2017/01/13

كتاب "حزب الله والحشاشون - مرتزِقة غِبَّ الطلب" (3)/ دويلة حزب الله تشبه دويلة الإرعابي حسن الصبَّاح!



لنبدأ أولاً مما فعله حسن الصبَّاح، وقارنوا ذلك بالنسق الذي أنشأت عليه إيران دويلة حزب الله في لبنان وبالدويلة الشيعية العلوية التي تزمع إنشاءها في وقتنا الراهن ما بين لبنان والساحل السوري.. فأهم ما قام به الصبَّاح في سعيه لإنشاء دويلته "الإمبراطورية" هو إنشاؤه تنظيماً عسكرياً أُطلق عليه تاريخياً تسمية "الفداوية" أو "الفدائيين"، وأطلق الإسماعيليون على أعضائه تسمية "المجاهدين"، اتَّسم بشدة التنظيم والإنضباط والتدريب واعتمد في نشاطه (كما حال المذهب نفسه) على السرية التامة والطاعة العمياء، وأولاه الصبَّاح بالغ الإهتمام وفائق العناية وصرف عليه جلَّ وقته، حيث اعتمد عليه في حماية مشروع الإمبراطورية الشيعية الإسماعيلية المنشودة وتوسعتها وبسط نفوذها عبر خطة استراتيجية انتهجت ثلاثة طرق متوازية:



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا


(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الأول

حزب الله والحشَّاشون.. التاريخ يعيد نفسه (3)
دويلة حزب الله
تشبه دويلة الإرعابي حسن الصبَّاح!






حسين احمد صبرا
كنا نقول، وباختصار، إنَّ الحسن بن الصبَّاح قد جاء في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ليعلن نفسه نائباً للإمام المعصوم الغائب عن الأنظار (النائب المستور في المفهوم الشيعي الإسماعيلي) وأنه أصبح بالتالي مصدر العرفان، فارضاً على أتباعه من الشيعة الإسماعيليين (النزاريين) الطاعة العمياء بأمرٍ إلهي، وبذا رأينا أنَّ حسن الصبَّاح (الشيعي الإسماعيلي) هو أوَّل مَنْ طبَّق نظرية ولاية الفقيه عملياً إن لم يكن هو الذي اخترعها (وهي النظرية التي تبلورت عند الشيعة الإثني عشرية لاحقاً)، عامداً إلى بناء دويلة إرعابية لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلاً، انتشرت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين عبر مئات القلاع الحصينة في بلاد الفرس وفي بلاد الشام.. وبرأينا أنَّ الخميني تأثَّر بالإسماعيليين الحشَّاشين تأثراً شديداً، كونه في المقام الأول من أصلٍ هندي، وخاصةً أنَّ الإسماعيليين الحشَّاشين قد عادوا ليشهدوا عصراً ذهبياً وتحديداً في الهند نفسها في القرنين التاسع عشر والعشرين بدعمٍ من الإحتلال البريطاني، وذلك في أعقاب قيام الإمام الشيعي الإسماعيلي النزاري الحشَّاشي آغا خان الأول حسن علي شاه، والذي يحمل الرقم السادس والأربعين من أئمة الإسماعيلية النزارية، بإعلان نفسه إماماً ظاهراً في بلاد الفرس عام 1817م، بمعنى أنه أحيا من جديد دور الإمامة الظاهرة (أي أنَّ الإمام المعصوم يدعو إلى مذهبه في العلن ويسعى إلى إنشاء دولة سياسية ذات طابع ديني) من بعد دور الستر الذي استمرَّ لأكثر من خمسمائة عام، وقد قام فعلاً بثورة في بلاد الفرس للإستيلاء على الحكم انتهت إلى الفشل.. وبرأينا أيضاً أنَّ الشيخ الفارسي أحمد النراقي (شيعي إثني عشري)، والذي يعتبره كثيرون أول من تحدَّث عن جواز تطبيق نظرية ولاية الفقيه كحُكْمٍ سياسي ديني، إنما تأثَّر أيضاً بعودة المذهب الإسماعيلي المنافس إلى دور الإمامة الظاهرة، وخاصةً أنَّ حديثه هذا قد جاء في كتابه "عوائد الأيام" بعد أكثر من 6سنوات من إعلان آغا خان الأول عودة الإمامة الظاهرة عند الإسماعيليين النزاريين.

حسن الصباح والدويلة الإرعابية

لنبدأ أولاً مما فعله حسن الصبَّاح، وقارنوا ذلك بالنسق الذي أنشأت عليه إيران دويلة حزب الله في لبنان وبالدويلة الشيعية العلوية التي تزمع إنشاءها في وقتنا الراهن ما بين لبنان والساحل السوري.. فأهم ما قام به الصبَّاح في سعيه لإنشاء دويلته "الإمبراطورية" هو إنشاؤه تنظيماً عسكرياً أُطلق عليه تاريخياً تسمية "الفداوية" أو "الفدائيين"، وأطلق الإسماعيليون على أعضائه تسمية "المجاهدين"، اتَّسم بشدة التنظيم والإنضباط والتدريب واعتمد في نشاطه (كما حال المذهب نفسه) على السرية التامة والطاعة العمياء، وأولاه الصبَّاح بالغ الإهتمام وفائق العناية وصرف عليه جلَّ وقته، حيث اعتمد عليه في حماية مشروع الإمبراطورية الشيعية الإسماعيلية المنشودة وتوسعتها وبسط نفوذها عبر خطة استراتيجية انتهجت ثلاثة طرق متوازية:
الطريق الأول، وهو الجانب الدعوي،الذي هو في مفهومنا المعاصر الجانب السياسي، سعى من خلاله إلى الترويج للمذهب الجديد وتجنيد الأتباع وحشد الأنصار عبر دعاةٍ درسوا أسرار الدعوة في القاهرة وفي مدارس خاصة أنشأها الصبَّاح لهذا الغرض في قلعة أَلَمُوت الحصينة في جبال الديلم شمال غرب طهران، وقد أفرد الإمام أبو حامد الغزالي (1058م/ 450ه – 1111م/ 505ه) باباً في كتابه الشهير "فضائح الباطنية" للحديث بشكلٍ خاص عن درجات الحيل التي اتبعها الدعاة الإسماعيليون في الترويج لمذهبهم وتجنيد الأتباع والتي قامت على الزرق والتفرُّس والتأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والخلع والسلخ (راجع الباب الثالث من الكتاب المذكور)، وقد ألَّف الغزالي هذا الكتاب بعدما بدأ يستفحل أمر الإسماعيليين النزاريين بزعامة حسن الصبَّاح في عصر الخليفة العباسي الثامن والعشرين المستظهر بالله، الذي تولَّى الخلافة ما بين عامي 1094م/ 487ه – 1118م/ 512ه، مع الإشارة إلى أنَّ نواة دويلة الإسماعيليين الحشَّاشين بدأت عام 1090م/ 483ه مع نجاح الصبَّاح في السيطرة على قلعة أَلَمُوت (توفي الصبَّاح عام 1124م/ 518ه).
الطريق الثاني، وتمثَّل في استراتيجية السيطرة على أكبر عددٍ ممكن من القلاع الحصينة في المناطق الجغرافية المحيطة بالعراق، مركز الخلافة العربية الإسلامية السنِّية، وذلك من الشرق حيث بلاد فارس وخراسان والأحواز العربية ومن الغرب حيث بلاد الشام، وهو بمثابة قضم تدريجي بعيد المدى تطلَّب الصبر والمثابرة والمغامرة والتضحية من قبل دويلة فارسية المنشأ والغرض والهوى والعقيدة.. مع الإشارة إلى أنَّ من هذه القلاع ما أخذوه بالحيلة والخداع بواسطة دعاتهم، ومنها ما أخذوه بقوة سلاح ميليشياتهم بعد ارتكاب مجازر وتصفية دموية ضد كل مَنْ عارَضَهُم.. بدأ الأمر مع احتلال الحسن بن الصبَّاح لقلعة أَلَمُوت في بلاد الفرس عام 1090م/ 483ه وما تلاها من احتلال المئات من القلاع الفارسية، ثم بدأ امتداد هذه الدويلة إلى بلاد الشام منذ العام 1105م/ 499ه مع احتلال قلعة أَفَامِيَة (شمال غرب محافظة حماة)، ولاحقاً امتدَّت هذه القلاع والحصون في بلاد الشام من جبل السمَّاق الواقع حالياً إلى الشمال الغربي من محافظة إدلب على الحدود مع محافظة حلب ويسمى اليوم بجبل الأربعين، مروراً بالساحل السوري وحتى طرابلس في شمال لبنان، مع تزايد نشاطهم في أوقاتٍ متفرِّقة في ما يُعرف اليوم بمحافظات حلب وحماة وحمص ودمشق.. هذه القلاع الحصينة حوَّلها الإسماعيليون الحشَّاشون إلى مربعاتٍ أمنية أنشأوا فيها مجتمعاتٍ صغيرة مغلَقة ومنعزلة يجمعها الإنتماء المذهبي وتطمح إلى السيطرة على العالم العربي بالكامل وإخضاعه للسيطرة الفارسية..
الطريق الثالث، الميليشيات المسلَّحة (الفداوية)، التي كانت مهمتها الدفاع عن قلاع وحصون الحشَّاشين واحتلال المزيد منها، والقيام بأعمال السرقة والنهب وقطع الطرقات وإشاعة الفوضى والرعب في كل المناطق التي يتواجدون فيها، والأهم من ذلك تنفيذ عمليات الإغتيال ضد الخصوم والأعداء وخاصةً ممن تسنَّموا أعلى المناصب حتى لم يسلم أحدٌ من شرِّهم، وقد عمد الصبَّاح إلى انتقاء عناصر الفداوية بدقة وعناية من سكان الجبال من ذوي البأس والشدة وغلظة الطباع وروح المغامرة والإجرام، إضافة إلى أبناء الأتباع ممن لديهم استعداد للتضحية والموت في سبيل عقيدتهم، وأبناء المناصرين الغيارى على المذهب.. وكان الصبَّاح يختارهم من الشبَّان الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والعشرين ليتولَّى بنفسه تربيتهم على الطاعة العمياء منمِّياً فيهم روح التضحية بالنفس ومدرِّباً إياهم على استخدام الأسلحة وبالأخص الخناجر المسمومة، وعلى طرق التنكُّر والتخفي الممهدة للوصول إلى الهدف المراد النيل منه، وكيفية الهروب بعدها أو الإنتحار إذا ما أُلقي القبض على أحدٍ منهم، وذلك دون أن يكونوا بالضرورة ملمِّين بأسرار المذهب أو متعمقين في فلسفته.. وقد بلغت الطاعة العمياء التي كان يبديها الفداوية للصبَّاح ولخلفائه من بعده حداً أقرب إلى الهوس والجنون، إلى درجة أنَّ العديد من المؤرخين (كإبن الجوزي) يروون أنَّ السلطان السلجوقي التركي ملكشاه بعث إلى الصبَّاح في قلعة أَلَمُوت برسولٍ يدعوه إلى الطاعة ويتهدَّده ويتوعَّده بعدما استفحل شرُّه، فما كان من الصبَّاح إلا أن أومأ إلى أحد الشبَّان من أتباعه قائلاً له: "أقتل نفسك"، فقتل الشابُّ نفسَه ضارباً عنقَه بالسكين.. ثم أومأ إلى شابٍّ آخر قائلاً له: "إرمِ نفسك من القلعة"، فرمى الشابُّ نفسَه من على سور القلعة ليخرَّ صريعاً في الوادي.. ثم قال الصبَّاح للرسول: "قل له (أي للسلطان ملكشاه) عندي من هؤلاء عشرون ألفاً، هذا حدُّ طاعتهم لي، وهذا هو الجواب"! وما يعزز صحة هذه الرواية هو إيراد المؤرخ الصليبي المجهول، والذي كَتَبَ "ذَيْل تاريخ وليم الصُوْرِي"، روايةً مشابهة حيث ذكر أنَّ ملك أورشليم الصليبي الكونت هنري دو شامباني كان في ضيافة أحد أشهر زعماء الإسماعيليين الحشاشين في قلعة الكهف (في محافظة طرطوس) شيخ الجبل الثالث راشد الدين سِنَان (تولَّى إمامة الحشَّاشين في بلاد الشام من عام 1169م/ 565ه وحتى وفاته عام 1192م/ 588ه)، وكان صبيَّان في جلبابين أبيضين يجلسان فوق أعلى أحد الأبراج، فسأل شيخُ الجبل ضيفَه الملكَ الصليبي إن كان رأى رعايا أكثر طاعةً من رعاياه، ثم سارع إلى الإيماء إلى هذين الصبيين بيده فسارعا إلى القفز من أعلى البرج وخرَّا صريعين!
  
الإغتيال السياسي

إنَّ أبرز المهام التي أُوكلت إلى ميليشيا الفداوية وجعلتها تدخل التاريخ كإرعابٍ منظَّم لم تشهد البشرية له مثيلاً من قَبْلُ هو عمليات الإغتيال السياسي التي طالت شخصياتٍ كبيرة الوزن ووصلت إلى حد اغتيال الخليفة العباسي التاسع والعشرين المسترشد بالله (إبن المستظهر بالله) طعناً بالخناجر وهو في خيمته أسيراً لدى السلطان السلجوقي مسعود (حفيد ملكشاه الآنف الذكر) عام 1134م/ 529ه، ومنذ ذلك الحين لم يعد يجرؤ أي خليفة عباسي على التواجد بين رعيَّته إنْ في مجلسه أو في الشوارع والأماكن العامة.. كما وصلت اغتيالات الفداوية إلى حد محاولة اغتيال القائد العروبي صلاح الدين الأيوبي مرتين: الأولى عام 570ه (1174م) ، حيث جرحوه جراحاتٍ مثخنة أثناء محاصرته لحلب للإطاحة بالملك الصالح إسماعيل بعدما استبدَّ بالحكم، والثانية في العام التالي 571ه (1175م) أثناء حصاره لقلعة أعزاز شمال حلب ونجا من محاولة الإغتيال تلك بعدما جُرح جراحاً بسيطة في رأسه.. ومما يُذكر أنَّ صلاح الدين كان يتعمَّد أن يبقى مرتدياً الدرع الواقي حتى وهو متواجدٌ في مجلسه بعدما بلغت اغتيالات الحشَّاشين شأوَها، وهذا الدرع هو الذي نجَّاه من الموت في المحاولة الأولى لإغتياله، لا بل إنه وبعد هاتين المحاولتين الفاشلتين لإغتياله بنى برجاً خشبياً كان ينام فيه ويُقفل بابه بإحكام.

الحديث التالي:
الحديث السابق:




 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق