كان شريعتمداري في ذلك الوقت يعاني من
آلامٍ في كليته اليمنى مصحوبةٍ بنزيفٍ دموي في البول، ورغم إرساله عدة رسائل إلى
الخميني طالباً منه السماح له بالعلاج في المستشفى، إلا أنَّ الخميني رفض ذلك..
إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع
كاملاً
كتاب
الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!
تأليف: حسين احمد صبرا
(الكتاب قيد التأليف)
القسم الأول
تمهيداً للخوض في تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي
(40)
الخميني لم يسمح لشريعتمداري بالإنتقال إلى المستشفى
إلا بعدما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة!
حسين احمد صبرا
في أعقاب تهديد الخميني لآية الله
العظمى شريعتمداري بأنَّ عاقبته ستكون وخيمة ما لم يَقُمْ بحلِّ حزب خلق مسلمان
(أكبر حزب سياسي في إيران ما بعد الثورة على الإطلاق)، كان من الطبيعي جداً أن
تصدر ردودُ أفعالٍ كلامية من أنصار شريعتمداري ضد الخميني ونظامه، ذلك أنَّ حل هذا
الحزب الكبير كان يعني من ناحيةٍ أولى القضاءَ نهائياً على أي تمثيل للأقلية
الأذرية في الحياة السياسية الإيرانية، ومن ناحية ثانية القضاء على آخر قوة معارضة
في إيران، الأمر الذي لم يحدث أيام الشاه
نفسه، وتلك كانت فرصة ذهبية للخميني ليفبرك ردة الفعل الكلامية تلك على أنها
مؤامرة إنقلابية ضده، فاستغلَّها ليقضي على آخر معارضٍ كان ما يزال موجوداً في
السلطة ألا وهو وزير الخارجية صادق قطب زادة (وهو من الأذريين)، وليقوم من خلال
الأخير بتصيُّد أكبر مرجع ديني في إيران وأكبر وآخر زعيم سياسي معارض ألا وهو آية
الله العظمى محمد كاظم شريعتمداري.. مع وجوب الإشارة هنا إلى أنَّ ثورة الشعوب
الإيرانية ضد الشاه إنما بدأت على يد الأذريين عام 1977 بزعامة شريعتمداري نفسه
وتحديداً في مدينة تبريز، عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية، تلك التي احتلَّها الشاه
رضا بهلوي وضمَّها إلى إيران منذ ثلاثينيات القرن العشرين.. نعود لنكرِّر: إنَّ
تبريز بزعامة شريعتمداري هي التي أشعلت الثورة ضد الشاه عام 1977.. كما نذكِّر
بأنَّ شريعتمداري هو الذي أنقذ الخميني من الإعدام عام 1964 حينما ادَّعى بأنَّ
الخميني هو مرجعٌ ديني في حوزة قم، ما جعل الشاه يتراجع عن إعدامه إلتزاماً منه
بدستور عام 1906 الذي نصَّ على منع إعدام المراجع الدينية، ولولا تدخُّل آية الله
العظمى شريعتمداري في الوقت المناسب لكان الخميني منذ ذلك الحين في خبر كان، ولما
كنا مضطرِّين لأن نكتب عن جرائمه الآن!
إذاً، تمكَّن الخميني من الإيقاع بشريعتمداري
وقام بوضعه في الإقامة الجبرية منذ
أواخر نيسان/ ابريل 1982.. وكان شريعتمداري في ذلك الوقت يعاني من آلامٍ في كليته
اليمنى مصحوبةٍ بنزيفٍ دموي في البول، ورغم إرساله عدة رسائل إلى الخميني طالباً
منه السماح له بالعلاج في المستشفى، إلا أنَّ الخميني رفض ذلك.. ثمَّ طلب منه
السماح له بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج طالما أنَّه ممنوعٌ من تلقّي العلاج
داخل إيران، إلا أنَّ الخميني رفض ذلك أيضاً.. ولكم أن تتخيَّلوا أنَّ شريعتمداري،
الذي كان يبلغ من العمر لحظة اعتقاله 77 عاماً، بقي لمدة أربع سنواتٍ كاملة ممنوعاً
من قِبَل الخميني من دخول المستشفى لتلقّي العلاج، أي منذ نيسان/ ابريل 1982 وحتى
آذار/ مارس 1986! أي أنَّ الخميني لم يسمح له بالخروج من بيته والإنتقال إلى
المستشفى إلا بعد أن تأكَّد من أنَّه (أي شريعتمداري) يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم يعد
يُجدي معه أيُّ علاج، ذلك أنَّ إهمال علاج النزيف الدموي منذ العام 1982 قد أدى
لاحقاً إلى نشوء ورم سرطاني في كليته اليمنى، وأنَّ قرار الخميني بمنع شريعتمداري
من العلاج قد أدى في نهاية المطاف إلى انتشار السرطان في أنحاء مختلفة من جسمه
مروراً بالكبد وصولاً إلى الرئتين.. وبعدما تأكَّد الخميني من أنَّ شريعتمداري على
شفير الموت وما هي إلا أيامٍ ويلفظ أنفاسه الأخيرة، حينها فقط طلب من حاشيته نقل
شريعتمداري تحت حراسة مشدَّدة من منزله في قم إلى مستشفى مهرداد في طهران في آذار/
مارس 1986، حيث مكث فيها أقل من شهر، ليفارق الحياة في 3 نيسان/ ابريل 1986!
الآن، مات شريعتمداري.. فهل أنَّ
الخميني قد شُفِيَ غليلُه وارتوى حقدُه وغِلُّه ونزعةُ الإجرام لديه ومرضُ التأله
الذي يتلبَّسُه؟! كلا على الإطلاق.. إنَّ ما فعله الخميني بشريعتمداري قبل موته
شيء، وما فعله بعد موته شيءٌ آخر يكاد لا يصدِّقُه عقل!! إنه أمرٌ خارج التصوُّر،
وهو مدعاةٌ لأن يتمَّ تعريف الخميني من خلاله، ذلك أنَّ من يريد أن يَعْرِفَ
الخميني على حقيقته فإنه يكفيه أن يعرف ماذا فعل هذا الخميني بشريعتمداري بعد
موته!!
شهادة الإمام رضا الصدر
أما الإمام رضا الصدر فهو الشقيق
الأكبر للإمام موسى الصدر والسيدة رباب الصدر(أطال الله بعمرها)، وهم جميعاً أبناء
آية الله صدر الدين الصدر (الوالد، أي صدر الدين الصدر، هو من أصولٍ لبنانية
ومولودٌ في العراق عام 1833 حيث درس في حوزاته الدينية ثم انتقل إلى إيران حيث
استقرَّ في مدينة قم إلى أن توفي فيها عام 1954)..
وُلد السيد رضا الصدر في مدينة مشهد
الإيرانية عام 1921 وتوفي في مدينة قم عام 1994.. كان السيد محمد باقر الصدر (مؤسس
حزب الدعوةفي العراق) إبنَ عمِّه وفي الوقت نفسه صهرَه (بعل شقيقته).. أما عبد
الله شرف الدين (إبن المرجع الديني الشيعي اللبناني الشهير السيد عبد الحسين شرف
الدين) فكان عديله، أما حفيد هذا المرجع الراحل (حسين شريف الدين، رحمه الله) فكان
صهرَه (بعل السيدة رباب الصدر).. ومن المفيد هنا أن نذكر أنَّ المرجع الراحل عبد
الحسين شرف الدين كان قد طلب في أيامه الأخيرة من السيد رضا الصدر أن يأتي إلى
لبنان ويستقرّ فيه ليحل مكانه كمرجعٍ للشيعة اللبنانيين بعد رحيله.. وقد أتى رضا
الصدر فعلاً إلى لبنان في أواسط الخمسينيات حيث مكث مدةً في مدينة صور، إلا أنه ما
لبث أن آثر العودة إلى إيران وأرسلَ شقيقَه السيد موسى الصدر إلى لبنان لينوب عنه
في هذه المهمة.. وحين اندلاع الثورة الإيرانية ضد الشاه فإنَّ رضا الصدر كان من
المؤيدين لها، لكن وبعد انتصار الثورة أصبح من أشد المعارضين لولاية الفقيه ووقف
ضد إقامة جمهورية إسلامية من منطلق أنَّ أي فشل يصيبها سيُحَمَّلُ الإسلامُ نفسُه
تبعاتِه وليس القيِّمون عليها، ودعا في المقابل إلى إقامة جمهورية تستلهم
قوانينَها من الإسلام فحسب دون أن تحكم بإسمه..
ونأتي الآن إلى الأهم، ذلك أنَّ الإمام
رضا الصدر كان من أقرب المقرَّبين من آية الله العظمى شريعتمداري، وكان من
المدافعين عنه بعد اعتقاله وتطوَّع لحل المشكلة فأرسل إلى الخميني برسائل عدة يطلب
منه التراجع عما أقدم عليه، ولكن دون جدوى.. ولم يتمكَّن رضا الصدر من الإلتقاء
بشريعتمداري منذ أن وضع الخمينيُّ الأخيرَ في الإقامة الجبرية وحظر عليه لقاء مطلق
إنسان.. وفي هذا الإطار يقول رضا الصدر في كتيِّبٍ له ألَّفه عقب وفاة شريعتمداري
وحمل عنوان "في سجن ولاية الفقيه": "سعيتُ كثيراً لإنقاذه (أي
شريعتمداري) من السجن. ففي أوائل الأمر أرسلتُ رسالةً (يقصد إلى الخميني) بواسطة
موسوي أردبيلي (رئيس السلطة القضائية آنذاك) كتبتُ فيها إنني مستعدٌّ لحلّ
المشكلة، بَيِّنوا رأيكم في الأمر. ثم بعثتُ (يقصد إلى الخميني) رسائلي بواسطة
السيد الحاج (آية الله) محمد صادق اللواساني (صديق قديم للخميني). هذا الرجل
الشريف كان يستقبل رسائلي بحفاوة بالغة وكان يأتيني (من الخميني) بردود الرسائل.
لكني لم أتمكَّن من إنقاذ هذا الرجل العظيم".
ثم يقول رضا الصدر: "قبل عامٍ (أي
عام 1985) شخَّص الدكتور باهنر المرضَ في خاصرته اليمنى، وإذا ما كان يُسمح
(لشريعتمداري) بمجيئه إلى طهران أو كان حراً في الذهاب إلى الدول الأوروبية. كان
بإمكانهم القضاء على المرض وربما كان يطول عمرُه أكثر، ولكن لم يسمحوا له بالذهاب
إلى خارج البلد! لماذا؟! وبعد مضيّ عامٍ إستعصى المرضُ شيئاً فشيئاً وتزايدت
آلامه، وبعد السعيٍ المرير والمطاليب المكرَّرة سمحوا له بالمجيء إلى طهران ولكن
بعد فوات الأوان، حيث أنَّ الأدوية لم تصل إليه في الوقت المناسب".
ثم يتابع رضا الصدر: "حينما نقلوا
سماحتَه (أي شريعتمداري) إلى المستشفى أخذَ حرسُ الثورة جهازَ الهاتف من أمامه
وأخرجوه من الغرفة! لماذا؟! لأنَّ المريض لا يحق له أن يتكلَّم مع أحد؟! السجين لا
يحق له التكلُّم مع أحد؟!.. الإسلام الأصيل المحمدي لا يجيز ذلك!".
اللافت أن شريعتمداري حينما شَعَرَ بِدُنُوِّ
أجله فإنه سارع إلى كتابة وصيَّته وكلَّف قبل خمسة أيامٍ من وفاته مجموعةً من
أقاربه وأصدقائه بالذهاب إلى الإمام رضا الصدر لتسليمه الوصية وتكليفه بتنفيذها،
وكان ذلك مساء السبت في 29 آذار/ مارس 1986، ومما جاء في وصية شريعتمداري:
"غسِّلوني في حسينيَّتي في قم المقدَّسة، ويصلِّي على جنازتي السيد (رضا)
الصدر، وأُدْفُنوني في الحرم (حرم السيدة فاطمة في قم والمعروف بحرم المعصومة)،
وإذا منعوكم من ذلك فادفنوني في حسينيَّتي...".. وهنا يروي السيد رضا الصدر
أنه توجَّه يوم الإثنين في 31 آذار/ مارس 1986 إلى مستشفى مهرداد في طهران لعيادة
شريعتمداري حيث كان يرقد في غرفة العناية المركَّزة.. يقول رضا الصدر:
"فَرِحَ (شريعتمداري) من زيارتي لأنه كان غريباً إذ منعوا مُخْلصيه وأصدقاءه
من عيادته، بالرغم من أنَّ عيادة المريض في الإسلام المحمَّدي مستحبٌّ ومن السُنن
الأكيدة في الدين. لماذا فعلوا ذلك؟ كان المريض عاجزاً عن التكلُّم؟ لماذا منعوا
إبنَه (المهندس حسن شريعتمداري المتواجد في ألمانيا آنذاك) في الآونة الأخيرة أن
يكلِّم والدَه (عبر الهاتف) ببضع كلماتٍ قلائل؟ لو تكلَّم هذا الولد مع هذا الوالد
ما الذي كان سيحدث؟ هل هو العدل الإسلامي؟!.. لقد أراد إبنُه أن يتحدَّث مع والده
هاتفياً ويسأله عن صحته، لكنهم لم يسمحوا له، لماذا؟! بالرغم من أنَّه يحق في جميع
القوانين الدولية لعائلة السجين التحدث مع أقربائه، خاصةً إذا كان السجين محتضراً
أو على أعتاب الموت، إذ لعله يريد أن يوصي. ماذا كان سيحدث لو أراد الوالد أن
يتحدَّث مع ولده وهو محتضرٌ على فراش الموت وأمنيَّتُه الوحيدة في تلك اللحظة رؤية
ولده واللإستماع إلى صوته الحنون؟! ما الذي كان يحدث إن كان الإبنُ الغريب
والمشرَّد والبعيد عن أمه وأبيه استطاع التحدُّث مع والده والإستماع إلى صوت ذلك الشيخ
الكبير الطاعن في السن؟! ألا يجيز ذلك الإسلام الأصيل المحمَّدي؟!
يتابع الصدر: "ثمَّ دار الحديث مع
أقاربه حول سفرته العلاجية إلى أوروبا، وعَرَفْتُ أنَّ القائد (الخميني) لم يوافق
على ذلك! لماذا؟ إن كان ذهب إلى أوروبا ما الذي كان سيحدث؟ إنه لن يتمكَّن من الإجتماع
مع الصحافيين ومقابلتهم..".
ثم يقول الصدر: "بعد هذا اللقاء
لم أره نهائياً، وكان هذا لقاءنا الأخير والوداعي (توفي شريعتمداري بعد ثلاثة أيام
من هذا اللقاء). منذ سنين لم ألتقِ به لأنه كان محبوساً في داره ولا يُسمح لأحدٍ
بزيارته، وإذا مرَّ شخصٌ ما من زقاق بيته شَعَرَ كأنَّ الجدران تريد أن تحطِّم
رأسَه ألماً وحزناً من الصمت الظالم الذي لحق بها والصعوبة في الوصول إليه –قُدِّس
سرُّه- في بيته، لأنَّ بيته –قُدِّس سرُّه- كان محاطاً برجال الأمن
والإستخبارات".
في الحديث المقبل: الخميني منع تشييع
جثمان شريعتمداري ومنع رضا الصدر من الصلاة عليه ومنع ذويه من البكاء بصوت مرتفع!
(نُشر هذا الموضوع في مجلة
"الشراع" اللبنانية في 30 تموز/ يوليو 2012، العدد رقم 1554).
الحديث التالي:
الحديث السابق:
- الخميني منع شريعتمداري من السفر للعلاج من سرطان الكلى وقال: يجب أن يبقى محبوساً في بيته كي يبلى ويموت بمرضه!
***************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من
على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق