2017/03/24

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ إغتيالات وجرائم طالت عامة الناس.



ما من مكانٍ سَكَنَ فيه الحشَّاشون وسَلُمَ الناسُ من شرِّهم نظراً لِمَا قاموا به من جرائم شملت العدوان وسفك الدماء وأعمال السرقة والنهب والخطف وما شابه ذلك، فمارسوا الإرعاب بأبشع صوره وأشاعوا الفوضى في إيران والعراق وبلاد الشام، وكلُّ ذلك تحت مسمَّى ما كان يدَّعيه الإسماعيليون الحشَّاشون من أنهم يسعون من أجل إقامة دولة "أهل الخير"...





إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل السادس

إغتيالات وجرائم طالت عامة الناس



حسين احمد صبرا
ما من مكانٍ سَكَنَ فيه الحشَّاشون وسَلُمَ الناسُ من شرِّهم نظراً لِمَا قاموا به من جرائم شملت العدوان وسفك الدماء وأعمال السرقة والنهب والخطف وما شابه ذلك، فمارسوا الإرعاب بأبشع صوره وأشاعوا الفوضى في إيران والعراق وبلاد الشام، وكلُّ ذلك تحت مسمَّى ما كان يدَّعيه الإسماعيليون الحشَّاشون من أنهم يسعون من أجل إقامة دولة "أهل الخير".
إنَّ أول دمٍ أراقوه كان في أواخر القرن الهجري الخامس حينما "دَعُوا مؤذِّناً من أهل ساوة (قرب الري في بلاد فارس) كان مقيماً بأصبهان فلم يُجِبْهُم إلى دعوتهم فخافوه أن يَنُمَّ عليهم فقتلوه، فهو أول قتيل لهم وأولُ دمٍ أراقوه"(1).
_____________________________________
(1) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9 – ص37.
_____________________________________

"وأَوَّلُ موضعٍ غَلَبُوا عليه وتحصَّنوا به بلدٌ عند قاين (في إيران)، كان متقدَّمُهُ على مذهبهم، فاجتمعوا عنده وقووا به، فاجتازت بهم (أي مرَّت في بلدهم) قافلةٌ عظيمة من كرمان إلى قاين، فخَرَجَ عليهم (المتقدَّمُ) ومعه أصحابه والباطنية (الحشَّاشون)، فقُتل أهلُ القفل (أي أهل القافلة) أجمعين ولم ينجُ منهم غير رجلٍ تركماني فوصل إلى قاين فأخبر بالقصة. فتسارع أهلُها مع القاضي الكرماني إلى جهادهم فلم يقدروا عليهم. ثم قُتل (الوزير السلجوقي) نظامُ الملك (على أيدي الحشَّاشين سنة 485ه/ 1092م) ومات السلطان (السلجوقي) ملكشاه (في العام نفسه) فعَظُمَ أمرُهم واشتدَّت شوكتهم وقويت أطماعهم. وكان سبب قوَّتهم أنَّ السلطان بركيارق (بن ملكشاه) لَمَّا حَصَرَ (أي حاصر) أصبهان وبها أخوه محمود وأمه خاتون الجلالية وعاد منها، ظَهَرَت مقالةُ الباطنية بها (أي الدعوة إلى معتقَدهم) وانتشرت وكانوا متفرِّقين في الَمحالّ، فاجتمعوا وصاروا يسرقون مَنْ قَدروا عليه من مُخالفيهم ويقتلونهم، فعلوا هذا بخلقٍ كثيرٍ، وزاد الأمر حتى أنَّ الإنسان كان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد تيقَّنوا (أي أهلُهُ) قَتْلَهُ وقَعَدوا للعزاء به، فحَذِرَ الناسُ وصاروا لا ينفرد أحدٌ (أي لا أحد يمشي بمفرده في الشارع أو يجلس بمفرده في بيته). وأخذوا (أي الحشَّاشين) في بعض الأيام مؤذِّناً، أخذه جارٌ له باطنيٌّ (حشَّاشيٌّ)، فقام أهلُه للنياحة عليه، فأَصْعَدَهُ الباطنيةُ إلى سطح داره وأَرُوه أهلَه كيف يلطمون ويبكون وهو لا يقدر يتكلَّم خوفاً منهم"(2).
ومن جملة القلاع التي استولى عليها الحشَّاشون في إيران "قلعة وسنمكوه، ملكوها وهي بقرب أبهر (بين قزوين وزنجان) سنة أربعٍ وثمانين (484ه/ 1091م)، وتأذّى الناسُ بهم لا سيما أهل أبهر"(3).
_____________________________________
(2) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص37.
(3) المرجع السابق/ ج9، ص39.
_____________________________________
وبعد استيلاء الحشَّاشين على قلعة أصفهان بزعامة أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش "صار لإبن عَطَّاش عددٌ كثير وبأسٌ شديد، واستفحل أمرُه بالقلعة، فكان يرسل أصحابَه لقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل مَنْ قدروا على قتله، فقتلوا خلقاً كثيراً لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا له على القرى السلطانية وأملاك الناس ضرائبَ يأخذونها ليكُفّوا عنها الأذى، فتعذَّر بذلك انتفاع السلطانِ (السلجوقي محمد بن ملكشاه) بِقُراه والناسِ بأملاكهم، وتمشَّى لهم الأمر بالخلف (أي الخلاف) الواقع بين السلطانين (السلجوقيين الأخوين) بركيارُق ومحمد"(4).
____________________________________
(4) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج9، ص107.
____________________________________
لقد كانوا في أصفهان "يسرقون الإنسان فيقتلونه ويُلقونه في البئر (...) وكان يجلس رجلٌ ضرير على باب الزقاق الذي في الدار، فإذا مرَّ به إنسانٌ سأله أن يقوده خطواتٍ إلى الزقاق، فإذا حصل هناك جَذَبَهُ مَنْ في الدار واستولوا عليه"(5). وقد "تمكَّنوا وقطعوا الطرقاتِ ما بين فارس وخوزستان (الأحواز)"(6). واستمرَّ الأمر في أصفهان على هذا الحال من عام 485ه/ 1092م وحتى عام 494ه/ 1100م، وقد "قَوِيَ إبنُ عَطَّاش بها وصار له على أهل أصبهان القطائع الكثيرة"(7)، و"نالَ المسلمين منه (من أحمد بن عبد الملك بن عَطَّاش) ضررٌ عظيم من أخذ الأموال وقتل النفوس وقطع الطريق والخوف الدائم، فكانوا يقولون: إنَّ قلعةً يدلُّ عليها كلبٌ ويُشِيرُ بها كافر لا بدَّ وأن يكون خاتمةَ  أمرها الشرُّ"(8).
____________________________________
(5) إبن الجوزي/ المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم/ ج17، ص63.
(6) المرجع السابق/ ج17، ص64.
(7) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص40.
(8) المرجع السابق/ ج9، ص38.
____________________________________
ولَمَّا مَلَكَ الحسن بن الصبّاح قلعة أَلَمُوت سنة 485ه/ 1092م "كانت سيرتُهُ في دعائه أنه لا يدعو إلا غبياً لا يفرِّقُ بين شماله ويمينه، ومَنْ لا يعرف أمور الدنيا، ويُطْعِمُهُ الجوزَ والعسلَ والشونيزَ، حتى يتسبَّط دماغُهُ (أي بمعنى يَسْهُلُ التأثير عليه)، ثمَّ يذكر له حينئذٍ ما تمَّ على أهل بيت المصطفى من الظلم والعدوان، حتى يستقرَّ ذلك في نفسه، ثم يقول (الصبّاح) له: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أميّة، فما سبب تَخَلُّفِكَ بنفسك في نصرة إمامك؟ (أي الإمام بالمفهوم الشيعي عامةً والإسماعيلي خاصةً). فيتركه بهذه المقالة طعمةً للسباع"(9).
___________________________________
(9) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص63 – 64.
___________________________________
"وبثَّ الحسنُ بن الصبَّاح دُعاتَه، وألقى عليهم مسائلَ الباطنية (...)، فساروا من قلعة أَلَمُوت، وأكثروا من القتل في الناس غيلةً"(10)، " وكان المجاورون له في أقبح صورةٍ من كثرة غزواته عليهم وقَتْلِهِ وأَسْرِهِ رجالهم وسبي نسائهم"(11)، فأرسل إليه السلطانُ السلجوقي ملكشاه رسولاً "يدعوه إلى الطاعة ويتهدَّده إنْ خالَفَ ويأمره بالكفّ عن بثِّ أصحابه لقتل العلماء والأمراء، فقال (ابن الصبّاح) في جواب الرسالة والرسولُ حاضرٌ: الجوابُ ما ترى، ثم قال لجماعةٍ وقوفٌ بين يديه: أريد أن أَنْفُذَكُم (أُرْسِلَكُم) إلى مولاكم (الله أو إمامهم المستور) في قضاء حاجة، فمَنْ ينهض لها؟ فاشرأبَّ كلُّ واحدٍ منهم لذلك، وظنَّ رسولُ السلطان أنهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا رسالةٌ
____________________________________
(10) المقريزي، إتِّعاظ الحنفا/ ج2، ص324،
(11) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص168.
____________________________________
يُحَمِّلُها إياهم، فأومأ (ابنُ الصبَّاح) إلى شابٍ منهم، فقال له: أُقتُلْ نفسَك. فجذب سكّينَهُ وضرب بها غَلْصَمَتَهُ (الغَلْصَمَة: اللحمُ بين الرأس والعُنُق) فخَرَّ ميتاً. وقال لآخرَ: إرْمِ نفسَك من القلعة، فألقى نفسَه فتمزَّق، ثم التَفَتَ إلى رسول السلطان فقال: أَخْبِرْهُ أنَّ عندي من هؤلاء عشرين ألفاً، هذا حَدُّ طاعتهم لي، وهذا هو الجواب"(12).
وامتد نشاط الحشَّاشين إلى العراق حتى ضاق بهم الناس والحكَّام ذرعاً، وصَدَرَ في عام 488ه/ 1095م الأمرُ بجَمْعِ الناس إلى بيت النوبة ببغداد، وقُرىء عليهم توقيعٌ من الخلافة العباسية، مما جاء فيه: "وهذه الطائفةُ المارقة من الباطنية الملحدين، والكفرة المستسلمين، انتهكوا المحارم، واستحلّوا الكبائر، وأراقوا الدماء، وكذَّبوا بالذِكر، وأنكروا الآخرة، وجحدوا الحسنات والجزاء، وفَصَلوا أعضاءَ المسلمين، وسَمَلوا أعيُنَ الموحِّدين، فكادوا الدينَ وفقهاءه، وأعلنوا بالشرك ونداءَه"(13).
_____________________________________
(12) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص64.
(13) المقريزي/ إتِّعاظ الحُنَفا/ ج3، ص17.
_____________________________________
ورغم ذلك ظلَّ نشاط الحشَّاشين يتصاعد، ففي "سنة أربعٍ وتسعين (494ه/ 1100م) كَثُرَ  أمرُ الباطنية (الحشَّاشين) بالعراق وقَتْلُهم الناس، واشتدَّ الخطبُ بهم، حتى كان الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم، وقتلوا الخلائق، منهم الرويّاني صاحب "البحر"(14).
وفي عام 498ه/ 1104م "سار جمعٌ كثير من الإسماعيلية (الحشَّاشين) من طريثيث (في إيران) عن بعض أعمال بيهق، وشاعت الغارة في تلك النواحي وأكثروا (أي الحشَّاشين) القَتْلَ في أهلها والنهب لأموالهم والسبي لنسائهم ولم يقفوا على الهدنة المتقدِّمة. وفي هذه السنة اشتدَّ أمرهم وقويت شوكتهم ولم يكُفُّوا أيديهم عمَّن يريدون قتله لإشتغال السلاطين (السلاجقة) عنهم (حيث كان يدور صراعٌ بين الأخوة السلاطين بركيارق ومحمد وسَنْجَر). فمن جملة فعلهم أنَّ قفلَ الحاج (قافلة الحجاج المتجهة إلى مكة) تجمَّع هذه السنة مما وراء النهر وخراســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان
____________________________________
(14) السيوطي/ تاريخ الخلفاء الراشدين/ ص337.
_____________________________________
والهند وغيرها من البلاد فوصلوا إلى جوار الري، فأتاهم الباطنية (الحشَّاشون) وقتَ السَحَر فوضعوا فيهم السيف وقتلوهم كيف شاؤوا وغنموا أموالهم ودوابهم ولم يتركوا شيئاً. وقتلوا هذه السنة أبا جعفر بن المشاط وهو من شيوخ الشافعية، أخذ الفقهَ عن الخجندي، وكان يُدَرِّس بالري ويعظ الناس، فلما نزل من كرسيه أتاه باطنيٌّ (حشَّاشيٌّ) فقَتَلَه"(15).
وحتى جوامع المسلمين لم تسلم من شر الحشَّاشين، ففي سنة 515ه/ 1121م "احترق (...) جامعُ أصبهان، وهو من أعظم الجوامع وأحسنها، أحرقه قومٌ من الباطنية (الحشَّاشين) ليلاً"(16).
ومع بداية القرن الهجري السادس امتدَّ نشاط الحشَّاشين إلى بلاد الشام، وكان أول حصنٍ ملكوه هو حصن أفامية (شمال غرب محافظة حماة) عام 499ه/ 1105م بعدما قتلوا صاحبَهُ خَلَف بن ملاعب، "وقطعوا الطُرُقَ وأخافوا السُبُلَ، وانضمَّ إليهم كلُّ مفسدٍ"(17). ومـــــــــــــــــــــــــــــا لبث
_____________________________________
(15) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص84.
(16) المرجع السابق/ ج9، ص211.
(17) الذهبي/ دول الإسلام/ ج1، ص436.
_____________________________________
أمرهم أنْ "قَوِيَ بحلب واشتدَّت شوكتهم بها وخاف إبنُ بديع – رئيسُ الأحداث (أي رئيسُ الشرطة) – بحلب وأعيانُ البلد منهم لكثرتهم وشَدِّ بعضهم من بعضٍ وحمايةِ مَنْ يلجأ إليهم منهم لكثرتهم. وكان الحكيمُ المنجِّم وأبو طاهر الصائغ أوَّلَ مَنْ أظهر هذا المذهب الخبيث بالشام في أيام الملك رضوان (بن تُتُش)(18) واستمالا إليه بالخدع والمحالات، ومالَ إليهم خلقٌ كثيرٌ من الإسماعيلية (الفاطميين) بسَرْمِين والجور وجبل السمَّاق وبني عُلَيْم"(19)، "وتابَعَهم خلقٌ كثيرٌ على مذهبهم طلباً لجاههم، وصار كلُّ مَنْ أراد أن يحمي نفسَه من قتلٍ أو ضيمٍ إلتجأَ إليهم"(20). وأورد ابنُ الفرات في كتابه "تاريخ الدول والملوك" أنَّ الحشَّاشين في بلاد الشام "عَظُمَ شأنهم وصار كل مَنْ يجني جنايةً منهم مَنَعُوه (أي حَمُوه) وحرسوه وكاتبوا الملوك في أمره حتى يخلِّصوه. فكثُر بذلك أتباعُهم واشتهر أمرُهم واشتدَّت شوكتُهم، وصار الرجلُ منهم يلقى الرجلَ من غيرهم فينزع عنه ثيابه ولا يقدر على الإمتناع منه ولا يجد ناصراً. ويلقى أحدُهم المرأة والصبي في الطريق فيقبضه ويذهب به أنَّى شاء ولا يقدر أحدٌ على استخلاصه"(21).
_____________________________________
(18) رضوان بن تُتُش: ملك سلجوقي حكم حلب من عام 489ه/ 1096م إلى عام 507ه/ 1113م.
(19) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص189.
(20) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص259.
(21) عثمان عبد الحميد عشري/ الإسماعيليون في بلاد الشام/ ص87.
______________________________________
وبعد طردهم من حلب في أعقاب وفاة الملك رضوان انتقل نشاط الحشَّاشين إلى دمشق، وكان زعيمهم يدعى بهرام، "فاستغووا خلقاً كثيراً من جهّال الأعمال وسفساف الفلاحين من الضياع وغوغاء الرعاع ممن لا لُبَّ له يصُدُّهُ عن الفساد ويردعه، ولا تقيّةَ تصدفه عن المنكر وتمنعه، فقوِيَ شرُّهم وظهر بقبح الإعتقاد سِرُّهُم وامتدَّت أيديهم وألسنتُهم إلى الأخيار من الرعيّة بالثَلْبِ والسبِّ، وإلى المنفردين في المسالك بالطمعِ والسلبِ وأَخْذِهِم قسراً وتناولِهِم بالمكروه قهراً، وقَتْلِ مَنْ يُقْتَلُ من الناس تعدِّياً وظُلماً"(22)، "وكان الناس والكِبار يخافونهم"(23). وكما سبقت الإشارة فقد تَبِعَ بهرامَ "جهلةُ الناس وسفهاءُ العوامِّ وسفساف الفلاحين الطَغَام، مَنْ لا عقلَ له ولا ديانةَ فيه، احتماءً به وطلباً للشرِّ بحزبه"(24)، " وصار أتباعُهُ أضعافاً مما كانوا، فلولا أنَّ عامة دمشق يغلب عليهم مذاهب أهل السنَّة وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه لَمَلَكَ (بهرامُ) البلدَ."(25).
____________________________________
(22) إبن القلانسي/ ذيل تاريخ دمشق/ ص221،
(23) الذهبي/ تاريخ الإسلام/ ج11، ص169.
(24) إبن القلانسي/ الذيل/ ص215.
(25) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص235.
____________________________________
وازداد الحشَّاشون في دمشق قوةً عام 520ه/ 1126م عندما سلَّمهم حاكم دمشق طُغْتِكين حصن بانياس (على الحدود بين سورية وفلسطين ولبنان)، فاجتَمَعَ إلى بهرام " أوباشُهُ من الرعاع والسفهاء والفلاحين والعوامّ وغوغاءِ الطَغَام، الذين استَغْواهُم بمُحالِهِ وأباطيلِهِ واستمالهم بخِدَعِهِ وأضاليله، فعَظُمَت المصيبة بهم وجلَّت المحنةُ بظهور أمرهم (...) وضاقت صدورُ الفقهاء والمتديِّنين والعلماء وأهلِ السُنّة والمقدَّمين والستر والسلامة من الأخيار المؤمنين، وأحجمَ كلٌّ منهم من الكلام فيهم والشكوى لواحدٍ منهم دفعاً لشرِّهم وارتقاباً لدائرة السوء عليهم لأنهم شرعوا في قتل مَنْ يعاندهم ومعاضدة مَنْ يؤازرهم على الضلال ويُرافِدُهم بحيث لا يُنكِر عليهم سلطانٌ ولا وزير ولا يفلُّ حدَّ شرِّهم متقدّمٌ ولا أمير"(26).
____________________________________
(26) إبن القلانسي/ الذيل/ ص215.
____________________________________
وبعد مقتل بهرام سنة 522ه/ 1128م على الأرجح، قام من بعده بأمر الدعوة الإسماعيلية الحشَّاشية "صاحبُهُ إسماعيلُ العجمي – رفيقُهُ في الضلال والعدوان وشريكُهُ قي المُحال والطغيان – مقامَهُ، وأخذ في الإستغواء للسفساف مثاله، وزاد في الجهل زيادةً أظهرت سُخْفَ عقله ومُحاله، وتجمَّع إليه بقايا الطائفة الخبيثة من النواحي والأصقاع ومَنْ كان منهم متفرِّقاً في النواحي والبقاع"(27)، "ولم تزل شكوى الناس من الخاصة والعامة تتضاعف، والإضرار بهم من المخذولين يتوالى ويترادف"(28).
_____________________________________
(27) إبن القلانسي/ الذيل/ ص222.
(28) المرجع السابق/ ص223.
_____________________________________
وعاد شَرُّ الحشَّاشين إلى التعاظم في إيران مع تسلُّم الإمام المهتدي زعامةَ الحشَّاشين عام 530ه/ 1135م، و"كان أول عمل قام به أنْ نَقَلَ مقرَّه إلى قلعة أَلَمُوت ووجَّه اهتمامه لبعث الجيش الإسماعيلي -الفدائية- من جديد وتدريبه تدريباً كاملاً"(29). وبدأت آثار ذلك تظهر في السنوات اللاحقة، ومن الأمثلة على ذلك أنه في عام 551ه/ 1156م "قَصَدَ الإسماعيليةُ (الحشَّاشون) طبس بخراسان، فأوقعوا بها وقعةً عظيمة وأسروا جماعةً من أعيان دولة السلطان ونهبوا أولادهم ودوابهم وقتلوا فيهم"(30). وفي عام 552ه/ 1157م ارتكب الحشَّاشون الملاحدة مجزرةً في قافلةٍ من الحُجَّاج المسلمين انطلقت من خراسان متَّجهةً إلى مكة، حتى كادوا يبيدونهم عن بكرة أبيهم، مع الإشارة إلى أنَّ هؤلاء الحُجَّاج قد تعرضوا بدايةً لغارةٍ من جند الخراسانية "فأخذوا من أمتعتهم وقتلوا نفراً منهم (من الحُجَّاج) وسَلُمَ الباقون، وساروا (أي الحُجَّاج) من موضعهـــــــــــــــــــــــم،
_____________________________________
(29) مصطفى غالب/ تاريخ الدعوة الإسماعيلية/ ص252.
(30) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص411.
_____________________________________
فبينما هم سائرون إذ طلع عليهم الإسماعيلية (الحشَّاشون)، فقاتَلَهُم الحُجَّاجُ قتالاً عظيماً، وصبروا صبراً عظيماً، فقُتل أميرُهم (أمير الحُجَّاج)، فانخذلوا، وألقوا بأيديهم واستسلموا وطلبوا الأمان وألقوا أسلحتهم مستأمنين، فأَخَذَهُم الإسماعيليةُ (الحشَّاشون) وقتلوهم ولم يُبقوا منهم إلا شرذمة يسيرة، وقُتل فيهم من الأئمة العلماء والزهاد والصلحاء جمعٌ كثير، وكانت مصيبةٌ عظيمةٌ عمَّت بلادَ الإسلام، وخصَّت خراسان، ولم يبقَ بلدٌ إلا وفيه المأتم، فلما كان الغدُ طافَ شيخٌ (من الحشَّاشين) في القتلى والجرحى ينادي: يا مسلمون، يا حُجَّاجُ، ذَهَبَ الملاحدة (الحشَّاشون)، وأنا رجلٌ مسلمٌ، فمن أراد الماءَ سَقَيْتُهُ، فمَنْ كلَّمَهُ (من الحُجَّاج المجروحين) قَتَلَهُ، وأجهز عليهم فهلكوا أجمعين إلا مَنْ سَلُمَ وولَّى هارباً، وقليلٌ ما هُمْ"(31). في عام 553ه/ 1158م "كان بنواحي قهستان طائفةٌ من التركمان، فنزل إليهم جمعٌ من الإسماعيلية من قلاعهم، وهم ألفٌ وسبعمائة، فأوقعوا بالتركمان، فلم يجدوا الرجال، وكانوا قد فارقوا بيوتهم، فنهبوا الأموال وأخذوا النساء والأطفال، وأحرقوا ما لم يقدروا على حمله"(32).
_____________________________________
(31) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص417.
(32) المرجع السابق/ ج9، ص425 – 426.
_____________________________________
كما عاد شَرُّ الحشَّاشين إلى التعاظم في بلاد الشام في النصف الثاني من القرن الهجري السادس، وخاصةً في حلب زَمَنَ حاكمها الملك الصالح، إبن نور الدين زنكي، ومن الأمثلة على ذلك أنهم قاموا بإحراق سوق حلب التجاري سنة 575ه/ 1179م بعدما استولى الملكُ الصالح على قريةٍ للحشَّاشين تُعْرَف بحُجَيْرا، "فكَتَبَ (زعيمُ الحشاشين راشدُ الدين) سنانُ إلى الملك الصالح كُتُباً عدة في إطلاقها، فلم يُطلقها، فأرسل (سنانُ) جماعةً من الرجال معهم النفط والنار، فعمدوا إلى الدكان التي في رأس الزَجّاجين من الشرق في القرنة، فألقوا فيها النار. فنهض نائبُ رئيس البلد بمن معه في المربَّعة والجماعةُ المرتَّبون لحراسة الأسواق، وأخذوا السقّائين ليُطفئوا الحريق، فأتى الإسماعيليةُ (الحشَّاشون) من أسطحة الأسواق وألقوا النارَ والنفطَ في الأسواق، فاحترق سوق البزّ الكبير، وسوق العطّارين، وسوق مجد الدين، المعدّ للبزّ، وسوق الخليع، وسوق الشراشين وهو الآن يُعرف بالكتاتين، وسوق السرّاجين، والسوق الذي غربيّ الجامع، جميعُهُ، إلى أن انتهى الحريق إلى المدرسة الحلاوية. واحترقَ للتجّار والسوقيّة من القماش والآلات شيءٌ كثير، وافتقرَ كثيرٌ منهم بسبب ذلك، ولم يظفروا من الإسماعيلية بأحد"(33).
_____________________________________
(33) إبن العديم/ زبدة الحلب/ ص378.
_____________________________________

البحث عن الأسباب

في ما يلي محاولة من المؤرِّخ عماد الدين الأصفهاني للبحث عن أسباب تعاظم قوة الحشَّاشين منذ أواخر القرن الهجري الخامس بدءاً من إيران، مع نشوء الدولة السلجوقية، وهو التعاظم الذي يعزوه إلى قيام السلطان السلجوقي ألب أرسلان(34) بحل أجهزة الإستخبارات، والتي كان من شأنها أن تنبىء مسبقاً بولادة الجماعات الإرعابية المتطرَّفة، والمفترض أن يُصار إلى وأدها في مهدها، دون أن نغفل عن تذكير القرّاء دائماً بقيام العديد من الحكَّام السلاجقة ثم الأكراد ثم المماليك بانتهاز الفرص واستخدام الحشَّاشين مرتزقةً غِبَّ الطلب.
_____________________________________
(34) عضد الدين ألب أرسلان، حَكَمَ الدولة السلجوقية ما بين عامي 455ه/ 1063م و466ه/ 1073م.
_____________________________________
يقول عماد الدين الأصفهاني في كتابه "تاريخ دولة آل سلجوق" تحت عنوان "ذِكْرُ ظهور الإسماعيلية (الحشَّاشين)": " فنابت النوائب وظَهَرَت العجائب، وفارقَ الجمهورَ من بيننا جماعةٌ (يقصد الحشَّاشين) نشأوا على طباعنا وكالوا بصاعنا وكانوا معنا في المكتب وأخذوا حظاً وافراً من الفقه والأدب، وكان منهم رجلٌ من أهل الريّ (يقصد حسنَ الصبَّاح) وساح في العالم وكانت صناعته الكتابة، فخَفِيَ أمرُهُ حتى ظهر وقام، فأقام من الفتنة كلَّ قيامة واستولى في مدة قريبة على حصونٍ وقلاعٍ منيعة. وبدأ من القتل والفتك بأمورٍ شنيعة، وخَفِيَتْ على الناس أحوالهم ودامت حتى استتبَّت على استتارٍ بسبب أن لم يكن للدولة أصحابُ أخبار (أي جهاز استخبارات). وكان الرسمُ (الأمرُ) في أيام الديلم ومن قبلهم من الملوك أنهم لم يخلوا جانباً من صاحب خَبَر (أي مُخْبِر أو جاسوس) وبريد (أي مراسلات بين المسؤولين والحكَّام)، فلم يُخْفَ عندهم أخبارُ الأقاصي والأداني (أي القريب والبعيد)، وحالُ الطائع والعاصي (أي الموالاة والمعارضة)، حتى وَلِيَ في الدولة السَلْجَقِيّة أَلْبُ أرسلان محمد بن داود، ففاوضه (أي حاول إقناعه) نظامُ المُلك في هذا الأمر (وكان نظام المُلك هو الوزير)، فأجابه (السلطانُ أَلْبُ أرسلان) أنه لا حاجة بنا إلى صاحب خبر، فإنَّ الدنيا لا تخلو كلُّ بلدٍ فيها من أصدقاء لنا وأعداء، فإذا نَقَلَ إلينا صاحبُ الخبر (أي إذا أمدَّنا عميلُ الإستخبارات بالتقارير والمعلومات)، وكان له غَرَضٌ، أَخْرَجَ الصديقَ في صورة العدوِّ، والعدوَّ في صورة الصديق. فأَسْقَطَ السلطانُ هذا الرسم لأجل ما وقع له من الوهم. فلم يشعر إلا بظهور القوم (أي الإسماعيليين الحشَّاشين في بلاد فارس وخراسان) وقد استحكمت قواعدُهم واستوثقت معاقدهم وأخافوا السُبُلَ وأجالوا على الأكابر الأجل. وكان الواحدُ منهم يهجمُ على كثيرٍ، وهو يعلم أنه يُقتل، فيقتلُهُ غيلةً. ولم يجد أحدٌ من الملوك في حفظ نفسه منهم حيلةً، فصار الناسُ فيهم فريقين: فمنهم مَنْ جاهَرَ (هؤلاء الباطنيين) بالعداوة والمقارعة، ومنهم مَنْ عاهدَهم على المسالمة والموادعة. فمَنْ عاداهم خافَ من فِتْكِهم، ومَنْ سالمَهم نُسِبَ إلى شِرْكِهم. وكان الناسُ منهم على خطرٍ عظيمٍ من الجهتين. فأوَّل ما بدأوا بقتل (الوزير السلجوقي) نظام المُلك، ثم اتَّسع الخرق وتفاقمَ الفتق. ولمّا كانوا (أي الباطنيون الحشَّاشون) قد تجمَّعوا من كل صنفٍ، تطرَّقَتْ إلى جميع أصناف الناس التُهَمُ، ودَبَّ إلى البَرِيّ السَقَمُ، وتوفَّرَتْ على التوقى الهمم. وتعيَّن على السلطان أن يكاشفهم، مدافعاً، لئلّا ينسبه العوامُّ وأهلُ الدين إلى الإلحاد (أي إلى الإسماعيليين الملاحدة) وفساد الإعتقاد، كما جرى على مَلِكِ كرمان، فإنَّ الرعية اتَّهموه بالميل إلى القوم (الحشاشين) فبطشوا به وقتلوه وأقاموا مَلِكاً آخرَ مقامَهُ (...). وما كان سلطانٌ يلي (أي يتسلَّم زمام السلطنة) يَثِقُ بخواصه (أي بالمقرَّبين منه)، وسعى ذوو الأغراض في ذوي اختصاصه (أي صار البعض يفتري على المقرَّبين من السلطان). ولمّا عرفوا جَدَّ السلطان في إبادة القوم (الباطنيين) سعى بعضُ الناس ببعض (أي صار واحدُهم يفتري على الآخر)، وأَحَبَّ وَصْمَهُ بالإلحاد لسابق عداوةٍ وبُغض، ووَسَمَهُ بإسمٍ (أي اتَّهمَهُ بأنه باطنيّ ملحد) لم يمحِهِ عنه غيرُ السيف، ولم يجد محيداً عن التزام الحيف. وبقي في هذه الإصطكاكات والإصطدامات خلقٌ كثير وجمٌّ غفير، ولم يبقَ للأكابر في دفع ما عرا رأيٌ ولا تدبير"(35).
____________________________________
(35) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص62 – 63.
____________________________________
الفصل التالي:
الفصل السابق:











 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق