2011/05/29

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"/ دراسة في الموسيقى والتصوف (2): نعم للصوفية والمتصوفين.. لا لمعشر الآلهة البزرميط!


عام 1997 توفي خرّيج الأزهر الشريف المطرب والملحن سماحة الشيخ المجاهد في عالم الموسيقى والطرب سيد مكاوي على خشبة المسرح في بـيروت عن 71 عاماً بينما كان يؤدي وصلة غناءٍ ليختم بها مسيرةً فنية مديدة وحافلة أطربَ خلالها ملايين العرب وأسعدهم..
وفي أواخر السبعينيات احترفت الغناء المطربة الشابة ياسمين الخيام، وهي إبنة القارىء

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً

  
                                    كتاب
      حوار مع صديقي الإسلامجي
                                                تأليف حسين احمد صبرا
      



        الموسيقى والرقص والغناء والطرب من أجمل وأسهل الطرق للوصول إلى الله

        دراسة في الموسيقى والتصوف

      يا مشايخ الإسلامجية في الوطن العربي.. إنطَرِبوا!(2 من 2)
          نعم للصوفية والمتصوفين..
          لا لمعشر الآلهة البزرميط!




حسين احمد صبرا
عام 1997 توفي خرّيج الأزهر الشريف المطرب والملحن سماحة الشيخ المجاهد في عالم الموسيقى والطرب سيد مكاوي على خشبة المسرح في بـيروت عن 71 عاماً بينما كان يؤدي وصلة غناءٍ ليختم بها مسيرةً فنية مديدة وحافلة أطربَ خلالها ملايين العرب وأسعدهم..
وفي أواخر السبعينيات احترفت الغناء المطربة الشابة ياسمين الخيام، وهي إبنة القارىء الأشهر من أن يُعَرَّف الشيخ محمود خليل الحصري.. يومها سرت أقاويل مغرضة بأن الشيخ الحصري معترض على احتراف ابنته الغناء، فانبرى شيخنا يدحض هذه الأكاذيب وصرَّح قائلاً بأنه هو الذي شجَّع ابنته على احـتراف الغناء واعداً إياها بهدية قيِّمة عبارة عن سيارة جديدة، وهذا ما حصل..

والسيدة فاطمة عمر، زوج القارىء الأشهر من نار على علم الشيخ مصطفى اسماعيل، كانت تعزف على آلة البيانو.. وننشر أعلاه صورةَ كانت قد التُقِطَتْ لها في رمضان  عام 1956 ونُشرت في مجلة "المصور" حيث تبدو السيدة فاطمة جالسة وهي تعزف على البيانو أغنية ليلى مراد "أطلب عينيَّ" (كلمات مأمون الشناوي/ ألحان محمود الشريف)، وقد بدا واقفاً إلى جانبها بعلها الشيخ مصطفى اسماعيل وابنهما.. وقد وردت الصورة ضمن تحقيق صحافي أجرته سكينة السادات، شقيقة الرئيس الراحل أنور السادات، وزوج المايسترو الكبـير الراحل عبد الحليم نويرة (هذه الصورة أعادت نشرها مجلة "روز اليوسف" في 16/ 12/ 2006، العدد 4097)..
والفنانة إيمان الطوخي، الـتي احترفت الغناء والتمثيل منتصف الثمانينيات وأدت دوراً بارزاً في مسلسل "رأفت الهجان"، هي إبنة القارىء والمنشد الديني الشيخ محمد الطوخي صاحب الأنشودة الدينية الشهيرة: ماشي بنور الله ماشي/ أدعي وأقول يا رب (كلمات: نبيل الفكهاني/ ألحان: رضا حمدي)..
والمطربة شريفة فاضل، التي احترفت الغناء في أواسط الخمسينيات وهي ما تزال في سن المراهقة واشتهرت بأغنية الأفراح" مـبروك عليك يا معجباني يا غالي/ عروستك الحلوة قمر بيلالي (ألحان: الشيخ سيد مكاوي)، والـتي افتتحت أواسط السبعينيات "كازينو الليل" في شارع الهرم، هي حفيدة القارىء والمنشد الديني الشهير الشيخ أحمد ندا (إسمها الحقيقي فوقية محمود أحمد ندا)..
والمطربة اللبنانية القديرة نجاح سلام هي حفيدة مفـتي الجمهورية اللبنانية الأسبق الراحل الشيخ عبد الرحمان سلام..
والمطربة المصرية القديرة هدى سلطان (التي رحلت عنا عام 2006) وشقيقها المطرب والموسيقار الكبـير محمد فوزي (1918- 1966)، هما إبنا القارىء عبد العال حَبْس الحَوّ، أحد مشاهير قراء القرآن في طنطا في العشرينيات، وكان محمد فوزي قد بدأ حياته الغنائية بالإنشاد الديـني على خطى أبيه.
ولِمَ الذهابُ بعيداً!
فكوكب الشرق أم كلثوم (1899- 1975) هي إبنة الشيخ إبراهيم البلتاجي، والتي حينما احترفت الغناء أُطلق عليها لقب "مطربة السيرة النبوية"، وقد كانت كل بطانتها الغنائية مؤلَّفة من مشايخ: والدها الشيخ إبراهيم وشقيقها الشيخ خالد وإبن خالتها الشيخ صابر وغيرهم وغيرهم.. وقد كان كل الملحنين الذين تعاملوا معها لمرحلة طويلة من حياتها الفنية مشايخ أو أبناء مشايخ: بدءاً من الشيخ أبو العلا محمد (1878- 1927).. ثم لاحقاً الشيخ زكريا أحمد (1896- 1961).. والشيخ محمد القصبجي (1892- 1966) وإبن الشيخ محمد السنباطي الموسيقار رياض السنباطي (1906- 1981)..
كان شيخ الملحنين زكريا أحمد إبنَ الشيخ أحمد صقر مرزبان.. وقد تتلمد الشيخ زكريا على يد أستاذ الأساتيذ الشيخ درويش الحريري (1881- 1957)، كما تتلمذ على يد واحد من أشهر القراء والمنشدين في مصر في التاريخ الحديث هو الشيخ علي محمود (1878-1946) وعمل في بطانته في العقد الثاني من القرن العشرين، كما عمل في بطانة القارىء والمنشد الشيخ اسماعيل سكر والقارىء والمنشد الشيخ أحمد ندا..
والشيخ محمد القصبجي هو إبن الشيخ علي إبراهيم القصبجي، وقد كان هذا الوالد مطرباً وملحناً وعازفاً بارعاً على العود وقد غـنَّى الشيخ عبده الحامولي (1836- 1901) والشيخ يوسف المنيلاوي (1850- 1911) بعضَ أدواره وقصائده..
ورياض السنباطي (كما ذكرنا قبل قليل) هو إبن الشيخ محمد السنباطي، وقد كان هذا الوالد قارئاً ومنشداً دينياً وعازفاً على العود ومطرباً بالأدوار والموشحات الغنائية..
ومحمد عبد الوهاب (1897- 1991) هو إبن الشيخ محمد أبو عيسى حجر، الذي كان  إماماً لجامع الشيخ الشعراني في حي باب الشَعْريّة في القاهرة.. وشقيق محمد عبد الوهاب هو الشيخ حسن عبد الوهاب، والد المطرب سعد عبد الوهاب الذي اشتهر بأغنية: الدنيا ريشة ف هوا (من ألحان عمه محمد عبد الوهاب وكلمات مأمون الشناوي)..
ومطربة القطرين فتحية أحمد (1897- 1975) هي إبنة الشيخ أحمد الحمزاوي، المنشد الديني والمطرب الفكاهي، وقد كان له إبنتان أخريان احترفتا الغناء أيضاً هما مفيدة أحمد ورتيبة أحمد، والأخـيرة غنَّت مع الشيخ أمين حسانين ديالوج "التليفونات" في العشرينيات..
وخرّيج الأزهر المطرب والملحن الشيخ فؤاد محفوظ (1900- 1962) هو إبن الشيخ محفوظ محمد.. وقد تتلمذ على يديه كبار المطربين والملحنـين في الأربعينيات والخمسينيات..
والمطرب والملحن محمد عبد الوهاب حلمي (1916- 1944)، الذي شارك مع الشيخ زكريا أحمد في وضع ألحان أوبريت "يوم القيامة" عام 1940 وشارك فيها في الغناء والتمثيل، وكذلك المطربة حفصة حلـمي (شقيقته)، هما إبنا العالم الأزهري ومرتّل القرآن الشيخ حسن حلمي..
والمطرب والملحن الشيخ محمود صبح (1898- 1941) هو إبن الشيخ محمد صُبح، وجدُّه الإمام الزرقاني عالم الحديث المعروف في مصر..
والمطرب والملحن أحمد عبد القادر (1916- 1984) هو إبن الشيخ عبد القادر الذي كان يعمل مدرّساً صباحاً وقارئاً ومنشداً مساءً..
والمطرب الشهير عبد الحي حلـمي (1857- 1912)، الذي اشتهر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، قد نشأ نشأةً دينية.. وهو خال مطرب الملوك الشيخ صالح عبد الحي (1891- 1962)..    
والشاعر الغنائي الشيخ يونس القاضي (1888- 1966) كان والده قاضياً شرعياً.. ومن أشهر أغانيه طقطوقة : "زوروني كل سنة مرة" الـتي لحنها الشيخ سيد درويش (1822- 1923) وغناها الشيخ حامد مرسي (1902- 1982)..
والدكتورة سمحة الخولي (مواليد 1925)، الباحثة والمؤرخة الموسيقية وعازفة البيانو، هي إبنة الشيخ أمين الخولي..
والمطرب والملحن محمد عثمان (1855- 1900) هو إبن الشيخ عثمان حسن الذي كان يعمل في جامع السلطان أبو العلا في القاهرة..
والشيخ سلامة حجازي (1852- 1917) أسماه والده "سلامة" اكتناءً بإسم الشيخ سلامة الراس، شيخ الطريقة الصوفية في الإسكندرية.. وما أن بلغ الثالثة من عمره حتى توفي والده، فتبنّاه الشيخ سلامة الراس وحينما كَـبُرَ أصبح ذراعه اليمـنى، وبعد وفاته استلم الشيخ سلامة حجازي مكانه وأصبح هو نفسه شيخ الطريقة الراسية.. وقد احـترف تجويد القرآن والإنشاد الديني وتتلمذ على يد الشيخ درويش الحريري والشيخ أحمد المعايرجي والشيخ خليل محرَّم، ولاحقاً اتجه إلى الغناء وتتلمذ على يد الشيخ أحمد أبو خليل القباني الدمشقي، وكان من عظيم إنجازاته أن أسس المسرح الغنائي في مصر.

           مشايخ.. مشايخ

لقد بدأت النهضة الغنائية العربية في مصر في العصر الحديث في الربع الأول من القرن التاسع عشر (كما ذكرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة) على يد شخصين من خرّيجي الأزهر ومن المشايخ المتصوِّفة: الشيخ محمد عبد الرحيم، الشهير بالمسلوب (1793- 1928)، والشيخ شهاب الدين محمد بن اسماعيل (1803-1857)، حيث أعادا للغناء الأصلَ العربي (لا سيما بالموشحات الأندلسية والأدوار) بعدما خلَّصاه من الغناء الدخيل من فارسي وتركي وغجري ويوناني..
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر لمع في عالم الغناء والتلحـين الشيخ عبده الحامولي (1836- 1901).. ومحمد عثمان (1855- 1900).. كما اشتهر أيضاً الشيخ محمد الشنشلاموني (أو الشلشلموني) وكان من كبار مطربي الموشحات في القرن التاسع عشر، وكان زميلاً للشيخ المسلوب.. كما لمع نجم الشيخ يوسف المنيلاوي (1850- 1911) كمنشد ومطرب وملحن، وقد غـنَّى أدوار عبده الحامولي ومحمد عثمان وقصائد من ألحانه.. وعبد الحي حلمي (1857- 1912) الذي تأثر بأسلوب عبده الحامولي.. هذا بالإضافة إلى المطرب الشيخ محمد الشنتوري والشيخ محمد الشبشيري والشيخ خليل محرَّم..
وكان من أساتذة الموشحات الأندلسية ومطربيها في الفـترة الزمنية نفسها (النصف الثاني من القرن التاسع عشر)، بالإضافة إلى الشيخ المسلوب، الشيخ عثمان الناظر، الشيخ عثمان بدوخ، الشيخ إبراهيم المغربي، الشيخ محمد الشبشيري، الشيخ محمد الشنتوري والشيخ خليل محرَّم..
كما لمع في مصر في تلك الفـترة اثنان من المشايخ الشاميين من أساتذة الموشحات الشامية والتركية وهما الشيخان أحمد أبو خليل القباني (الدمشقي) (1836- 1902) والشيخ عثمان الموصلي (الحلبي وهو من أصل عراقي) (1854- 1923)، وقد تأثر بهما الشيخ عبده الحامولي والشيخ سيد درويش ومحمد كامل الخلعي (1879- 1938) وغيرهم..
ولمع من المطربين المشايخ مطلع القرن العشرين الشيخ سيد الصفتي (أو الصفطي) والشيخ حسن الحويحي والشيخ درويش الحريري والشيخ إبراهيم الفرّان، هذا بالإضافة طبعاً إلى الشيخ سلامة حجازي الذي ملأت شهرته الأسماع منذ أنشأ فرقته المسرحية الخاصة عام 1905، وأيضاً خليفته الشيخ سيد درويش.. كما برز من الملحنين الشيخ حسن المملوك.

       شيوخ الشعر الغنائي


ومثلما كان المطربون والملحنون خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من الأشاييخ، فإن الشعراء الغنائيين كانوا بدورهم من الأشياخ، ولعل أشهرهم وأعظمهم الشاعر الشيخ أحمد عاشور سليمان الذي ألَّف أغاني للشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب والشيخ محمد الشلشلموني والشيخ عبده الحامولي ومحمد عثمان.. ومن مؤلفاته الـتي ما زالت على شهرتها إلى الآن طقطوقة: قمر له ليالي/ يِطْلَع لَمْ يُبالِ (ألحان داود حسني).
وشاعر آخر لا يقلّ عنه شأناً هو الشاعر الشيخ محمد الدرويش والذي كان أيضاً من عظماء الشعر الغنائي في أواخر القرن التاسع عشر وهو الذي كتب دور "كادني الهوى" الذي لحَّنه وغناه محمد عثمان.. هذا بالإضافة إلى شعراء آخرين كالشاعر الشيخ نجيب الحداد والشاعر الشيخ علي الليثي، وقد كتبا شعراً غنائياً للشيخ عبده الحامولي..
ومطلع القرن العشرين برز الشاعر الشيخ محمد عبد المطلب..كما برز الشاعر يونس القاضي، الذي كتب 58 أوبريتاً (مسرحية غنائية) من بينها "كيلوبتره وأنطونيو" و"كلها يومين" (لسيد درويش ومنـيرة المهدية)، ومن أشهر أغانيه نشيد: بلادي بلادي/ لك حـبي وفؤادي (للشيخ سيد درويش)، وكذلك دور "أنا هويت وانتهيت" ودور "ضيَّعت مستقبل حياتي" (للشيخ سيد درويش أيضاً) وطقطوقة "أوعى تكلمـني بابا جاي ورايا" (لحنها الشيخ زكريا أحمد وغناها عبد اللطيف البنا)..
ولقد غـنّى الشيخ عبده الحامولي قصائد من أشعار مفـتي الديار المصرية الشيخ عبد الرحمان قراعة.. ولحَّن الشيخ أبو العلا محمد القصائد الصوفية التي كتبها شيخ الأزهر عبد الله الشبراوي وأشهرها على الإطلاق قصيدة "بحقِّكَ أنتَ المنى والطلب" والتي غنتها أم كلثوم لاحقاً..

     الشيخ الأستاذ.. والشيخ التلميذ


لقد شكل الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب مدرسةً في الموشحات والأدوار والطقاطيق تتلمذ عليها كل مَنْ احتـرف صنعة الغناء في القرن التاسع عشر.. وشكل الشيخ محمد الشلشلموني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مدرسة في الموشحات وقد تتلمذ على يديه الشيخ عبده الحامولي والشيخ يوسف المنيلاوي ومحمد عثمان.. وشكل الشيخ أحمد أبو خليل القباني والشيخ عثمان الموصلي مدرسةً في الموشحات الشامية والتركية تتلمذ فيها الشيخ عبده الحامولي والشيخ سلامة حجازي والشيخ سيد درويش وكامل الخلعي..
واعتُبر الشيخ درويش الحريري (1881- 1957) أستاذ الأساتيذ لكونه بَزَّ مَنْ سبق أن تتلمذ على أيديهم.. فلقد تتلمذ على يدَي الشيخ علي محمود والشيخ اسماعيل سكر ناهلاً منهما ما كانا يعرفانه من علوم الموسيقى، كما تتلمذ على يدَي الشيخ المسلوب وكامل الخلعي وداود حسني.. ثم ما لبث أن بَزَّهم جميعاً وأصبح أستاذ الأساتيذ ليعود فيتعلم على يديه الشيخ علي محمود والشيخ اسماعيل سكر، بالإضافة إلى الشيخ أبو العلا محمد ومحمد عبد الوهاب والشيخ زكريا أحمد وصَفَر بك علي (1883- 1962) وعبد الحليم نويرة (1916- 1985) وأحمد صدقي (1916-1987).. (الفنان والمؤرخ الموسيقي الراحل الأستاذ عبد الحميد توفيق زكي يُصِرّ على أن الشيخ درويش الحريري هو مَنْ لحَّن دور: أحب أشوفك كل يوم، لمحمد عبد الوهاب.. نافياً أن يكون الأخير هو مَنْ لحَّنَه).
وخرِّيج الأزهر الشيخ فؤاد محفوظ (1900- 1962) والذي كان مطرباً وملحناً، هو الذي احتضن كارم محمود (1922- 1995) منذ صباه، كما قام بتدريس الموشحات للعديد من المطربين والملحنين ومن بينهم محمود الشريف (1912- 1990) ومحمد قنديل (1929- 2004) وأحمد صدقي وعبد الحليم نويرة.

      نعم للصوفية.. لا للإسلامجية!


أولم تلاحظوا –أعزائي القراء- أن الصوفية باحتضانها الموسيقى والغناء والطرب إنما هي تعـبِّر عن احترامها لكرامة الإنسان وللقيم الجمالية الـتي لديه.. وبما أنها لم تحرِّم الموسيقى والغناء والطرب والرقص فإننا نجد بالتالي أنها لم تحرِّض على سفك الدماء..
فلنقرأ معاً ما ذكره الناقد الموسيقي المصري الشهير الدكتور زين نصّار (الأستاذ المساعد في أكاديمية الفنون في القاهرة) في إهداء كتيِّبه "الموسيقا المصرية المتطورة" (الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1990):
"... وإلى فضيلة الشيخ عـتريس عبد العزيز القوصي الذي كان سبباً في دراستي للموسيقا".
إذاً، الشيخ القوصي هو الذي شجَّع زين نصّار على دراسة الموسيقى.. (جدير بالذكر أن زين نصّار قد ظهر منذ عدة سنوات كممثل في مسلسل يوسف شعبان وفردوس عبد الحميد "شرخ في جدار العمر" وعزف في بعض المشاهد على آلة السكسفون).
إن ما ورد في هذا الإهداء يذكرنا بأن الذي شجَّع الموسيقار اليهودي المصري العربي الأصيل داود حسني (1870- 1937) على احـتراف الموسيقى والغناء هو الإمام الشيخ محمد عبده (1849- 1905) الأشهر من أن يعرَّف.. ففي عام 1880 كان داود حسني ما يزال صبياً في العاشرة من العمر ويعمل مجلِّداً للكتب في مطبعة "سكر" في القاهرة، ومن خلال تردد الإمام على المطبعة تعرَّف على هذا الصبي ذي الصوت الجميل والشغوف بالموسيقى فشجَّعه على احترافها (ملاحظة: عام 1899 عُـيِّن الإمام الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية.. أما الموسيقار داود حسني فهو الذي أطلق على المطربة آمال الأطرش –شقيقة الموسيقار فريد الأطرش- إسم "أسمهان" وكانت واحدة ممن تتلمذوا على يديه، وكان منهم أيضاً المطرب العملاق محمد عبد المطلب.. ومن أشهر ألحان داود حسني طقطوقة: قمر له ليالي.. وطقطوقة: على خده يا ناس مية وردة.. وموشح: السمع والراح.. وطقطوقة حيرانة ليه بين القلوب، الـتي لحنها لليلى مراد).
إذاً، كان لدينا "رجال دين" متصوِّفون يشجعون الشباب على احتراف الموسيقى والغناء.. واليوم لدينا "رجال دين" إسلامجية يشجعون الشباب على التطرف والتعصب الديني والمذهبي والفئوي ويحرضونهم على سفك الدماء!
من هنا فإننا ندعو مشايخ الإسلامجية (وخاصةً أنهم على شاكلة دراكولا- مصاص الدماء) إلى التالي:
1-  أن يعودوا إلى عالم الغناء والطرب الأصيل وأن يُشَنِّفوا آذانهم بالإستماع إلى الـتراث الموسيقى العربي الضخم الذي لا يقدَّر بثمن، من عبده الحامولي إلى عمرو دياب.. ومن ألمظ إلى هيفاء وهبي.. فالإستماع إلى الموسيقى العربية هو المساهم الأكبر في تربية النفس وتهذيبها وفي إعمال العقل والمنطق والضمير وفي ضبط غرائز وشهوات السلطة والتسلُّط والسيادة والتسيُّد.. والإستماع إلى الطرب العربي يرقق المشاعر ويُرْهِف الأحاسيس فيقمع شهوة الإستمتاع الفائق واللذة العارمة في رؤية الدماء وهي تسيل ورؤية الدمار والخراب والحطام وهو يحل في بلاد العرب.. لا بل والعالم كله (فنظرية التدمير والتسيُّد لدى هؤلاء كونية لا محلية!).
2- نلاحظ وبشكل لافت أن الكثـيرين من الإسلامجية ممن يمتهنون كار المشيخة هم من أصحاب الأصوات الرخيمة (من طبقة الباريتون، أي الصوت المتوسط الغلظة)، أو من أصحاب الأصوات الصدّاحة والمصلصلة والمجلجلة (من طبقة التينور)، ومن شدة ما في أصواتهم من قوة وفحولة فإنك تحسب الواحد منهم من كـثرة ما يزعق ويصرخ من خلف المنـبر وهو يحرِّض على سفك الدماء وإحلال الخراب والدمار في الديار تحسبه وكأنه على وشك أن يُصاب بالفتاق (الفتق).. من هنا ندعو مشايخ الإسلامجية هؤلاء إلى امتهان كار الغناء وتعلُّم هذه الصنعة وفق أصولها.. أوليس في أداء الأغاني الدينية وسيلة لجعل الناس تتقرَّب من الله.. أوليس في أداء الأغاني العاطفية تشجيع على الحب، لا على الكراهية والحقد والتعصب.. أوليس في أداء أغاني الأطفال تشجيع على الحياة لا على الموت وسفك الدماء.. أوليس في أداء الأغاني الوطنية تشجيع على الذود عن الأوطان وعن أهالينا سكان هذه الأوطان عِوَضَ إدخالهم في المهالك وسفك دمائهم.. ثم أن صنعة الغناء تدُرُّ مالاً وفـيراً وتجلب جاهاً وشهرةً وسلطةً بلا حدود.. ومشايخ الإسلامجية المتوترون هؤلاء أوليست معاناتهم من عقدة الحرمان من المال والسلطة هي السبب الحقيقي في توترهم المرَضي المتواصل هذا.. ناهيك عن مرضهم النفسي (الوراثي) الذي يجعلهم يخالون أنفسهم بأنهم آلهة (بزرميط طبعاً!).
3-  نلاحظ أيضاً وبشكلٍ لافت أن الكثيرين ممن يمتهنون كار المشيخة من الإسلامجية هم من أصحاب المواهب الحقيقية في التمثيل، ولا سيما منه فن التمثيل المسرحي.. يظهر ذلك جلياً في تعابير وجوههم وحركات أيديهم وترنُّح أجسامهم وأسلوب الإلقاء لديهم، وهم يستخدمون تلك الموهبة للتأثير على جمهورهم الساذج من أصحاب العقول المسطحة والمقفلة من أجل تنمية الجهل والتطرف والتعصب لديهم والنجاح في تحريضهم على سفك الدماء والتسليم بما يقولونه على الله  من كَذِب.. من هنا ندعوهم إلى احـتراف التمثيل المسرحي.. وبما أننا قد دعوناهم قبل قليل إلى احـتراف الغناء، فإن تمثيلهم وغناءهم سيشكلان سابقة في إعادة إحياء المسرح الغنائي من جديد والذي كان قد بدأ على أيدي الشيخ سلامة حجازي مطلع القرن العشرين واستمر حـتى الأربعينيات وبرعت فيه سلطانة الطرب منـيرة المهدية وموسيقار الشعب الشيخ سيد درويش وشيخ الملحنين زكريا أحمد.
فهلاّ يُطربُنا مشايخ الإسلامجية (معشر الآلهة البزرميط) ويـبرز منهم مَنْ يُغَنّي تلاوين الغناء المتنوعة، حتى ولو غـنَّى "بوس الواوا".. أوليس ذلك بأفضل بما لا يُقارَن من أن يتسبب بـ"الواوا"؟!
(في المستقبل القريب نلتقي مع تتمة لهذه الدراسة حول العلاقة الجدلية بين التجويد القرآني والغناء وحول ثلاثة أرباع الصوت وما إلى هنالك).
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 6 نيسان/ ابريل 2009، العدد رقم 1385).
************************************************************
                    فهرس كتاب:       
***********************************************************
                   (شعر: حسين احمد صبرا)
***********************************************************
                  فهرس كتاب:
***********************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:

                         

هناك تعليق واحد:

  1. أستاذ حسين
    كتابك عن الطرب الصوفى أكثر من رائع
    و الكتابة بخط سقال مجلة
    Sakkal Majalla
    أعطى للموضوع وقار أكثر

    ردحذف