2017/02/02

كتاب "تصريحات ومقالات غاري كاسباروف ضد بوتين" (24)/ كاسباروف في مقابلة مع موقع "بيلينج كات": أموال بوتين هي التي أنقذت دونالد ترامب من الإفلاس!



     ·     غاري كاسباروف: إنسحاب أوباما بعيداً عن سورية عام 2013، عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية، كان إشارةً واضحة إلى بوتين بأنَّ شيئاً لن يحصل بغض النظر عما قد يفعله بوتين من جانبه.



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً




كتاب
تصريحات ومقالات غاري كاسباروف ضد بوتين
تأليف: حسين احمد صبرا
(2015 – 2017)
(قمنا بتعريب تصريحات ومقالات كاسباروف عن الإنجليزية وصغناها بأسلوب صحافي)



الإهداء:
إلى غاري كاسباروف ومنه إلى سورية الحبيبة


تصريحات ومقالات غاري كاسباروف ضد بوتين (24)

غاري كاسباروف في مقابلة مع موقع "بيلينج كات":
أموال بوتين هي التي أنقذت
دونالد ترامب من الإفلاس!



·   غاري كاسباروف: إنسحاب أوباما بعيداً عن سورية عام 2013، عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية، كان إشارةً واضحة إلى بوتين بأنَّ شيئاً لن يحصل بغض النظر عما قد يفعله بوتين من جانبه.



حسين احمد صبرا
أعرب الزعيم الروسي المعارض ولاعب الشطرنج العالمي غاري كاسباروف عن أنَّ بوتين يرحِّب بأي شيءٍ يساعد على تقسيم أوروبا، وأنه يتطلَّع إلى تطوير الفوضوية الشديدة في الولايات المتحدة الأميركية.. واستغرب كاسباروف كيف أنَّ دونالد ترامب معروفٌ عنه أنه غير ثابت على مبدأ، إلا أنه ثابت للغاية عندما يتعلَّق الأمر بروسيا، وأنَّ علاقة ترامب بالأقلية الروسية الحاكمة هي أعمق بكثير مما يمكن أن نتخيله.. وألمح كاسباروف إلى أنَّ بوتين ضخَّ الأموال إلى شركات ترامب لإنقاذه من الإفلاس، وإلا فما معنى أن يرفض ترامب توجيه أي انتقادٍ لبوتين حتى الآن..
جاء ذلك في مقابلةٍ صحافية أجراها مع كاسباروف موقع التحقيقات الصحافية الإلكتروني البريطاني "بيلينج كات" في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، وقد قمنا بتعريب هذه المقابلة نقلاً عن الإنجليزية لنقدِّمها للقارىء العربي لأول مرة.
عن إعراب روسيا عن رغباتها في إرسال مراقبين للإشراف على الإنتخابات الأميركية، وادعاء منظمة (NGO ROIIP) الروسية غير الحكومية بأنها ستقوم بتنفيذ الرصد عن بعد، يجيب غاري كاسباروف:
"دعنا نتَّفق على دلالات الألفاظ، لأنك ما زلت تقول "مراقبة"، ولكن بالطبع فإنَّ كل هذه الوفود والبعثات التي أرسلتها روسيا هي كلُّها مسيطرٌ عليها من قبل الدولة وهي جميعها تعمل فقط لتعزيز جدول أعمال الكرملين، حتى لو كانت تحمل عنوان "المنظمات غير الحكومية"، إلا أنها تخدم خططهم لإضعاف إرادة العالم الحر".
وعن المراقبين الروس الذين شاركوا في الإستفتاء حول "بريكسيت" في إسكوتلندا، يقول كاسباروف: "ما لاحظتَهُ في إسكتلندا يمكن أيضاً أن تراه من خلال متابعة الدعاية الروسية، التي كانت تقارن استقلال إسكتلندا وتقريباً حِدادها في صبيحة اليوم التالي عندما فشل الإستفتاء. وتستطيع أن ترى الشيء نفسه في روسيا بشأن الإستفتاء في هولندا حول الشراكة مع أوكرانيا. إنه لمن المدهش للغاية حقاً أنَّ هولندا أجرت استفتاءً على قضيةٍ لم يكن لها تأثير حقيقي على المواطنين الهولنديين، ومرةً أخرى ظلَّ الأمرُ يُعتبر من قبل آلة الدعاية التابعة لبوتين على أنه انتصارٌ للقوى القومية، مما ساعد بوتين مرةً أخرى على تحقيق أجندته السياسية. ومع البريكسيت القصةُ هي نفسها. ولذلك لا يمكنهم إخفاء فرحتهم على نتائج البريكسيت، وإنه ليس من المستغرب أن روسيا تدعم علناً قوىً مثل الجبهة الوطنية (الفرنسية)، التي تدعو علناً إلى استفتاءٍ حول عضوية فرنسا في الإتحاد الأوروبي".
يضيف كاسباروف: "إنَّ أيَّ شيء يساعد بوتين على تقسيم أوروبا وجعلها أكثر عرضةً لعدوانه هو أمرٌ مرحَّبٌ به. وعلينا أن لا ننسى أنَّ بوتين ليس دكتاتوراً عسكرياً، لكنه رجل الـ"كي. جي. بي"، ولهذا السبب فإنَّ العمليات السرية هي الأفضل له دائماً من هجومٍ عسكري، على الرغم من أنه ممكن أن يستخدم الأخير أيضاً، كما ترون. لكنه يبدأ دائماً بالعمليات السرية التقليدية. الآن لديه موارد ضخمة وربما شبكة من جماعات الضغط والعملاء منذ الكومنترن، وإنه لا يخجل من استخدام هذه الأدوات".
يتابع كاسباروف: "الآن بالطبع، الولايات المتحدة الأميركية تقدِّم أكبر جائزة يمكن أن يحلم بها عقيد الـ"كي. جي. بي" (أي بوتين) أكثر من أي وقتٍ مضى. وأنا لا أعرف ما إذا كانوا سيرسلون وفداً إلى الولايات المتحدة، لأنها في النهاية كبيرة جداً، إنها ليست هولندا، ووفدٌ واحدٌ أو اثنان لن يكونا قادرَين على القيام بأي عملٍ حقيقي، أو أن يتسبَّبا بأي ضررٍ محتمَل للعملية. وأنا أفهم أنهم قد يبقون بعيداً رسمياً، بينما سيقوم القراصنة الروس بتنفيذ هذه المهمة. ومن وجهة نظري يمكننا أن نرى الكثير من الأدلة الكافية حول محاولتهم للوصول إلى نظامٍ يُحْدِث الخراب والفوضى، وذلك من خلال تشويه البيانات في قواعد بيانات تسجيل الناخبين".
ثم يقول كاسباروف: "ليس لدي أدنى شك في أنَّ بوتين يتطلَّع إلى تطوير الفوضوية الشديدة في الولايات المتحدة الأميركية، ويفضِّل أن تكون اضطرابات مدنية، والتي يمكن أن تغذيها تصريحات ترامب حول الإنتخابات المزوَّرة. وللأسف فإنَّ النظام الإنتخابي الأميركي وقواعد البيانات الفعلية والتي تُدار من قبل الولايات، وفي بعض الحالات من قبل البلديات، هي على حد علمي غير حصينة إلى حدٍّ كبير ويمكن أن تكون نوعاً من الأهداف السهلة للقراصنة المهنيين العاملين لدى بوتين".
وعن كيفية تحقيق ذلك، يتابع كاسباروف قائلاً: "السيناريو بسيط جداً، إذ لديك عددٌ قليل من الولايات المتأرجحة والتي يمكن أن تقرر النتائج وفقاً لهامشٍ صغيرٍ بالفعل. ولكم أن تتخيلوا لو أنَّ الناخبين في ولاية مثل أوهايو أو فرجينيا أو فلوريدا أو نيفادا لم يجدوا بالصدفة أسماءهم عند حضورهم إلى مراكز الإقتراع. لذا فإنَّ كل ما عليك القيام به هو أن تمحي عشوائياً الديمقراطيين والجمهوريين (مَنْ يهتم!)، وأن تكون متأكداً أساساً من أنَّ هناك عشرات الآلاف غير قادرين على التصويت لأنَّ أسماءهم تمَّ مَحْوُها في ظروفٍ غامضة. فإذا ما كنت تستطيع أن تستمع إلى كل هذه الشكاوى من الولايات حيث ساحة المعركة، حينها فإنه يمكن الطعن في نتائج الإنتخابات بسهولة، مما سوف يعطي ترامب فرصة فريدة للطعن في العملية برمَّتها، هذا لو افترضتُ أن هيلاري هي المتجهة نحو الفوز".
يضيف كاسباروف: "من الواضح أنَّ المسؤولين الأميركيين يقومون ببعض أنواع العمل، ولكن من معرفتي بالنظام الإنتخابي وبتوفير الحماية المطلوبة بشكلٍ كافٍ فإنني لا أعتقد أنهم سوف يكونون قادرين على الدفاع عن قواعد البيانات في حال كان الكرملين يريد جدياً مهاجمتها".
وحول الأسباب التي تدفع بروسيا إلى الكذب بأن أعلنت عن أنه قد تمَّ رفض السماح لها بمراقبة الإنتخابات الأميركية، في وقتٍ عرضت الولايات المتحدة على روسيا أن تكون جزءاً من وفد منظمة الأمن والتعاون لمراقبة الإنتخابات، يجيب كاسباروف:
"إنه جزءٌ من القصة نفسها. بالطبع، بوتين يريد ترامبَ في المكتب البيضاوي، ولكن أعتقد أنه يدرك أنَّ هذا الأمر قد لا يكون قابلاً للتنفيذ على الأرجح. لكن ثاني  أفضل سيناريو، والذي يمكن للبعض أن يعتبره السيناريو المثالي، هو الفوضى العارمة كنتيجة لإنتخابات يجري الطعن بها. وهذا هو جزءٌ من قواعد اللعبة ذاتها: النظام الأميركي قد زُوِّر، لم يتم السماح لمراقبينا، ترامب يشكو، الناخبون لا يمكنهم العثور على أسمائهم... وهكذا فإنَّ كل شيءٍ يدور حول تدمير وحدة النظام السياسي (الأميركي)، والذي يخدم بطريقةٍ أو بأخرى بوتين وغيره من الدكتاتوريين، الذين لا يقومون بانتخاباتٍ نزيهة في بلدانهم".
يتابع كاسباروف: "في الأساس، إنَّ خط الدفاع عند بوتين ومَنْ شابهه من الطغاة الآخرين، هو أن يقولوا التالي: "أُنظروا، لا أحدَ كاملٌ. نعم لدينا مشاكل في بلداننا، ولكن أُنظروا إلى الولايات المتحدة. إنَّ دونالد ترامب حُرِمَ من الفوز لأنَّ...". وبعد ذلك سيُعَوِّلون على أنه لم يتم السماح للمراقبين، بالإضافة إلى قائمة طويلة من المظالم الأخرى".
وعن رأيه في نفي بوتين مؤخراً أن يكون قد أثَّر على الإنتخابات الأميركية حينما قال: "هل أنَّ أميركا هي نوعٌ من جمهوريات الموز؟ أميركا قوة عظمى. أذا ما كنتُ مخطئاً فصحِّحوا لي".. يعلِّق كاسباروف:
"لا تنسَ أنَّ انتقام بوتين النفسي من أوباما، بطريقةٍ ما، قد يكون – برأيي – عبر تصريحاتٍ غبية. لقد سمَّى روسيا بأنها "قوة إقليمية"، وبالتالي فعندما تتعامل مع الحكام المستبدين، فإنك إذا ما قلت شيئاً من هذا القبيل، والذي يحط من القيمة، فيجب عليك أن تدعمه بتصرفاتك. وقد قال أوباما الكثير ولكن لم يفعل شيئاً، لذا هو هدفٌ مثالي لبوتين. وفي مقابلةٍ مع [الإعلامية البريطانية من أصل إيراني] كريستيان أمانبور قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: "إنه إغراءٌ، بطبيعة الحال، أن نحصل على هذا النوع من الإهتمام كقوةٍ إقليمية". وبالمناسبة، لا لافروف ولا بوتين ينفيان التدخل الروسي. وما قالوه أساساً هو: "بَرْهِنْ ذلك" (ولافروف يعرف اللغة الإنجليزية بما فيه الكفاية لفهم الفرق). ثم أنَّ بوتين يستخدم هذه الصورة التي تعلمونها، أي جمهورية الموز مقابل بلدٍ عظيم، قائلاً: "إِحْمِ بلدَكَ إنْ كنتَ تستطيع، وإنْ لم تَحْمِها فلن تكون قوةً عظمى". وهذا أيضاً يخدم أجندته السياسية مرةً أخرى، لأنه يدل على أنَّ الولايات المتحدة ضعيفة".
يتابع كاسباروف: "إنَّ تحدي الولايات المتحدة وتحدي أوباما لفترةٍ طويلة كان بالنسبة لبوتين ورقة ترامب الرئيسة، لأنَّ الدكتاتور، الذي لم يعد بإمكانه أن يُرضي الناس بالزيادة المضطردة في تحسين مستويات المعيشة، يجب أن يعتمد على الدعاية التي تصوِّره باعتباره الرجل الوحيد والفارس الأبيض الذي يحمي الأم روسيا من الشر العالمي. كما أنَّ تحديه لأميركا يعطيه قوةً إضافية. إنه بطبيعة الحال أمرٌ فاعل إلى حدٍّ ما، ولكن هو في الوقت الحاضر أمرٌ جيد، لأنَّ بوتين قوي لدرجة أنه يمكن أن يتحدى أميركا، وأميركا في موقفٍ دفاعي، حتى أنها لا تستطيع حماية نظامها الإنتخابي. ولا أحد من المواطنين سيتحدى دكتاتوراً متغطرساً جداً وعدوانياً جداً بحيث أنه (أي هذا الدكتاتور) يتحدى الولايات المتحدة، ليس فقط في أوكرانيا وفي سورية، بل وعلى الأراضي الأميركية أيضاً، ويَنْعَم بالإفلات من العقاب".
وعن كيفية الرد الأميركي على انتقادات روسيا بأنه يُحَظَّر على المراقبين الأجانب التواجد في مراكز الإقتراع في 13 ولاية أميركية، يقول كاسباروف:
"الولايات المتحدة لديها مثل هكذا نظامٍ شفاف كما أن هناك وسائل إعلام كثيرة، يحيث يمكن ملاحقة الإنتهاكات من الجانبين. لذا لا أعتقد أنَّ المراقبين الأجانب، وخاصة من دول مثل روسيا، يمكن أن يفعلوا أي شيء جيد في الإنتخابات الأميركية. ولكن مرةً أخرى إنه جزءٌ من الخطة، فالولايات المتحدة عند النظر في المتطلبات القانونية فإنها في كثيرٍ من الأحيان تعتمد على قوانين الدولة أو القوانين الإتحادية. ونحن نعلم أنَّ الإنتخابات في أميركا تُدار من قبل قوانين الدولة، منذ أن أصبحت هيئة ناخبة [نظام]. والشكوى من القوانين المختلفة في الدول المختلفة هو مجرَّد سخافة، لأنَّ بعض هذه الدول لديها عقوبة الإعدام والبعضُ لا. والبعض منهم لديه إجراءات صارمة بالفعل في ما يتعلَّق بمقاييس السيطرة على السلاح، ومعظمهم لا".
يضيف كاسباروف: "تلك هي الطريقة التي يعمل بها نظام الإنتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما زال يعمل بشكلٍ جيد. ولكن مرةً أخرى، الأمر لا يهم، لأنك إن كانت لديك خطة لتشويه العملية الإنتخابية في الولايات المتحدة فإنك ستبحث عن كل فرصة، ومما يُؤسَف له أنَّ تنوُّع هذه القوانين من دولةٍ إلى أخرى يوفر فرصة لتقديم صورة من الشك والغموض وانعدام الشفافية، وببساطة إختيار دولة واحدة ممكن أن تكون لها قوانين صارمة جداً على المراقبين الأجانب، لتقول أساساً: "تلك هي الطريقة التي تعمل بها البلاد كلها".
   
علاقة ترامب ببوتين

وعن رأيه بالعلاقة التي تربط ترامب ببوتين، وخاصةً بعد بعض التعليقات الصادرة عن ترامب حول أنَّ الإنتخابات كانت مزوَّرة، وتشابه هذه التعليقات مع ما أدلى به الكرملين، يقول كاسباروف:
"نعم، أنت على حق في قولك إنها في بعض الأحيان تُشْبِه (وهي كذلك) معظم التصريحات حول أنَّ الإنتخابات مزوَّرة وأنَّ أميركا تواجه خياراً صعباً وأنه بانتخاب هيلاري كلينتون سوف تبدأ الحرب العالمية الثالثة. هذا النوع من التصريحات يأتي مباشرةً من آلة الدعاية التابعة للكرملين".
يتابع كاسباروف: "أما بالنسبة إلى العلاقات (بين ترامب وبوتين) فأنا لا أعرف، فترامب غير معروف بالثبات على مبدأ. ففي معظم القضايا التي يتطرَّق إليها تراه يتخبَّط ويغيِّر موقفه حتى خلال الخطاب الواحد، وأحياناً حتى في جملةٍ واحدة. إنه ليس استثنائياً. ولكنَّ الغريب أنه ثابتٌ للغاية في إشادته ببوتين، فهو لا يتخبَّط عندما يتعلَّق الأمر بروسيا، بل حتى أنه وبَّخ رفاقه في الإدارة. فعندما قال مايك بنس إنَّ على أميركا أن تتَّخذ موقفاً قوياً ضد بوتين في سورية، كان ترامب مستعداً لأن يتجاوز رفاقه في الإدارة ولكنه لم يكن مستعداً لانتقاد بوتين".
يضيف كاسباروف: "إنَّ ترامب ليس خبيراً سياسياً داهيةً جداً، لكنه يدرك (وكان لديه الكثير من المستشارين ليقولوا له) أنَّ موقفه المؤيد لبوتين لا يساعده في جلب الأصوات. إنَّ لديَّ المفهوم التالي ألا وهو أنَّ ترامب هو عملي جداً، فالرجل لا يفعل شيئاً لا يخدمه. والحقيقة هي أنه ما يزال متمسك بموقفٍ لا يساعد. وبالمناسبة، فإنه أعطى كلينتون فرصةً فريدة لصرف الإنتباه عن مشاكل هيلاري الخاصة والمتصلة أيضاً بروسيا. إنَّ هذا يُعْلِمُني بأنَّ هناك شيئاً آخر ينبغي أن ننظر إليه، وأنَّ العلاقات ما بين ترامب والأقلية الحاكمة (الأوليجارشية في روسيا) ربما هي أعمق بكثيرٍ مما يمكن أن نفكِّر به".
ثم يأتي كاسباروف إلى جوهر القصيد، فيقول: "وهذا يقودنا إلى مسألةٍ ثانية وهي ضرائب ترامب. لقد كان تفكيري الأولي أنَّ السبب في أنَّ ترامب لم يُرِد الإفراج عن ضرائبه كان بسيطاً ومتَّصلاً بحقيقة أنه ليس غنياً كما كان يدَّعي، الأمر الذي كان من الممكن أن يعرِّض صورته كملياردير للخطر. بالطبع هو غنيٌّ جداً جداً، ولكن إذا حدث أن كانت ثروته الإجمالية فلنقل 300 مليون دولار وليس 9 مليار دولار، فإنَّ من شأن ذلك أن يؤذي صورته في عيون الناس الذين يعتبرونه على أنه قطب العقارات المهم والأكثر نجاحاً. ولكني الآن أظن أنَّ هناك شيئاً آخر أكثر شراً. فإذا ما نظرتم إلى سيرة دونالد ترامب ستجدون أشياء كثيرة نعرفها عنه: النساء والقمار والكازينوهات والإفلاس. وأنا هنا أتساءل: مَن الذي أنقذ ترامب خلال فترة إفلاسه إذا ما كان هناك قدرٌ كبير من الأموال الروسية؟ ذلك أننا نعرف أنه كانت هناك أموالٌ أجنبية تحدَّث ترامب نفسه عنها. لقد كان هناك الكثير من الأموال الأجنبية التي تدفَّقت إلى شركات ترامب. ما هي النسبة المئوية التي جاءت من روسيا من هذه الأموال؟ وأظن أننا إذا كان لنا أن نسأل هذا السؤال فلربما سوف نفهم الأسباب الحقيقية وراء رفض ترامب حتى لأقل انتقادٍ لبوتين".  

ماذا لو فازت هيلاري كلينتون؟

وعما كان ممكناً أن يحدث لو فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة، يقول كاسباروف مقدِّماً صورةً مخيفة:
"بالطبع، ذلك يعتمد إلى حدٍّ كبير على النتيجة، فكيف كانت نتائج الإنتخابات؟ ترامب كان سيعترض على الإنتخابات، وأعتقد أنه كان من غير المحتمل أن يعترف بنتائجها لو كانت النتائج قريبة. ولديك عددٌ كافٍ من الناس، وأنت هنا تتحدَّث عن عشرات الملايين من الناس في هذا البلد، لن يعترفوا بهيلاري رئيسةً للبلاد، وهذا ما سوف يُضْعِف أميركا. وبالتالي فإنَّ العزم الأميركي لمعارضة بوتين لن يكون كافياً".
يضيف كاسباروف:" إنَّ كلينتون، كرئيسة، ستكون مقيدة من قبل أعدائها الخاصين المحليين والذين سيهاجمونها من كل اتجاه. والآن وقد حصلنا على المزيد من القصص التي طرأت حول الرسائل الإلكترونية المسرَّبة، كما تعلمون، ويمكن والله أعلم أن تكون قيد التحقيق. وإذا ما حشد ترامب ما يكفي من الجمهوريين لعرقلة مبادرات هيلاري فإنَّ هذا يعني أنَّ أميركا كانت ستصاب بالشلل كلاعبٍ جيوسياسي. وهذا هو بالضبط ما يحتاج بوتين إليه، فنتيجة الإنتخابات كانت ستكون مثالية (بالنسبة إليه)، فأميركا ستكون في حالة اضطراب، ومرةً أخرى سيأمل بوتين بحدوث اضطراباتٍ مدنية، وأستطيع أن أرى سهولة الإشتباكات بين أنصار ترامب وأنصار هيلاري. إنَّ الأمر لا يستدعي منك أن تكون مؤلفاً لسيناريو يوم القيامة لتتخيَّل ما يمكن أن يحدث في العديد من الولايات في حال كانت النتائج قريبة جداً وتمَّ العبث بقواعد بيانات الناخبين من قبل قوى أجنبية معادية". 
ثم يقدِّم كاسباروف صورةً قاتمة جداً، قائلاً: "المشهد حينها أنَّ بوتين سيكون في وضعٍ يمكِّنُهُ من تسديد ضربةٍ أخرى، أو ضرباتٍ (حسب رغبته)، وفي ذلك الحين أستطيع مرةً أخرى أن أتخيَّل بصعوبةٍ أنَّ أميركا ستكون قوية بما يكفي فيما لو انجرَّت إلى هذه المعركة المحلية، وأنها ستمتلك ما يكفي من العزم والتصميم على الوفاء بواجباتها كقائدٍ لمنظمة حلف شمال الأطلسي".

بوتين سيملأ الفراغ الأميركي

وحول ما ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله حيال هذا الموضوع، يقول كاسباروف:
"للأسف أنَّ سياسة أوباما في التقشف أدَّت إلى توسُّع العراق، والذي هو درسٌ آخر لنا من دروس التاريخ ونأمل أن نتعلَّم منه، مع العلم أننا لم نتعلَّم من الدروس التي سبقته. فالفراغ الذي خلقته سياسة أوباما لا يعني أن تبقى الأمور على حالها، بل إنَّ هذا الفراغ وببساطة سيتم ملؤه من قبل اللاعبين الآخرين، وذلك كما حدث في منطقة الشرق الأوسط. فأوباما فشل في الرد على أعمال بوتين العدوانية. وقد اشتبهتُ بذلك بعد انسحاب أوباما بعيداً عن سورية في عام 2013 عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية، فكان ذلك إشارةً واضحة إلى بوتين بأنَّ شيئاً لن يحصل بغض النظر عما قد يفعله بوتين من جانبه. وكما قلت، فإنَّ الأمر عبارة عن بزنس كالمعتاد،  إذ يستمر أوباما بالكلام ويستطيع أن يقول ما يشاء، في وقتٍ يعرف بوتين أنَّ هذا ليس سوى مجرَّد كلام في كلام، ثم يفعل هو ما يعتقد أنه في مصلحته في هذه اللحظة بالذات". 
يتابع كاسباروف: "أعتقد أنه كان على أميركا أن تثأر، أو على الأقل أن تجعل الأمر واضحاً بحيث أنَّ لا يمر الهجوم الإلكتروني (الروسي) بدون عقاب. ولكنَّ المشكلة أننا سمعنا للتو تبجُّحاً من (نائب الرئيس الأميركي) جو بايدن، بيد أنه لم يكن مدعوماً بأي شيءٍ جوهري. ومرةً أخرى قد أكون مخطئاً، لا أعرف، بأنه كان بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً. ولكن حتى الآن نسمع دائماً علن قلق البيت الأبيض، فتراهم يقولون: "آه، إنَّ أفعالنا ممكن أن تكون مسماراً في الحرب الإلكترونية"، ولكن ها نحن في حرب الإنترنت، أعني أنهم (أي الروس) يهاجمون، وأنهم سيواصلون الهجوم طالما أن أميركا تحاول تجنُّب الإشتباك، ذلك أنهم ينظرون إلى حَذَر أميركا باعتباره علامة ضعف.

الدكتاتوريون لا يلعبون الشطرنج
وفق استراتيجية

وحول الجهود التي تبذلها روسيا منذ وقتٍ طويل في سبيل تقويض منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، وكيفية النظر إلى ما قامت به روسيا من تعليقاتٍ على الإنتخابات الأميركية بالمقارنة مع انتخاباتٍ أجنبية أخرى، يقول كاسباروف:
"بالمناسبة دعونا لا نضيِّع وقتنا في البحث عن التناقضات في تصريحاتهم، فلافروف وبوتين ممكن أن يقولا شيئاً اليوم ثم يمكنهما غداً أن يدحضاه بنفسيهما. فالكذب بالنسبة للدكتاتوريين هو شكل طبيعي من أشكال الإتصال، ولهذا السبب يحاول الساسة الغربيون التوفيق بين وجهات نظر بوتين المختلفة، فكل ما يقوله هو فقط لهذا اليوم، وغداً يمكن أن يكون مختلفاً، وفي الأمس قصة أخرى. من هنا فإنَّ بوتين ولافروف يمكنهما أن ينتقدا منظمة الأمن والتعاون ليومٍ واحد، وفي يومٍ آخر يمكنهما أن يطالبا بفرض قواعد المنظمة على بعض الدول الأميركية. فكلُّ شيءٍ حسب الوقت المناسب، وكلُّ شيءٍ وفق أهدافهما الحالية. لقد شبَّهتُ الأمر بالشطرنج، فالطغاة تكتيكيون للغاية، فيلعبون خطوةً واحدة دون أن يهمُّهم ماذا يحدث على المدى الطويل، إنهم لا يلعبون وفق استراتيجية".
ويختم كاسباروف بالقول: "كلُّ شيءٍ يتعلَّق بالبقاء على قيد الحياة اليوم أو ربما غداً صباحاً، وبعد ذلك سيكون يوماً آخر. وقد رأوا تماماً أنَّ هناك فرصة فريدة من نوعها لأنهم رصدوا العديد من نقاط الضعف في النظام السياسي الغربي. فبعد سنواتٍ من عدم تنقية النظام السياسي والنظام المالي والنظام الإقتصادي من خلال أشخاصٍ مثل شرودر وبيرلسكوني وساركوزي، وبالتالي قلَّلت من شأنك، فإنَّ بإمكان بوتين أن يحقِّق أهدافه من خلال لَعِبِ اللعبة السياسية التقليدية، من قبيل استخدام الإنتخابات كآلية لاستقدام الناس الداعمين لسلطته، وإن كان هذا غير مجدٍ فيصار إلى التأكد من أنَّ أولئك الذين يبقون في السلطة هم من الضعف بمكان بحيث أنهم لن يكونوا قادرين على التحرك".  

الحديث التالي:
الحديث السابق:








 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق