2013/04/23

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"/ بعدما تحوَّل الربيع العربي إلى بزرميط إسلامجي- الإخوان المسلمون يعملون على إدخال مصر في الهلال الشيعي الإيراني!



إقرأوا هذا الهتاف: "أمريكا دَفَعِتْ لَك كام ياللي فَتَحْتِ الباب لإيران".. هذا ما ردَّده سلفيون في مصر ضد الرئيس الإخواني محمد مرسي في 29 آذار/ مارس 2013 وهم يمنعون القائم بالأعمال الإيرانية مجتبى أماني من الإحتفال بذكرى مرور 1450 عاماً على ميلاد زوج الرسول السيدة عائشة بنت أبي بكر..إنَّ هؤلاء السلفيين هم على درجة كبيرة من الوعي السياسي في ما يتعلق بهذه النقطة بالتحديد، بحيث أنهم أدركوا سريعاً أنَّ فتح الإخوان المسلمين أبوابَ مصر أمام التغلغل الإيراني عبر السياحة الدينية إنما يتم بضوءٍ أخضر من أميركا نفسها، أي بما معناه أنَّ أميركا




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


كتاب

حوار مع صديقي الإسلامجي

تأليف: حسين احمد صبرا




بعدما تحوَّل الربيع العربي إلى بزرميط إسلامجي

الإخوان المسلمون يعملون على إدخال مصر

في الهلال الشيعي الإيراني!




حسين احمد صبرا

إقرأوا هذا الهتاف: "أمريكا دَفَعِتْ لَك كام ياللي فَتَحْتِ الباب لإيران".. هذا ما ردَّده سلفيون في مصر ضد الرئيس الإخواني محمد مرسي في 29 آذار/ مارس 2013 وهم يحاصرون جامعة الأزهر، مانعين القائم بالأعمال الإيرانية مجتبى أماني من حضور المؤتمر الصوفي، الذي دعا إليه هو شخصياً (بالتنسيق مع أبو العزايم، شيخ الطريقة الصوفية العزمية) للإحتفال بذكرى مرور 1450 عاماً على ميلاد زوج الرسول السيدة عائشة بنت أبي بكر..

هنا، لنا أن نسجل عدة ملاحظات:

أولاً، أنَّ السلفيين الذين تظاهروا ضد التحالف الإخواني- الإيراني هم ليسوا من الأحزاب السلفية ذائعة الصيت، تلك التي تتعاطى في الشأن السياسي العام كحزب النور وحزب الأصالة وحزب البناء والتنمية (الجماعة الإسلامية)، بل هم من الحركات والأحزاب السلفية المغمورة نوعاً ما إعلامياً، تلك التي ليست منغمسة كثيراً في الشأن السياسي، مثل "ائتلاف المسلمين للدفاع عن الصحب والآل" و"حزب الراية" بالإضافة إلى حركة "ثوار مسلمون" المقرَّبة من الشيخ حازم أبو اسماعيل.

ثانياً، أنَّ هؤلاء السلفيين هم على درجة كبيرة من الوعي السياسي في ما يتعلق بهذه النقطة بالتحديد، بحيث أنهم أدركوا سريعاً أنَّ فتح الإخوان المسلمين أبوابَ مصر أمام التغلغل الإيراني عبر السياحة الدينية إنما يتم بضوءٍ أخضر من أميركا نفسها، أي بما معناه أنَّ أميركا التي سعت جاهدةً منذ إنهائها للصراع العربي الإسرائيلي في أعقاب حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 إلى إنشاء هلالٍ شيعي يمتد من إيران عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان بغية تقسيم العرب مذهبياً بما يضمن مصالحها ومصالح إسرائيل الإستراتيجية، غير مستعدة بأي شكلٍ من الأشكال للتفريط به وخاصةً أنَّ سوريا الثائرة قد باتت على قاب قوسين أو أدنى من الخروج منه وبالتالي تقويضه.. من هنا فإنَّ أميركا التي أتت بالإخوان المسلمين ليحكموا مصر إنما تقوم بدفعهم نحو إيران بما يكفل إعادة الروح إلى النفوذ الإيراني في بلاد العرب وإلى هلالها الشيعي بعد خروج سوريا منه، لا بل وتسعى (أي أميركا) عبر إدخال مصر في العصر الفارسي إلى تحويل هذا الهلال إلى بدرٍ مكتمل.

ثالثاً، أنَّ "الهَوَس" المفاجىء لنظام ولاية الفقيه بالسيدة عائشة والذي دفع بالقائم بالأعمال الإيرانية فجأةً إلى تنظيم مؤتمر صوفي في قلب الأزهر الشريف للإحتفال بعيد ميلادها، ما هو إلا خداع سياسي لتسهيل التغلغل الفارسي داخل المجتمع المصري، في محاولةٍ لطمس الصورة العنصرية لهذا النظام الساعي ليل نهار إلى إشعال الفتنة المذهبية بين المسلمين العرب (شُغْلُهُ الشاغل) منذ أكثر من ثلاثة عقود.. وإلا فأين ذهبت حفلات الشتم والسباب والتكفير التي تطال الصحابة أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلى رأسهم عائشة، تلك التي يُحْييها الفرس داخل إيران وعبر أتباعهم من الشيعة العرب ليلَ نهارٍ على منابر الجوامع والحسينيات ومجالس العزاء وتغص بها أدبياتهم المنشورة، وما معنى أن يمنع الخميني منذ مجيئه إلى السلطة عام 1979 (وخامنئي من بعده وحتى وقتنا الحالي) كلَّ السكان الإيرانيين (بمن فيهم عرب الأحواز الواقعين تحت نير الإحتلال الفارسي) من إطلاق تلك الأسماء، التي يرتبط بها أهل السنَّة، على المواليد الجدد وعلى رأسها: أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وخالد ووليد وشيماء وعمرو وعاصي ومعاوية وسفيان، إلى آخر القائمة! فكيف للقائم بالأعمال الإيرانية في مصر أن ينظِّم مؤتمراً غرضُهُ الإحتفال بعيد ميلاد السيدة عائشة، فيما نظامُهُ يمنع إطلاق إسمها على المواليد الجدد داخل إيران ويشتمها ويطعن في شرفها ليل نهار؟!                

الإخوان يفتحون على مصر أبواب جهنم!

هذه المواجهة السلفية العنيفة ضد ممثِّل إيران الرسمي في مصر، والتي وصلت إلى حد محاولة اقتحام منزله في مصر الجديدة، إنما اندلعت في أعقاب التطور المذهل الذي شهدته الساحة السياسية المصرية في الأيام الأخيرة والمتمثِّل باندفاع نظام الإخوان المسلمين المفاجىء إلى إشراع أبواب مصر على النفوذ الإيراني دفعةً واحدة عبر اتفاقٍ وقَّعه وزير السياحة المصري هشام زعزوع في طهران في شباط/ فبراير 2013 يسمح بتدفُّق ملايين السياح الإيرانيين لزيارة الأماكن الدينية "الشيعية" في مصر، قدَّر القائم بالأعمال الإيرانية مجتبى أماني عددَهم بمليوني سائح سنوياً، فيما تمَّ الحديث عن عرضٍ إيراني سرِّي بـ5 ملايين سائح! وبموجب هذا الإتفاق استؤنفت الرحلات الجوية بين القاهرة وطهران بعد قطيعةٍ دامت 34 عاماً، ليصل إلى مصر أول فوج سياحي إيراني مكوَّن من 43 سائحاً إيرانياً في 29 آذار/ مارس 2013، وهو اليوم نفسه الذي قرَّر القائم بالأعمال الإيرانية أن يحتفل فيه بعيد ميلاد عائشة السعيد!

عبد الله النفيسي يكشف المخطط الإيراني بالأرقام

وفي الوقت نفسه زاد من احتقان المشهد السياسي ما كشف عنه بالأرقام المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي من صفقة بين إخوان مصر وإيران تشمل تمويل نظام الإخوان بمبلغٍ قدرُهُ 30 مليار دولار نقداً وعداً مقابل سيطرة إيران الكاملة على مصر..

لقد تحدَّث عبد الله النفيسي بتاريخ 24/ 3/ 2013 في إحدى الحلقات النقاشية المتعلقة بالحوار الوطني في الكويت، في ديوان المعارض الكويتي عبيد الوسمي، وسَجَّل اللقاء قنواتٌ فضائية ومنها "الراي" و"العربية" ونُشر التسجيل على اليوتيوب، ذكر فيه النفيسي أنه صودف أن زار القاهرة (لحضور مؤتمر "نصرة الشعب العربي الأحوازي") في اليوم نفسه لزيارة وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي (أي في 9/ 1/ 2013 وقد التقى صالحي حينها بالرئيس مرسي في اليوم التالي)، وكشف النفيسي أنَّ أحد كبار المسؤولين المصريين في القصر الجمهوري (لعله مستشار رئيس الجمهورية عماد عبد الغفور، وهو سلفي، إذ كان من بين الحضور في مؤتمر نصرة الشعب الأحوازي) أخبره أنه كان موجوداً في القصر عندما دخل صالحي لمقابلة مرسي، وأن صالحي قال لمرسي ما يلي: "نحن نضع أمامكم على هذه الطاولة الآن 30 مليار دولار عداً ونقداً لمصر إذا ما فتحتم سفارة في طهران وفتحنا سفارة في القاهرة، زائداً أننا سنضمن لكم إرسال خمسة ملايين سائح إيراني يأتون إليكم سنوياً، زائداً أننا سنُحضر خبراء فنيين لإدارة مصانعكم المتوقفة عن الإنتاج لإعادة الحياة إليها (ما يزيد عن 2000 مصنع)".. ويتابع النفيسي نقلاً عن المسؤول المصري الكبير في القصر الجمهوري أن الرئيس مرسي سأل صالحي: "وماذا تريدون في المقابل؟".. فأجابه صالحي: "نحن نريد منكم الآتي: نريد منكم أن تسلِّمونا كلَّ المساجد التي بناها الفاطميون في مصر خلال العهد الفاطمي لنعيد ترميمها ونكون نحن مسؤولين عن إدارتها، كما نريد إصدار صحيفتين في مصر تنطق بلساننا [أي تروِّجان للسياسية الإيرانية]، ونريد أن نأخذ من مصر 20 ألف طالب سنوياً للدراسة في قم"..

إنتفاضة السلفيين ضد الإخوانيين

كل هذه الإحداث المتلاحقة أدت إلى اندلاع انتفاضة سلفية ضد الإخوان المسلمين اعتراضاً منهم على ما أسموه غزواً شيعياً لمصر، رافعين لافتاتٍ ومردِّدين شعاراتٍ من قبيل: "لا للسياحة الإيرانية في مصر".. "إسمعوا يا إخوانحية ما فيش علاقات إيرانية ولا فيه حسينية".. "نرفض تواجد الشيعة الإيرانيين على أرض مصر".. "لا مرحباً بكم في مصر السنِّية".. وكتبوا شعاراتٍ وعلَّقوا لافتاتٍ على أسوار منزل مجتبى أماني أبرزها: "قتلة سورية" و"إطلعوا برا يا جواسيس إيران" و"لن نترك موطىء قدم للشيعة على أرض مصر".. بالإضافة إلى التصريحات التي أدلت بها القيادات السلفية وأبرزها ما قاله عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية خالد المصري من أنَّ السياحة الدينية الإيرانية سوف تفتح مصر على أبواب جهنَّم..  ودعا "إئتلاف المسلمين للدفاع عن الصحب والآل" إلى وقفاتٍ احتجاجية بعنوان "مصر مقبرة للإيرانيين"، وعقد حزب النور والدعوة السلفية مؤتمراً في جامع عمرو بن العاص بعنوان "الشيعة أحقاد وأطماع" شارك فيه عدد كبير من رموز وقيادات التيار السلفي، وأبرز ما قيل فيه هو ما جاء على لسان نائب رئيس الدعوة السلفية الشيخ ياسر برهامي، الذي قال: "إنَّ الغرب يساند إيران لنشر التشيُّع داخل مصر بعد فشل مخطَّط تقسيمها"، مضيفاً أنَّ العلاقات مع إيران لا تمثِّل أيَّ طوق نجاةٍ للإقتصاد المصري، بل على العكس، تمثِّل تهديداً للسلام الإجتماعي..

على أنَّ أغرب ما تمَّ الكشف عنه هو موقف محمد مرسي من التمدُّد الشيعي الإيراني في مصر والذي كان قد أبداه للسلفيين أثناء مفاوضاته معهم لتأييده في الإنتخابات الرئاسية.. فعضو الجبهة السلفية الشيخ زين العابدين كامل كشف لصحيفة "اليوم السابع" عن أنَّ أحد الأمور التي رجَّحت كفة الدكتور محمد مرسي على باقي المرشَّحين الإسلاميين في انتخابات الرئاسة كان موقفه الواضح من إدراك "خطر المد الشيعي" وتعظيمه قضية سب الصحابة، مضيفاً أنَّ الرئيس مرسي أظهر في اجتماعه مع علماء الدعوة السلفية ومجلس شورى العلماء موقفَه المعارض لسياسات النظام الإيراني والتمدد الشيعي.. وكذلك فعل الشيخ ياسر برهامي حينما أعلن في مؤتمر جامع عمرو بن العاص (الوارد ذكره أعلاه) أنَّ القيادات السلفية أخذت العهود من محمد مرسي أثناء الإنتخابات الرئاسية ألّا يَدخل الشيعةُ  (الإيرانيون) مصر، كاشفاً أنَّ الرئيس مرسي صرَّح له من قبل بأنه على يقين من أنَّ الشيعة (الإيرانيين) أكثر خطراً على مصر من اليهود والأميركيين، ثم أضاف برهامي القول: "ولكن الآن نقول له إتَّقِ الله في البلاد، فهم (أي الإيرانيون) ما دخلوا بلداً إلا وخربوها، وسورية والعراق ليستا عليك ببعيدتين"..      

الإخوان في حلفٍ استراتيجي مقدَّس مع إيران!

السؤال الذي نطرحه الآن: هل أنَّ علاقات الإخوان المسلمين في مصر مع نظام ولاية الفقيه في إيران هي علاقة مستجدَّة، دافعُها فقط هو التردي الإقتصادي في مصر وخاصةً ما يعانيه قطاع السياحة، وهل أنَّ تلك هي السياحة الدينية التي نادى بها الإخوان المسلمون منذ وصولهم إلى السلطة كبديلٍ عن السياحة الترفيهية الآتية من الغرب؟!

نريد فقط أن ننعش ذاكرتنا لإثبات أنْ ليس في المسألة أيُّ ظرفٍ طارىء، ذلك أنَّ المكتوب كان بائناً من عنوانه منذ البداية تماماً، وما علينا سوى أن نتذكَّر أنَّ أول حديث أدلى به مرشَّح الإخوان محمد مرسي كان إلى وكالة الأنباء الفارسية يوم الأحد في 24 حزيران/ يونيو 2012 عبر مراسلها في القاهرة هشام البقلي وذلك بعد دقائق قليلة فقط من إعلان فوزه بمنصب الرئيس! وواضحٌ أنَّ الأمر كان متعمَّداً ويكشف مبكراً عن نوايا الإخوان المسلمين في إنشاء حلفٍ استراتيجي (سياسي واقتصادي وديني وأمني) مع نظام ولاية الفقيه وهلاله الشيعي، ذلك أنَّ أبرز ما جاء في حديثه الذي نشرته الوكالة الإيرانية على موقعها الإلكتروني في اليوم التالي هو قوله: "يجب علينا استعادة العلاقات الطبيعية مع إيران على أساس المصالح المشتركة للدولتين وتطوير مجالات التنسيق السياسي والتعاون الإقتصادي لأنه سيحقق التوازن الإستراتيجي في المنطقة، وهذا كان ضمن برنامجي، برنامج النهضة".. والمدهش في الأمر أنَّ مرسي نفى أن يكون قد أدلى بهذا الحديث وقرَّر رفع دعوى قضائية ضد الوكالة الفارسية! وقد ردَّت الأخيرة بأن نشرت على موقعها الإلكتروني التسجيل الصوتي للمقابلة!

وما لفت انتباهنا في هذا الحديث أنه حينما سأله مراسلُ الوكالة عما نشرته بعض وسائل الإعلام عن نيَّته زيارة المملكة العربية السعودية كأول زيارة رسمية بعد توليه منصب الرئيس بغية تعزيز العلاقات بين البلدين، تراجع مرسي نافياً ذلك، قائلاً: "لم أصرِّح بهذا ولم يتم حتى الآن تحديد أول الزيارات الدولية بعد نجاحي في انتخابات الرئاسة، أما ما قيل حول زيارة السعودية كأول دولة فهذا كان مقترَحاً من قبل بعض الشباب وليس بشكلٍ رسمي"!!

إذاً، سياسة الإخوان المسلمين الإستراتيجية كانت واضحة جداً من خلال هذا الحديث في أنها تتجه للإرتباط العضوي بمحور إيران ضد دول الخليج العربي.. ورغم ذلك ومن باب رفع العتب، فإنَّ أول زيارة رسمية قام بها مرسي إلى خارج مصر كانت فعلاً إلى السعودية في 11 تموز/ يوليو 2012 حيث استُقبل بحفاوة بالغة، ثم ما لبث أن عاد وزارها للمرة الثانية في 14 آب/ أغسطس للمشاركة في القمة الرابعة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي التي دعا إليها الملك عبد الله بن عبد العزيز بشكلٍ إستثنائي لبحث سبل الحل للأزمة السورية، وهنا انكشفت الأمور: لقد طرح الرئيس الإخواني إدخال إيران (الطرف الأساسي المشارك في قتل الشعب السوري والمتسبب في استمرار نزيف الدماء في سورية) كشريكٍ أساسي في أي حلٍّ للأزمة في سورية عبر دعوته إلى تشكيل لجنة اتصالٍ رباعية مكوَّنة من إيران وتركيا ومصر والسعودية، وهنا بدأ الإفتراق.. لم تَحْضُر السعودية الإجتماع الأول لهذه اللجنة الرباعية والذي عقد في القاهرة في 17 أيلول/ سبتمبر 2012، فأصبحت هذه اللجنة بحكم الميتة..

وتابع الرئيس الإخواني ارتماءه في أحضان إيران واستعداءه لدول الخليج العربي وقرَّر الذهاب بنفسه إلى طهران لحضور قمة حركة عدم الإنحياز في 30 آب/ أغسطس 2012 لتسليم إيران الرئاسة الدورية للحركة، وهناك كانت الفضيحة الإعلامية التي أعطت لمحةً عما يُعرف من طبيعة مذهبية ومعادية للعرب من قبل هذا النظام الذي يركض الإخوان للدخول في حلفٍ استراتيجي مقدَّس معه وذلك حينما تلاعب الإيرانيون في الإذاعة والتلفزيون الرسميين عن عمد بالترجمة الفورية من العربية إلى الفارسية لخطاب مرسي فتمَّ حذف أسماء أبي بكر وعمر وعثمان الواردة في الخطاب، وتمَّ ذكر عبارة "الصحوة الإسلامية" مكان "الربيع العربي"، وأُقحم إسم البحرين كدولة حدثت فيها ثورة مكان إسم سورية! 

هناك في طهران حدث ما هو أهم وأكثر خطراً وذلك حينما إلتقى محمد مرسي بأحمدي نجاد، وبيانُ الرئاسة الإيرانية الذي صدر عقب هذا الإجتماع كافٍ لتبيان الصورة: لقد أورد البيان أنَّ مرسي قال: "إنَّ مصر تعتبر إيران شريكاً إستراتيجياً"، ونَقل عن نجاد قولاً مشابهاً ولكن أكثر تحديداً: "إنَّ إيران تعتبر مصر شريكها الإستراتيجي وهي مستعدة لتقديم مساعدتها إلى الشعب المصري في كافة الميادين".. فما هي هذه الميادين؟!

قاسم سليماني في القاهرة!

بدأت باكورة العلاقات الإستراتيجية بين إخوان مصر وملالي إيران بتعاونٍ في ميدان الأمن، وخاصةً بعد ما راحت الساحة المصرية تشهده من تصاعدٍ للمعارضة الشعبية ضد نظام الإخوان منذ الإعلان الدستوري في 21/ 11/ 2012 بدأ بحرب الشوارع في محيط القصر الرئاسي في الإتحادية ! لقد كشفت صحيفة "القبس" الكويتية في 2/ 1/ 2013 نقلاً عن مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى (ربما وزير الداخلية في حينه أحمد جمال الدين) أنَّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني زار القاهرة سراً في أواخر عام 2012 لمدة 4 أيام (من 26 إلى 30 كانون الأول/ ديسمبر) والتقى داخل أحد الفنادق الشهيرة في القاهرة بمستشار الرئيس المصري في العلاقات الخارجية الدكتور عصام الحداد، ودار الحديث بين الطرفين حول أساليب السيطرة على الأجهزة الأمنية في مصر استناداً إلى خبرة سليماني في هذا المجال، وأنَّ قياداتٍ في جماعة الإخوان المسلمين هي التي قامت بترتيب زيارة سليماني إلى القاهرة، وأنَّ الأجهزة الأمنية التابعة للرئاسة المصرية هي التي تولَّت فرض طوقٍ أمني حول الفندق حيث دار اللقاء مانعةً أفراد الشرطة التابعين لوزارة الداخلية من التواجد في الفندق (هذه المعلومات عادت ونشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية في 8/ 1/ 2013).. فما الذي أسفرت عنه هذه الزيارة؟!

أولى نتائج زيارة سليماني السرية راح ضحيَّتها وزير الداخلية المصري أحمد جمال الدين، ليس لأنه اعترض بشدة على زيارة سليماني التي لم يعلم بها إلا من أحد ضباط الأمن، بل لأنه كان يقف حجر عثرة أمام أخونة وزارة الداخلية.. إذ بعد أسبوعٍ واحد على مغادرة سليماني القاهرة تمَّت إقالة جمال الدين في 6/ 1/ 2013 وتعيين محمد إبراهيم مكانه، لتبدأ بعدها عملية أخونة وزارة الداخلية على قدمٍ وساق، ولينتقل الإخوان المسلمون بعدها إلى محاولة جسَّ النبض في مدى قدرتهم على أخونة الجيش المصري، فسرَّبوا أنباءً في أواسط شباط/ فبراير 2013 عن نية الرئيس مرسي في إقالة القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي ورئيس الأركان صدقي صبحي، ليجيء الرد سريعاً وعنيفاً من قبل الجيش بتوجيه رسالة تحذيرية للإخوان حينما ألمح إلى أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي انهيار للدولة.. لكنَّ مشروع الإخوان الذي لا يعرف الكلل ولا الملل ما يزال يتواصل في حربٍ مبطَّنة ضد الجيش المصري وكان آخرها حتى كتابة هذه السطور التقرير الذي سرَّبه الإخوان إلى صحيفة "الغارديان" البريطانية مطلع نيسان/ إبريل 2013 وتحدَّث عن دور الجيش المصري في عمليات تعذيب الثوار وإخفائهم إبان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير..

هذا ما يتعلَّق بميدان الأمن.. أما ما يتعلَّق بميدان الغزو الإيراني الكامل لمصر سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً ودينياً، والذي هو ليس من اختصاص قاسم سليماني، فإنه وبعد أربعة أيام على مغادرة سليماني القاهرة سُرِّبت إلى الصحف المصرية أنباء عن نية وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بزيارة مصر في الأسبوع المقبل، ويومها قرأنا عن معلوماتٍ أشارت إلى أنَّ هذه الزيارة لم يكن مرتَّبٌ لها من قبل.. وفعلاً، وصل صالحي إلى القاهرة في 9/ 1/ 2013 والتقى بالرئيس مرسي في اليوم التالي ليقدِّم إليه العرض الإيراني الذي كشف عنه الدكتور عبد الله النفيسي وعرضنا له أعلاه..

أسباب الحرب الإخوانية على الأزهر!


أما إذا أردنا معرفة الأسباب الرئيسة لإستعجال الإخوان في بدء حربهم على الأزهر الشريف بغية أخونته وفي استهدافهم شيخَه أحمد الطيب مؤخراً، فما علينا سوى النظر ملياً إلى موقف الأزهر وشيخه من حلف الإخوان مع إيران، وإلى أنَّ هذا الصرح الديني الذي هو أكبر وأهم وأعرق مؤسسة في تاريخ مصر القديم والحديث، هو حالياً أبرز من يتصدَّى لمخطَّط الإخوان المسلمين في جعل مصر ساحة مستباحة من قبل إيران.. وقد تعرَّض شيخ الأزهر لضغوطٍ شديدة من قبل الإخوان لينأى بنفسه وبالأزهر عن رعاية مؤتمر "نصرة الشعب العربي الأحوازي" (الذي عقد في القاهرة يومي 11 و12/ 1/ 2012) كي لا تُستفز إيران، ما دفع بمشيخة الأزهر إلى إصدار بيانٍ في 8/ 1/ 2013 نفت فيه أي صلة لها بهذا المؤتمر أو مشاركة الشيخ أحمد الطيب، على الرغم مما نُشر في جميع الصحف المصرية (نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية) عن مشاركة الأزهر في تنظيمه وحضور شيخه أحمد الطيب.. وصودف أنَّ انعقاد المؤتمر تزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى القاهرة، فكان أن زار صالحي الشيخَ أحمد الطيب في مكتبه في 10/ 1/ 2013 في محاولة إيرانية لإظهار الأزهر كمؤيِّد لعودة العلاقات المصرية- الإيرانية، فإذ بصالحي يسمع من شيخ الأزهر استنكاراً شديداً لما يقوم به النظام الإيراني من اضطهادٍ للسنة في إيران وخاصةً في الأحواز، ومن تدخلٍ في شؤون دول الخليج العربي وخاصةً في البحرين، ومن إراقةٍ للدماء في سورية، ورفضاً قاطعاً لنشر هذا النظام التشيُّعَ في الدول العربية بما "يهدِّد وحدة النسيج الوطني والثقافي والإجتماعي في المجتمعات السنِّية"، مطالباً إياه بضرورة أن تَصدر فتاوى من المرجعيات الإيرانية الشيعية الكبرى بتحريمٍ حاسم لسب السيدة عائشة والخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) والصحابة والإمام البخاري..

الشيخ أحمد الطيب كرَّر الحديث نفسه على مسامع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي زاره في مكتبه في الأزهر في 5/ 2/ 2013 بمناسبة قدومه إلى القاهرة لحضور مؤتمر القمة الإسلامي الثاني عشر، وقد امتعض نجاد أثناء المؤتمر الصحافي عقب هذا اللقاء والذي شارك فيه مستشار الأزهر الشيخ حسن الشافعي نيابةً عن شيخ الأزهر، وذلك حينما راح الشيخ الشافعي يصرِّح أمام الصحافيين بكل ما قاله الشيخ أحمد الطيب لنجاد، ما جعل الأخير يقول: "هذا مكانه الجلسة المغلقة، اتفقنا على الوحدة والأخوة"، ثم غادر المكان.. مع الإشارة إلى أنَّ شيخ الأزهر تعمَّد أن يسرِّب إلى وسائل الإعلام ما قاله لنجاد وذلك من قبل أن ينتهي الإجتماع بينهما.. هذا الموقف المشرِّف لشيخ الأزهر ضد السياسة الإيرانية هو السبب الرئيس في استعجال الإخوان لحربهم ضد الشيخ أحمد الطيب تمهيداً لإقالته.. (وللحديث تتمة حول تداعيات الحلف الإستراتيجي بين الإخوان وإيران على مصر).



    

الحديث التالي:

الحديث السابق:



***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:




































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق