2017/03/07

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (32)/ أراد أحد الجنود تحلية الشاي بالسُكَّر فاكتشف أنه مواد متفجِّرة.



بعد بضعة أشهر من اكتشاف عبوة ريازان أراد أحد الجنود، من حراس المخزن العسكري حيث أكياس "السُكَّر"، تحلية الشاي الذي أراد أن يحتسيه ورفيقه، فوجد عبارة "السُكَّر" مكتوبة على هذه الأكياس الثلاثة، ففتح أحدها وتناول منه بعض السُكَّر ووضعه في كوب الشاي.. وهنا كانت المفاجأة: فعندما احتسياه وجدا أنَّ مذاقه لا علاقة له بالسُكَّر، لذا قاما بإبلاغ مسؤولهما، الذي أمر بفحص المادة في المختبر، فإذ بالنتيجة تُظهر أنَّ هذه المادة هي الهكسوجين، وهي مادة متفجِّرة...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (32)

هكذا وصل بوتين إلى السلطة:
أراد أحد الجنود تحلية الشاي بالسُكَّر
فاكتشف أنه مواد متفجِّرة




حسين احمد صبرا
نعود لنُذَكِّر: منذ الرابع من أيلول/ سبتمبر 1999 وحتى السادس عشر منه وقعت أربعة انفجارات في مبانٍ سكنية في أنحاء متفرِّقة من روسيا (بينها انفجاران في العاصمة موسكو) راح ضحيَّتها 294 قتيلاً و651 جريحاً من المواطنين الروس المساكين..
أما الإنفجار الخامس في الثاني والعشرين منه فقد تمَّ تفاديه بعدما اكتُشفت المتفجِّرة في قبو أحد مباني مدينة ريازان (جنوب غرب روسيا) وتمَّ تفكيكها قبل انفجارها بسُوَيْعات.. وبعدما ألقت شرطة واستخبارات مدينة ريازان القبض على المتورِّطين الثلاثة كانت المفاجأة في أنهم ضباط من جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً)، فسارع مدير هذا الجهاز نيقولاي باتروشيف إلى التصريح للصحافيين بأنَّ العملية هي مجرَّد "تمارين عسكرية" وأنَّ الأكياس الثلاثة المكتشَفة لم يكن فيها متفجِّرات ولا مَنْ يحزنون وإنما هي تحتوي على السُكَّر.. ثمَّ أعقبه في الكلام الناطق بإسم الإستخبارات الروسية ألكسندر زدانوفيتش، الذي ظَهَرَ وبيده حقيبة يد خفيفة الوزن، قائلاً إنَّ بداخلها سُكَّر فحسب ولا توجد متفجِّرات، مضيفاً بأنه من غير المسموح له أن يفتحها!وهنا لا بد لنا من ذكر عدة قرائن إضافية على تورط الإستخبارات الروسية في تفجيرات الشقق السكنية في روسيا:

من ضحايا المباني التي فجَّرتها الإستخبارات الروسية

أولاً، أنَّ الإستخبارات الروسية قامت بالتحرُّز على هذه الأكياس الثلاثة، التي ادَّعت أنَّ فيها سُكَّراً، بأن وضعتها في أحد المخازن العسكرية الخاضعة بطبيعة الحال لحراسة مشدَّدة.. الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال: ما الداعي إلى أن يُصار إلى حفظ أكياسٍ فيها مادة السُكَّر؟ فما الفائدة من ذلك؟ وأين؟ في مخزنٍ عسكري؟!

مسحوق مادة الهكسوجين (آر. دي. إكس)
ثانياً، أنَّ رئيس خبراء المفرقعات في مدينة ريازان ويُدعى يوري تكاتشنكو هو الذي تولَّى بنفسه تفكيك المتفجرات التي عُثر عليها في أحد مباني ريازان، وقد قام بقَطْع جهاز التفجير وتعطيل جهاز التوقيت، ثم أجرى اختباراً علمياً على الأكياس الثلاثة التي تحتوي على مادةٍ بيضاء، وذلك بواسطة محلِّل الغاز "أم. أو – 2"، وقد كَشَفَ الجهازُ عن آثارٍ لمادة الـ"آر. دي. إكس" (أو الهكسوجين، أو السيكلونيت)، وهي متفجرات عسكرية تم استخدامها في جميع التفجيرات السابقة، وهي من الناحية التفجيرية أشدُّ من مادة الـ"تي. أن. تي" ومادة الـ"سي. فور".. وقد ظلَّ خبير المفرقعات تكاتشنكو يُصِرُّ لمدة عامين على أنَّ المتفجرات كانت حقيقية، وأنَّ المتفجرات وجهاز التوقيت وجهاز التفجير، كلها كانت معدات عسكرية حقيقية، وأنَّ محلِّل الغاز الذي تمَّ استخدامه في تحليل نوعية المتفجرات كان يتمتَّع بأعلى معايير الجودة العالمية.. كما أنَّ ضباط الشرطة الذين شاركوا في التحقيق أصرُّوا أيضاً على أنَّ من الواضح من المظهر أنَّ هذه المادة في الأكياس لم تكن السُكَّر..
ثالثاً، التحليل الذي أُجري لثاني مرة على أكياس "السُكَّر" وأثبت مرةً أخرى أنَّ المادة الموجودة في الأكياس هي مواد متفجرة، وذلك عندما أراد أحد الجنود استخدام بعض "السُكَّر" لتحلية الشاي! فما الذي حصل؟!


شاي بالمتفجرات

    فبعد بضعة أشهر من اكتشاف عبوة ريازان أراد أحد الجنود، من حراس المخزن العسكري حيث أكياس "السُكَّر"، تحلية الشاي الذي أراد أن يحتسيه ورفيقه، فوجد عبارة "السُكَّر" مكتوبة على هذه الأكياس الثلاثة، ففتح أحدها وتناول منه بعض السُكَّر ووضعه في كوب الشاي.. وهنا كانت المفاجأة: فعندما احتسياه وجدا أنَّ مذاقه لا علاقة له بالسُكَّر، لذا قاما بإبلاغ مسؤولهما، الذي أمر بفحص المادة في المختبر، فإذ بالنتيجة تُظهر أنَّ هذه المادة هي الهكسوجين، وهي مادة متفجِّرة.
صحيفة "نوفايا جازيتا"
هذه الحادثة تمَّ تسريبها إلى الصحيفة الروسية المستقلة "نوفايا جازيتا"، التي نشرت في 13 آذار/ مارس عام 2000 (أي بعد نحو ستة أشهر من اكتشاف أكياس المتفجرات في ريازان)، قصة أحد العسكريين المظليين ويدعى ألكسي بينياييف (من الفوج الـ137) والذي كان يحرس المخزن منذ خريف عام 1999 بالقرب من ريازان، حيث اكتشف وصديقه مادة الهكسوجين.. لقد كان الهكسوجين في المخزن في أكياسٍ كبيرة كُتب عليها "السُكَّر"، وقد أعرب المظلّي ألكسي بينياييف عن دهشته لرؤية مخزن أسلحة وذخيرة يتضمَّن أكياساً مكتوباً عليها كلمة "سُكَّر".. وقال الجنديان إنهما فتحا أحد الأكياس على أمل أن يأخذا منه بعض السُكَّر لتحلية الشاي الذي أرادا شربه، وعندما تذوَّقا الشاي وجدا أنَّ طعمه غريب، فاشتبها به وخاصةً أنَّ الناس كانوا يتحدَّثون عن متفجرات، فأبلغا المشرفين عليهما، فقاموا بإرسال هذا المسحوق للإختبار ليتبيَّن أنه مادة الهكسوجين المتفجِّرة!

إفشاء أسرار الدولة!

   ما أن نشرت صحيفة "نوفايا جازيتا" ما حصل في فوج المظليين الذين يحرسون مخزن الأسلحة حيث أكياس "السُكَّر" حتى توجَّه ضباطٌ من جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" إلى فوج المظلي بينياييف متَّهمين مَنْ في الفوج بـ"إفشاء أسرار الدولة"، وقالوا لهم: "يا رفاق، لا يمكن حتى أن تتصوَّروا مدى العمل الخَطِر الذي أوقعتم أنفسكم فيه"، ونصحوا الجنديَّين اللذين أرادا تحلية الشاي بـ"السُكَّر" بنسيان ما رأياه..  وفي وقتٍ لاحق سارع فوجُ المظلات إلى رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "نوفايا جازيتا" بتهمة إهانة شرف الجيش الروسي، مدَّعياً بأن لا وجود لجندي يدعى ألكسي بينياييف في صفوفه! ثم عقد جهاز الإستخبارات الـ"أف. سي. بي" مؤتمراً صحافياً ظهر فيه بينياييف قائلاً أنْ لا وجود للهكسوجين في فوج المظلات رقم 137، وأنه نُقل إلى المستشفى للمعالجة في كانون الأول/ ديسمبر 1999 ولم يقم بزيارة منطقة عمله بعد منذ ذلك الحين!
   أما من ناحيته فقد قال فلاديمير بوتين في مقابلة مع جريدة "كوميرسانت" الروسية في آذار/ مارس 2000 تعقيباً على ما نُشر من أدلة جديدة في صحيفة "نوفايا جازيتا" تتَّهم الإستخبارات الروسية بتفجيرات الشقق السكنية في روسيا: "حتى التكهُّن بذلك هو أمرٌ غير أخلاقي، وفي الجوهر هو ليس سوى عنصر من عناصر الحرب الإعلامية ضد روسيا".

خبير المفرقعات يتراجع أيضاً

المبنى في ريازان حيث اكتُشفت المتفجرات
بدوره، وبعد عامين من إصراره على أنَّ المتفجرات التي عُثر عليها في ريازان هي حقيقية وليست سُكَّراً، تراجع خبير المفرقات المحلي في ريازان يوري تكاتشنكو عن أقواله في كانون الأول/ ديسمبر عام 2001، حينما ظَهَرَ في مؤتمرٍ صحافي بمناسبة يوم موظَّف الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" ليقول إنَّ محلِّل الغاز الذي يكشف عن المتفجرات لم يُستخدَم، وإنَّ جهاز التفجير الذي وُجد في ريازان كان عبارة عن خرطوشة صيد وغير قادرة على تفجير أي متفجراتٍ معروفة!!

75 عاماً!

   ظلت التحقيقات جارية حول الأكياس التي عُثر عليها في ريازان من عام 1999 حتى عام 2002 عندما انتهى التحقيق بأن أعلن المدعي العام الروسي أنَّ الإختبار الشامل للأكياس لم يُظهر أي متفجرات، وأنَّ محتوى الأكياس هو السُكَّر فقط..
ويبقى المثير في الأمر  أنَّ مجلس الدوما الروسي، الموالي بغالبيته لخط الكرملين، أغلق ملف التحقيقات في متفجرات ريازان لــ75 سنة مقبلة!! أي بعد أن يكون كل الذين كانوا وراء هذه التفجيرات – بمن فيهم بوتين نفسه – قد رحلوا عن دنيانا.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، رقم العدد 1772).

الحديث التالي:
الحديث السابق:












 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق