2017/01/09

أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون (9)/ بين تيمور الشيعي وبشار العلوي/ تيمور لنك أحرق دمشق التي كانت أحسن مدن الدنيا وأكثرها عمراناً



ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه بشار العلوي بتيمور الشيعي! لقد "هلك (في عام 803ه) بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشام في محنة تَمُرلنك، بالجوع والقتل والحريق، وفي الأسر، عشرات آلاف آلاف" (المقريزي، السلوك، ج6، ص69).. إنها عملية إبادة جماعية لبلاد الشام لم يشهد لها التاريخ مثيلاً إلا حالياً على يد بشار العلوي.




إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون
التتار نموذجاً
(دراسة تاريخية)
2015
تأليف: حسين احمد صبرا




أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون (9 من 15)
بين تيمور الشيعي وبشار العلوي
تيمور لنك أحرق دمشق
التي كانت أحسن مدن الدنيا وأكثرها عمراناً






حسين احمد صبرا
أسرع حاكم مصر المملوكي فرج بن برقوق عام 803ه/ 1400م إلى حشد الجيوش والمجيء إلى دمشق للدفاع عنها بعدما زحف إليها تيمور لنك.. بيد أنَّ فرج بن برقوق (الذي كان ما يزال طفلاً في الحادية عشرة من عمره وقد تسلَّم الحكم مؤخراً عقب وفاة أبيه برقوق بن أُنَّص، حاكم مصر القوي) ما لبث أن عاد أدراجه إلى مصر  بعدما وصلته أنباء عن نية بعض أمرائه في مصر الإنقلاب عليه.. وهكذا تُركت دمشق لمصيرها تواجه جيوش تيمور لنك الجرارة بمفردها..    
وهكذا، لم يكن أمام أهل دمشق سوى التصدي بمفردهم لتيمور لنك وبكل ما أوتوا من قوةٍ وعزمٍ وإيمان، فما كان من تيمور لنك إلا أن طلب الصلح مع أهل دمشق على سبيل الحيلة والمكر والخديعة، فأرسلوا إليه قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي، فقال له تيمور لنك: "هذه (أي دمشق) بلدة الأنبياء والصحابة، وقد أَعْتَقْتُها لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم صدقةً عنّي وعن أولادي، ولولا حَنَقي من سُودُون نائب دمشق عند قَتْلِهِ لرسولي ما أتيتُها، وقد صار سُودُون المذكور في قبضتي وفي أَسْري؛ وقد كان الغرض في مجيئي إلى هنا، ولم يبق لي الآن غرضٌ إلا العود، ولكن لا  بدَّ من أخذ عادتي من التقدمة من الطُقُزات". (الطُقُز باللغة التركية : تسعة.. وكان من عادة ملوك التتار إذا أخذوا مدينةً صلحاً أن يَخْرُجَ إليهم أهلها بتسعةٍ من كل نوعٍ من أنواع المأكول والمشروب والدوابّ والملابس والتحف) (إبن تغري بردي، النجوم الزاهرة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992، ج12، ص190 – 191).
طلب تيمور لنك من أهل دمشق بحمل ألف تومان إليه، وكان التومان عند أهل دمشق يعادل عشرة آلاف دينار من الذهب، فظنوا أنَّ المبلغ المطلوب هو عشرة آلاف ألف دينار (أي 10 مليون دينار)، فاستطاعوا جمع هذا المبلغ بغير مشقَّة لكثرة أموالهم وأتوا به إلى تيمور لنك، الذي غضب غضباً شديداً ولم يرضَ به، ذلك أنَّ التومان عند التيموريين يعادل عشرة آلاف ألف دينار، وبما أنَّ المبلغ المطلوب هو ألف تومان، يصبح المبلغ الذي طلبه تيمور لنك هو 10 مليار دينار.. ولم يكن أمام أهل دمشق من مهرب، فعادوا وجمعوا له الأموال مرةً ثانيةً.. يقول ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة": " فالتزموا بها وعادوا إلى البلد، وفَرَضُوها ثانياً على الناس كلّها عن أجرة أملاكهم ثلاثة أشهر وأَلزموا كلَّ إنسانٍ من ذكرٍ وأنثى، حرٍّ وعبدٍ، بعشرة دراهم، وأُلزم مباشِرَ كلَّ وقفٍ بحمل مالٍ له جِرْم (أي مال كثير)، فنزل بالناس باستخراج هذا منهم ثانياً بلاءٌ عظيم وعوقب كثيرٌ منهم بالضرب، فغَلَت الأسعار، وعَزَّ وجود الأقوات، وبلغ المُدُّ القمح – وهو أربعة أقداح – إلى أربعين درهماً فضة، وتعطَّلت صلاة الجمعة من دمشق" (النجوم الزاهرة، ج12، ص192).
الآن، جمع أهل دمشق مبلغاً إضافياً من المال وأتى به القاضي ابن مفلح الحنبلي إلى تيمور لنك، الذي ما أن رآه حتى قال: "هذا المال بحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف ألف دينار وقد بقي عليكم سبعة آلاف ألف دينار، وظهر لي أنكم عجزتم" (النجوم الزاهرة، ج12، ص193).
حينها أجرى تيمور لنك على أهل دمشق العذابَ يطالبهم بالمال.. ولكن قبلها علينا أن نقرأ كيف أفقر تيمور لنك أهلَ دمشق من المال والسلاح قبل أن يوقع بهم أصناف العذاب، إذ يقول ابن تغري بردي: "وكان تيمور لمَّا اتَّفق أولاً مع (القاضي) ابن مفلح على ألف ألف دينار يكون ذلك على أهل دمشق خاصةً، والذي تركَتْه العساكر المصرية من السلاح والأموال (في دمشق) يكون لتيمور، فخرج إليه ابنُ مفلح بأموال مصر جميعها، فلما صارت كلها إليه وعلم أنه استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذي فرّوا من دمشق، فسارعوا أيضاً إلى حمل ذلك كله، وتدافعوا عنده حتى خلص المال جميعه، فلمَّا كَمَلَ ذلك ألزمهم أن يخرِجوا إليه جميعَ ما في البلد من السلاح جليلها وحقيرها، فتتَّبعوا ذلك وأخرجوه له حتى لم يبقَ بها من السلاح شيء، فلمَّا فرغ ذلك كلُّه قَبَضَ (تيمور لنك) على ابن مفلح ورفقته، وألزمهم أن يكتبوا له جميعَ خُطَط دمشق وحاراتها وسِكَكها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرَّقه على أمرائه، وقسم البلد بينهم، فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم ونزل كلُّ أمير في قسمه، وطلب مَنْ فيه، وطالبهم بالأموال، فحينئذٍ حلَّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصَف وأجرى عليهم أنواع العذاب" (النجوم الزاهرة، ج12، ص193 – 194).
إليكم ما فعله تيمور لنك بأهل دمشق بعدما عجزوا عن تأمين ما طالبهم به من أموال، يقول المقريزي: "وطالبهم بالأموال، فكان الرجل يُوقَف على باب داره في أزرى هيئة، ويُلْزَم بما لا يقدر عليه من المال، فإذا توقَّف في إحضاره عُذِّبَ بأنواع العذاب من الضرب وعصر الأعضاء، والمشي على النار، وتعليقه منكوساً، وربطه بيديه ورجليه، وغَمّ أنفه بخرقةٍ فيها ترابٌ ناعم، حتى تكاد نَفْسُهُ تخرُج، فيُخلى عنه حتى يستريح، ثم تُعاد عليه العقوبة. ومع هذا كله تُؤخَذ نساؤه وبناتُه وأولاده الذكور، وتُقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير (من أمراء تيمور لنك)، فيشاهِد الرجلُ المعذَّب امرأتَهُ وهي تُوطأ، وابنتَهُ وهي تُقْبَض بكارتُها، وولدَهُ وهو يُلاط به، فيصير هو (أي الرجل المعذَّب) يصرخ مما به من ألم العذاب، وابنتُهُ وولدُهُ يصرخون من ألم إزالة البكارة وإتيان الصبي، وكلُّ هذا نهاراً ليلاً، من غير احتشامٍ ولا تَسَتُّر. ثم إذا قضوا وَطْرَهم من المرأة والبنت والصبي طالبوهم بالمال وأفاضوا عليهم أنواع العقوبات، وأفخاذُهُم مضرَّجة بالدماء.
"وفيهم (أي من التيموريين) مَنْ يُعَذِّبُ بأن يَشُدَّ رأسَ مَنْ يُعاقِبُهُ بحبلٍ ويلويه حتى يغوص في الرأس، وفيهم مَنْ يضع الحبل على كَتِفَي المعذَّب ويديره من تحت إبطيه ويلويه بعصا حتى ينخلع الكتفان. وفيهم مَنْ يَربط إبهامَ يديه (أي يدَي المعذَّب) في سقف الدار ويُشعل النارَ تحته، وربما سَقَطَ في النار فسحبوه منها وألقوه حتى يفيق، فيُعَذَّب أو يموتُ فيُتْرَك.
"واستمرَّ هذا البلاء مدة تسعة عشر يوماً، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين رجب (سنة 803ه)، فهَلَكَ فيها بالعقوبة ومن الجوع خلقٌ لا يدخل عددهم تحت الحصر. فلمَّا علموا أنه لم يبقَ في المدينة شيءٌ له قدر، خرجوا إلى تَمُرلنك، فأنعم بالبلد على أتباع الأمراء، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رجب ومعهم سيوفٌ مشهورة وهم مشاة، فنهبوا ما بقي من الأثاث وسبوا نساءَ دمشق بأجمعهنَّ، وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا مَنْ عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع وهم مربوطين في الحبال، ثم طرحوا النارَ في المنازل، وكان يوماً عاصف الريح، فعمَّ الحريقُ البلدَ كلَّها، وصار لهب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب، وعملت النار ثلاثة أيام، آخرها يوم الجمعة (ثاني شعبان). وأصبح تَمُر (تيمور لنك) يوم السبت ثالث شعبان راحلاً بالأموال والسبايا والأسرى، بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلُّها وسقطت سقوف جامع بني أميَّة من الحريق وزالت أبوابه وتَفَطَّر (تشقَّق) رخامُهُ، ولم يبق غير جُدُرِهِ قائمة. وذهبت مساجد دمشق، ومدارسها، ومَشاهِدها، وسائر دُورها، وقياسرها، وأسواقها، وحماماتها، وصارت أطلالاً بالية، ورسوماً خالية، قد أقفرت من الساكن، وامتلأت أرضُها بجثث القتلى، ولم يبق بها دابةٌ تدب، إلا أطفالٌ يتجاوز عددهم آلاف، فيهم مَنْ مات، وفيهم مَنْ يجود بنفسه" (السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997، ج6، ص53 – 54).
وكان المؤرخ ابن خلدون في دمشق حين حاصرها تيمور لنك، فلما قفل السلطان فرج بن برقوق عائداً بجيوشه إلى مصر أدرك ابن خلدون أن لا مفر من سقوط المدينة بأيدي التتار فتدلَّى من أسوار المدينة وذهب ليقابل تيمور لنك، وقد روى ابن خلدون ما دار بينه وبين تيمور في كتابه "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً" بعنوان "لقاء الأمير تِمُر، سلطان المُغْل والطَطَر" (من ص406 وحتى ص420، طبعة دار الكتاب اللبناني، 1979).. كما أنَّ المؤرخ ابن عربشاه كان من سكان دمشق وكان يبلغ من العمر آنذاك أحد عشر عاماً، وكان ممن سباهم تيمور إلى سمرقند هو وأمه وابن خاله، ولاحقاً ألَّف كتاباً أسماه "عجائب المقدور في نوائب تيمور"، صاغه بلغة بيانية مليئة بالسجع والطِباق والجِناس تخليداً في الذاكرة لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها هذا المجرم الهمجي، وقد قال في المقدِّمة: "أَرَدْتُ أن أَذْكُرَ ما رأيتُه، وأقُصَّ في ذلك ما رويتُه، إذ كانت إحدى الكبَر وأمَّ العِبَر، والداهية التي لا يرضى القضاء في وصفها بذا القَدر، والله أسألُ إلهامَ الصدقِ وسلوكَ طريق الحق".. وهو حين يتطرَّق إلى الحديث عما فعله تيمور لنك بدمشق يعود ليقول: "فأُقسِمُ بالله لقد كانت تلك الأيام علامةً من علامات يوم القيامة، وأَسْفَرَت تلك الساعة عن إشراط الساعة" (عجائب المقدور، نسخة إلكترونية من موقع الورّاق، ص60).
ولا بد هنا أيضاً من إيراد وصف المؤرخ السخاوي لما جرى في دمشق، إذ يقول قولاً لافتاً: "ونهب (تيمور لنك) المدينة (دمشق) وخرَّبها خراباً فاحشاً لم نسمع بمثله، ولم يصل التتار أيام هولاكو إلى قريبٍ مما فعل بها التتار أيام تيمور" (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، دار الجيل، بيروت، ج3، ص48).
وعلى حد ما أورده ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة"  فإنَّ دمشق كانت بلدة عظيمة لم تُنْكَب من قديم الزمان (ج12/ ص185)، وأنها "كانت يوم ذاك (أي يوم دمَّرها تيمور) أحسن مُدُن الدنيا وأَعْمَرُها" (ص186).
ولم يكفِ بلاد الشام ما حلَّ بها من خرابٍ ودمار حتى جاء الجراد ليأكل الأخضر واليابس.. أما تيمور لنك فقد عاد في طريق عودته إلى سمرقند ومرَّ للمرة الثانية بحلب، فدمَّر ما تبقى منها وأحرقها مرةً أخرى.. يقول السخاوي: "واستمرَّ (تيمور لنك) بدمشق إلى العشر الثاني من شعبان (سنة 803ه) ثم رجع إلى ناحية حلب قاصداً بلاده، فلما قَرُبَ منها أَمَرَ مَنْ كان من التتار بها بالرحيل وأن يصطحبوا مَنْ بالقلعة من المعتقلين خلا القضاة (...) ورحل التتار كما أمرهم تِمُرلنك من حلب في العشر الثاني من شعبان وأسروا جميع مَنْ صادفوا في طريقهم من النساء والصبيان بعد أن أحرقوا حلب مرةً ثانيةً وهدموا أبراج القلعة وسور المدينة وخربوا المساجد والجوامع والمدارس وقتلوا وسبوا وأسروا واستحلُّوا الدماء والفروج، وقال الشعراء في ذلك قصائد شبه الرثاء والتوجُّع ونحو ذلك" (الضوء اللامع، ج3، ص48).
بقي أن نشير إلى أنه كان لدى تيمور لنك طبيب خاص يركِّب له المعاجين ليستعين بها على افتضاض الأبكار، ثم اصطحب معه كبير الأطباء من دمشق ليستعين به أيضاً على ذلك،  وكما ذكر ابن تغري بردي في "المنهل الصافي": "وكان طبيبه فضل الله، ثم شاركه جمال الدين رئيس الأطباء بدمشق عندما أخذه تيمور من دمشق، وكانا يركِّبان له المعاجين، فإنه كان يُكثر من استعمالها للباه ليستعين بها على افتضاض الأبكار في شيخوخته" (ج4، ص137).
ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه بشار العلوي بتيمور الشيعي! لقد "هلك (في عام 803ه) بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشام في محنة تَمُرلنك، بالجوع والقتل والحريق، وفي الأسر، عشرات آلاف آلاف" (المقريزي، السلوك، ج6، ص69).. إنها عملية إبادة جماعية لبلاد الشام لم يشهد لها التاريخ مثيلاً إلا حالياً على يد بشار العلوي.

الحديث التالي:
الحديث السابق:







 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق