2017/03/28

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ إلحاد الحشَّاشين.



سرعان ما انحرف الحشَّاشون بعقيدتهم نحو الإلحاد في النصف الثاني من القرن الهجري السادس في إيران بادىء الأمر ثم في بلاد الشام لاحقاً، حتى بات المسلمون يطلقون عليهم تسمية الملاحدة، رغم أنَّ المسلمين منذ بداية ظهور المذهب الإسماعيلي وباقي المذاهب الشيعية كانوا يَصِفُونهم بأنهم أهل بدعة وفساد وخارجون عن الإسلام، وعلى حد تعبير الوزير السلجوقي نظام المُلك "يدَّعون الإسلامَ في الظاهر، لكنهم ينهجون نهجَ الكفَّار في الباطن"...



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)

الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل التاسع

إلحاد الحشَّاشين



حسين احمد صبرا
سرعان ما انحرف الحشَّاشون بعقيدتهم نحو الإلحاد في النصف الثاني من القرن الهجري السادس في إيران بادىء الأمر ثم في بلاد الشام لاحقاً، حتى بات المسلمون يطلقون عليهم تسمية الملاحدة، رغم أنَّ المسلمين منذ بداية ظهور المذهب الإسماعيلي وباقي المذاهب الشيعية كانوا يَصِفُونهم بأنهم أهل بدعة وفساد وخارجون عن الإسلام، وعلى حد تعبير الوزير السلجوقي نظام المُلك "يدَّعون الإسلامَ في الظاهر، لكنهم ينهجون نهجَ الكفَّار في الباطن"(1). إلى أن حَلَّ عام 558ه/ 1162م وأعلن زعيم الحشَّاشين في قلعة أَلَمُوت في بلاد الفرس الحسن الثاني(2) الخروجَ العلني عن الإسلام بأن أباح المحرَّمات بحجة أنَّ القيامة قد قامت وأنه هو مَنْ سيحاسَب بدلاً عنهم. ورغم أنَّ شقيق زوجه ما لبث أن اغتاله سنة 561ه/ 1166م، إلا أنَّ الإلحاد والخروج عن الإسلام بقيا مستمرَّين على يد ابنه وخليفته الكيا محمد منذ ذلك الحين وحتى وفاته سنة 607ه/ 1210م.
_______________________________________
(1) نظام المُلك/ سياسِتْ نامِهْ (سِيَر الملوك)/ ص227.
(2) الحسن الثاني هو الإمام الثالث والعشرين للإسماعيلية النزارية الحشَّاشية، وقد تولَّى الإمامة عام 557ه/ 1161م.
_______________________________________
إذاً، استمرَّ الخروج العلني عن الإسلام لما يقرب من نصف قرن في بلاد فارس، وقد انتقلت الأوامر من الحشَّاشين الفرس في أَلَمُوت إلى أتباعهم من الحشَّاشين في بلاد الشام بالخروج عن الإسلام في سنة 572ه/ 1176م، حينها نجد أنَّ زعيم الحشَّاشين في بلاد الشام شيخ الجبل راشد الدين سنان "لمَّا أراد أن يحِلَّهم من الإسلام ويُسقط عنهم التكاليف لأمرٍ جاءه من أَلَمُوت على عهد الكيا محمد، نزل إلى (قلعة) مصيات (مصياف، غرب مدينة حماة) في شهر رمضان فأكل فيها فأكلوا معه، واستمرَّ أمرُهُم على ذلك"(3). لقد أقدم راشد الدين سنان على جعل أتباعه من الحشَّاشين "يتوقَّفون عن التقيُّد بخرافة الإسلام، فدمَّر المساجد التي اعتادوا على استخدامها وأعفاهم من الصوم وسمح لهم بشرب الخمر وأكل لحم الخنزير"(4). وفي هذه السنة (أي 572ه/ 1176م) " أظهر أهلُ جبل السمّاق(5) (من الحشَّاشين) الفُسْقَ والفجورَ، وتسمّوا بالصفاة (الصفوة، أي النخبة المرضي عنهم)، واختلط النساءُ بالرجال في مجالس الشرب، ولا يمتنع أحدهم من أختِهِ ولا بنتِهِ، ولبس النساءُ ثيابَ الرجال، وأعلن بعضُهم بأنَّ (راشدَ الدين) سناناً ربُّهُ"(6).
_______________________________________
(3) من تاريخ عبد اللطيف البغدادي ورحلته/ ص80 (وردت الشذرات ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج14.
(4) وليم الصُوْرِي/ الحروب الصليبية (تاريخ أعمال أُنجزت في ما وراء البحار)/ ج4، الكتاب العشرون، الفقرة 29، ص367 (ورد هذا الكتاب ضمن "الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية"، ج7).
(5) يقع جبل السماق غرب حلب شمال معرة النعمان وهو اليوم جبل الأربعين.
(6) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص373.
_______________________________________
هذا الأمر أوجد ردةَّ فعل ظاهرية من قِبَل حاكم حلب آنذاك الملك الصالح (إبن نور الدين زنكي)، الذي كان يستخدم الحشَّاشين مرتزِقةً غِبَّ الطلب لإرعاب خصومه واغتيالهم، إذ انَّ الملك الصالح سيَّر " إليهم عسكرَ حلب، فهربوا من الجبل وتحصَّنوا في رؤوس الجبال"(7). وما نلاحظه هنا هو أنَّ راشد الدين سنان قد أعلن تبرُّؤَهُ منهم، إذ أرسل إلى الملك الصالح "وسأل فيهم، وأَنْكَرَ حالتَهم، وكانوا قد نسبوا ذلك إليه، وأنهم فعلوا ذلك بأمره"(8). وسرعان ما استجاب له حكَّام حلب، "فأشار سعد الدين (كُمُشْتِكِين، قائد العسكر في حلب) بقبول شفاعته فيهم، وعاد العسكرُ عنهم"(9). ومن جهته "شَرَعَ سنان في تتبُّع المقدَّمين منهم (من أتباعه)، فأهلكهم"(10). وكانت جماعةٌ من الحشَّاشين قد فَرَّت إلى بلدة الباب شمال حلب، فقاتَلَهُم أهلُها "فانهزموا (أي الحشّاشون) واختبأوا في المغاير، فنهبوا (أي أهلُ الباب) دُورَهم، وعَرُّوا نساءهم، ودخَّنوا عليهم في المغاير، وقتلوا مَنْ أمكنهم قتله"(11).
_______________________________________
(7) إبن العديم/ زبدة الحلب من تاريخ حلب/ ص373.
(8) المرجع السابق/ ص373.
(9) المرجع السابق/ ص373.
(10) المرجع السابق/ ص374.
(11) المرجع السابق/ 374.
_______________________________________
وحتى المؤرخون الصليبيون كتبوا عن ذلك حينما تحدَّثوا عن الحشَّاشين، إذ كتب أحدهم تحت عنوان "تقرير عن الحشَّاشين وعن مقدَّمهم (راشد الدين سنان) قائلاً: "كان في بلاد دمشق وأنطاكية أُناسٌ يُعرَفون باسم الحشيشية، وكان مقدَّمهم يدعى بإسم شيخ الجبل، ويأكل هؤلاء المسلمون غير المؤمنين لحمَ الخنزير وينامون مع أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم ومع كل امرأةٍ يمكنهم الوصول إليها، وذلك على عكس شرائع (النبي) محمد"(12).
من جهته، "أَقَامَ (الخليفةُ العباسي الناصر لدين الله)(13) سِنِينَ يراسل جلال الدين حسن – صاحب أَلَمُوت – يراوده أن يُعيد شعارَ الإسلام من الصلاة والصيام وغير ذلك مما رفعوه فــــــــــــــــــي زمان (راشد الدين) سنان(14)،
_______________________________________
(12) برنار لويس/ الحشيشية – الإغتيال الطقوسي عند الإسماعيلية النزارية/ ص355 (هذا النص الوارد أعلاه قد أضافه إلى كتاب "الحشيشية" د. سهيل زكَّار نقلاً عن ذيل تاريخ وليم الصُوْري، كان قد كُتِبَ في فرنسا في القرن الثالث عشر الميلادي وعُرف باسم ذيل روثلين نسبةً إلى دير روثلين شمالي إنكلترا حيث عُثر فيه على مخطوطة الكتاب).
(13) الخليفة العباسي الناصر لدين الله، ولي الخلافة من سنة 575ه/ 1179م وحتى سنة 622ه/ 1225م.
(14) الأصح في زمان الحسن الثاني ثم الكيا محمد، ذلك أنَّ الأوامر بالخروج عن الإسلام صدرت من قلعة أَلَمُوت في بلاد فارس، ثم تبعهم حشَّاشو بلاد الشام بعد تعيين راشد الدين سنان كزعيمٍ عليهم.
_______________________________________
ويقول إنكم إذا فعلتم ذلك كنا يداً واحدة ولم يتغيَّر عليكم من أحوالكم شيء"(15). وقام الخليفة الناصر لدين الله بعمل خدعة في سبيل أن يعود حشَّاشو أَلَمُوت إلى الإسلام، وخاصةً أنَّ الكيا محمد كان قد توفي سنة 607ه/ 1210م وتسلَّم مكانه جلال الدين حسن، فادعى الخليفة أنَّ زعيم الدولة الخوارزمية في شمال إيران عازمٌ على "الإيقاع بهم وأنه سيُخْرِبَ قلاعَهم ويطلب من الخليفة المعونة في ذلك"(16). فانطلَت الحيلة على الحشَّاشين في أَلَمُوت، "فما وَجَدَ (جلالُ الدين حسن) مَخْلَصاً إلا التظاهر بالإسلام وإقامة شعاره، وسيَّروا إلى بغداد رسولاً معه مائتا شابٍّ منهم ودنانير كبارً في منجوق وعليه لا إله إلا الله محمد رســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الله،
_______________________________________
(15) عبد اللطيف البغدادي/ من تاريخ عبد اللطيف البغدادي ورحلته/ ص77 (وردت الشذرات ضمن الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية، ج14.
(16) المرجع السابق/ ص77.
_______________________________________
وطافوا بها في بغداد وجميع مَنْ حولها يُعلن بالشهادتين"(17). وهكذا، أَظْهَرَ الحشَّاشون في أَلَمُوت عام 608ه/ 1211م "الإنتقالَ من فعل المحرَّمات واستحلالها، وأَمَرَ (جلالُ الدين حسن) بإقامة الصلوات وشرائع الإسلام ببلادهم من خراسان والشام، وأرسل مقدّمُهم رسلاً إلى الخليفة (العباسي الناصر لدين الله) وغيره من ملوك الإسلام يخبرهم بذلك، وأرسل والدتَه إلى الحج، فأُكرمت ببغداد إكراماً عظيماً، وكذلك بطريق مكة"(18).
وسرعان ما تحوَّل حشَّاشو قلعة أَلَمُوت إلى مرتزِقةٍ بيد الخليفة العباسي الناصر لدين الله (راجع فصل "الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب").
_______________________________________
(17) عبد اللطيف البغدادي/ من تاريخ عبد اللطيف البغدادي ورحلته/ ص77.
(18) إبن الأثير/ الكامل في التاريخ/ ج10، ص375.
_______________________________________
الفصل التالي:
الفصل السابق:









 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق