2017/03/28

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ المقاومة الشعبية ضد الحشَّاشين وإجراءات الحكَّام.



لَقِيَ إرعابُ الحشَّاشين مقاومةً شعبية عنيفة من قبل كافة المسلمين في كل الديار التي نشط فيها هؤلاء الملاحدة. واللافت أنَّ الأمر لم يقتصر على الشعوب المسلمة فحسب، وإنما انضوى تحت لواء هذه المقاومة الحكَّامُ المسلمون أنفسهم. صحيحٌ أنَّ كثيراً من هؤلاء الحكَّام هم الذين استفادوا من إرعاب الحشَّاشين وهم الذين أتاحوا له الفرص للنمو والتعاظم وقد سخَّروه لمصلحتهم في مواجهة خصومهم وأعدائهم، إلا أنَّ الحكَّام هؤلاء أنفسهم كانوا سرعان ما يتصدُّون لإرعاب الحشَّاشين بكل ما أُوتوا من قوة لسببين اثنين: السبب الأول، عندما يتحوَّل الحشَّاشون إلى قوة تهدِّد الأنظمة الحاكمة نفسها. والسبب الثاني، حينما يُحْدِث إرعابُ الحشَّاشين اعتراضاً ونقمةً من قبل الشعوب المسلمة وإلقاءً للَّوم على النظام الحاكم بسبب تآمره مع الحشَّاشين لإحداث كل هذا الإرعاب لمصلحته الخاصة المتمثلة في الصراع للبقاء في سُدَّة الحكم.


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل السابع

المقاومة الشعبية ضد الحشَّاشين
وإجراءات الحكَّام





- المقاومة الشعبية ضد الحشَّاشين وإجراءات الحكَّام
- وأد انتشار الإسماعيلية بما وراء النهر
- أسلوب نظام المُلك في المقاومة
- قلعة وسمنكوه
- الفقهاء يُفْتُون بقتل الحشَّاشين
- بركيارُق يتراجع
- قتل الحشَّاشي تيرانشاه (حاكم كرمان)
- تخريب قهستان وطَبْس
- تدمير قلعة شاهدَز ومقتل ابن عَطَّاش
- قَتْلُ الحشَّاشين في حلب وطَرْدُهُم منها
- حصار قلعة أَلَمُوت ثم وفاة محمد بن ملكشاه
- إخراج الحشَّاشين من حلب مرة أخرى
- قتل الحشَّاشين في ديار بكر
- القبض على قافلة من الحشَّاشين في بغداد
- سَنْجَر يقتل 12 ألفاً من الحشَّاشين
- قَتْلُ الحشَّاشين في دمشق وطَرْدُهُم منها
- سَنْجَر ينتقم من الحشَّاشين
- إحراق جثة زعيم الحشَّاشين
- قتل الحشَّاشين في خراسان
- حاكم طبرستان يغزو الحشَّاشين
- إنتقام التركمان من الحشَّاشين
- إنتقام صلاح الدين من الحشَّاشين
- صلاح الدين يقتل السَهْرَوَرْدِي
- قتل الحشَّاشين في العراق
- فَتْحُ خَمْس قلاع
- جلال الدين خوارزمشاه ينهب بلاد الحشَّاشين

- إجراءات الوزير الفاطمي المأمون ضد الحشَّاشين





حسين احمد صبرا
لَقِيَ إرعابُ الحشَّاشين مقاومةً شعبية عنيفة من قبل كافة المسلمين في كل الديار التي نشط فيها هؤلاء الملاحدة. واللافت أنَّ الأمر لم يقتصر على الشعوب المسلمة فحسب، وإنما انضوى تحت لواء هذه المقاومة الحكَّامُ المسلمون أنفسهم. صحيحٌ أنَّ كثيراً من هؤلاء الحكَّام هم الذين استفادوا من إرعاب الحشَّاشين وهم الذين أتاحوا له الفرص للنمو والتعاظم وقد سخَّروه لمصلحتهم في مواجهة خصومهم وأعدائهم، إلا أنَّ الحكَّام هؤلاء أنفسهم كانوا سرعان ما يتصدُّون لإرعاب الحشَّاشين بكل ما أُوتوا من قوة لسببين اثنين: السبب الأول، عندما يتحوَّل الحشَّاشون إلى قوة تهدِّد الأنظمة الحاكمة نفسها. والسبب الثاني، حينما يُحْدِث إرعابُ الحشَّاشين اعتراضاً ونقمةً من قبل الشعوب المسلمة وإلقاءً للَّوم على النظام الحاكم بسبب تآمره مع الحشَّاشين لإحداث كل هذا الإرعاب لمصلحته الخاصة المتمثلة في الصراع للبقاء في سُدَّة الحكم.
لقد نظر المسلمون إلى الحشَّاشين على أنهم ملاحدةٌ وكفَّارٌ خرجوا عن الملَّة الإسلامية، حتى تحولَّت تسمية "الباطنية" إلى شتيمة عند عامَّة المسلمين يستخدمونها عند شتم المعتدين والخارجين عن الإسلام، مثلما حدث حينما دخل السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه بغدادَ عام 520ه/ 1126م بعدما رفض الخليفة العباسي المسترشد بالله دفع الإتاوة السنوية، وكان الخليفة وعسكره وعامَّة الناس في الجانب الغربي من بغداد وعسكر السلطان محمود في الجانب الشرقي، وراح عامَّة المسلمين "يسبُّون الأتراك ويقولون: يا باطنية يا ملاحدة، عصيتم أميرَ المؤمنين (المسترشد) فعقودُكم باطلة وأنكحتكم فاسدة، ثم تراموا بالنشاب"(1). كما كانوا يقولون عن السلطان محمود: "يا باطني لمَّا لم تقدر على غزو الروم جئت تغزو الخليفة والمسلمين!"(2).
___________________________________
(1) إبن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج17، ص236.
(2) المرجع السابق/ ج17، ص242.
___________________________________
وفي ما يلي نعرض لعيِّناتٍ من المقاومة الشعبية ضد الباطنية الحشَّاشين والحروب التي خاضها الحكَّام ضدهم في محاولةٍ لاستئصالهم أو على الأقل كسر شوكتهم:

وأد انتشار الإسماعيلية بما وراء النهر

في عام 436ه/ 1044م، حاول الإسماعيليون في إيران (قبل أن يتحوَّلوا إلى مذهب الحشاشين بنصف قرنٍ تقريباً) أن يتمدَّدوا إلى ما وراء نهر جيحون، حيث مدينتا بخارى وسمرقند وغيرهما، فتصدى لهم حاكم تلك البلاد، إذ " أوقع بَغراخان، صاحبُ ما وراء النهر، بجمعٍ كثير من الإسماعيلية (قبل أن يتحوَّلوا إلى مذهب الحشَّاشين)، وكان سببُ ذلك أنَّ نفراً منهم (أي من الإسماعيلية) قصدوا ما وراء النهر (نهر جيحون) ودعوا إلى طاعة (الخليفة الفاطمي) المستنصر بالله العلوي صاحب مصر، فتَبِعَهُم جمعٌ كثير وأظهروا مذاهبَ أنكرها أهلُ تلك البلاد، وسَمِعَ مَلِكُها بَغراجان خبرَهم وأراد الإيقاع بهم فخاف أن يَسْلَمَ منه بعضُ مَنْ أجابهم أهلُ تلك البلاد، فأظهر لبعضهم أنه يميل إليهم ويريد الدخول في مذاهبهم وأعلمهم ذلك وأحضرهم إلى مجالسه، ولم يزل حتى عَلِمَ جميعَ مَنْ أجابهم إلى مقالتهم، فحينئذٍ قَتَلَ مَنْ بحضرته منهم وكتب إلى سائر البلاد بقتل مَنْ فيها (من الإسماعيلية)، فَفُعِلَ بهم ما أَمَرَ وسَلِمَتْ تلك البلاد منهم"(3).
_____________________________________
(3) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص267.
_____________________________________

أسلوب نظام المُلك في المقاومة

وبما أنَّ أول ظهور للحشَّاشين في إيران كان زمن السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان(4)، أقوى حكَّام السلاجقة، والذي استخدم هؤلاء الحشَّاشين للقضاء على خصومه وإرعاب الخلافة العباسية في بغداد، فإنَّ ملكشاه كان أول حاكم مسلم يضطر إلى إعادة النظر ويتراجع عن إلحاده تحت الضغط الشعبي وضغط رجال الدين ووزيره نظام المُلك(5). من هنا نجد ابن الجوزي يقول: "وكان هذا السلطان (ملكشاه) قد أفسَدَ عقيدَتَه الباطنيةُ (الحشَّاشون)، ثم رَجَعَ إلى الصلاح"(6). ولا بد هنا من أن نذكر أنَّ الفضل الأكبر في التصدي لعقيدة الحشَّاشين يعود إلى الوزير السلجوقي نظام المُلك، الذي سارع إلى تأسيس ما سمِّي بـ"المدرسة النظامية"، وأنشأ لها فروعاً في إيران وفي بغداد، وكان من مهمَّتها تدريس
____________________________________
(4) ملكشاه بن ألب أرسلان (466ه – 485ه/ 1073م – 1092م.
(5) نظام المُلك الطوسي، أشهر وزراء الدولة السلجوقية (408ه/ 1017م – 485ه/ 1092م).
(6) إبن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج16، ص312.
____________________________________
الفقه الإسلامي وفق مذاهب أهل السُنَّة والرد على الباطنيين الملاحدة وباقي الفرق الشيعية، كما ألَّف كتاباً هاماً بعنوان "سياست نامِهْ" (سِيَر الملوك)(7) حذَّر فيه ملكشاهَ من تنامي قوة ونفوذ الحشَّاشين داخل الدولة السلجوقية، منبِّهاً إلى إمكانية انهيار هذه الدولة على أيديهم. كما أنَّ نظام المُلك كان أول مَنْ تصدَّى عملياً للحشَّاشين حينما "دَعُوا مؤذِّناً من أهل "ساوة" كان مقيماً بأصبهان فلم يُجِبْهم إلى دعوتهم فخافوه أن يَنُمَّ عليهم فقتلوه، فهو أول قتيلٍ لهم وأولُ دمٍ أراقوه، فبلغ خبرُهُ إلى (الوزير) نظام المُلك، فأَمَرَ بأخذ مَنْ يُتَّهم بقتله (أي إلقاء القبض عليه) فوقعت التهمة على نجّارٍ اسمه طاهر، فقُتل ومُثِّل به وجَرُوا برِجْلِهِ في الأسواق، فهو أول قتيل منهم"(8). من هنا فإنه حينما وقع خلافٌ بين ملكشاه ونظام المُلك،
____________________________________
(7) راجع كتاب سياست نامِهْ (سير الملوك)، إصدار وزارة الثقافة الأردنية عام 2012.
(8) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37.
____________________________________
واغتال الحشَّاشون نظامَ المُلك عام 485ه/ 1092م بإيعازٍ من ملكشاه، فإنَّ الحشَّاشين كانوا يقولون: "قَتَلْتُم مِنَّا نجاراً وقَتَلْنا به نظامَ المُلك"(9). واللافت أنَّ "أَوَّل ما عُرف من أحوالهم، أعني هذه الدعوة الأخيرة التي اشتُهرت بالباطنية والإسماعيلية في أيام السلطان ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً فَصَلُّوا صلاةَ العيد في "ساوة" (قرب الري) ففَطِنَ بهم الشُحْنةُ (الحاكم العسكري المكلَّف من قبل الخليفة أو السلطان بمراقبة القوى المعارِضة) فأَخَذَهم وحَبَسَهم، ثم سُئِلَ فيهم (أي طُلِبَ منه العفو عنهم) فأطلقهم"(10). ونلاحظ هنا أنَّ الشُحْنَةَ قد قام بواجبه بدايةً واعتقل الحشَّاشين عند أول ظهورٍ لهم في إيران، إلا أنه ما لبث أن أطلق سراحهم حينما سُئِلَ فيهم، ما يعني وجود تراخٍ منذ البداية من قبل نظام ملكشاه وحاشيته تجاه نشاط الحشَّاشين، وأنَّ الوحيد الذي كان يتصدَّى
_____________________________________
(9) إبن الجوزي/ ج17، ص63.
(10) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص36.
_____________________________________
لهم وقد أدرك خطرهم هو الوزير نظام المُلك، الذي أرسل العساكر قبل اغتياله لمحاصرة قلعة أَلَمُوت ما أن سيطر عليها الحسن بن الصبَّاح عام 485ه/ 1092م، "فحَصَرُوه (أي ابنَ الصبَّاح) فيها وأخذوا عليه الطرق فضاق ذَرْعُه بالحصر فأرسل مَنْ قتل نظام الملك، فلما قُتل رجع العسكر عنها"(11).

قلعة وسمنكوه

في عام 484ه/ 1091م مَلَكَ الحشَّاشون قلعة وسمنكوه في إيران، وهي بقرب أبهر، "وتأذّى الناسُ بهم لا سيما أهل أبهر، فاستغاثوا بالسلطان (السلجوقي) بركيارُق (بن ملكشاه) فجَعَلَ عليها مَنْ يحاصرها، فحوصرت ثمانية أشهر وأُخذت منهم سنة تسعٍ وثمانين (489ه/ 1095م) وقُتل كلُّ مَنْ بها عن آخرهم"(12). ونلاحظ في هذا الإطار أنه في عام 489ه/
____________________________________
(11) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص39.
(12) المرجع السابق/ ج9، ص39.
____________________________________
1095م لم يكن قد وقع نزاعٌ بَعْدُ بين السلطان السلجوقي بركيارُق بن ملكشاه وأخيه محمد، وإنما بدأ هذا النزاع لاحقاً وخاصةً عام 493ه/ 1099م، حينها شَرَعَ بركيارُق في الإستعانة بالحشَّاشين، إلى أن عاد وفتك بهم كما سنرى بعد قليل.

الفقهاء يُفْتُون بقتل الحشَّاشين

وتصاعدت نقمة عامَّة المسلمين وفقهائهم تجاه الباطنيين الحشَّاشين الملاحدة، وكان الفقهاء يُفْتُون بقتلهم، ومنها مثلاً ما حدث قي بغداد عام 490ه/ 1096م حينما "قُتل إنسانٌ باطني (حشَّاشي) على باب النوبي (في بغداد) أتى من قلاعهم بخوزستان (الأحواز)، وشَهِدَ عليه بمذهبه شاهدان دعاهما هو إلى مذهبه، فأفتى الفقهاءُ بقتله، منهم إبن عقيل وكان من أشدِّهم عليه، فقال له الباطني: كيف تقتلوني وأنا أقول لا إله إلا الله؟ قال إبن عقيل: أنا أقتلك. قال: بأي حجة؟ قال: بقول الله عزَّ وجلّ: *{فلما رأوا بأسَنا قالوا آمنَّا بالله وحدَهُ وكَفَرْنا بما كنَّا به مشركين فلم يَكُ ينفعهم إيمانُهم لمّا رأوا بأسَنا}*"(13).
_____________________________________
(13) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص39.
_____________________________________

بركيارُق يتراجع

بعد وفاة ملكشاه عام 485ه/ 1092م جرى نزاعٌ دموي على السلطة بين أبنائه، وخاصةً بين بركيارُق ومحمد، فما كان من بركيارُق إلا أن استعان بالحشَّاشين في صراعه ضد أخيه، "فعَظُمَ أمرُهم واشتدَّت شوكتهم وقويت أطماعهم. وكان سبب قوَّتهم أنَّ السلطان بركيارُق لما حَصَرَ (أي حاصر) أصبهان وبها أخوه محمود وأمه خاتون الجلالية وعاد منها، ظهرت مقالةُ الباطنية بها (أي الدعوة إلى معتقَدهم) وانتشرت وكانوا متفرِّقين في الَمحالّ فاجتمعوا"(14)، و"استحوذوا على قلاعٍ كثيرة"(15).
_____________________________________
(14) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37.
(15) إبن كثير/ البداية والنهاية/ ج13، ص265.
______________________________________
وكان الحشَّاشون انتشروا في جيش بركيارُق "واستغووا كثيراً منهم وأدخلوهم في مذهبهم وكادوا يَظْهَرُون (يَغْلِبُون) بالكثرة والقوة"(16)، "وقويت شوكتُهم وكَثُرَ عددُهم (...) وكان أكثرَ مَنْ قَتَلوا مَنْ هو في طاعة (السلطان) محمد (بن ملكشاه) (ممَّن هو) مخالفٌ للسلطان بركيارُق"(17)، حتى "نَسَبَ أعداءُ بركيارق ذلك إليه واتَّهموه بالميل إليهم (أي إلى الحشَّاشين)"(18).
_____________________________________
(16) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص42.
(17) المرجع السابق/ ج9، ص41 – 42.
(18) المرجع السابق/ ج9، ص42.
_____________________________________
وصار الحشَّاشون "يسرقون مَنْ قَدَروا عليه من مُخالفيهم ويقتلونهم، فعلوا هذا بخلقٍ كثير"(19)، "فآل الأمرُ إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان فيقتلونه ويُلقونه في البئر، فكان الإنسانُ إذا دنا وقتُ العصر ولم يعُد إلى منزله يئسوا منه (أي فَقَدَ أهلُه الأملَ في عودته حياً)، وفتَّش الناسُ المواضع فوجدوا امرأةً في دار الأزج فوق حصير، فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلاً، فقتلوا المرأة وأخربوا الدار والمحلة. وكان يجلس رجلٌ ضرير على باب الزقاق الذي في الدار، فإذا مرَّ به إنسانٌ سأله أن يقوده خطواتٍ إلى الزقاق، فإذا حصل هناك جَذَبّهُ مَنْ في الدار واستولوا عليه"(20).
____________________________________
(19) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37.
(20) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص63.
 ___________________________________
هذا ما دَفَعَ أتباع بركيارُق إلى أنْ أشاروا عليه "أنْ يفتك بهم قبل أن يَعْجَزَ عن تلافي أمرهم، وأَعْلَمُوهُ ما يتَّهمه الناسُ به من الميل إلى مذهبهم (الباطني)، حتى أنَّ عسكر أخيه السلطان محمد يُشَنِّعُون بذلك، وكانوا في المَصَافّ (ساحة القتال) يُكَبِّرُون عليه (أي على بركيارُق) ويقولون: يا باطنية"(21).
"فاجتمعت هذه البواعث كلُّها، فأَذِنَ السلطان (بركيارُق) في قَتْلِهِم (أي قَتْل الباطنية الحشَّاشين) والفتك بهم"(22)، وأُبيحت دماؤهم وأموالهم للعامّة، ونودي فيهم: إنَّ كل من قدرتم عليه منهم فاقتلوه وخذوا مالَه"(23)، وكان ذلك عام 494ه/ 1100م حيــــــــــــــــــــــث "قَتل السلطانُ بركيارُق
_____________________________________
(21) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص42.
(22) المرجع السابق/ ج9، ص42.
(23) إبن كثير/ البداية والنهاية/ ج13، ص265،
_____________________________________
خلقاً من الباطنية ممن تحقَّق مذهبه ومَن اتُّهم به، فبلغت عدَّتهم ثمانمائة ونيفاً، ووقع التتبُّع لأموال مَنْ قُتل منهم، فوُجِدَ لأحدهم سبعون بيتاً من الزوالي (الحجارة الملساء) المحفور، وكُتب بذلك كتابٌ إلى الخليفة (العباسي المستظهر بالله)، فتقدَّم بالقبض على قومٍ يُظَنُّ فيهم ذلك المذهب (الباطني)، ولم يتجاسر أحدٌ أن يشفع في أحدٍ لئلا يُظَنُّ ميله إلى ذلك المذهب. وزاد تتبُّع العوامّ لكل مَنْ أرادوا، وصار كلُّ مَنْ في نفسه شيءٌ من إنسانٍ يرميه بهذا المذهب (ظُلْماً)، فيُقصد، حتى حُسِم هذا الأمرُ فانحسم"(24).
______________________________________
(24) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص62 – 63.
______________________________________
وكان بركيارُق لمَّا أَذِنَ بالفتك بالحشَّاشين "رَكِبَ هو (أي بركيارُق) والعسكرُ معه وطلبوهم (أي لاحقوا الحشَّاشين) وأخذوا جماعةً من خيامهم ولم يفلت منهم (من الحشَّاشين) إلا مَنْ لم يُعرف، وكان ممن اتُّهم بأنه مقدّمهم (أي زعيمهم) الأميرُ محمد بن دشمنزيار بن علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه صاحب يزد، فهَرَبَ وسار يومَه وليلتَه، فلما كان اليوم الثاني وُجِدَ في العسكر قد ضلَّ الطريق ولا يشعر فقُتل، وهذا موضع المثل: "أَتَتْكَ بخائنٍ رِجلاهُ". ونُهبت خيامه فوُجد عنده السلاح المُعَدّ. وأُخرج الجماعةُ المتَّهمون (من الحشَّاشين) إلى الميدان فقُتلوا وقُتل منهم جماعةٌ براء لم يكونوا منهم، سعى بهم أعداؤهم. وفيمن قُتل وَلَدُ كيقباذ، مستحفظ تكريت، (...) وكَتَبَ (بركيارُق) إلى بغداد بالقبض على (الحشَّاشي) أبي إبراهيم الأسداباذي(25)، الذي كان قد وصل إليها رسولاً من بركيارق (...) فأُخذ وحُبس، فلمّا أرادوا قتلَه قال: هَبُوا أنكم قتلتموني، أتقدرون على قتل مَنْ بالقلاع والمدن؟! فقُتل ولم يُصَلِّ عليه أحد وأُلقي خارج السور، وكان له ولدٌ كبير قُتل بالعسكر معهم"(26).
___________________________________
(25) أبو إبراهيم الأسداباذي: هو خال الداعي الحشَّاشي بهرام، الذي ظهر لاحقاً مطلع القرن الهجري السادس في حلب ثم في دمشق.
(26) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص42.
___________________________________
وماذا فعل عامَّة الناس بالباطنية الحشَّاشين؟
"لمّا عمَّت هذه المصيبة الناسَ بأصبهان أَذِنَ اللهُ تعالى في هتك أستارهم (أي أستار الحشَّاشين) والإنتقام منهم، فاتَّفق أنَّ رجلاً دخل دار صديقٍ له فرأى ثياباً ومداساتٍ وملابسَ لم يَعْهَدْها، فخرج من عنده وتحدَّث بما كان، فكَشَفَ الناسُ عنها فعلموا أنه من المقتولين (أي أنَّ الملابس تعود لواحدٍ ممَّن قتلهم الحشاشون). وثار الناسُ كافةً يبحثون عمَّن قُتل منهم ويستكشفون"(27)، و"جَدَّ المسلمون في طَلَبِهم بأصبهان وقتلوا منهم (من الحشَّاشين) خلقاً كثيراً"(28)، وقد توجَّه الناس نحو "الدروبِ التي هم (أي الحشاشون) فيها (...) فتجرَّد (أي تفرَّغ) للإنتقام منهم أبو القاسم مسعود بن محمد الخُجَنْدي، الفقيهُ الشافعي، وجَمَعَ الجَمَّ الغفيرَ بالأسلحة وأَمَرَ بحفر أخاديد وأوقد النيران وجَعَلَ العامَّةَ يأتون بالباطنية أفواجاً ومنفردين فيُلْقَون في النار، وجعلوا إنساناً على أخاديد النيران وسَمُّوه مالكاً، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً"(29).
____________________________________
(27) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37.
(28) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص63.
(29) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص37 – 38.
____________________________________
وقام الأمير جاولي سقاوُو (من أتباع السلطان بركيارُق) بعمل حيلة للإيقاع بالحشَّاشين، إذ اتَّفَقَ مع جماعةٍ من عسكره على أن يُظْهِروا الشَغَبَ عليه، "وانصرفوا عنه وأتوا إلى الباطنية (الحشَّاشين) وأشاعوا الموافقة لهم (أي تظاهروا بتأييد الحشَّاشين)، ثم أظهرَ (أي تظاهَرَ جاولي سقاوو) أنَّ الأمراء بني برسق يقصدونه (أي يريدون النيلَ منه)، وأنه (ناوٍ) على ترك البلاد عليهم والإنصراف عنهم، فحادَتْ طائفةٌ من أصحابه عنه (أي انشقَّت عنه)، فلمّا سارَ بَلَغَ الباطنيَّةَ حدُّه (أي وصل إلى حدود تواجد الحشَّاشين)، فحسَّنَ لهم (أي للباطنية) أصحابُهُ المنحازون إليه (أي المنشقُّون عنه) إتِّباعَهُ والإستيلاء على أمواله، فساروا (أي الحشَّاشون) إليه بثلاثمائة من صناديدهم، فلمّا توسَّطوا الشُعَبَ عاد (جاولي سقاوو) عليهم ومَنْ معه من أصحابه (الذين تظاهروا بالإنشقاق عنه) فقتلوهم، فلم يفلت (من الحشَّاشين) إلا ثلاثة نفر تسلَّقوا في الجبال، فغنم خيلَهم وأموالَهم، وتهذَّبت الطرق بهلاكهم"(30).
____________________________________
(30) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص64 – 65.
____________________________________
 كما أنَّ بعض الأمراء من حاشية بركيارُق تتبَّعوا الحشَّاشين وقَتَلوا بعضاً منهم، ومن هؤلاء الحشَّاشين "إبنُ كوخ الصوفي، وكان قد أقام ببغداد بِدَرْبِ زاخي في الرباط مدةً، وكان يحج في كل سنة بثلاثمائةٍ من الصوفية ويُنفق عليهم الألوفَ من الدنانير. وقُتل جماعةٌ من القضاة اتُّهموا بهذا المذهب (الباطني). وكان قد حصل بعسكر بركيارُق جماعةٌ (أي انضمَّ إلى عسكره جماعةٌ من الباطنية)، واسْتَغْووا خلقاً من الأتراك، فوافقوهم في المذهب (الباطني)، فاستشعر أصحابُ السلطان (أي لبسوا الدروعَ تحت ثيابهم) ولازموا لبس السلاح، ثم تتبَّعوا مَنْ يُتَّهم (بأنه حشَّاشي)، فقتلوا أكثر من مائة"(31).
____________________________________
(31) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص65.
____________________________________

قتل الحشَّاشي تيرانشاه (حاكم كرمان)

حدث أيضاً عام 494ه/ 1100م أنَّ حاكم كرمان قد وفد إليه إنسانٌ حشَّاشي يُقال له "أبو زرعة"، "كان كاتباً بخوزستان (الأحواز)، فحسَّن (أبو زرعة) له مذهبَ الباطنية فأجاب إليه (أي وافق تيرانشاه على الإنتساب إلى مذهب الحشَّاشين)، وكان عنده (عند تيرانشاه) فقيهٌ حنفي يقال له أحمد بن الحسين البلخي كان مطاعاً في الناس، فأحضره (تيرانشاهُ) عنده ليلاً وأطال الجلوس معه، فلما خرج من عنده أَتْبَعَهُ بمن قَتَلَه، فلما أصبح الناس دخلوا عليه وفيهم صاحبُ جيشه فقال لتيرانشاه: أيها الملك مَنْ قتل هذا الفقيه؟ فقال (تيرانشاهُ): أنت شُحْنَةُ البلد (أي مسؤول الأمن والعسكر) تسألني مَنْ قَتَلَه؟ فقال: أنا أعرف قاتلَه. ونهض من عنده ففارقه (انشقَّ عنه) في ثلاثمائة فارس وسار إلى أصبهان، فأرسل (تيرانشاهُ) في أثره ألفي فارس ليردّوه، فقاتلهم (الشُحْنَةُ) وهزمهم، وصار (الشُحْنَةُ) إلى أصبهان وبها السلطان محمد (بن ملكشاه) و(وزيرُهُ) مؤيد الملك، فأكرمه السلطان (...). وامتعض عسكرُ كرمان (الذين بقوا في كرمان) بعد مسيره (أي بعد مسير الشُحْنَة) واجتمعوا وقاتلوا تيرانشاه وأخرجوه عن مدينة بردسير التي هي مدينة كرمان (...) وسار تيرانشاه إلى مدينة بَم من كرمان فحاربه أهلُها ومنعوه منها وأخذوا ما معه من أموالٍ وجواهر، وقصد (تيرانشاهُ) قلعةَ سُمَيْرَم وتحصَّن بها وفيها أميرٌ يُعرف بمحمد بهستون، فأرسل أرسلانشاه (الذي عُيِّن حاكماً لكرمان بدلاً من تيرانشاه) جيشاً حَصَروا القلعةَ، فقال محمد بهستون لتيرانشاه: إنصرف عني فلست أرى الغدر بك وأنا رجلٌ مسلمٌ ومقامُك عندي يؤذيني وأُتَّهم بك في ديني (لأنَّ تيرانشاه حشَّاشي)، فلما عَزَمَ (تيرانشاهُ) على الخروج (من القلعة) أرسل محمد بهستون إلى مقدّم الجيش الذي يحاصرونهم يُعْلِمُهُ بمسير تيرانشاه، فجرَّد (مقدَّمُ الجيش) عسكراً إلى طريقه فخرجوا عليه (على تيرانشاه) وأخذوه وما معه وأخذوا أيضاً (الحشَّاشي) أبا زرعة، فأرسل أرسلانشاه فقتلهما وتسلَّم جميعَ بلاد كرمان"(32)، وبذا تمَّ وأد خطة نشر مذهب الحشَّاشين في كرمان على يد حاكمها تيرانشاه.
____________________________________
(32) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص41.
____________________________________

تخريب قهستان وطَبْس

أيضاً في عام 494ه/ 1100م شنَّ السلطان السلجوقي سَنْجَر بن ملكشاه(33) (أخو بركيارُق) حرباً ضد الحشَّاشين في قهستان وطَبْس في خراسان، فقد "جَمَعَ الأميرُ بزغش، وهو أكبر أمير مع السلطان سَنْجَر، جموعاً كثيرة وقوّاهم بالمال والسلاح، وسار إلى بلد الإسماعيلية (الحشاشين في قهستان) فنَهَبَهُ وخَرَّبه وقَتَلَ فيهم فأكثَرَ، وحَصَرَ (حاصر) (قلعةَ) طَبْس وضيَّق عليها ورماها بالمنجنيق فخرَّب كثيراً من سورها وضَعُفَ مَنْ بها ولم يبقَ إلا أَخْذُها، فأرسلوا (أي الحشَّاشون) إليه الرشا الكثيرة، واستنزلوه عما كان يريده منهم، فرحل عنهم وتركهم، فعاودوا عمارة ما انهدم من سورها وملؤوها ذخائرَ من سلاحٍ وأقواتٍ وغير ذلك"(34). وكما رأينا، فإنَّ الأمير بزغش فضَّل أخذ الرشا من الحشَّاشين على أخذ قلعتهم!
_____________________________________
(33) سَنْجَر بن ملكشاه (479ه – 552ه/ 1086م – 1157م).
(34) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص43.
_____________________________________
"ثم عاودهم (الأمير) بزغش سنة سبعٍ وتسعين (497ه/ 1103)"(35)، وقد "جَمَعَ بزغشُ كثيراً من عساكر خراسان وأتاه كثيرٌ من المتطوِّعة وسار إلى قتال الإسماعيلية (الحشَّاشين) فقصد طبس، وهي لهم، فخرَّبها وما جاورها من القلاع والقرى وأكثر فيهم القتل والنهب والسبي وفعل بهم الأفعال العظيمة، ثم إنَّ أصحاب سَنْجَر أشاروا بأن يُؤْمَنُوا ويُشْرَط عليهم أنهم لا يبنون حصناً ولا يشترون سلاحاً ولا يدعون أحداً إلى عقائدهم"(36). هذا التهاون والتساهل مرةً أخرى مع الحشَّاشين أدَّى إلى أنْ "سَخِطَ كثيرٌ من الناس (المسلمين) هذا الأمانَ وهذا الصلحَ ونَقَمُوه (أي كَرِهُوهُ وأنكروه) على سَنْجَر"(37).
_____________________________________
(35) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص43.
(36) المرجع السابق/ ج9، ص75.
(37) المرجع السابق/ ج9، ص75.
_____________________________________

تدمير قلعة شاهدَز ومقتل ابن عَطَّاش

أدَّى الصراع الدموي أواخر القرن الهجري الخامس بين السلطانَين السلجوقيَّين الأخوين بركيارُق ومحمد، إبنَي ملكشاه، إلى تصاعد إرعاب الحشَّاشين في إيران والعراق، وشكَّلت قلعة شاهدَز في أصفهان معقلاً للحشَّاشين بزعامة أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش انطلقوا منه للقيام بالإغتيالات وقطع الطرق وسفك الدماء. وكانت شاهدَز "قلعةً منيعةً على جبل أصفهان تناصي السماك (السماء المرتفعة)، وتناظر الأفلاك، وقد تحصَّن بها أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش، طاغية الباطنية في طائفته، وبُلِيَتْ أصفهان وضياعها ببليَّته"(38). "وصار لإبن عَطَّاش عددٌ كثير وبأسٌ شديد، واستفحل أمرُه بالقلعة، فكان يرسل أصحابَه لقطع الطريق وأَخْذِ الأموال وقَتْل مَنْ قَدَروا على قتله، فقتلوا خلقاً كثيراً لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا له على القرى السلطانية وأملاك الناس ضرائبَ يأخذونها ليكُفّوا عنها الأذى، فتعذَّر بذلك انتفاع السلطانِ (السلجوقي محمد بن ملكشاه) بِقُراه والناسِ بأملاكهم، وتمشَّى لهم الأمر بالخُلْف (أي الخلاف) الواقع بين السلطانين (السلجوقيين الأخوين) بركيارق ومحمد"(39).
_____________________________________
(38) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص83.
(39) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص107.
_____________________________________
وبعد وفاة بركيارُق عام 498ه/ 1104م "صَفَت السلطنةُ لمحمد ولم يبق له منازعٌ"(40)، حينها "لم يكن عنده أمرٌ أهم من قصد الباطنية (الحشَّاشين) وحربهم والإنتصاف للمسلمين من جُورهم وعَسْفهم، فرأى البدايةَ بقلعة أصبهان (شاهدَز) التي بأيديهم لأنَّ بها (من الحشاشين) أكثر وهي متسلِّطة على سرير مُلْكِه. فخرج بنفسه وحاصرهم في سادس شعبان (عام 500ه/ 1106م)"(41).
_____________________________________
(40) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص108.
(41) المرجع السابق/ ج9، ص108.
_____________________________________
وبمحاصرة محمد بن ملكشاه قلعة شاهدَز، "اجتمع له من أصبهان وسوادها لحربهم الأممُ العظيمة (نظراً) للذُحُول (أي للأثآر، جمع ثأر) التي يطالبونهم بها (...)، فضاق الأمر بهم (أي بالحشَّاشين) واشتد الحصار عليهم وتعذَّرت عندهم الأقوات، فلما اشتد الأمر عليهم كتبوا فتوى فيها: ما(ذا) يقول السادة الفقهاء (المسلمون أهل السُنَّة) أئمة الدين في قومٍ (أي الحشاشين) يؤمنون بالله وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخر؟ و(بـ) أنَّ ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلَّم حقٌّ وصدقٌ وإنما يخالفون في الإمام، هل يجوز للسلطان مهادنتهم وموادعتهم وأن يقبلَ طاعتَهم ويحرسهم من كل أذى؟ فإجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك (أي جواز مهادنتهم وموادعتهم). وتوقَّف بعضهم (أي بعض الفقهاء) فجُمعوا للمناظرة ومعهم أبو الحسن علي بن عبد الرحمان السمنجاني، وهو من شيوخ الشافعية، فقال بمحضَرٍ من الناس: يجب قتالهم (أي قتال الحشَّاشين) ولا يجوز إقرارهم بمكانهم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين، فإنهم يُقال لهم أخبرونا عن إمامكم إذا أباح لكم ما حَظَرَهُ الشرعُ أو حَظَرَ عليكم ما أباحه الشرعُ، أَتَقْبَلون أمرَهُ، فإنهم يقولون نعم. وحينئذٍ تُباح دماؤهم بالإجماع. وطالت المناظرة في ذلك"(42).
____________________________________
(42) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص108.
____________________________________
وراح الحشَّاشون يراوغون، إذ "سألوا السلطان أن يرسل إليهم مَنْ يناظرهم، وعيَّنوا (أي طلبوا بالإسم) على أشخاصٍ من العلماء، منهم القاضي أبو العلاء صاعد بن يحيى، شيخ الحنفية بأصبهان وقاضيها (اغتاله الحشاشون لاحقاً عام 502ه/ 1108م)، وغيره، فصعدوا إليهم (في قلعة شاهدَز) وناظروهم، وعادوا كما صعدوا (أي دون أي نتيجة)، وإنما كان قصدهم (أي الحشاشون) التعلُّل والمطاولة (أي كسب الوقت)، فَلَجَّ حينئذٍ السلطانُ (محمد بن ملكشاه) في حَصْرِهم (حصارهم)، فلمّا رأوا عينَ المحاققة (بمعنى العين الحمراء) أذعنوا إلى تسليم القلعة، على أن يُعْطَوا عوضاً عنها قلعة خالنجان وهي على بُعد سبعة فراسخ من أصبهان، وقالوا: إنّا نخاف على دمائنا وأموالنا من العامّة، فلا بدَّ من مكانٍ نحتمي به منهم. فأُشيرَ على السلطان إجابتهم (بالقبول) إلى ما طلبوا. فسألوا (أي الحشاشون) أنْ يؤخِّرهم إلى (عيد) النوروز ليرحلوا إلى خالنجان ويسلِّموا قلعتَهم، وشَرَطوا: (1-) أن لا يُسمَع قولُ منتصحٍ فيهم (أي ما يقوله فيهم مَنْ كان ينتسب إليهم ثم قَبِلَ النصيحة وخرج من صفوفهم) ، (2-) وإنْ قال أحدٌ عنهم شيئاً سَلَّمَهُ (السلطانُ) إليهم (أي ممن كان ينتسب إلى الحشاشين سابقاً)، (3-) وأنَّ مَنْ أتاهُ منهم (أي من الحشاشين مستسلماً أو مناصراً للسلطان) ردَّه إليهم. فأجابهم (السلطان) إليه (أي وافق على شروطهم). وطلبوا أن يَحْمِلَ إليهم من الإقامة (أي الطعام وما شابه) ما يكفيهم يوماً بيوم، فأُجيبوا إليه في كل هذا، وقَصْدُهُم المطاولة انتظاراً لفَتْقٍ أو حادثٍ يتجدَّد (أي انتظاراً لأي متغيِّرٍ جديد قد يؤدي إلى انشغال السلطان عنهم). ورتَّب لهم وزيرُ السلطان (سعد المُلك) ما يُحمَل إليهم كلَّ يومٍ من الطعام والفاكهة وجميع ما يحتاجون إليه، فجعلوا هم يُرسِلون ويبتاعون من الأطعمة ما يجمعونه ليمتنعوا (أي ليصمدوا) في قلعتهم"(43).
_____________________________________
(43) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص108 – 109.
_____________________________________
رغم استجابة السلطان محمد لشروطهم قام الحشاشون بمحاولة اغتيال أحد أمرائه، إذ "إنهم وضعوا (بمعنى كلَّفوا) من أصحابهم مَنْ يقتل أميراً كان يبالغ في قتالهم، فوثبوا عليه وجرحوه، وسَلِمَ منهم. فحينئذٍ أَمَرَ السلطان بإخراب قلعة خالنجان وجدَّد الحصارَ عليهم (في قلعة شاهدَز)، فطلبوا (أي الحشاشون) أن ينزل بعضُهم ويُرْسِلَ السلطانُ معهم مَنْ يحميهم إلى أن يصلوا إلى قلعة الناظر بأرجان، وهي لهم، وينزل بعضُهم ويرسل (السلطانُ) معهم مَنْ يوصلهم إلى طبس، وأن يقيم البقية منهم في ضِرْسٍ (موقعٍ مرتفع ترتقي إليه بعسر، أي بمعنى موقعٍ محصَّنٍ) من القلعة (أي قلعة شاهدز نفسها التي يحاصرها السلطان) إلى أن يصل إليهم مَنْ يخبرهم بوصول أصحابهم (سالمين إلى قلعة الناظر وطبس)، فينزلون حينئذٍ (من الضِرْسِ من قلعة شاهدز) ويرسل (السلطانُ) معهم مَنْ يوصلهم إلى (حسن) إبن الصبّاح بقلعة أَلَمُوت. فأُجيبوا إلى ذلك، فنزل منهم إلى (قلعة) الناظر وإلى طبس وساروا، وتسلَّم السلطان القلعة (قلعة شاهدز) وخرَّبها"(44).
_____________________________________
(44) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص109.
_____________________________________
لكن، وبعد أن استجاب السلطان محمد لكل شروط الحشَّاشين الجديدة، عادوا وغدروا به، ذلك أنَّ "الذين ساروا إلى قلعة الناظر وإلى طبس وصل منهم مَنْ أخبر ابنَ عَطَّاش بوصولهم (سالمين)، فلم يُسَلِّم السِنَّ (أي الضِرْسَ) الذي بقي بيده (من قلعة شاهدز)، ورأى السلطانُ منه الغدرَ والعَوْدَ عن الذي قرَّره، فأمر بالزحف إليه، فزحف الناسُ عامّةً ثاني ذي القعدة (أي بعد ثلاثة أشهر من الحصار، الذي بدأ في السادس من شعبان كما ورد أعلاه). وكان قد قلَّ عنده (أي عند ابن عَطَّاش) مَنْ يمنع ويقاتل، فظَهَرَ منهم صبرٌ عظيم وشجاعةٌ زائدة، وكان قد استأمن إلى السلطان (أي طلب الأمان والحماية) إنسانٌ من أعيانهم (من أعيان الحشاشين)، فقال لهم: إني أدلُّكم على عورةٍ لهم (أي نقطة ضعفٍ حيث الحشاشون متحصِّنون)، فأتى بهم (أي بأتباع السلطان) إلى جانبٍ لذلك السِنّ (الضِرْس) لا يُرام (أي لا يتواجد الحشاشون فيه)، فقال لهم: إصعدوا من ههنا، فقيل (له): إنهم قد ضبطوا هذا المكان (أي لَزِموه وثَبَتوا فيه) وشَحَنُوه بالرجال، فقال: إنَّ الذي تَرَوْنَ أسلحةٌ وكزاغندات قد جعلوها كهيئة الرجال لِقِلَّتهم عندهم، وكان جميع مَنْ بقي ثمانين رجلاً (من الحشاشين). فزحف الناس من هناك فصعدوا منه وملكوا الموضع، وقُتل أكثر الباطنية، واختلطَ جماعةٌ منهم مع مَنْ دخل فخرجوا معهم (أي تظاهر بعض الحشاشين بأنهم من أتباع السلطان وخرجوا مع مَنْ خرج من القلعة). وأما إبن عطاش فإنه أُخذ أسيراً، فتُرك أسبوعاً ثم إنه أُمر به فشُهِرَ في جميع البلد (أي أُظهر على الجميع) وسُلخ جلدُهُ فتجلَّد حتى مات، وحُشِيَ جلدُهُ تبناً وقُتل ولدُهُ وحُمل رأساهما إلى بغداد، وألقت زوجتُهُ نفسَها من رأس القلعة فهلكت، وكان معها جواهر نفيسة لم يوجد مثلها، فهلكت أيضاً وضاعت، وكانت مدة البلوى بإبن عطاش اثنتي عشرة سنة"(45).
_____________________________________
(45) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص109.
_____________________________________
"وفي آخر ذي الحجة (سنة 500ه/ 1106م) وصل إلى بغداد رأسُ أحمد بن عبد الملك بن عطاش، ورأسُ ولده معه (...) وكان هذا ابنُ عَطَّاش في أول أمره طبيباً، فأُخِذَ أبوه (عبد الملك بن عَطَّاش) في أيام طغرلبك(46) لأجل مذهبه (الباطني)، فأراد قَتْلَهُ فأَظْهَرَ التوبة ومضى إلى الري، وصاحَبَ أبا علي النيسابوري وهو متقدّمهم هناك وصاهَرَهُ وصنَّف رسالةً في الدعاء إلى هذا المذهب سمّاها "العقيقة". ومات في سواد الري، فمضى ولدُهُ (أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش) إلى هذه القلعة (شاهدَز)"(47). وكان أحمد بن عَطَّاش "جاهلاً لا يعرف شيئاً، وقيل لـ(الحسن) ابن الصبَّاح صاحب قلعة أَلَمُوت: لماذا تُعَظِّم ابنَ عَطَّاش مع جهله؟ قال: لمكان أبيه، لأنه كان أستاذي"(48).
_____________________________________
(46) السلطان السلجوقي طغرلبَك، حفيد سلجوق جَدِّ السلاجقة، توفي عام 445ه/ 1063م، وكان جعل من أصفهان عاصمةً له بين عامي 433ه/ 1041م و437ه/ 1045م.
(47) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص101 – 102.
(48) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص107.
_____________________________________
نذكر أنَّ سعد المُلك(49)، وزير محمد بن ملكشاه، والذي "كانت له في الباطنية نكايات، ورُفِعَتْ له في فتح قلعة شاهدَز رايات"(50)، تآمر عليه حاكم أصفهان عبد الله الخطيبي إذ اتَّهمه عند السلطان محمد بن ملكشاه بأنَّ فيه (أي في سعد المُلك) "عيباً واحداً وهو أنه إلى الباطنية مائل، وبمذهبهم قائل"(51)، وما زال يحرِّض السلطان عليه حتى قام الأخير و"صَلَبَ الوزيرَ (سعدَ المُلك) مع عِدَّةٍ من أكابر ديوانه"(52)، في وقتٍ كان سعدُ المُلك "عارفاً بمكاتباتٍ كانت بين الخطيبيّ ورئيس الباطنية أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش في مبادي أمره"(53)، ولكن لم تنجح محاولاته في إثبات ذلك عند السلطان.
_____________________________________
(49) الوزير سعد المُلك أبو المحاسن سعد بن محمد الآبيّ..
(50) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص83.
(51) المرجع السابق/ ص84،
(52) المرجع السابق/ ص84.
(53) المرجع السابق/ ص85.
_____________________________________

قَتْلُ الحشَّاشين في حلب وطَرْدُهُم منها

"كان أمر الباطنية (الحشَّاشين) قد قوي بحلب واشتدَّت شوكتُهم"(54) زَمَنَ حاكم حلب السلجوقي الملك رضوان بن تُتُش، الذي حكم حلب ما بين عامي 489ه/ 1096م و507ه/ 1113م، "وكان يستعين بالباطنية (الحشَّاشين) في كثيرٍ من أموره لقلّة دِينِه"(55)، وأبرز تلك الأمور استعانة رضوان بالحشَّاشين في صراعه مع أخيه دُقاق، حاكم دمشق. "وتابَعَهم (أي الحشَّاشين) خلقٌ كثيرٌ على مذهبهم طلباً لجاههم، وصار كلُّ مَنْ أراد أن يحمي نفسَه من قتلٍ أو ضيمٍ إلتجأَ إليهم"(56). "وكان (الحشَّاشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان)
____________________________________
(54) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص189.
(55) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص151.
(56) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص259.
____________________________________
الحكيمُ المُنَجِّم وأبو طاهر الصائغ أوَّلَ مَنْ أظهر هذا المذهب الخبيث بالشام في أيام الملك رضوان واستمالا إليه بالخدع والمحالات، ومالَ إليهم خلقٌ كثيرٌ من الإسماعيلية بسرمين والجور وجبل السمَّاق وبني عُلَيْم"(57)، حتى "خافَ إبنُ بديع، رئيس الأحداث (أي رئيس الشرطة) بحلب وأعيانُ البلد منهم لكثرتهم وشَدِّ بعضهم من بعضٍ وحمايةِ مَنْ يلجأ إليهم منهم لكثرتهم"(58).
وبعد وفاة الملك رضوان تسلَّم الحكم في حلب ابنُهُ أَلب أرسلان الأخرس، وسار على نهج أبيه في التعاون مع الحشَّاشين، فكتب إليه السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه(59) رسالةً قال له فيها: "كان والدُك يخالفني في الباطنية (أي متحالفاً مع الحشَّاشين)، وأنت وَلَدي فأُحِبُّ أن تَقْتُلَهم"(60). فأعطى ألبُ أرسلان الأخرسُ الضوءَ الأخضر لرئيس شرطـــــــــــــــــــــــــــــة
_____________________________________
(57) إبن القلانسي/ الذيل/ ص189.
(58) المرجع السابق/ ص189.
(59) محمد بن ملكشاه هو ابنُ عمّ الملك رضوان بن تُتُش.
(60) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص260.
_____________________________________
حلب ابن بديع لتصفية الحشَّاشين، "وقرَّر الأمر معه على الإيقاع بهم والنكاية فيهم، فقَبَضَ (ابنُ بديع) على أبي طاهر الصائغ وعلى كلِّ مَنْ دخل في هذا المذهب وهو زُهاء مائتي نَفْسٍ، وقُتل في الحال أبو طاهر الصائغ وإسماعيل الداعي وأخو الحكيم المنجِّم والأعيان المشار إليهم منهم، وحُبس الباقون واستُصفيت أموالهم وشُفع في بعضهم، فمنهم مَنْ أُطلق ومنهم مَنْ رُمي من أعلى القلعة ومنهم مَنْ قُتل، وهرب جماعةٌ أفلتوا إلى الإفرنج (الصليبيين) وتفرَّقوا في البلاد"(61). (لاحقاً اغتال الحشَّاشون رئيس شرطة حلب ابن بديع، راجع فصل "مرتزِقة غِبَّ الطلب").
____________________________________
(61) إبن القلانسي/ الذيل/ ص189 – 190.
____________________________________
وفي العام نفسه (507ه/ 1113م) قام الحشَّاشون – بعد طردهم من حلب – باحتلال حصن شَيْزَر (شمال غرب مدينة حماة) "على غفلةٍ من أهله في مائة راجل، فمَلَكُوه وأخرَجوا جماعةً وأغلقوا بابَ الحصن وصعدوا إلى القلعة فملكوها وأبراجَها. وكان بنو منقذ – أصحابها (أصحاب قلعة شَيْزَر) قد خرجوا لمشاهدة عيد النصارى"(62). وكانوا قد أحسنوا قبل ذلك إلى الحشَّاشين كلَّ الإحسان، فبادر أهل شَيْزَر وبنو منقذ إلى إفشال هذا المخطَّط "وصعدوا إليهم (من الطاقات، أصعدتهنَّ النساءُ بالحبال) وكبَّروا عليهم وقاتلوهم حتى ألجأوهم إلى القلعة فخُذلوا (أي الحشَّاشون) وذُلُّوا، وهجموا إليهم (إلى الحشَّاشين) وتكاثروا عليهم وتحكَّمت سيوفهم فيهم فقتلوهم بأَسْرِهم وقُتل كلُّ مَنْ كان على رأيهم في البلد من الباطنية (الحشَّاشين) ووقع التحرُّز من مثل هذه الحال"(63).
_____________________________________
(62) إبن القلانسي/ الذيل/ ص190.
(63) المرجع السابق/ ص190 – 191.
_____________________________________

حصار قلعة أَلَمُوت ثم وفاة محمد بن ملكشاه

اهتمَّ السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه بمحاربة الحشَّاشين محاولاً اجتثاث شأفتهم، وهو "لمّا عَلِمَ أنَّ مصالح البلاد والعباد منوطة بمحو آثارهم وإخراب ديارهم ومُلْك حصونهم وقلاعهم جَعَلَ قَصْدَهم دأبَه، وكان في أيامه المقدَّم عليهم والقيِّم بأمرهم الحسن بن الصبّاح الرازي، صاحب قلعة أَلَمُوت، وكانت أيامه قد طالت وله منذ ملك قلعة أَلَمُوت ما يقارب ستاً وعشرين سنةً (أي منذ عام 485ه/ 1092م)، وكان المجاورون له في أقبح صورةٍ من كثرة غزواته عليهم وقَتْلِهِ وأَسْرِهِ رجالهم وسبي نسائهم، فسيَّر إليه السلطانُ (محمد بن ملكشاه) العساكرَ (...) فعادت من غير بلوغ غرض. فلما أَعْضَلَ داؤه نَدَبَ لقتاله (أي قتال الحسن بن الصبَّاح) الأميرَ أنوشتكينَ شيركير – صاحب آية وساوة (قرب الري) وغيرهما – فملك  منهم عدة قلاعٍ منها قلعة كلام، ملكها في جمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسمائة (505ه/ 1111م) وكان مقدَّمها يُعرف بعلي بن موسى، فأَمَنَهُ ومَنْ معه وسيَّرهم إلى أَلَمُوت، وملك منهم أيضاً قلعة بيرة وهي على سبعة فراسخ من قزوين، وأَمَنَهُم وسيَّرهم إلى أَلَمُوت أيضاً"(64).
____________________________________
(64) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص168.
____________________________________
إذاً، كان محمد بن ملكشاه قد حاول احتلال قلعة أَلَمُوت لأول مرة مطلع القرن الهجري السادس، وأرسل لهذا الغرض وزيرَه ضياءَ المُلك(65) وقد "بَعَثَهُ لقتال الأَلَمُوت، وبها الحسن بن صبَّاح، فهجم الشتاء عليه، ولم يبلغ منها مبلغاً"(66). وبنتيجة ذلك حاول الحشَّاشون اغتياله، إذ "لمّا أتى ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسمائة (503ه/ 1109م)، قَصَدَ ضياءُ المُلك أبو نصر الجامعَ، فوثب به الباطنية، فضربوه بالسكاكين، وجُرح في رقبته، وبقي مريضاً مدَّةً، ثم بَرِىءَ"(67).
_____________________________________
(65) ضياء المُلك هو إبن الوزير نظام المُلك الطوسي، واسمه بالكامل أبو نصر أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق.
(66) إبن فضل الله العمري/ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار/ ج11، ص179.
(67) المرجع السابق/ ج11، ص179.
_____________________________________
في عام 511ه/ 1117م سار الأمير أنوشتكين شركير "إلى قلعة أَلَمُوت فيمن معه من العساكر وأمدَّه السلطانُ (محمد بن ملكشاه) بِعِدَّةٍ من الأمراء فحصرهم، وكان هو (أي أنوشتكين شيركير) من بينهم صاحِبَ القريحة والبصيرة في قتالهم مع جودة رأيٍ وشجاعة، فبنى عليها (في محيط قلعة أَلَمُوت) مساكنَ يسكنها هو ومن معه، وعيَّن لكل طائفةٍ من الأمراء أشهراً يقيمونها فكانوا ينيبون ويحضرون وهو ملازمٌ الحصار. وكان السلطان (محمد بن ملكشاه) ينقل إليه الميرة والذخائر والرجال، فضاق الأمر على الباطنية (الحشَّاشين) وعَدِمَت عندهم الأقوات وغيرها. فلما اشتدَّ عليهم الأمر نزَّلوا نساءهم وأبناءهم مستأمنين ويسألون أن يُفرج لهم ولرجالهم عن الطريق ويؤمَّنوا، فلم يُجابوا إلى ذلك وأعادهم (أنوشتكين شيركير) إلى القلعة قصداً ليموت الجميع جوعاً. وكان إبن الصبّاح يُجْري لكل رجلٍ منهم في اليوم رغيفاً وثلاث جوزات، فلما بَلَغَ بهم الأمر إلى الحد الذي لا مزيد عليه بَلَغَهُم موتُ السلطان محمد (في العام نفسه 511ه/ 1117م)، فقويت نفوسُهم (أي الحشَّاشين) وطابت قلوبهم. ووصل الخبر إلى العسكر المحاصِر لهم بعدهم بيومٍ ولزموا على الرحيل. فقال شيركير: إنْ رَحَلْنا عنهم وشاع الأمر نزلوا إلينا وأخذوا ما أعددناه من الأقوات والذخائر، والرأي أن نقيم على قلعتهم حتى نفتحها، وإنْ لم يكن المقام فلا بد من مقام ثلاثة أيام حتى يَنْفَد ما ثقلنا وما أعددناه ونحرق ما نعجز عن حمله لئلا يأخذه العدو. فلما سمعوا (أي عسكرُ شيركير) قولَهُ عَلِمُوا صدقَهُ فتعاهدوا على الإتفاق والإجتماع، فلما أمسوا رحلوا من غير مشاورةٍ ولم يبقَ غير شيركير، ونزل إليه الباطنية (الحشَّاشون) من القلعة فدافَعَهُم وقاتَلَهُم وحَمَى مَنْ تخلَّف من سوقه العسكر وأتباعه ولحق بالعسكر فلما فارق (شيركيرُ) القلعةَ غَنِمَ الباطنيةُ ما تخلَّف عندهم"(68) "من العِدَد الكثيرة والأزواد والميرة، ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار"(69).
وهكذا، حالت وفاة محمد بن ملكشاه دون طرد الحشَّاشين من قلعة أَلَمُوت.
____________________________________
(68) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص168 – 169.
(69) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص113.
____________________________________

إخراج الحشَّاشين من حلب مرة أخرى

في عام 517ه/ 1123م سار إلى حلب بَلَك بن بهرام بن أرتق، وهو ابن أخي حاكم حلب السابق إيلغازي بن أرتق، الذي خَلَفَهُ في حكم حلب ابنُهُ بدر الدولة بعد وفاته عام 516ه/ 112م. وسبب مسير بَلَك بن بهرام إلى حلب "أنه بلغه أنَّ صاحبها بدر الدولة (إبن إيلغازي بن أرتق) قد سلَّم قلعة الأثارب إلى الفرنج، فعَظُمَ ذلك عليه وعلم عجزَهُ عن حفظ بلاده، فقَوِيَ طمعُهُ في ملكها (أي مُلك حلب)، فسار إليها ونازلها في ربيع الأول وضايقها ومنع الميرةَ عنها وأحرقَ زروعها، فسلَّم إليه إبنُ عمِّه (بدرُ الدولة) البلدَ والقلعةَ بالأمان غُرَّةَ جُمادى الأولى من السنة وتزوَّج (بَلَك بن بهرام) إبنةَ الملك رضوان وبقي مالكاً لها إلى أنْ قُتل (في معركةً مع الصليبيين عام 518ه/ 1124م)"(70).
وبعدما تسلَّم بَلَك بن بهرام حلب عَبَرَ " إلى الشام وقبض على نائب بهرام(71)، داعي الباطنية (الحشَّاشين) بحلب، وأمر بإخراجهم (أي الحشَّاشين) من حلب، فباعوا أموالهم ورِحَالهم وخرجوا منها"(72).
_____________________________________
(70) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص221.
(71) بهرام هذا هو زعيم الحشَّاشين في حلب ثم في دمشق، والذي قَتَلَهُ الدروز في وادي التيم عام 521ه/ 1127م على الأرجح،
(72) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص287.
_____________________________________

قتل الحشَّاشين في ديار بكر

في عام 518ه/ 1124م "وردت الأخبار بأنَّ الباطنية (الحشَّاشين) ظهروا بآمد (أكبر مدن ديار بكر) وكثروا فنَفَرَ عليهم أهلُ البلد، فقتلوا منهم سبعمائة رجل (حشَّاشيّ)"(73)، "فضَعُفَ أمرُهم بها بعد هذه الواقعة"(74).
_____________________________________
(73) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص224.
(74) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص231.
_____________________________________

القبض على قافلة من الحشَّاشين في بغداد

في عام 518ه/ 1124م وصلت كُتُبٌ إلى ديوان الخلافة العباسية في بغداد "بأنَّ قافلةً واردة من دمشق فيها باطنية (حشَّاشون) قد انتُدبوا لقتل أعيان الدولة مثل الوزير، ونُظر فقُبض على جماعةٍ منهم وصُلب بعضهم في البلد، إثنان عند عقد المأمونية واثنان بسوق الثلاثاء وواحدٌ بعقد الجديد، وغرق جماعة، ونودي أيُّ مشتبهٍ من الشاميين وُجد ببغداد أُخذ وقُتل، وأُخذ في الجملة إبن أيوب – قاضي عكبرا – ونُهبت دارُهُ، وقيل إنه وُجد عنده مدارج من كتب الباطنية، وأُخذ آخرُ كان يعينهم بالمال، وأُخذ رجلٌ من الكَرْخ (أحد أحياء بغداد)"(75).
_____________________________________
(75) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص225.
_____________________________________

سَنْجَر يقتل 12 ألفاً من الحشَّاشين

في عام 520ه/ 1126م أمر معين المُلك أبو نصر أحمد بن الفضل، وزيرُ السلطان السلجوقي سَنْجَر بن ملكشاه حاكم خراسان "بغزو الباطنية (الحشَّاشين في خراسان) وقَتْلِهِم أين كانوا وحيثما ظُفر بهم ونَهْبِ أموالهم وسَبْيِ حريمهم، وجهَّز جيشاً إلى طريثيث وهي لهم وجيشاً إلى بيهق من أعمال نيسابور، وكان في هذه الأعمال قريةٌ مخصوصةٌ بهم إسمها طرز ومقدَّمُهُم بها إنسانٌ إسمه الحسن بن سمين. وسيَّر (معين المُلك) إلى كل طَرَفٍ من أعمالهم جمعاً من الجند ووصَّاهم أن يقتلوا مَنْ لقوه منهم، فقصد كلُّ طائفةٍ (من العسكر) إلى الجهة التي سُيِّرت إليها. فأما القرية (قرية طرز) التي بأعمال بيهق فقَصَدَها العسكرُ فقتلوا كلَّ مَنْ بها وهرب مقدَّمُهُم وصعدَ منارةَ المسجد وألقى نفسه منها فهَلَك. وكذلك العسكر المُنْفَذُ إلى طريثيث قتلوا مِنْ أهلها فأكثروا وغنموا من أموالهم وعادوا"(76)، وقد قتلوا من الحشَّاشين "إثني عشر ألفاً"(77).
_____________________________________
(76) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص235.
(77) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص244.
_____________________________________
وفي العام التالي استطاع الحشَّاشون النيل من الوزير معين المُلك، الذي "كان له في قتالهم آثارٌ حسنة ونية صالحة"(78)، إذ "ورد الخبر من ناحية العراق بقتل المعين (...) ذُكر أنه كان فتك بجماعةٍ منهم ومحرِّضاً للسلطان على النكاية فيهم وتطهير الأرض منهم (...) فأفردوا منهم سفيهاً، ولم يزل يتحيَّل إلى أن خدمَ في إسطبل دوابّه سائساً لبغاله، وأقام في خدمته إلى أن وجد الفرصة متسهِّلةً عند حضوره لمشاهدة كُرَاعِهِ (بِغَالِهِ)، فوثب عليه وهو غافلٌ مطمئنٌّ فقتله، ومُسِكَ (الحشَّاشيُّ) فقُتل من بعده"(79).
_____________________________________
(78) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص244.
(79) إبن القلانسي/ الذيل/ ص216.
_____________________________________

قَتْلُ الحشَّاشين في دمشق وطَرْدُهُم منها

طُرِدَ الحشَّاشون من حلب عام 507ه/ 1113م، ثم ما لبثوا أن عادوا وتجمَّعوا بدمشق زَمَنَ حاكمها طُغْتِكين، الذي تحالف معهم واستخدمهم لاغتيال خصومه وإرعاب أهل دمشق. وبلغ نفوذ الحشَّاشين بدمشق أَوْجَهُ عام 520ه/ 1126م حينما أتى إليها داعي الحشَّاشين بَهْرام، الذي هرب إلى بلاد الشام بعدما قَتَلَ بركيارُقُ بن ملكشاه خالَهُ أبا إبراهيم الأسداباذي في بغداد عام 494ه/ 1100م، كما سبق أن ذكرنا، " فأُكرم (بهرام بدمشق) (...) وحُملت له الرعاية وتأكَّدت به العناية بعد أن تقلَّبت به الأحوال وتنقَّل من مكانٍ إلى مكان، وتَبِعَهُ جهلةُ الناس وسفهاءُ العوامِّ وسَفْسَافُ الفلاحين الطَغَام، مَنْ لا عقلَ له ولا ديانةَ فيه، احتماءً به وطلباً للشرِّ بحزبه"(80). وتعاون معه الوزير المزدقاني "وساعده على بثّ حبال شرِّه وإظهار خافي سرِّه"(81)، "فلولا أنَّ عامَّة دمشق يغلب عليهــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
_____________________________________
(80) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص215.
(81) المرجع السابق/ ص215.
_____________________________________
مذاهب أهل السنَّة وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه لَمَلَكَ (بهرامُ) البلدَ. ثم إنَّ بهرام رأى من أهل دمشق فظاظةً وغلظةً عليه فخاف عاديتهم فطلب من طُغْتِكِين حصناً يأوي إليه هو ومَنْ اتَّبَعَهُ، فأشار الوزير (المزدقاني) بتسليم قلعة بانياس(82) إليه"(83)، "فعَظُمَت المصيبة بهم وجلَّت المحنةُ بظهور أمرهم (...) وضاقت صدور الفقهاء والمتديِّنين والعلماء وأهلِ السُنّة والمقدَّمين والستر والسلامة من الأخيار المؤمنين، وأحجمَ كلٌّ منهم من الكلام فيهم والشكوى لواحدٍ منهم دفعاً لشرِّهم وارتقاباً لدائرة السوء عليهم لأنهم شرعوا في قتل مَنْ يعاندهم ومعاضدة مَنْ يؤازرهم على الضلال ويُرافِدُهم، بحيث لا يُنكِر عليهم سلطانٌ ولا وزير ولا يَفُلُّ حَدَّ شرِّهم متقدّمٌ ولا أمير"(84).
_____________________________________
(82) قلعة بانياس: تقع على الحدود بين سورية وفلسطين ولبنان.
(83) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص235.
(84) إبن القلانسي/ الذيل/ ص215.
_____________________________________
بعد امتلاك الحشَّاشين قلعة بانياس أراد بهرام التوسع شمال الحصن باتجاه وادي التيم، الذي يسكنه دروزٌ ونصارى، فسوَّلت له نفسه قتل زعيم الدروز الإسماعيليين برق بن جندل "لغير  سببٍ حَمَلَهُ عليه ولا جنايةٍ دَعَتْهُ إليه (...) فخَدَعَهُ (بهرامُ) إلى أن حَصَلَ في يده فاعتَقَلَهُ وقَتَلَهُ صَبْراً (إعداماً)"(85). حينها قرَّر أخوه ضحَّاك بن جندل الإنتقام من بهرام لمقتل أخيه، فانتظر إلى أن عاود الحشَّاشون التسلل إلى وادي التيم مرةً أخرى فكَمَنَ الدروز لهم، وهجموا على الحشَّاشين وشرعوا في قتلهم "حتى أتوا على الجميع، وقُطِعَ رأسُ بهرام ويده بعد تقطيعه بالسيوف والسكاكين، وأَخَذَهُما (أي الرأسَ واليدَ) واحدٌ مع خاتمه من الرجال القاتلين ومضى به إلى مصر (الفاطمية) مبشِّراً بهلاكه (أي بهلاك بهرام) ومهنِّئاً ببواره (...) وشاعت بذلك الأخبار، وعَمَّ الكافةَ الجذلُ بمهلكهم والإستبشار، وأخذ الناسُ من السرور بهذا الفتح بأوفر السهام وأكمل الأقسام، فقَلَّت عُدَّتُهُم (أي عُدَّة الحشَّاشين)، وانْقَصَفَت شوكتُهُم، وانفَلَّت شَكَّتُهُم"(86).
_____________________________________
(85) إبن القلانسي/ الذيل/ ص221.
(86) المرجع السابق/ ص222.
_____________________________________
"وقام (في قلعة بانياس) بعد بهرام صاحبُهُ إسماعيل العجمي، رفيقُهُ في الضلال والعدوان، وشريكُهُ في المُحال والطغيان، مقامَهُ، وأخذ في الإستغواء للسَفْساف مثالِهِ، وزاد في الجهل زيادةً أَظْهَرَت سُخْفَ عقله ومُحالِهِ، وتجمَّع إليه بقايا الطائفة (الحشَّاشيَّة) الخبيثة من النواحي والأصقاع ومَنْ كان منهم متفرِّقاً في النواحي والبقاع"(87).
____________________________________
(87) إبن القلانسي/ الذيل/ ص222.
____________________________________
وبعد وفاة طُغْتِكِين عام 522ه/ 1128م تولَّى حُكْمَ دمشق إبنُهُ بوري، الذي أبقى على المزدقاني وزيراً، واستمرَّ الأخير في تعاونه مع الحشَّاشين، وقد "أقام (المزدقاني) بدمشق عوَضَ بهرام إنساناً (من الحشَّاشين) إسمه أبو الوفا (عيَّنه قاضي القضاة) فَقَوِيَ أمرُه وعلا شأنُه وكَثُرَ أتباعُهُ، وقام بدمشق فصار المستولي على مَنْ بها من المسلمين وحكمُهُ أكثر من حكم صاحبها تاج الملوك (بوري بن طغتكين)"(88). وسارع الحشَّاشون بمعيَّة الوزير المزدقاني إلى التآمر مع الصليبيين كيما يحتلَّ الأخيرون دمشقَ مقابل أن يعطي الصليبيون مدينةَ صور للحشَّاشين. وبعد انكشاف هذه المؤامرة وجد بوري بن طُغْتِكٍين أنَّ الفرصة باتت سانحة للقضاء على الحشَّاشين، فبدأ بقطع رأس الوزير المزدقاني، "وحُمِلَ (الرأسُ) مع جثَّته إلى رمادة باب الحديد (بدمشق) فأُلقيت عليها (بمعنى عُلِّقَتْ) لينظر الكافَّة إلى صُنْعِ الله تعالى بمَنْ مَكَر واتَّخَذَ معيناً سواه وبغيره انتصر، وأُحرقت جثَّته بعد أيامٍ بالنار وصار رماداً تذروه الرياح"(89).
_____________________________________
(88) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص250.
(89) إبن القلانسي/ الذيل/ ص223.
_____________________________________
"وشاع الخبر في الحال فثارت الأحداثُ بدمشق والغوغاء والأوباش بالسيوف والخناجر المجرَّدة فقتلوا مَنْ ظفروا به من الباطنية (الحشَّاشين) وأسبابهم وكل متعلِّقٍ بهم ومنتمٍ إليهم وتتبَّعوهم في أماكنهم واستخرجوهم من مكانهم وأفنوهم جميعاً تقطيعاً بالسيوف وذبحاً بالخناجر، وجُعلوا مُصَرَّعين على المزابل كالجيف الملقاة والميتة المجتواة (النتنة)، وقُبض منهم (من الحشَّاشين) نفرٌ كثيرٌ التجأوا إلى جهاتٍ يحتمون بها، وأملوا السلامة بالشفاعة منها قهراً، وأُريقت دماؤهم هدراً، وأصبحت النواحي والشوارع منهم خالية والكلاب على أشلائهم وجِيَفِهم مُتهاوشةٌ عاويةٌ (...). وكان قد أُخِذَ في الجملة المعروفُ بشاذي الخادم، تربية أبي طاهر – الصائغ الباطني الذي كان بحلب – وهذا اللعين الخادم كان أصل البلاء والشر، فعوقب شرَّ عقوبةٍ شفت قلوب كثيرٍ من المؤمنين وصُلب ومعه نفرٌ منهم (من الحشَّاشين) على شرفاتِ سور دمشق ليشاهَدَ فعلُ الله بالظالمين ونكالُه بالكافرين. وكان الحاجب يوسف بن فيروز، شحنة البلد (مسؤول الأمن فيها)، ورئيسُه الوجيه ثقة الملك أبو الذواد مفرّج بن الحسن الصوفي، قد بالغا في التحريض على هلاك هذه الطائفة الخبيثة، فأخذوا في التحرُّز والإحتياط من اغتيال مَنْ يُندب إليهما من باطنية أَلَمُوت، مقرَ الباطنية، بلبس الحديد والإستكثار من الحَفَظة حولهما بالسلاح الوافر العتيد(...). وأما إسماعيل الداعي (إسماعيل العجمي، زعيم الحشَّاشين)، المقيمُ ببانياس ومَنْ معه، فإنهم (أي الحشَّاشين) لمّا سمعوا ما حدث من هذه الكائنة سُقط في أيديهم وانخذلوا وذُلُّوا وأقبل بعضهم على بعضٍ يتلاومون، وتفرَّق شملهم في البلاد، وعَلِمَ إسماعيلُ (العجمي) أنَّ البلاء محيطٌ به إنْ أقامَ ببانياس، ولم يكن له صبرٌ على الثبات فأنفذ إلى الإفرنج (الصليبيين) يبذل لهم تسليم بانياس إليهم ليأمن بهم، فسلَّمها إليهم وحصل هو وجماعةٌ في أيديهم فتسلَّلوا (أي الحشَّاشون) من بانياس إلى الأعمال الإفرنجية على غايةٍ من الذلَّة ونهاية من القلَّة، وعرض إسماعيل علَّة الذَرَب (أي أُصيب بمرضٍ لا يبرأ) فهَلَكَ بها وقُبر في بانياس في أوائل سنة 524 (ه/ 1129م)، فخَلَتْ منهم تلك الناحية وتطهَّرت من رجسهم"(90).
____________________________________
(90) إبن القلانسي/ الذيل/ ص223 – 224.
____________________________________
لقد بلغ مجموع ما قَتَلَهُ بوري بن طُغْتِكِين وأهل دمشق من الحشَّاشين "ستة آلاف"(91). وتفرَّق من نجا من الحشَّاشين في البلاد، منهم مَنْ لجأ إلى الصليبيين بعدما سلَّموهم حصن بانياس المطل على دمشق، ومنهم مَنْ لجأ إلى الساحل السوري حيث عاودوا لاحقاً احتلال القلاع والحصون، ومنهم مَنْ لجأ إلى حلب بزعامة الداعي الحشَّاشي أبي محمد بن دملاج، الذي تعاون معه حاكم حلب نجم الدي إيلغازي بن أُرْتَق لإرعاب خصومه والتخلص منهم.
____________________________________
(91) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص254.
____________________________________
أما حاكم دمشق بوري بن طُغْتِكِين، الذي قضى على الحشَّاشين بدمشق واستأصل شأفتهم، فقد قرَّر الحشَّاشون في قلعة أَلَمُوت اغتياله، وندبوا له اثنين من الحشَّاشين وصلا إلى دمشق متنكِّرَين "في زيّ الأتراك بالقباء والشربوش"(92)، وتمكَّنا من أن يصبحا في عداد حرَّاسه، ووثبا عليه عام 525ه/ 1130م وجرحاه، لكنَّ بوري بقي حياً إلى أن توفي في العام التالي متأثراً بجراحه.
____________________________________
(92) إبن القلانسي/ الذيل/ ص230.
_____________________________________

سَنْجَر ينتقم من الحشَّاشين

في سنة 534ه/ 1139م تمكَّن الحشَّاشون من اغتيال "المقرَّب جوهر، وهو من خَدَم السلطان سَنْجَر (بن ملكشاه، حاكم خراسان) (...) وكان سائر عسكر السلطان يخدمونه ويقفون ببابه. وكان قَتْلُهُ بيد الباطنية (الحشَّاشين)، وقف له جماعةٌ منهم بزيّ النساء واستغثن به فوقف يسمع كلامهم فقتلوه"(93)، "وعزَّ على سَنْجَر شاه قَتْلُهُ وحَزِنَ عليه"(94). "فلما قُتل جَمَعَ صاحبُهُ (أي السلطان سَنْجَر) العساكرَ وقصد الباطنية فقتل منهم وأكثَرَ وفعل بهم ما لم يفعله غيرُهُ، ولم يزل يغزوهم ويقتل فيهم ويخرِّب بلادهم إلى أن مات"(95).
_____________________________________
(93) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص315.
(94) إبن تغري بردي/ النجوم الزاهرة/ ج5، ص258.
(95) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص315.
_____________________________________

إحراق جثة زعيم الحشَّاشين

في سنة 536ه/ 1141م "مات رئيسُ الباطنية (الحشَّاشين) إبراهيم البَهْلَوي، فأحْرَقَهُ شُحْنَةُ الرَيِّ (أي مسؤول الأمن فيها) في تابوته"(96).
_____________________________________
(96) الذهبي/ تاريخ الإسلام/ ج11، ص536.
_____________________________________

قتل الحشَّاشين في خراسان
في سنة 549ه/ 1154م "اجتمع جمعٌ كثيرٌ من الإسماعيلية (الحشَّاشين) من قهستان (في خراسان)، بلغت عدتهم سبعة آلاف رجل، ما بين فارسٍ وراجلٍ، وساروا يريدون خراسان، لإشتغال عساكرهم بالغزّ (أي أنَّ عسكر خراسان كان مشغولاً في محاربة الأتراك الغزِّيَّة)، وقصدوا (أي الحشَّاشون) أعمال خواف وما يجاورها، فلقيهم الأمير فرخشاه بن محمود الكاساني في جماعةٍ من حَشَمِهِ وأصحابه، فعَلِمَ أنْ لا طاقة له بهم، وسار عنهم، وأرسل إلى الأمير محمد بن أنز، وهو من أكابر أمراء خراسان وأشجعهم، يُعَرِّفه بالحال، وطلب منه المسير إليهم (إلى الحشَّاشين) بعسكره، ومَنْ قَدَرَ عليه من الأمراء، ليجتمعوا عليهم ويقاتلوهم، فسار محمد بن أنز في جماعةٍ من الأمراء وكثيرٍ من العسكر، واجتمعوا هم وفرخشاه، ودافعوا الإسماعيلية، وقاتلوهم وطال الحرب بينهم، ثم نصر الله المسلمين وانهزم الإسماعيلية، وكَثُرَ القتلُ فيهم وأَخَذَهُم السيفُ من كل مكان، وهَلَكَ أعيانُهم وساداتهم، بعضُهم قُتل وبعضُهم أُسِر، ولم يسلم منهم إلا القليل الشريد، وخَلَت قلاعُهُم وحصونهم من حامٍ ومانعٍ، فلولا اشتغال العساكر بالغزّ لكانوا ملكوها بغير تعبٍ ولا مشقّة وأراحوا المسلمين منهم، ولكنْ لله أمرٌ وهو بالِغُهُ"(97).
______________________________________
(97) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص399.
______________________________________

حاكم طبرستان يغزو الحشَّاشين

في سنة 522ه/ 1157م "جمع (حاكم طبرستان) شاه مازندران رستم بن علي شهريار عسكرَهُ وسارَ ولم يُعْلِم أحداً جهةَ مقصده، وسلك المضايق، وجَدَّ السير إلى بلد أَلَمُوت، وهي للإسماعيلية (الحشَّاشين)، فأغار عليها وأحرق القرى والسواد، وقَتَلَ فأَكْثَرَ، وغَنِمَ أموالهم، وسبى نساءهم، واسترقَّ أبناءهم، فباعهم في السوق، وعاد سالماً غانماً، وانخذل الإسماعيلية (الحشَّاشون)، ودخل عليهم من الوهن ما لم يُصابوا بمثله، وخرَّب من بلادهم ما لا يُعَمَّر في السنين الكثيرة"(98).
_____________________________________
(98) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص417.
_____________________________________

إنتقام التركمان من الحشَّاشين

سنة 553ه/ 1158م "كان بنواحي قهستان (في خراسان) طائفةٌ من التركمان، فنزل إليهم جمعٌ من الإسماعيلية (الحشَّاشين) من قلاعهم، وهم ألفٌ وسبعمائة، فأوقعوا بالتركمان، فلم يجدوا الرجال (التركمان)، وكانوا قد فارقوا بيوتهم، فنهبوا (أي الحشَّاشون) الأموالَ وأخذوا النساء والأطفال، وأحرقوا ما لم يقدروا على حمله. وعاد التركمان، فرأوا ما فُعِلَ بهم، فتبعوا أثر الإسماعيلية (الحشَّاشين)، فأدركوهم وهم يقتسمون الغنيمة، فكبَّروا وحَمَلوا عليهم ووضعوا فيهم السيف، فقتلوهم كيف شاؤوا، حتى أفنوهم قتلاً وأسراً، ولم ينجُ إلا تسعة رجالٍ (من الحشَّاشين) لا غير"(99).
_____________________________________
(99) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص425 – 426.
_____________________________________

إنتقام صلاح الدين من الحشَّاشين

بعد تعرُّضه لمحاولتي اغتيال فاشلتين من قبل الحشَّاشين عام 570ه/ 1174م و571ه/ 1175م أثناء حصاره حلب، قرَّر صلاح الدين الأيوبي الإنتقام من الحشَّاشين. فبعد فشل محاولة الإغتيال الأولى "حَقَدَ (صلاحُ الدين) على مَنْ بحلب لِمَا فعلوه من أمر الحشيشية"(100)، وقام وشدَّد الحصار على حلب، حيث أنَّ حاكم حلب الملك الصالح هو مَنْ أوعز إلى الحشاشين أن يغتالوا صلاح الدين أثناء حصارة لعَزَاز (من أعمال حلب)، "وضُربت خيمته على رأس الياروقية فوق جبل جَوْشَن وجبى أموالها وأقطع ضياعها وضيَّق على أهلها، ولم يفسح لعسكره في مقاتلتها، بل كان يمنع أن يدخل إليها شيءٌ أو يخرج منها أحد"(101).
_____________________________________
(100) أبو شامة/ كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية/ ج2، ص271.
(101) المرجع السابق/ ج2، ص271.
_____________________________________
 ثم وقَّع صلاح الدين صلحاً مع حاكم حلب الملك الصالح، وبعدها بات متفرِّغاً للإنتقام من الحشَّاشين، فقد تذكَّر "ثأرَهُ عند الإسماعيلية (الحشَّاشين)، وكيف قصدوه بتلك البليَّة، فرحل يوم الجمعة لعشرٍ بَقِيْنَ من المحرَّم (سنة 572ه/ 1176م) فحَصَرَ حصنَهم مصياث (مصياف، المعقل الرئيس للحشَّاشين) ونَصَبَ عليه المجانيقَ الكبار، وأَوْسَعهم قتلاً وأسراً، وساق أبقارَهم وخرَّب ديارهم وهدم أعمارهم وهتك أستارهم"(102)، "فأرسل (شيخُ الجبل راشد الدين) سنانُ – مقدَّمُ الإسماعيلية (الحشَّاشين) – إلى شهاب الدين الحارمي (شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي)، صاحب حماة، وهو خالُ صلاح الدين، يسأله أن يدخل بينهم ويُصلح الحال ويشفع فيهم، ويقول له: "إنْ لم تفعل قتلناكَ وجميعَ أهل صلاح الدين"، فشفع فيهم وسأل الصفحَ عنهم، فأجابه (صلاح الدين) إلى ذلك وصالحهم ورحل عنهم، وكان عسكرُهُ قد مَلُّوا من طول البيكار (الحَرب) وقد امتلأت أيديهم من غنائم عسكر الموصل ونهب بلد الإسماعيلية، فطلبوا العودة إلى بلادهم للإستراحة، فأذِنَ (صلاحُ الدين) لهم، وسارَ هُوَ إلى مصر مع عسكرها لأنه كان قد طال عهده عنها"(103).
____________________________________
(102) أبو شامة/ كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية/ ج2، ص278، وهنا ينقل أبو شامة عن عماد الدين الأصفهاني من الجزء المفقود من كتابه "البرق الشامي في تاريخ الدولة الصلاحية".
(103) إبن الأثير/ الكامل/ ج10، ص81.
____________________________________
وليس صحيحاً ما دلَّ عليه كلام ابن الأثير قبل قليل من أنَّ صلاح الدين خاف من تهديد الحشَّاشين لخاله بقتله وجميع أهله، إذ ينقل أبو شامة عن عماد الدين الأصفهاني من الجزء المفقود من كتابه "البرق الشامي في تاريخ الدولة الصلاحية"، فيقول: "قال (عماد الدين الأصفهاني): وكان الفرنج (الصليبيون) قد أغاروا على البقاع، فخرج إليهم شمس الدين محمد بن عبد الملك، المعروف بإبن المقدَّم، وهو متولّي بعلبك ومقطِّع أعمالها ومدبِّر أحوالها والمتحكِّم في أموالها، فقتل منهم وأسر أكثر من مائتي أسير، وأحضرهم عند السلطان (صلاح الدين) وهو (أي صلاح الدين) على حصار مصياث (مصياف)، فجدَّد منه (أي من صلاح الدين) إلى غزو الفرنج الإنبعاثُ"(104).
ثم يردف أبو شامة هذا الكلام بما قاله ابن أبي طي في كتابه المفقود "السيرة الصلاحية"، معقِّباً على المعارك مع الصليبيين: ""قال إبنُ أبي طيّ: وهذا أكبر الدواعي في مصالحة السلطان (صلاح الدين) لسنان (راشد الدين سنان، زعيم الحشاشين) وخروجه من بلاد الإسماعيلية، لأنَّ السلطان خاف أن تهيج الفرنج في الشام الأعلى وهو بعيدٌ عنه، فربما ظفروا من البلاد بطائلٍ، فصالحَ سناناً وعاد إلى دمشق"(105).
_____________________________________
(104) أبو شامة/ كتاب الروضتين/ ج2، ص278 – 279.
(105) المرجع السابق/ ج2، ص279.
_____________________________________

صلاح الدين يقتل السَهْرَوَرْدِي

في سنة 587ه/ 1191م "قُتل أبو الفتح يحيى، الملقَّب شهاب الدين السُهْرَوَرْدِي، الحكيم الفيلسوف بقلعة حلب محبوساً، أَمَرَ بخنقه الملك الظاهر غازي بأمر والده السلطان (صلاح الدين الأيوبي). قرأ المذكور الأصولَين والحكمة بمَرَاغة على مجد الدين، ثم سافر إلى حلب. وكان عِلْمُهُ أكبر من عقله، فنُسِبَ إلى انحلال العقيدة وأنه يعتقد مذهب الفلاسفة، فأفتى الفقهاء بإباحة دمه لِمَا ظَهَرَ من سوء مذهبه واشتُهر عنه، وكان أشدَّهم زين الدين ومجد الدين إبنا جهبل. حكى الشيخ سيف الدين الآمدي، قال: اجتمعتُ بالسُهْرَوَرْدِي في حلب فقال لي: لا بد أن أملك الأرض. فقلت: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماءَ البحر. فقلتُ: لعلَّ ذلك يكون اشتهار علمك وما يناسب هذا. فرأيتُهُ لا يرجع عما وقع في نفسه، ووجدتُهُ كثير العلم قليل العقل. كان عمره لمّا قُتل ثمانيةً وثلاثين سنة وله عدة مصنفات في الحكمة، منها التلويحات والتنقيحات والمشارع والمطارحات وكتاب الهياكل وحكمة الإشراق، وكان يزعم أنه يعرف السيمياء، وله نَظْمٌ حسن"(106).
نذكر أنَّ الباحث الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب قد ألَّف كتاباً حمل اسم "السُهْرَوَرْدي"، اعتبره فيه واحداً من أعلام الإسماعيلية الحشَّاشين.
_____________________________________
(106) إبن شداد/ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية/ نسخة إلكترونية، ص233 – 234.
_____________________________________

قتل الحشَّاشين في العراق

في سنة 600ه/ 1203م "من رمضان قُتل الباطنية (الحشَّاشون) بواسط (في العراق). وسَبَبُ كَوْنِهِم بها وقَتْلِهِم، أنه وَرَدَ إليها رجلٌ يُعرف بالركم محمد بن طالب بن عصيَّة وأصله من القاروب من قرى واسط، وكان باطنياً ملحداً، ونزل مجاوراً لدور بني الهَرَوي، وغَشِيَهُ الناسُ وكَثُرَ أتباعُهُ، وكان ممن يغشاه رجلٌ يُعرف بحسن الصابوني، فاتفق أنه اجتاز بالسويقة، فكلَّمه رجلٌ نجّار في مذهبهم، فردَّ عليه الصابوني رداً غليظاً، فقام إليه النجارُ وقتله، وتسامع الناسُ بذلك فوثبوا وقتلوا مَنْ وجدوا ممن ينتسب إلى هذا المذهب وقصدوا دار ابن عصيَّة وقد اجتمع إليه خلقٌ من أصحابه وأغلقوا (أي الحشَّاشون) الباب وصعدوا إلى سطحها ومنعوا الناسَ عنهم، فصعدوا (أي الناسُ) إليهم من بعض الدور من على السطح، وتحصَّن مَنْ بقي (من الحشَّاشين) في الدار بإغلاق الأبواب والممارق، فكسروها (أي الناسُ) ونزلوا، فقتلوا مَنْ وجدوا في الدار (من الحشَّاشين) وأحرقوا، وقُتل ابنُ عصيَّة، وفُتح البابُ وهرب منهم (أي هَرَبَ بعضُ الحشَّاشين)، فقُتلوا، وبلغ الخبر إلى بغداد، وانحدر فخر الدين أبو البدر بن أمسينا الواسطي لإصلاح الحال وتسكين الفتنة"(107).
_____________________________________
(107) إبن الأثير/ الكامل/ ج10، ص293.
_____________________________________

فَتْحُ خَمْس قلاع

في سنة 602ه/ 1205م "أَلَحَّ أَيْدَغْمُش، صاحب أصبهان والريّ، على الإسماعيلية (الحشَّاشين) ليستأصل شأفتهم"(108)، "فقَتَلَ منهم مقتلةً كبيرة، ونَهَبَ وسبى وحصر قلاعهم، ففتح منها خمسَ قلاعٍ، وصمَّم العزمَ على حصر أَلَمُوت واستئصال أهلها"(109)، لكنه "فارق بلادهم"(110) بعدما "إلتقى فرقةً من الخوارزمية"(111)، ما اضطَرَّهُ إلى التفرُّغ لمحاربة هؤلاء.
_____________________________________
(108) الذهبي/ دول الإسلام/ ج2، ص109.
(109) إبن الأثير/ الكامل/ ج10، ص319.
(110) المرجع السابق/ ج10، ص319.
(111) الذهبي/ دول الإسلام/ ج2، ص109.
_____________________________________

جلال الدين خوارزمشاه ينهب بلاد الحشَّاشين

في سنة 624ه/ 1226م " قَتَلَ الإسماعيليةُ (الحشَّاشون) أميراً كبيراً من أمراء جلال الدين (خوارزمشاه، مؤسس الدولة الخوارزمية في إيران)، وكان قد أقطعه جلالُ الدين مدينة كنجة وأعمالها، وكان نِعْمَ الأمير كثيرَ الخير حسنَ السيرة، يُنْكِرُ على جلال الدين ما يفعله عسكرُهُ من النهب وغيره من الشر، فلما قُتل ذلك الأميرُ عَظُمِ قَتْلُهُ على جلال الدين واشتدَّ عليه، فسار في عساكره إلى بلاد الإسماعيلية من حدود أَلَمُوت إلى كردكوه خراسان، فحارب الجميع، وقتل أهلها ونهب الأموال، وسبى الحريم، واسترقَّ الأولاد، وقتل الرجال، وعمل بهم الأعمال العظيمة وانتقم منهم، وكانوا قد عَظُمَ شرُّهم وازداد ضررُهم، وطمعوا مذ خرج التترُ إلى بلاد الإسلام إلى الآن، فَكَفَّ عاديتَهم وقَمَعَهم، ولقاهم الله ما عملوا بالمسلمين"(112).
_____________________________________
(112) إبن الأثير/ الكامل/ ج10، ص472 – 473.
_____________________________________

إجراءات الوزير الفاطمي المأمون ضد الحشَّاشين

كان الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله قد تآمر مع أحد رجاله ويدعى البطائحي لاغتيال الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي، وقد تمَّ هذا الإغتيال بالفعل عام 515ه/ 1121م. وما حصل أنَّ الأفضل نفسَهُ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة اتَّهم الحشَّاشين باغتياله، وقام الخليفة الآمر بمكافأة البطائحي وعيَّنه وزيراً، كما سبق أن وَعَدَهُ إنْ هو دبَّر عملية الإغتيال. وفي أعقاب تقلُّده منصب الوزارة بَلَغَ المأمونَ البطائحي "أنَّ (حسن) ابن صبَّاح والباطنية (الحشَّاشين) فرحوا بموت الأفضل، وأنهم تطاولوا (بمعنى تجرّأوا) لقتل (الخليفة الفاطمي) الآمر و(الوزير) المأمون، وأنهم بعثوا طائفةً (منهم) لأصحابهم (الباطنيين) بمصر بأموالٍ (أي مزوَّدين بأموالٍ)"(113).
_____________________________________
(113) المقريزي/ إتِّعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخُلَفا/ ج3، ص108.
_____________________________________
إليكم بالتفاصيل الإجراءات الأمنية المشدَّة، التي اتَّخذها الوزير المأمون لمنع تسلُّل الحشَّاشين إلى مصر وإحباط ما ينوون تنفيذه من اغتيالات:
لقد "تقدَّم (الوزير) المأمون إلى والي عسقلان بِصَرْفِهِ وإقامة غيره، وأمره بِعَرْضِ أرباب الخَدَمِ بها، وألّا يترك فيها إلا مَنْ هو معروفٌ من أهل البلاد، وأكَّد عليه في الإجتهاد والكشف عن أحوال الواصلين من التجّار وغيرهم، وأنه لا يثق بما يذكرونه من أسمائهم وكُنَاهم وبلادهم، بل يكشف من بعضهم عن بعضٍ ويفرِّق بينهم ويبالغ في الإستقصاء. ومَنْ يصل (من كل مَنْ يرغب بدخول مصر) ممَّن لم تَجْرِ عادتُهُ بالمجيء إلى البلاد فليُعَوِّقه بالثغر ويُطالع بحاله وما معه من البطائع، ولا يمكِّن جمّالاً من دخول مصر إلا أن يكون معروفاً متردِّداً إلى البلاد، ولا يُسَيِّر قافلةً إلا بعد أن يتقدَّم كتابُهُ إلى الديوان بِعِدَّةِ مَنْ فيها وأسماء غلمانهم وأسماء الجمّالين وذِكْرِ أصناف البضائع، ليُقابَل بها في مدينة بلبيس وعند وصولهم إلى الباب، وأنه يكرِّم التجّار ويكفّ الأذى والضرر عنهم.
"ثم تقدَّم المأمون إلى والي مصر ووالي القاهرة بأن يصقعا (أي يذهبا إلى) البلدين شارعاً شارعاً وحارةً حارةً وزُقاقاً زُقاقاً وخُطَّاً خُطَّاً (أي طريقاً طريقاً)، ويكتبا أسماء سكَّانها، ولا يمكِّنا أحداً من النُقلة من منزلٍ إلى منزل (أي تغيير مكان السكن) حتى يستأذنهما ويخرج أمرُه، بما يُعتمد في ذلك. فمضيا لذلك وحرَّرا الأوراق بأسماء جميع سكان القاهرة ومصر وذكر خططهما، والتعريف بكُنْية كلِّ واحدٍ وشُهْرَتِهِ وصناعتِهِ وبلدِهِ، ومَنْ يصل إلى كلِّ خطٍ وحارة من الغرباء.
"فلمّا عرف ذلك المأمونُ انتدَبَ نساءً من أهل الخبرة والمعرفة للدخول إلى جميع المساكن والإطلاع على أحوال ساكنيها الباطنيّة ومطالعته بجميع ما يشاهِدْنَهُ فيها. فكانت أحوال كافة الناس على اختلاف طبقاتهم وتبايُن أجناسهم من ساكني مصر والقاهرة تُعْرَضُ عليه، ولا يكاد يَخْفَى عنه منها شيءٌ أَلْبَتَّة. فامتنع لذلك الباطنية مما كانوا قد عزموا عليه من الفتك بالآمر وبالمأمون لكَفِّهم عن دخول البلد.
"ثمَّ إنه مع ذلك أَرْكَبَ العسكرية وفرقهم في جهات البلدين، وأمرهم بالقبض على جماعةٍ عيَّنهم، فقبض على جماعةٍ كثيرة، منهم رجلٌ كان يُقرىء أولاد الخليفة الآمر، ومنهم رُسُلٌ كان (الحسن) إبنُ صبّاح قد سيَّرهم بمالٍ ليُنْفَقَ على مَنْ بمصر ممَّن يرى رأيهم (أي يأخذ بمشورتهم). فكان هذا معدوداً من عظيم الحزم وقوة التدبير. ومع ذلك كان له القُصّادُ والجواسيس وأصحاب الخَبَر (أي الُمخْبِرين) في كل قُطْر، فإذا خرج الباطنيُّ (الحشَّاشي) من قلاع أَلَمُوت لا تزال أخبارُهُ تَرِدُ عليه شيئاً بعد شيءٍ منذ يخرج من مكانه (أي بلاد الفرس) حتى يَرِدَ بلبيس (على حدود مصر الشرقية)، فيُسَيِّر إليه مَنْ ينْقَضُّ عليه في مكانه الذي نزل فيه ويأتيه فيقتله. وصار من أجل ذلك وبسببه يَرِدُ عليه أخبارُ كلِّ جليلٍ وحقيرٍ من سائر مملكته، حتى كان يرى ويسمع كلَّ ما يُتَّفَق (أي كل ما يَحْدُث) في ليلٍ أو نهار. وامتنَعَ من الباطنية (أي تحصَّن من غدرهم) إلى أن مات رئيسهم الحسن بن صبّاح (عام 518ه/ 1124م)"(114).
_____________________________________
(114) المقريزي/ إتِّعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخُلَفا/ ج3، ص108 – 109.
_____________________________________
الفصل التالي:
الفصل السابق:













 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق