2017/03/23

كتاب "حزب الله والحشَّاشون"/ الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (6): الحشاشون يغتالون آقْسُنْقُر البُرْسُقي بطلبٍ من الوزير الدركزيني.



أولاً، أنَّ قَتَلَة البُرْسُقي كانوا من الباطنية الحشَّاشين، فابن الجوزي يورد في "المنتظَم": "قَتَلَهُ الباطنية في مقصورة الجامع".. وابن القلانسي يذكر في "الذيل" أنه قُتِلَ "بيد الباطنية".. وابن الأثير يقول في "الكامل": "قَتَلَتْهُ الباطنيَّةُ يومَ جُمُعَةٍ بالجامع".. وابن كثير يورد في "البداية والنهاية": قتلته الباطنية، وهم الفداوية"...
ثانياً، أنَّ هؤلاء الحشَّاشين قد أتوا من حلب وأعمالها، والدليل على ذلك ما نقله ابن العديم عن تاريخ أبي الفوارس حمدان من أنَّ الحشَّاشين الذين اغتالوا البُرْسُقي تمَّ قتلهم "ولم يفلت منهم سوى شابٌّ كان من كفر ناصح، ضيعةٍ من عمل عَزَاز من شماليّ حلب".


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا

(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الثاني

الفصل الثالث

الحشَّاشون مرتزِقة غِبَّ الطلب (6)


الحشاشون يغتالون آقْسُنْقُر البُرْسُقي
بطلبٍ من الوزير الدركزيني



حسين احمد صبرا
عام 518ه/ 1124م "مَلَكَ آقسُنْقُر البُرْسُقي مدينةَ حلب وقلعتها، وسبب ذلك أن الفرنج (الصليبيين) لمّا ملكوا مدينة صور (في العام نفسه) طَمِعُوا وقَوِيَت نفوسهم وتيقَّنوا الإستيلاء على بلاد الشام، واستكثروا من الجموع (الحشود)، ثم وصل إليهم دُبَيْس بن صدقة صاحب الحلَّة فأَطْمَعَهُم طمعاً ثانياً لا سيما في حلب وقال لهم: إنَّ أهلها شيعةٌ وهم يميلون إليَّ لأجل المذهب فمتى رأوني سلَّموا البلدَ إليّ. وبَذَلَ لهم على مساعدته بذولاً كثيراً وقال (دُبَيْسٌ): إنني أكون ههنا (في حلب) نائباً عنكم ومطيعاً لكم. فساروا (الصليبيون) معه (مع دُبَيْس) إليها وحَصَرُوها وقاتلوا قتالاً شديداً ووطَّنوا (هيَّأوا) نفوسَهم على المقام الطويل وأنهم لا يفارقونها حتى يملكوها، وبَنُوا البيوتَ لأجل البرد والحر. فلما رأى أهلُها (أهلُ حلب) ذلك ضَعُفَت نفوسُهم وخافوا الهلاك وظَهَرَ لهم من صاحبهم (حاكم حلب) تمرتاش الوهنُ والعجزُ وقلَّت الأقواتُ عندهم، فلما رأوا ما دفعوا إليه من هذه الأسباب أعملوا الرأيَ في طريقٍ يتخلصون به فرأوا أنه ليس لهم غير البُرْسُقي صاحب الموصل، فأرسلوا إليه يستنجدونه ويسألونه المجيء ليسلموا البلد إليه، فجَمَعَ (البُرْسُقيُّ) عساكره وقصدهم وأرسل إلى مَنْ بالبلد (بحلب) وهو في الطريق يقول: إنني لا أقدر على الوصول إليكم والفرنج يقاتلونكم إلا إذا سلَّمتم القلعة إلى نوَّابي وصار أصحابي فيها لأنني لا أدري ما يقدِّره اللهُ تعالى إذا أنا لَقِيْتُ الفرنجَ، فإن انهزمنا منهم وليست حلب بيد أصحابي حتى أحتمي أنا وعسكري بها لم يبقَ منا أحدٌ وحينئذٍ تؤخَذ حلب وغيرها. فأجابوه إلى ذلك وسلَّموا القلعة إلى نُوَّابه، فلما استقروا فيها واستولوا عليها سار (البُرْسُقِيُّ) في العساكر التي معه فلما أشرف عليها رَحَلَ الفرنجُ عنها وهو يراهم (...) فلمَّا رَحَلَ الفرنجُ خَرَجَ أهلُ حلب ولقوه (لقوا البُرْسُقي) وفرحوا به وأقام عندهم حتى أصلح الأمور وقرَّرها"(1).
_____________________________________
(1) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص229 – 230.
_____________________________________
وفي عام 520ه/ 1126م "سلَّم (آقْسُنْقُرُ البُرْسُقِيُّ) حلبَ وتدبيرَها إلى ولده الأمير عز الدين مسعود، فدخل (مسعودٌ) حلبَ، وأَجْمَلَ السِيَرَ وتحلَّى بفعل الخير، وسار أبوه (البُرْسُقي) إلى الموصل والجزيرتين، وما هو جارٍ في مملكته حتى دخل شهرُ ذي القعدة من السنة، فلما كان يومُ الجمعة تاسعَ الشهر قَصَدَ (البُرْسُقِيُّ) الجامعَ بالموصل ليصلّي جماعةً، ويَسْمَعَ الخاطبَ كما جرت عادته في أكثر الجُمَع، فدخل الجامعَ وقصد المنبر، فلما قَرُبَ منه وَثَبَ عليه ثمانية نَفَرٍ (8 أشخاص) في زي الزُهَّاد فاخترطوا خناجرَهم (أي أخرجوها من أغمادها) وقصدوه، وسبقوا الحَفَظَةَ (أي حُرَّاسَهُ) الذين حولَه فضربوه حتى أثخنوه، وجرحوا قوماً من حَفَظَته، وقَتَلَ الحَفَظَةُ منهم قوماً، وقبضوا قوماً، وحُمِلَ البُرْسُقِيُّ بآخر رمقه إلى بيته، وهرب كلُّ مَنْ في الجامع، وبَطُلَت صلاة الجمعة، ومات الرجلُ (أي البُرْسُقي) من يومه وقَتَلَ أصحابُه مَنْ بقي في أيديهم من الباطنية، ولم يفلت منهم سوى شابٌّ كان من كفر ناصح، ضيعةٍ من عمل عَزَاز من شماليّ حلب"(2).
____________________________________
(2) إبن العديم/ بغية الطلب في تاريخ حلب/ ج4، ص1969 – 1970.. وهنا ينقل ابنُ العديم هذا الكلام من تاريخ أبي الفوارس حمدان، وهو كتابٌ مفقود.
____________________________________
هنا لا بد لنا من الإضاءة على بعض الأمور:
أولاً، أنَّ قَتَلَة البُرْسُقي كانوا من الباطنية الحشَّاشين، فابن الجوزي يورد في "المنتظَم": "قَتَلَهُ الباطنية في مقصورة الجامع"(3).. وابن القلانسي يذكر في "الذيل" أنه قُتِلَ "بيد الباطنية"(4).. وابن الأثير يقول في "الكامل": "قَتَلَتْهُ الباطنيَّةُ يومَ جُمُعَةٍ بالجامع"(5).. وابن كثير يورد في "البداية والنهاية": قتلته الباطنية، وهم الفداوية"(6) (7)...
_____________________________________
(3) إبن الجوزي/ المنتظَم/ ج17، ص230.
(4) إبن القلانسي/ الذيل/ ص214.
(5) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص236.
(6) إبن كثير/ البداية والنهاية/ ج14، ص59 – 60).
(7) ذكر ابنُ الجوزي ونقل عنه ابن كثير أنَّ آقْسُنْقُر البُرْسُقي قتل عام 519ه/ 1125م، بينما ذكر ابن القلانسي وابن الأثير وابن العديم أنه قُتل عام 520ه/ 1126م، مع الإشارة إلى أنَّ ابن العديم ذكر ما ذكره عن اغتيال البُرْسُقي نقلاً عما قرأه في الكتاب المفقود لأبي الفوارس حمدان ، الذي كان معاصراً لتلك الفترة (ولد عام 460ه/ 1067م، وتوفي عام 542ه/ 1147م).
______________________________________
ثانياً، أنَّ هؤلاء الحشَّاشين قد أتوا من حلب وأعمالها، والدليل على ذلك ما نقله ابن العديم عن تاريخ أبي الفوارس حمدان من أنَّ الحشَّاشين الذين اغتالوا البُرْسُقي تمَّ قتلهم "ولم يفلت منهم سوى شابٌّ كان من كفر ناصح، ضيعةٍ من عمل عَزَاز من شماليّ حلب"(8). ولمزيدٍ من التأكيد على أنَّ قتلة البُرْسُقي كانوا من حشَّاشي حلب وأعمالها نورد ما نقله ابن العديم عن أبي الفوارس حمدان: "قال حمدان  فيما نَقَلْتُهُ من خطِّه: وحَدَّثَني رجلٌ منها (أي من ضيعة كفر ناصح من أعمال عَزَاز شماليّ حلب) أنه كان له والدةٌ عجوز لمَّا سَمِعَتْ بفتكة البُرْسُقي (أي باغتياله من قبل الحشّاشين)، وكانت تعرف أنَّ ولدَها (الحشّاشي) من جملة مَنْ نُدِبَ لقتله، فَرِحَتْ واكْتَحَلَتْ، وجلست مسرورةً كأنه عندها يومُ عيد. وبعد أيامٍ وَصَلَها (إبنُها) سالماً، فأَحْزَنَها ذلك، وقامت بجَزِّ شَعْرِها وسَوَّدَتْ وَجْهَهَا"(9).
_____________________________________
(8) إبن العديم/ بغية الطلب في تاريخ حلب/ ج4، ص1970.
(9) المرجع السابق/ ج4، ص1970.
_____________________________________
ثالثاً، وعقب اغتيال الحشاشين للبُرْسُقي فإنه جرى البحث عن أحوالهم والإستقصاء عن أخبارهم، "فقيل: إنهم كانوا يجلسون إلى إسكافٍ بدرب إيليا (في الموصل)، فأُحضر (الإسكافي) ووُعد الإحسانَ إنْ أقرَّ، فلم يُقِرّ، فهُدِّدَ بالقتل، فقال: إنهم وردوا من سنين لقتله فلم يتمكَّنوا منه إلى الآن"(10). وهذا ما يرجِّح فَرَضِيَّتَنا حول أنَّ الحشَّاشين هم مَنْ كانوا يريدون اغتيال البُرْسُقي عام 516ه/ 1122م حين أرسلهم دُبَيْس بن صدقة وتمَّ اكتشاف أمرهم.
_____________________________________
(10) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص237.
_____________________________________
الآن نصل إلى البحث عن الجهة المحرِّضة التي طلبت من الحشَّاشين اغتيال البُرْسُقي عام 520ه/ 1126م، وهنا نجد أنَّ المؤرِّخ عماد الدين الأصفهاني يوجِّه أصابع الإتهام مباشرةً في كتابه "تاريخ دولة آل سلجوق" إلى وزير حاكم خراسان السلطان السلجوقي سَنْجَر بن ملكشاه، الوزير الدركزيني، وكان وزيره في العراق وقد تسلَّم الوزارة عام 518ه/ 1124م، و"فَتَكَ وهَتَكَ واستباحَ الدماءَ وسَفَكَ، وشَرَّعَ الُمنْكَرات وأَنْكَرَ المشروعات، وعادى الكِرامَ وبدَّد النظام، وظاهَرَ (عاوَنَ) الباطنيةَ (الحشَّاشين) وأَظْهَرَ السُنَّةَ الجاهلية، وشَرَعَ في الفتك بالأحرار والهَتْك للأستار"(11)، فمن جملة مَنْ فتك به الوزير الدركزيني عن طريق الحشَّاشين: البُرْسُقي، والقاضي الهروي، ومعين الدين مختص المُلك أبو نصر أحمد بن الفضل (الذي كان وزيراً للسلطان السلجوقي سَنْجَر بن ملكشاه)، والقاضي العزيز وغيرهم... "وما زال (الوزير) الدركزيني يتتبَّع الأكابر، فمنهم مَنْ يقتله جهاراً بإذنٍ من السلطان (سَنْجَر بن ملكشاه)، ومنهم مَنْ يقتله غيلةً بمن يتَّخذه من أولئك الأعوان (الباطنيين الحشَّاشين)"(12). أما عن سبب ميل الباطنية إلى
_____________________________________
(11) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص131.
(12) المرجع السابق/ ص133.
_____________________________________
الدركزيني فيورد عمادُ الدين الأصفهاني أنه كان عند السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه أميرٌ اسمه شيركير "كان مشتغلاً بحصار قلعة أَلَمُوت (حيث يتحصَّن زعيمُ الحشَّاشين الحسن بن الصبَّاح) وقد قاربَ فتحَها، وشارفت الآمال في أَخْذِهَا نَجْحِهَا (بمعنى شارفت القلعة على السقوط). فلما توفي السلطان محمد (عام 511ه/ 1117م) وتولى إبنُه محمود وتمكَّن الدركزيني من الدولة، أعملَ (الدركزيني) الحيلةَ في استدعاء شيركير ونفَّسَ عن القلعة (فكَّ الحصار عنها)، ثم لم يزل (الدركزيني) يدقِّق الإحتيال حتى جعل لشيركير عند السلطان (محمود) ذنوباً اختلقها ومساوىءَ لفَّقها، حتى اعتَقل (محمودٌ) ذلك الأمير (شيركير) مع ولده شرف الدولة، ولم يزل (الدركزيني) يطلب غِرَّةَ السلطان في أمرهما (أي ينتهز قلَّة خبرته في شؤون الحكم) حالتَي سُكره وصحوه حتى أَخَذَ (الدركزينيُّ) رخصةً (من السلطان محمود) في سفك دمهما (أي دم شيركير وابنه) الحرام، وأَذْهَبَ بقتلهما قوة الإسلام، واتخذ بذلك عند ذوي الإلحاد (أي ملاحدة أَلَمُوت الحشَّاشين) يداً، واستكثَرَ له من أعوانهم (يقصد الباطنيين الملاحدة الحشَّاشين) مدداً"(13).
_____________________________________
(13) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص133.
_____________________________________
ثم يدخل عماد الدين الأصفهاني في صلب الموضوع، فيورد التالي:"وكان حينئذٍ بالموصل آقُ سُنْقُر البرسقيّ، الغازي المجاهد التقيّ النقيّ، فدَخَلَ في وِزْرِ ذلك السعيدِ (آقسُنْقُر البُرْسُقي) الوزيرُ الشقيّ (أي الدركزيني)، فإنه كان (أي البُرْسُقيُّ) قد قَمَعَ أهلَ الإلحاد (أي الإسماعيليين الحشَّاشين)، وغَمَّهُ أمرُ هذا الوزير (الدركزيني) الذي سدَّ باب السداد. وتوسَّل الوزيرُ (الدركزينيُّ) عند السلطان (محمود) في عزله فلم يقدر، وبالغ في كلِّ مكيدةٍ ولم يُقَصِّر. ولما أعياه أمرُهُ استدعى (الدركزينيُّ) إخوانَه من الباطنية (الحشَّاشين)، حتى جلسوا له (أي للبرسقي) في جامع الموصل بزيّ الصوفية وقفزوا عليه وضربوه بالسكاكين، فجَلَّ به مصابُ المسلمين، وذلك في ذي القعدة سنة 520 (ه/ 1126م)"(14).
_____________________________________
(14) عماد الدين الأصفهاني/ تاريخ دولة آل سلجوق (تلخيص البنداري)/ ص132.
_____________________________________
وبالإضافة إلى ذلك لا بد لنا من الأخذ بعين الإعتبار أنَّ صراعاً عنيفاً كانت تدور رحاه في تلك السنة بين السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه والخليفة العباسي المسترشد بالله، كان البرسقي خلالها إلى جانب الخليفة وواحداً من أذرعته العسكرية الهامة. وقد بدأت الأزمة بالتصاعد في شهر رجب من تلك السنة (أي قبل اغتيال البُرْسُقي – في ذي القعدة – بأربعة أشهر) حين هدَّد المسترشد شُحْنَةَ بغداد (قائدَ العسكر فيها) ويُدعى برنقش الزكوي، فذهب الزكوي إلى السلطان محمود "وشكا إليه وحذَّرَهُ جانبَ الخليفة، وأَعْلَمَهُ أنه (أي المسترشد بالله) قد قاد العساكر ولَقِيَ الحروبَ وقَوِيَتْ نفسُهُ، ومتى لم تُعاجِلْهُ بقَصْدِ العراق ودخول بغداد ازداد قوَّةً وجَمْعاً ومَنَعَكَ عنه، وحينئذٍ يتعذَّر عليك ما هو الآن بيده، فتوجَّه السلطان نحو العراق"(15) وحدثت أحداثٌ حاول السلطان السلجوقي محمود تهديد الخليفة العباسي وإذلاله وإفهامه بألَّا يخرج عن طوعه.. في تلك الظروف المعقَّدة تمَّ اغتيال آقسُنْقُر البُرْسُقي عن طريق الحشَّاشين، حيث أنه من الأذرع العسكرية للخليفة المسترشد بالله، ليشكِّل اغتياله ضربةً موجعة للخليفة العباسي وانتصاراً للسلطان محمود ووزير السلطان سَنْجَر، الدركزيني.
_____________________________________
(15) إبن الأثير/ الكامل/ ج9، ص237.
_____________________________________
الحديث التالي:
الحديث السابق:









 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق