة يشكِّلُها الخطاب الفارسي العنصري حول الدولة الشيعية الموعودة والخطاب العلوي الغوغائي حول المقاومة والممانعة، ما جعلها تغرق في عصرها الجاهلي وتتحوَّل إلى بركةٍ من المياه الآسنة تعج بالصديد والنتن والأوبئة بعدما مُنع عنها قهراً أيُّ رَدْفٍ أو تعددية أو تنوُّع، حتى باتت تشكِّل الخطر الأكبر على بقية اللبنانيين وعلى العرب أجمعين..
خلاصة القول، أنَّ حدوث ربيعٍ شيعي منتظَر في ظل ما عرضناه هو أمرٌ بالغ الصعوبة إلا أنه ليس مستحيلاً.. فنحن هنا أمام حالة مَرَضية جعلت بعض الشيعة تأخذهم العزَّةُ بالإثم ويعلون في الأرض.. لكن دعونا نتفق على أنَّ المرض ليس عيباً من حيث المبدأ، بل ولسنا في وارد أن نعتبره جريمة.. لكنَّ العيب والجريمة أن يبقى الوضع كما هو عليه الآن.. إنَّ حزب الله وأربابه الفرس يسيرون بشيعة لبنان اليوم على الدرب الذي ساره أجدادُهم قبل 700 عام وانتهى بمذبحة كسروان التي فتكت بهم فتكاً ذريعاً ولفظتهم خارج التاريخ منذ ذلك الحين.. ولا نريد لهم الآن أن ينتهوا إلى المصير نفسه، بل نطالب بأن يتم الأخذ بيدهم، وتلك ليست مسؤولية الشيعة المعتدلين فقط ولا اللبنانيين فحسب، بل إنها مسؤولية عربية بامتياز تضع على رأس أولوياتها كسر شوكة المشروع الفارسي على الأرض العربية ودحره نهائياً وإلى الأبد.

***************************************************************
***************************************************************
***************************************************************
***************************************************************
*****************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق