2017/06/01

صلاح السعدني.. بين السيد حسن وطفلي الرضيع حسن!



نص المقال الذي نشرته بإسمي الصريح عقب اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت في 7 أيار/ مايو 2008، وخاصةً أنني تحدَّثتُ فيه عن طفلي الرضيع حسن.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


كتاباتي ضد حزب الله
بإسمٍ مستعار
حسين احمد صبرا
(2008)

وقفة مع مقولة "يا مْعَشْوَئِيْن يا حلوين"
صلاح السعدني..
بين السيد حسن وطفلي الرضيع حسن!



(هذا المقال كتبتُهُ بإسمي الصريح، وخاصةً أنني قد أتيتُ على ذكر إسم طفلي الرضيع حسن، وذلك في أعقاب اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت في 7 أيار/ مايو 2008)


حسين احمد صبرا
ترون أعلاه طفلي الرضيع حسن في صورةٍ التُقِطَتْ له مطلع نيسان/ أبريل من هذا العام 2008 وكان حينها قد أتَمَّ الشهر السادس من عمره.. هو طفلي الوحيد، مع الإشارة إلى أنني تزوجت في سنٍّ متأخرة بعدما تجاوزت الأربعين..
وبدايةً أتحدَّث عن نفسي فأقول إنني تربَّيْتُ على اعتناق ثقافة الحياة اعتناقاً راسخاً لا جدال فيه.. وتبجيل المدينة والعمران وكل ما يمت إلى الحضارة بصلة.. والإنفتاح في العقل، والرحابة في الفكر، واحترام رأي الآخرين.. وقول كلمة حقٍّ أمام المخطئين، عباداً كانوا أم سلاطين.. والبحث في خفايا الأمور وإظهار ما بين السطور.. والعمل بجوهر الأخلاق، والتواضع لله الخلَّاق.. وغيرها وغيرها من الكنوز التربوية التي يتعذَّر ذكرها في هذه العجالة.
أما عن سبب إتياني على ذكر طفلي الرضيع حسن فهو أنني قد تذكَّرتُهُ في اللحظة التي أتى السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، في 7 أيار/ مايو 2008، أي عشية اجتياح ميليشيا حزبه لبيروت الحضارة والعمران، على ذكر والده الكريم حينما قال ما معناه أنه سيقطع يد والده إذا ما امتدَّت إلى سلاح حزبه، كإشارةٍ منه إلى مدى جدِّيَّته في تهديداته بقطع الأيدي والأرجل والأعناق وزهق الأرواح وما إلى هنالك من أبجدية سفك الدماء ولغة الساطور!
في تلك اللحظة تبدَّى أمامي أكثر من أي وقتٍ مضى أسلوب التربية الذي عليَّ أن أختاره لأُرَبِّــي طفلي الرضيع وَفْقَهُ، إلى أن يصبح إنساناً راشداً وقادراً على الإعتماد على نفسه.. وأكثر ما أَلَحَّ عليَّ في تلك اللحظة أنني أعيش منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمن في منزل أهلي في قريتنا الواقعة جنوب لبنان، وقد رحلتُ عن المدينة بيروت التي أُحِبُّ وأُقَدِّس، طمعاً في العيش في أحضان الطبيعة تحقيقاً لرغبتي المتواضعة والمسالمة كإنسانٍ عاطفي حالم، رغم أني لا أُجاري أهلَ الريف في الكثير من عاداتهم وطريقة تفكيرهم.
ولأنني أعيش في الريف يعقلية إبن المدينة.. ولأنني قد أُرسِلُ إبني حسن إليها غداً حينما يَشِبُّ بغية الدراسة الجامعية أو بحثاً عن فرصة عمل، ليصبح إسمه حينها مهاجراً من الريف إلى المدينة، مثلما كان أجداده منذ زمنٍ ليس ببعيد.. فإنَّ الهاجس عندي كبيرٌ ومؤرق، ذلك أنه يترتَّب عليَّ أن أَحُوْلَ بدءاً من هذه اللحظة دون أن يتوجَّه إبني للعيش في المدينة غداً وهو حاقدٌ حقداً دفيناً أو ظاهراً على الحضارة والعمران فيها.. وهذا ما يوجب عليَّ أن أعملَ على تمدُّنه ليلَ نهارٍ ومن الآن ليكون جاهزاً بالفطرة ليصنع في المدينة حضارةً تقدِّس الحجر وكرامة البشر، فأَحُوْلُ بذلك دون أن يهاجر إليها وهو جاهزٌ بالفطرة ليصنعَ فيها ثورةً ديماغوجيةً تُحْدِثُ خراباً ودماراً وتسيل فيها الدماء أنهاراً..
أريد لإبني أن يهاجر من الريف إلى المدينة ليساهم في بنائها لا في خرابها.. فلستُ بعاملٍ على أن يزداد العشوائيون فيها واحداً!
وأريد لإبني الشيعي وهو يعيش في المدينة أن يكون في السياسة مسلماً سُنِّيّاً، لأنَّ الأغلبية الساحقة في الوطن العربي والعالم الإسلامي هم مسلمون من أهل السُنَّة.. كما أريد لإبني المسلم أن يكون في المدينة مسيحياً بالمعنى الحضاري، ذلك أنَّ المسيحيين اللبنانيين هم بناة الحضارة في لبنان والمسلمون يقتفون أَثَرَهُم.. هكذا يكون إبني حسن عربياً حضارياً توحيدياً، شيعياً في الهوى وسُنِّيّاً في الإنتماء.
وبصراحة، سأعمل جهدي ما حييت وبكل ما وهبني الله من عقلٍ وحكمة وحنكة وخبرة، مهما بَلَغَ تواضعها، لأرَبِّـــي إبني التربية الصالحة، ذلك أني لا أريد أي يلحَقَ بي العار أمام الله وأمام الناس فيما لو راح إبني يتصرَّف في المدينة تصرُّفاً همجياً أرعناً جِلْفاً فظاً وبعقلٍ مُقْفَل.. فالعار كل العار إذا ما قالوا حينها عن إبني في المدينة: جايي من ورا البقر!!
وعلى أمل أن تكون ثقافة الموت في الغد القريب قد تلاشت واندثرت إنْ عندنا أو حيث تمَّ تصديرها إلينا في الزمن اللعين.. وإنْ لا فإنني سأعمل المستحيل لأَحُوْلَ دون قيام إبني باعتناقها، وسلاحي الوحيد دائماً وأبداً هو سلاح المنطق:
فاعلَمْ يا طفلي الرضيع حسن أنَّ جميع مَنْ يُنَظِّرون لثقافة الموت – دون استثناء – هم أشدُّ الناس تعلُّقاً بالحياة الدنيا وأكثرهم طمعاً بكرسي السلطة والسلطان وحقائب الهيل والهيلمان.. بل لَتَجِدَنَّ الواحد منهم على استعدادٍ لأن يضحِّي ببلدٍ بأكمله كرامة أمنه الشخصي! والأنكى أنه إذا ما قُتل أحدٌ منهم يتم التهديد بحربٍ مفتوحة لا تُبْقي ولا تَذَر، يدفع ثمنها الناس الأبرياء المغلوب على أمرهم – وهم الأغلبية الساحقة – من أرواحهم ومستقبلهم وراحة عيشهم.. فيما يحصد المنظِّرون لثقافة الموت في المقابل مزيداً من النفوذ والسلطة والمال والهيلمان في الحياة الدنيا! وقد تجد منهم مَنْ يدَّعي – إبان زحفه المستميت على بطنه نحو السلطة – بأنه زاهدٌ فيها (يعني عينه فيها وإخِّي عليها).. تُرَى، أهو سفكٌ مجاني للدماء إذاً؟ يعني هل الأمر هواية لديهم؟ ويمعنًى علمي هل هو طبيعة وراثية؟ في كل الأحوال هم هكذا يهوون عيش الحياة مغامرين مقامرين وسط أشلاء ودمار وحطام وركام، يتنشَّقون بصَدْرٍ مُنْتَشٍ غبارَ الموت ويلعقون باشتهاءٍ رذاذَ الدم المسفوك..
وما عليك يا طفلي الرضيع حسن سوى أن تطرح غداً هذا السؤال البسيط: مَنْ أراد أن يموت فليَمُتْ هو لوحده، ولكن ما باله يُميت الآخرين ويبقى هو حياً؟!
الفنان صلاح السعدني (الحاج عزام)
مع الفنان عزت أبو عوف (زكي الدسوقي)
في مسلسل "عمارة يعقوبيان" (2007)

باختصار، لا أريدك يا طفلي الرضيع حسن غداً وأنت مهاجرٌ من الريف إلى المدينة أن تقوم بالمتاجرة بسكان المناطق العشوائية داخل ومن حول المدينة لتحقِّق أحلامك وطموحاتك وهواياتك على حساب "قفاهم".. وإياك ثم إياك أن تقوم بمخاطبتهم كما خاطَبَهُم صلاح السعدني في مسلسل "عمارة يعقوبيان" وهو يرش المال عليهم، بقوله لهم: "يا مْعَشْوَئين يا حلوين" ليكسبَ أصواتهم في الإنتخابات النيابية.. يعني للوصول إلى السلطة.. لا، لا أريدك أن تفعلَ ذلك.. بتاتاً البتَّة!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 16 حزيران/ يونيو 2008 – رقم العدد 1345).

مواضيع ذات صلة:
















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق