2017/06/01

هيفاء وهبي.. بين حسن نصر الله ووليد جنبلاط!



نص المقال الذي كتبتُهُ بإسمٍ مستعار عقب اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت في 7 أيار/ مايو 2008.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً

كتاباتي ضد حزب الله
بإسمٍ مستعار
حسين احمد صبرا
(2008)


وقفة مع منطق "أنا في الجنة وأنتَ في النار"
هيفاء وهبي..
بين حسن نصر الله ووليد جنبلاط!


(هذا المقال نشرتُهُ في حينه بإسمٍ مستعار هو "د. إحسان الأحمد"، وجاء في أعقاب اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت في 7 أيار/ مايو 2008)

حسين احمد صبرا
في رسالة السيد حسن نصر الله إلى الزعيم وليد جنبلاط في 7 أيار/ مايو 2008، أي عشية اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت الحضارة والعمران، قال أمين عام حزب الله إنه متأكد من أنهما لن يلتقيا في الآخرة.. أي أنَّ أحدهما سيكون في الجنة وأنَّ الآخَر سيكون في النار.. وهو – أي السيد حسن – يقصد بطبيعة الحال أنه هو مَنْ سيكون في الجنة، وأنَّ جنبلاط وكل مَنْ يخالف نصر الله الرأيَ أو الفكرَ أو العقيدة أو التوجُّه السياسي سيكون في جهنم ساءت مصيراً!!
كلام نصر الله هذا يذكِّر بنُكْتَتَيْن شائعتَين عند جمهوره: تقول الأولى إنَّ وليد جنبلاط شوهد في جهنم بصحبة الفنانة هيفاء وهبي، فاحتجَّ حسن نصر الله – الموجود في الجنة – على مكافأة جنبلاط وهو في جهنم بنجمة الإغراء هذه.. فقيل له: ليس المقصود مكافأة وليد جنبلاط بهيفاء وهبي، وإنما المقصود معاقبة هيفاء وهبي بوليد جنبلاط!!
أما النكتة الثانية فهي الإتهامات التي لا يَكَلُّ الزعاقون العرب، الزاحفون على بطونهم للوصول إلى السلطة على مدى أكثر من نصف قرنٍ فئةً بعد أخرى، من تردادها ضد خصومهم السياسيين وضد كل مَنْ يخالفهم في الرأي.. لقد كان الثورجية الشيوعيون من العرب يتَّهمون كلَّ مَنْ يخالفهم الرأي أو الفكر أو العقيدة أو التوجُّه السياسي بأنه إمبريالي ورأسمالي وعدوٌّ للبروليتاريا، ثم لا تلبث اتهاماتهم أن تُوْغِلَ في القياس: هذا بورجوازي كبير (قياس Large) وذاك بورجوازي صغير (قياس Small).. لقد كان لديهم – رحمة الله عليهم – إتهاماتٌ من جميع المقاسات!
ثم جاء القومجيون العرب، سواء منهم مَنْ وصل إلى السلطة أو مَنْ ما يزال يزحف عبثاً على بطنه، ليهيلوا الإتهامات يُمْنةً ويُسرة ضد كل مَنْ يخالفهم الرأي أو الفكر أو العقيدة أو التوجُّه السياسي: هذا داسوس (أي جاسوس)، وذاك عميل للإستعمار، وذلك عميل للرجعية، وذانك عميل للصهيونية، وذيَّالك عميل للملوخية.. وبإسم الصراع مع إسرائيل سَفَكَ القومجيون العرب ممَّن استباحوا السلطة دماءً عربية فاقت ما سفكته جحافل التتار الهمج في غزواتها للمشرق العربي قبل ما يقارب الثمانمائة عام!
أما الإسلامجية، لا فرق أكانوا سُنَّةً أم شيعة فَهُم بطيخة انقسمت نصفين، فقد بلغ بهم الإتجار بالله إلى حد أنهم صادروا الدنيا والآخرة لحسابهم.. وتفسيراً لما يقولونه أو يفعلونه، فقد باتوا هم الذين يُدخلون مَنْ يشاؤون إلى الجنة ويُدخلون مَنْ يشاؤون إلى النار، وليس الله! وهم بدورهم لديهم إتهامات من جميع المقاسات: فإلى جانب اتهامهم مَنْ يخالفهم الرأي أو الفكر أو العقيدة أو التوجُّه السياسي، من قَبيل فلانٌ شيوعي ملحد أو كافر أو زنديق أو مرتد يجب سفك دمه، فإنَّ من بين الإتهامات ذات المقاسات أن يقولوا: فلانٌ عميل للشيطان الأكبر (XXLarge) وفلانٌ عميل للشيطان الأصغر (XXSmall)!
وإنها لَأَول مرة في الحياة السياسية اللبنانية يحدث أن يقف زعيم سياسي لبناني ليقول على الملأ: أنا سأدخل الجنة وفلان سيدخل النار.. وأنا لن أناقش هذا الإدعاء الغريب العجيب بمعناه السياسي، وإنما فقط أَرَدْتُ لفتَ الإنتباه إلى مدى الوكسة المصاب بها الفكر الإسلامي، وقد أَلِفْنَاهُ يتعارض مع بَدَهِيَّةٍ من بَدَهِيَّات الإسلام نفسه وكتابِ الله عزَّ وجلّ!
وللعلم: لم يَرِد في القرآن لا في سورةٍ من سوره ولا في آيةٍ من آياته ولا في حرفٍ منه ولا في نقطةٍ فيه ما يجعل أيَّ واحدٍ منا، مهما زيَّنَتْ له أعماله أو أوحت له أفكاره أنه على صوابٍ وأنه من القدِّيسين المطوَّبين في الأرض كما في السماء، أن يعتقد أنه داخلٌ الجنَّةَ حتماً، وأنَّ من يخالفه في رأيه أو فكره أو معتقده أو توجُّهه السياسي داخلٌ النار حتماً.. فالمسألة ليست على رأي أيٍّ منَّا مهما توهَّم بأنَّ الله، كما نقول باللبنانية: مسَرغِسْ منه (أي مسرور)!
نعم.. نجد هذه المقولة في علم النفس عند الشخصية البارانُويديَّة (أي الشكاكة والمصابة بالهذاء)، التي ترى كلَّ الآخرين أشراراً: أنا بخير والآخرون ليسوا كذلك، أنا على حق والآخرون على خطأ.
إقرأوا قولَ الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم في آيةٍ لا بدَّ لكل مؤمنٍ أن يضعها وشماً على جبينه: *فلا تُزَكُّوا أنفُسَكُم، هو أعلمُ بمن اتَّقَى* (سورة النجم، الآية 32).
كما أنَّ على كل مسلمٍ (وكل مؤمنٍ أياً يكن دينه) أن يقف متأملاً آخذاً العبرة من حالة الخوف والقلق والفزع والجزع التي كانت مسيطرة على نبي الله إبراهيم الخليل حتى آخر لحظة من حياته وهو مَنْ هو: فهو نبيٌّ مُرْسَل من عند الله، وهو باني الكعبة بأمرٍ من الله، وهو خليل الله، وهو أبو الأنبياء.. حيث كان دائم الدعاء بِوَجَلٍ بالقول:
·   ولا تُخْزِنِي يومَ يُبعَثون (سورة الشعراء، الآية 78).. أفلا ترون كيف كان نبي الله خائفاً بجدٍّ (لا تمثيلاً ولا اصطناعاً) من أن يخزيه الله يوم القيامة فيُدخله النار.. فما بال البشر من غير الأنبياء لا يخافون؟!
·   والذي أَطْمَعُ أنْ يغفرَ لي خطيئتي يومَ الدين (الشعراء، الآية 82).. فها هو نبيٌّ من أنبياء الله يرى نفسَهُ خَطَّاءً فيطمع أن يغفر اللهُ له خطاياه، ما يجنِّبُهُ الدخول إلى النار.
·   واجعَلْني من وَرَثَةِ جنَّة النعيم (الشعراء، الآية 85).. وهاكم نبياً يدعو الله أن يدخله الجنة، وبمعنىً آخر يدعوه ألا يدخله النار.. بمثل ذا يكون موقف المؤمن الحقيقي، المسالم والمتواضع والبسيط والخائف دوماً أن يدخل النار، ما يدفعه دوماً إلى أن يتَّقي الله في عباده.
فما بال بعض البشر إذاً، وبالأخص ممَّن اصطنعوا من الله عقبةً كأداء بينهم وبين الآخرين، قد وَثَقُوا كلَّ هذا الوثوق (واضعين أرجلَهُم في ماءٍ بارد) من أنهم ضَمِنُوا الجنَّةَ ووضعوها في جيبهم الصغرى وكأنهم حصلوا على كلمة السر الإلهي، ثم وثقوا أكثر فأكثر من أنَّ كل مَنْ يخالفهم الرأي أو الفكر أو العقيدة أو التوجُّه السياسي هو زبونٌ دائمٌ من زبائن جهنم؟! وكأنَّا ببعض البشر هؤلاء موظفون بيروقراطيون على باب الجنة، يُدخِلون إليها مَنْ يشاؤون بمزاجٍ، ويُخرِجون منها مَنْ يشاؤون بمزاجٍ أيضاً! لكأنَّا بالآية الكريمة "أُدخلوها بسلامٍ آمنين" قد تحوَّلت في ليلةٍ انقطعت فيها الكهرباء إلى "أُدخلوها بمزاجٍ آمنين"!!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 9 حزيران/ يونيو 2008 – رقم العدد 1344).

مواضيع ذات صلة:

صورة عن المقال:
















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق