2017/03/04

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (31)/ الأدلة الدامغة حول تورُّط الإستخبارات الروسية في تفجيرات الشقق السكنية.



في 4 أيلول/ سبتمبر 1999 وقع الإنفجار الأول في مبنىً سكني في مدينة بويناكسك في جمهورية داغستان.. في 9 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الثاني في مبنىً سكني في شارع جوريانوفا في العاصمة موسكو.. في 13 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الثالث في مبنىً سكني في طريق كاشيرسكوي السريع في العاصمة موسكو أيضاً.. في 16 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الرابع في مدينة فولجادنسك في جنوب روسيا.. هذه الإنفجارات حصدت 294 قتيلاً و651 جريحاً، كلُّهم من المواطنين الروس المساكين.. وسارع جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" على الفور إلى اتهام "الإرهابيين" الشيشان!


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (31)

هكذا وصل بوتين إلى السلطة:
الأدلة الدامغة حول تورُّط الإستخبارات الروسية
في تفجيرات الشقق السكنية





حسين احمد صبرا
في 4 أيلول/ سبتمبر 1999 وقع الإنفجار الأول في مبنىً سكني في مدينة بويناكسك في جمهورية داغستان.. في 9 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الثاني في مبنىً سكني في شارع جوريانوفا في العاصمة موسكو.. في 13 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الثالث في مبنىً سكني في طريق كاشيرسكوي السريع في العاصمة موسكو أيضاً.. في 16 أيلول/ سبتمبر وقع الإنفجار الرابع في مدينة فولجادنسك في جنوب روسيا.. هذه الإنفجارات حصدت 294 قتيلاً و651 جريحاً، كلُّهم من المواطنين الروس المساكين.. وسارع جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً) على الفور إلى اتهام "الإرهابيين" الشيشان!


المبنى المستهدف في ريازان (22/ 9/ 1999)
أما الإنفجار الخامس فكاد أن يقع في 22 أيلول/ سبتمبر في مدينة ريازان (في منطقة ريازان التابعة للكيان الفدرالي الروسي جنوب غرب روسيا) لولا أن تمَّ اكتشافه صدفةً من قبل أحد المواطنين، الذي شاهد ثلاثة أشخاص (رجلين وامرأة) يُخرجون ثلاثة أكياس تزن 50 كيلجراماً من سيارتهم البيضاء ويضعونها في قبو أحد الأبنية ويفرُّون مسرعين.. وهنا كانت الفضيحة الكبرى حول تورُّط جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" في هذه التفجيرات من أجل تبرير غزو الشيشان وبالتالي تلميع صورة فلاديمير بوتين شعبياً مما يسهِّل فوزه في الإنتخابات الرئاسية التي كانت على الأبواب، بالإضافة إلى تمكين الأحزاب التي تكوَّن منها لاحقاً حزب "روسيا الموحَّدة" الحاكم من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في الإنتخابات التي جرت أواخر عام 1999، وليحكم جهاز الإستخبارات روسيا منذ ذلك الحين مباشرةً عبر هذه الأدوات وإلى أجلٍ غير مسمَّى..

الأدلة الدامغة


بعد يومين من اكتشاف المتفجرات في مدينة ريازان عَقَدَ وزير الداخلية الروسي فلاديمير روشالو مؤتمراً صحافياً في 24 أيلول/ سبتمبر 1999، قال فيه: "أود أن أشكر نظرائي الذين عملوا على إبطال هذا العمل الإرهابي، لقد قمنا بالكثير من العمل كما ظهرت النتائج في منع وقوع عمل إرهابي في ريازان".

أثناء هذا التصريح ألقت شرطة المدينة القبض على الأشخاص الثلاثة الذين وضعوا المتفجرات والذين اعترفوا مباشرةً ومن تلقاء أنفسهم بأنهم ضباطٌ في جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي"، فما كان من رئيس جهاز الإستخبارات نيقولاي باتروشيف فور إبلاغه بالأمر إلا أن أسرع إلى المنصة حيث كان ما يزال المؤتمر الصحافي منعقداً (بعد مضي نصف ساعة على تصريح وزير الداخلية روشالو)، حيث قال باتروشيف إنَّ العمل لم يكن إرهابياً وإنما "تمريناً عسكرياً"، وإنَّ الأكياس الثلاثة كانت ممتلئة بالسُكَّر وليس بمادة الهكسوجين المتفجِّرة.. ونورد قوله حرفياً: "لم يكن هناك هكسوجين ليتم إثباته، هناك سوء فهم، لقد كان ذلك تمريناً عسكرياً استخدموا فيه السُكَّر". 
ثم أعقبه في الكلام المتحدث الرسمي بإسم جهاز التحقيقات في الـ"أف. سي. بي" ألكسندر زدانوفيتش، حيث ظَهَرَ ليقول للصحافيين وبيده حقيبة يد: "كلُّ الدلائل موجودة في هذه الحقيبة المغلقة، وغير مسموح لنا بفتحها بدون تصريح. هي معي الآن للدلالة على أنَّ كل ما حصل هو فوق الطاولة. لا نريد لأحدٍ أن يعتقد بوجود متفجرات في القضية، لقد كان هناك سُكَّر فحسب".
حتى هذه النقطة يتبيَّن لنا التالي: أنَّ الشرطة نجحت في إلقاء القبض على "الإرهابيين" الثلاثة الذين وضعوا متفجِّرة ريازان، وما أن اعترف هؤلاء الثلاثة بأنهم ضباط من جهاز الإستخبارات حتى ظهر رئيس هذا الجهاز ليعلن أنَّ العملية لم تكن سوى تدريبٍ عسكري وأنه لا توجد متفجرات وإنما مادة السُكَّر.. وبعده ظهر المتحدث بإسم الـ"أف. سي. بي" ومعه حقيبة يد، وإليكم ما نلاحظه هنا: لقد ظهر وبيده حقيبة بُنِّية اللون ادَّعى أنها من ضمن ما وُضِعَ في قبو المبنى السكني في ريازان، مع أنَّ ما وُضِع هناك هو ثلاثة أكياس (شوالات) بيضاء اللون تزن بمجموعها 50 كيلوجراماً، أي أنَّ الواحد منها يزن ما يزيد بقليل عن 16 كيلوجراماً، في حين أنَّ الحقيبة البنية التي كان المتحدِّث بإسم جهاز الإستخبارات يحملها ويرفعها من أسفل إلى أعلى لا يزيد وزنها عن كيلوجرامٍ واحد (وذلك وفق ما شاهدناه في أحد الفيديوهات في اليوتيوب بعنوان "فيلم تفجيرات موسكو"/ راجع الصورة أعلاه).. ثم أنَّ اللخبطة التي اعترت جهاز الإستخبارات الروسية في تلك اللحظات جعلت هذا المتحدِّث بإسمها يقول إنَّ بداخل الحقيبة التي في يده الآن سُكَّر ولكن غير مسموحٍ لنا فتحَها بدون تصريح!! مع أنه كان بإمكانهم أن يضعوا في الحقيبة بعض السُكَّر ويفتحونها على مرأى من الصحافيين وكاميراتهم ليؤكِّدوا مزاعمهم!
المسعفون يجمعون أشلاء ضحايا الإنفجارات
وطبعاً، لا تتوقَّف الأدلة الدامغة على ذلك، فما زالت أمامنا سلسلة طويلة من الأدلة، المباشَر منها والمركَّب.. ولنبقَ الآن مع ضباط الإستخبارات الثلاثة الذين أُلقي القبض عليهم: ذلك أنهم بعدما وضعوا المتفجرات وفروا مسرعين إلى مكانٍ استراحوا فيه ريثما يغادرون مدينة ريازان حينما يطلع النهار، وجدوا أنفسهم محاصَرين داخل المدينة وغير قادرين على الخروج منها، ذلك أنَّ شرطة ريازان وجهاز استخبارات الـ"أف. سي. بي" المحلي وُضعوا على الفور في حالة تأهب قصوى بعد اكتشاف المتفجِّرات وأحاطوا مداخل ومخارج المدينة بأكملها منعاً لهروب الثلاثة المشتبه بهم..
حينها سارع أحد الثلاثة مساء ذلك اليوم إلى الإتصال بموسكو هاتفياً، وإليكم ما حصل: لقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، فأراد أحد الموظفين في محطة الهاتف والتلجراف في مدينة ريازان التنصت على بعض المكالمات الهاتفية ليسلِّي نفسه ريثما يمضي الليل ويطلع النهار، فتنصَّت على المحادثة التي أجراها أحد الثلاثة، وكانت عبارة عن محادثة تتم من ريازان إلى خارجها بمسافاتٍ طويلة (إلى موسكو)، واستنتج موظَّف الهاتف أنَّ الشخص المتحدِّث من ريازان يتحدَّث عن نفسه وعن شخصين آخرين ويطلب إيجاد طريقة للخروج من ريازان، وأنَّ الشخص الذي يتحدَّث من خارج ريازان طلب منه ومن الشخصين الآخرين أن "يتفرَّقوا" وأن "يجعل كلٌّ منهم طريقَهُ الخاص واضحاً".. حينها شكَّ موظف الهاتف في الأمر وقام بتتبُّع رقم هاتف الشخص الذي تمَّ الإتصال به إلى خارج ريازان، فاكتشف التالي: أنَّ هذا الرقم الهاتفي تابعٌ لوحدة الإتصالات الهاتفية التي تخدم مكاتب جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي" في موسكو، أي بمعنى أنَّ ضباط الإستخبارات الروسية الثلاثة، الذين وضعوا المتفجرات في أحد مباني ريازان، إستنجدوا بأحد المسؤولين عنهم في موسكو ليدلَّهم ما العمل للخروج من ريازان دون أن يُصار إلى إلقاء القبض عليهم (وكما ذكرنا تمَّ إلقاء القبض عليهم بعد يومين من ذلك، ثم سرعان ما أُطلق سراحهم بناءً على أوامر جهاز الإستخبارات في موسكو).   
اللافت أيضاً أنَّ إعلان مدير الإستخبارات الروسية في 24 أيلول/ سبتمبر عن أنَّ ما جرى في ريازان كان "تمريناً عسكرياً"، أدى إلى غضبٍ عارم في فرع الـ"أف. سي. بي" في ريازان، والذي أصدر بياناً جاء فيه: "لقد جاء هذا الإعلان بمثابة مفاجأة لنا، وظهر في لحظةٍ كانت الـ"أف. سي. بي" (فرع ريازان) قد حدَّدت أماكن إقامة المتورِّطين في زرع متفجِّرة ريازان وكانت تتحضَّر لإلقاء القبض عليهم"..
يفجيني سافوستويانوف
وجدير بالذكر أنَّ مدير الـ"أف. سي. بي" السابق يفجيني سافوستويانوف ظَهَرَ على شاشة المحطة التلفزيونية الروسية المستقلة "أن. تي. في" قائلاً إنَّ إجراء تمرينٍ عسكري على هذا النحو هو أمرٌ لا يمكن حدوثه، وإنَّ أي ممارسة من هذا القبيل في مبانٍ سكنية مقطونة لا يمكن أن تتم دون إخطار السلطات المحلية.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، رقم العدد 1771).

الحديث التالي:
الحديث السابق:











 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق