بدايةً، لا يوجد في الإسلام (ولا في الأديان السماوية الأخرى) أحدٌ ممكن أن نسميه "رجلَ دين" أو "شيخاً" يرتدي الجبّة أو القفطان ويضع على رأسه العِمّة أو الطربوش.. فلا رجالَ دينٍ في الإسلام، وأي كلام مغاير هو مجرَّد كلام سخيف وفيه افتراءٌ على الله. ولكن، ومنذ أن ابتلانا الله بهذه التسمية- المغالَطة، أصبحنا أمام معسكرين
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
كتاب
حوار مع صديقي الإسلامجي
تأليف حسين احمد صبرا
الموسيقى والرقص والغناء والطرب من أجمل وأسهل الطرق للوصول إلى الله
دراسة في الموسيقى والتصوُّف
دعوة لعودة المعمَّمين إلى عالم الموسيقى والطرب (1من2)
يا مشايخ الإسلامجية
في الوطن العربي.. إنطَرِبوا!
حسين احمد صبرا
بدايةً، لا يوجد في الإسلام (ولا في الأديان السماوية الأخرى) أحدٌ ممكن أن نسميه "رجلَ دين" أو "شيخاً" يرتدي الجبّة أو القفطان ويضع على رأسه العِمّة أو الطربوش.. فلا رجالَ دينٍ في الإسلام، وأي كلام مغاير هو مجرَّد كلام سخيف وفيه افتراءٌ على الله.
ولكن،
ومنذ أن ابتلانا الله بهذه التسمية- المغالَطة، أصبحنا أمام معسكرين ممن يُسَمَّونَ بـ "رجال دين" أو شيوخ أو أشياخ أو مشايخ أو أشاييخ:
المعسكر الأول، ويضم في صفوفه "رجال دين" يتَّسِمُونَ بالمسالمة.. والعقول المنفتحة والمستنيرة.. والزهد بالسلطة.. والإقبال على الدنيا دون التسبب بأذية الآخرين.
المعسكر الثاني، ويضم في صفوفه "رجال دين" يتَّسِمُونَ بالعنف والتهوُّر والتوتر.. والعقول المُقفَلة.. والتعطُّش إلى سفك الدماء.. وطمعٍ لا نظيـر له بالسلطة.. وإقبالٍ على الدنيا لا يحلو إلا إذا كان على حساب شقاء الآخرين وتعاستهم ومآسيهم!
من صفوف المعسكر الأول خرج مَنْ يُسَمَّى بالمتصوِّفين.. ومن صفوف المعسكر الثاني خرج مَنْ يستحقُّون منا أن نسميهم بالإسلامجية (لافرق بتاتاً إن كانوا سُنّةً أم شيعة).
ساهم المتصوِّفون في نشر الإسلام خارج الأرض العربية.. وساهم الإسلامجية في نشر الإرهاب في كل زاويةٍ من زوايا العالم..
إن شئنا تقييم المعسكرَين على أسس التحليل النفسي فلا يسعنا سوى القول بأن المتصوِّفين "مازُوْخِيُّون"، والإسلامجية "سادِيُّون"..
ولكن،
إذا ما كانت المازوخيّة والسادِيّة في علم النفس الجنسي تُعتبـر انحرافاً (حيث يستلذّ المازوخي بأن يضربَه شريكُه قبيل الوصال، ويستلذّ السادي بأن يقوم هو بضرب شريكه قبيل الوصال)، فإنَّ واقع ما نراه هو أنَّ المازوخية أخلاقياً وإنسانياً ودينياً تُعتبر مَكْرُمةً وفضيلةً وزهداً وورعاً وتقوىً وصبراً وتسامحاً وتسليماً بمشيئة الله.. (والكاظمينَ الغَيْظِ والعافِيْنَ عن الناس- والصابرِيْنَ في السَرّاء والضَرّاء وحـينَ البأس- والذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون- إدفَعْ بالتي هي أحسنُ فإذا بالذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم..).
وفي المسيحية رُوِيَ عن النبي عيسى- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: مَنْ ضربَكَ على خدِّك الأيمن فأدِرْ له خدَّك الأيسر..
أما السادية فإنها أخلاقياً وإنسانياً عدوانيةٌ وتوحُّشٌ بدائيٌّ وتعطُّشٌ لسفك الدماء وسلوكٌ مدمِّر، وهي دينياً إفسادٌ في الأرض وضلالة لا فارق بينها وبـين الكفر بتاتاً البتّة..
وفيما يُقِرُّ المتصوِّف المازوخي بأنه عبدٌ فقـير وضعيف، يتهيّأ للإسلامجي السادي بأنه مبعوث العناية الإلهية في أبسط حالات الفصام النفسي، وبأنه إلهٌ أو شبه إله في أشد حالات الفصام النفسي وأكثرها تركيباً وتعقيداً.
أما إذا ما شئنا إحداث تمازج بـين علم النفس وعلم الهرمونات فإن معسكر المتصوِّفين يسعى لتهذيب نفسه بأن يجعلها تفيض أنوثةً، فيما يشحن معسكر الإسلامجية نفسه ليزيدها ذكورةً.. والأنوثة هي أساس السلام والتحضُّر والأخلاق ومن دونها لا يستقيم إيمان، والذكورة هي أساس التخلف والفوضى والهمجية ومن رَحِمِها تولد الدكتاتورية والفاشية والعنصرية.
إننا ونحن نربِّي أطفالنا ونهذِّبهم نطلب منهم مثلاً أن يطرقوا باب أي مـنزل يقصدونه بغية الإستئذان للدخول حتى ولو كان الباب مفتوحاً، ونزيد بأن يَتِمَّ طرقُ الباب بلطف لا بعنف، وألاّ يدخلوا قبل أن يؤذنَ لهم.. وألاّ يرموا القاذورات في الشارع.. وألاّ يكونوا مصدرَ إزعاج للآخرين.. إلى آخره، فإننا بذلك ننـمّي فيهم الأنوثة، والـتي تتمثَّل بالرقة واللطف والكياسة واللباقة والإحساس المرهف والذوق الرفيع وما إلى هنالك، وكل ما يخالف ذلك فهو ذكورة وما تعنيه من فظاظة وجلافة وغِلظة وقلة ذوق وقلة تهذيب وقلة تربية وفوضى ووحشية وهمجية وعدوانية..وقد وُجِدَت الأديان أصلاً لتنـمّي في الإنسان الأنوثة وتلـغي فيه الذكورة.. وقد كان أنبياء الله ورسله مثالاً في ذلك، وقد امتدح الله "أنوثتهم" في كثـير من آيات القرآن الكريم، ونكتفي بما قاله تعالى عن نـبي الإسلام بقوله: وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم.. وفي آية أخرى: ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك.. دون أن ننسى طبعاً مواعظ النـبي لقمان لإبنه ومن ضمنها أن يَقْصِدَ في مَشْيِهِ فلا يسير مسرعاً ولا مترنحاً (كدلالة على السكينة والوقار)، وألاّ يتكلم بصوتٍ مرتفع: واقْصِدْ في مَشْيِكَ واغْضُضْ من صوتِكَ إنَّ أنكَرَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحمـير.. وفي السكينة والوقار والتحدُّث بصوتٍ منخفض أنوثةٌ، وعكسُها ذكورة!.. وهو قَبْلَها يعِظُه بألاّ يختال ويتبخـتر ويتعجرف ويتكـبَّر و"يتأنْزَح" على الناس: ولا تُصَعِّر خَدَّك للناس ولا تمشِ في الأرض مَرَحاً إن الله لا يُحِبُّ كلَّ مُخْتالٍ فَخور.. فالإختيال والبختريَّة والمفاخرة والتكـبُّر والعجرفة و"الأنزحة" هي فعل عدواني تجاه الناس، والعدوانية ذكورة.. أما البساطة والتواضع فأنوثة!
هنا تأتي الموسيقى (بما فيها من غناء وطرب وإيقاع ورقص) لتشكل واحداً من أهم العوامل في تنمية الأنوثة في البشر وضرورة من ضرورات الحياة كالماء والهواء..
فالموسيقى (غناءً وطرباً وإيقاعاً ورقصاً) تسمو بالروح.. وترفِّه عن النفس.. وتنـمّي الوجدان.. وتغذّي العواطف والمشاعر والأحاسيس.. وتُريح الأعصاب وتُزيل التوتر وتُحسِّن المزاج وتترك أثراً طيباً في النفس..
الموسيقى فن.. وإبداع.. ورُقيّ.. وجمال.. وهي من أهم سمات الحضارة..
والموسيقى لغة في التخاطب والإيحاء والإشارة والإيماء.. فيها الجُمَل والمفردات والمعاني والنـبرات.. لها مضمونُها ومقالها وفكرها وخيالها.. وفيها التنوع في الأغصان: العاطفي.. والديني.. والوطني.. والتعبـيري.. والتصويري.. وحـتى الغرائزي.. وفيها التنوع في الألوان: الهادىء.. والصاخب.. الفَرِح.. والحزين.. المرعب.. والفكاهي.. والحماسي.. والوجداني.. والروحاني.. مثلما فيها التنوع في الإيقاع: الهادىء.. والصاخب.. البطيء.. والسريع.. الخفيف.. والثقيل..
فِرَق الطُرُق الصوفية.. ولواء الطرب
أردنا من خلال هذه المقدمة الطويلة القول بأن من حُسْن حظ الأمة العربية أنَّ فِرَق الطُرُق الصوفية هي التي كانت منتشرة في مصر منذ أيام الفاطميين (أي على مدى ما يقرب من ألف عام)، ما جعلها تحافظ على روح الموسيقى العربية وأصالتها نظراً لإعتماد هذه الفِرَق الصوفية- كركـيزة من أهم ركائزها- على تجويد القرآن وعلى الإنشاد الديني والمدائح النبوية في حلقات الذِّكر والموالد والحفلات الدينية.
ولأن الأزهر الشريف كان منارة العلم الوحيدة المتاحة حـتى الأمس القريب.. و"الكُتّاب" يحل محل المدرسة.. فإن التعليم في "الكتاتيب" المنتشرة في طول البلاد وعرضها كان يقتصر على تحفيظ القرآن قراءةً وكتابةً وتجويداً، مما يؤهِّل التلميذ لاحقاً للإلتحاق بالأزهر الشريف لإكمال التعليم بدرجاته العليا (في الفقه واللغة والحديث) والحصول بالتالي على رتبة "المشْيَخة".
إذاً،
كان رجال الدين (المشايخ) هم الذين يسيطرون على مفاتيح التعليم (الكتاتيب والأزهر الشريف).. وأيضاً على مفاتيح الموسيقى (فِرَق الطُرُق الصوفية).. وبالتالي لم يكن بالأمر المستغرَب أو المستنكَر أن يقوم رجال الدين (الذين بدأوا حياتهم الدراسية بحفظ القرآن والتفنن بتجويده) بالمشاركة في حلقات الإنشاد الديني والذِّكر والموالد، وبمخالطة الأدباء والشعراء وبالتردد على الأفراح للإستماع إلى المنشدين والمطربين.. ولا كان بالأمر المستغرَب أو المستنكَر أن يقوم رجالُ دين من خرِّيجي الأزهر أو من أتباع الطُرُق الصوفية بالإلتحاق بعالَم الموسيقى والغناء والطرب، وخاصةً أن هذه الظاهرة كانت تلقى تأييد مشايخ الطُرُق الصوفية في وقتٍ كان عامة الناس وبسطاؤهم يتَّبعون مشايخ الصوفية هؤلاء ويتأثرون بهم بالغ التأثر (لسنا هنا بصدد مناقشة ما يشوب بعض المعتقدات الصوفية من أمور لا يقبلها عقلٌ ولا منطق ولا دين من ناحية تقديس ما يسمى بأولياء الله الصالحين وقدرتهم على إتيان الأعمال الخارقة أو ما يسمى بالكرامات ونذر النذور لهم..).
ومنذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى أواخر القرن العشرين والمشايخ (من خرِّيجي مدارس التجويد) هم الذين حملوا لواء الموسيقى العربية والطرب العربي على أكتافهم وقاموا بالتجديد والتطوير وتخليص الغناء العربي مما شاع فيه من غناء دخيل وشاذ عن الأُذُن العربية وغريب عن الشخصية العربية كالغناء الفارسي والتركي والغجري واليوناني.. وشهدت الموسيقى العربية على أيديهم ازدهاراً لم يسبق أن شهدَتْ له مثيلاً منذ العصر العباسي والعصر الأندلسي.
الموشحات الأندلسية والأدوار
بدأت النهضة الموسيقية في مصر منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر كنتاج للنهضة الشاملة الـتي شهدتها البلاد سياسياً ودينياً وعلمياً وثقافياً وزراعياً وعسكرياً على يَدَي محمد علي باشا (1769- 1849) بعد أن أصبح والياً على مصر عام 1805.. وقد لمع اثنان من المشايخ من خرِّيجي الأزهر على الساحة الموسيقية والغنائية شهد لهما التاريخ بقيامهما بتخليص الغناء العربي مما شاع فيه من غناء دخيل (فارسي وتركي وغجري ويوناني) وبإمداده بنبعٍ غزير من الغناء العربي الأصيل الذي اختزنته لمئات السنين مدارس الإنشاد الديني وتجويد القرآن، وهو الغناء الذي كان بدأ على أيدي المسلمين العرب الأوائل وتعود جذوره إلى موسيقى وغناء العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية وفي بلاد الرافدين والمـتراكم عـبر العصور السابقة على مدى آلاف السنين قبل الميلاد.
هذان الشيخان هما:
-الشيخ محمد عبد الرحيم، وشهرته المسلوب (1793- 1928) والذي كان واحداً من رؤساء منشدي الأذكار الصوفية.. والملاحظة الأولى أنه عاش عمراً مديداً (135 عاماً).. أما الملاحظة الثانية (بما أن الشيخ المسلوب هو من مواليد مدينة قنا) فهي أن إسم والده هو عبد الرحيم، كنيةً بشيخ الطريقة الصوفية في قنا، الأشهر من نار على علم، ألا وهو عبد الرحيم القناوي، الذي ما يزال يذكره المصريون إلى الآن بإسم سيدي عبد الرحيم القناوي.
-أما الشيخ الثاني فهو الشيخ شهاب الدين محمد بن اسماعيل (1803- 1857)، المولود في مكة والقاهريّ النشأة، وهو أديب وشاعر وموسيقي، وقد ساهم في تحرير جريدة "الوقائع المصرية" التي أسسها محمد علي باشا عام 1828، مع الإشارة إلى أن الشيخ رفاعة الطهطاوي والإمام الشيخ محمد عبده كانا من بين من تولوا رئاسة تحريرها.
لحـين ظهور الشيخين المسلوب وشهاب الدين كان الغناء خارج إطار الإنشاد الديني والأذكار يقتصر على ما كان يُعرف آنذاك بفِرَق الصَهْبَجِيّة (نسبةً إلى الصهباء، أي الخمرة، حيث كانوا يغنّون في الخمارات ومقاهي الحشيش وغيرها من الأماكن).. وكان يتولى العزف والغناء في فِرَق الصهبجية هذه مجموعات من الهواة هم عبارة عن أفراد من طبقة الحِرَفيين كما تشي بذلك أسماء شُهْرَتِهِم (حسنين المكوجي، الشيخ درويش الحريري، ابراهيم السطوحي النجار، يوسف كريم الخياط، محمود الخضري، الحاج شحاته الحلواني، محمد المغربي النقاش، عبد الحميد الجزمجي..)، وكان غناؤهم عبارة عن موسيقى عربية أندلسية ممزوجة بموسيقى فارسية وتركية وغجرية ويونانية أضاعت هويتها العربية الأصيلة.. فكان من إنجازات الشيخ شهاب الدين أن بذل مجهوداً كبيراً في جمع مئات التواشيح الأندلسية والتي كان يجهلها مطربو وملحنو عصره، وجمعها في كتاب بعنوان "سفينة الملك ونفيسة الفلك"، وعُرف لاحقاً بإسم "سفينة شهاب"، وأصبح أشهر من نار على علم كمرجع موسيقي عربي.. وقد أدى هذا الإنجاز (أي نشر هذه الموشحات وغناؤها وتعليمها للآخرين) إلى تعريف أهل صناعة الموسيقى والغناء في مصر بالألحان العربية الأصيلة، التي انتقلت من شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين إلى بلاد الأندلس (أسبانيا والبرتغال) منذ بداية القرن السابع الميلادي وحـتى أواخر القرن الخامس عشر (مَنْ يستمع الآن إلى الموشحات الأندلسية الصافية التي لم يطرأ عليها أي تغيير، والتي تُغَنَّى الآن في المغرب وكانت قد انتقلت إلى هناك بعد سقوط الأندلس، لا يشك للحظة في أن الموسيقى التركية أيام بني عثمان إنما جذورها عربية أندلسية بحتة!).
أما الشيخ عبد الرحيم المسلوب فلقد عمل على تلحين الطقطوقة والتجديد فيها، إلى أن استطاع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن يبتكر من الطقطوقة قالباً غنائياً فريداً ومتطوراً وهو ما بات يُطلَق عليه إسم "الدور"، وهو عبارة عن طقطوقة صعبة الأداء تتألف من مذهب (أي مَطْلع غنائي) غالباً لا يصار إلى العودة إليه ويغنيه المطرب والمذهبجية (أي الكورال) معاً.. ثم يُصار إلى غناء الدور (أي الغصن أو الكُبْليه) بلحن مختلف، المطربُ يغـنّي بلحنٍ والمذهبجية (أي المردِّدون) بلحنٍ آخر إلى أن ينتهي الدور.. وقد تتألف الأغنية من دور واحد أو دورين وقد تصل إلى ثلاثة أدوار (أي ثلاثة أغصان).
وكمثال على الأدوار، التي ما زالت على شهرتها حتى الساعة، دور: رايح فين يا مسلّيني/ يا بدر حُبَّك كاويني/ إملا المُدام يا جميل واسقيني/ يا كُـتْرِ شوقي عليك يا سلام (وملحنه مجهول وإن كان البعض ينسبه إلى الشيخ المسلوب).. ودور: مليك الحُسن في دولة جَماله (للشيخ عبده الحامولي).. ودور: أنا هويت وانتهيت (للشيخ سيد درويش، وقد أعادت غناءه في الستينيات المطربة القديرة سعاد محمد وأشرف على إعداده وتوزيعه الموسيقار اللبناني الراحل توفيق الباشا).. ودور: أَحِبّ أشوفك كل يوم (لمحمد عبد الوهاب، وجدير بالذكر أن المؤرخ والموسيقار الراحل الأستاذ عبد الحميد توفيق زكي هو من بين الُمصرِّين على أن ملحن هذا الدور ليس عبد الوهاب وإنما الشيخ درويش الحريري).
لقد أحدث ظهور الدور في أواسط القرن التاسع عشر على يدي الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، الملقَّب بشيخ مشايخ المنشدين (الصوفيين طبعاً)، ثورةً في عالم الغناء والطرب والموسيقى، ومنذ ذلك الحين بدأ العصر الذهبي للغناء العربي في العصر الحديث والذي جاء هذه المرة من مصر وما يزال مستمراً إلى وقتنا الحالي (مطلع القرن الواحد والعشرين)، وإن شابَهُ بعض التقهقر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة والذي كان للهزائم السياسية دور بارز في التسبب به بدءاً من هزيمة عام 1967، إلا أن مصر ما زالت (وستبقى حتماً) الرائدة في هذا المجال إن على صعيد المؤدين أو الملحنين أو الموسيقيين أو حـتى استديوهات التسجيل (وأيضاً لا ننسى استمرار الريادة على صعيد الإنشاد الديني والتجويد القرآني).. وما زالت حُظْوة أي صوت عربي للشهرة الواسعة على امتداد الوطن العربي مرهونةً بنجاحه في مصر أولاً.
شيوخ الطرب
هذا العصر الذهبي للغناء والموسيقى والطرب، والذي نتحدث عنه، قد بدأ على يَدَي المطرب والملحن الشيخ عبده الحامولي (1836- 1901)، ثم زميله المطرب والملحن محمد عثمان (1855- 1900)، وقد كانا نجمَي الغناء والطرب والموسيقى في الربع الأخـير من القرن التاسع عشر.. ثم برز مجدِّد عصرِ عبده الحامولي الشيخ أبو العلا محمد (1878- 1927).. كما برز الشيخ سلامة حجازي (1852- 1917) ليؤسس المسرح الغنائي المصري.. ومن بعده الشيخ سيد درويش (1892-1923) ليصبح رائداً آخَر من رواد المسرح الغنائي بالإضافة إلى ريادته في الأغاني الشعبية والألحان الوطنية.. وفي عشرينيات القرن العشرين ظهر عباقرة الغناء والتلحين: محمد عبد الوهاب -أم كلثوم –الشيخ زكريا أحمد –الشيخ محمد القصبجي –رياض السنباطي، والذين كانوا من أصحاب البصمة التي ما يزال تأثيرها واضحاً وطاغياً إلى الآن، سواءً بشكل مباشر (من خلال أعمالهم الخالدة) أو من خلال تأثيرهم بالأجيال اللاحقة ولا سيما جيل الملحنين ممن ظهروا في الأربعينيات (محمود الشريف، أحمد صدقي، فريد الأطرش، محمد فوزي...)، أو في الخمسينيات (كمال الطويل، محمد الموجي، بليغ حمدي، الشيخ سيد مكاوي...)، أو حتى في الثمانينيات (كعمار الشريعي...)، أو في التسعينيات من ملحني الأغنية الشبابية (ونخص بالذكر منهم صلاح الشرنوبي الذي يُعتـبر إبناً باراً لهذه المدارس في التلحين).. مع الإشارة إلى أن الموسيقار عمار الشريعي حالياً هو إبنٌ بار لمئة عام من الموسيقى والطرب ما جعَلنا نصفه سابقاً بأنه حامي حمى الموسيقى العربية في القرن الواحد والعشرين..
وكما نلاحظ، فقد نهض بصنعة الغناء والطرب والموسيقى العربية منذ القرن التاسع عشر شيوخٌ (أي رجال دين) أو على الأقل خرِّيجو مدرسة الإنشاد الديني والتجويد القرآني، لم يجدوا عيباً ولا توهَّموا حراماً في ما سلكوه، وقد كانوا من أهم المساهمين في النهضة الموسيقية التي شهدتها مصر في القرن ما قبل الماضي.. وحينما تراجع دورهم وضَعُفَ تأثيرهم بدأنا نشهد الإنحدار الذي حلَّ بصنعة الموسيقى والغناء في مصر منذ سبعينيات القرن العشرين وإلى الآن، وهو الإنحدار الذي تسبَّب به أيضاً تراجع دور مصر القيادي والريادي مع رحيل عبد الناصر وتردّي الوضع الإقتصادي والإجتماعي والثقافي مع سياسة الإنفتاح التي انتهجها السادات..
ونصل إلى القول بأن أي نهضة أو حضارة لأي أمة من الأمم لا يكون عمادُها التقدم في الفكر والثقافة والفنون وخاصةً منها الموسيقى والرقص والغناء، هي نهضةٌ –أو حضارة- لا تساوي فلساً ولا تنفع البشرية ولو بقشرة بَصَلَة.. وأن أي أمة من الأمم يسيطر عليها ما يسمى "رجال دين" وُيمعنون فيها تحريماً وترهيباً وإفـتراءً بالكذب على الله (ومن ضمنه تحريم الموسيقى والرقص والغناء) هي أمةٌ أعجز من أن تنهض وتبني حضارة وإنما تكون وبالاً على البشرية وشراً مستطيراً (راجعوا التاريخ قديمه وحديثه)..
وبما أن مشايخ الإسلامجية لدينا اليوم يجاهدون كيما تكون لهم السيادة والسيطرة وقد كَتَمَ على "مَراوِحِهِم" شبقُ السلطة، فإننا ندعوهم للعودة إلى عالم الموسيقى والغناء والرقص والطرب، فهـي من أجمل الطرق للوصول إلى الله ومن أنضجها وأسهلها وأكثرها فاعلية (هذا إذا كانوا فعلاً يريدون الوصول إلى الله وليس إلى السلطة!).. وأقل ما فيها أنها تخلو خُلُوّاً تاماً من إراقة الدماء وتعمل على إسعاد الناس وإطرابهم.. فيا مشايخ الإسلامجية في الوطن العربي انطَرِبوا!
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 30 آذار/ مارس 2009، العدد 1384).
********************************************************
**********************************************************************
**********************************************************************
**********************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق