2017/01/13

كتاب "حزب الله والحشاشون - مرتزِقة غِبَّ الطلب" (2)/ حسن الصبَّاح أوَّل مَنْ طبَّق نظرية ولاية الفقيه.. والخميني تأثَّر بالإسماعيليين الحشاشين!



هذه النظرية الثانية (نظرية الإمام المستور) عند الشيعة الإسماعيليين نراها سابقة لنظرية الإمام المستور عند الشيعة الإثني عشرية، ذلك أنَّ قصة محمد بن إسماعيل تسبق قصة المهدي المنتظر بما يقرب من مائة عام، مع الإشارة إلى أنَّ نظرية الإمام المستور عند الشيعة الإثني عشرية كانت قد نشأت عقب وفاة إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري عام 874م (260ه) دون أن ينجب ذرِّية، لتنشأ حينها نظرية المهدي المنتظر وغيبته واستتاره عن الأنظار على أن يعود إلى الظهور قبيل يوم القيامة ليُنشىء دولته المسماة "دولة الإمام القائم" ومن بعدها تقوم القيامة، وهي الدولة التي يذكرها عناصر حزب الله في وصيَّتهم التي يحملون نسخةً منها وهم يقاتلون، وقد عثر الثوار السوريون على نسخٍ من هذه الوصية في ملابس قتلى هذا الحزب في سورية، حيث يذكرون فيها أنهم يجاهدون في سبيل التمهيد لدولة الإمام القائم صاحب العصر والزمان...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
حزب الله والحشاشون
مرتزِقة غِبَّ الطلب

(بحث تاريخي عن الشيعة  الإسماعيليين الحشاشين والتوأمة بينهم وبين حزب الله)

تأليف: حسين احمد صبرا


(2015)


الإهداء
إلى أبطال الثورة السورية، الذين يقاومون احتلال الحشَّاشين الجدد لأرضهم.



الباب الأول

حزب الله والحشَّاشون.. التاريخ يعيد نفسه (2)

حسن الصبَّاح أوَّل مَنْ طبَّق نظرية ولاية الفقيه
والخميني تأثر بالإسماعيليين الحشاشين!





حسين احمد صبرا
أشرنا سابقاً إلى الإنقسام الذي حدث بين الشيعة بعد وفاة إسماعيل، الإبن الأكبر للإمام السادس عند الشيعة جعفر الصادق، والذي توفي في حياة أبيه عام 754م (158ه)، وكان جعفر الصادق قد أعدَّ إبنه إسماعيل ليكون الإمام السابع من بعده، وعقب وفاة إسماعيل انقسم أتباع جعفر الصادق إلى أربع فرق في حياة جعفر الصادق بايعت كلُّ منها إبناً من أبنائه، ثم زادت هذه الفرق فرقةً خامسةً بعد وفاة جعفر الصادق سُمِّيت بالناووسية، ادَّعت بأنَّ الصادق ما يزال حياً وبأنه هو المهدي المنتظر.. لكن، ونظراً لظروفٍ عديدة لم يُكتَب الإستمرار  لاحقاً إلا لفرقتين من هذه الفرق الخمس: فرقة أولى بايعت الإبن الأكبر لإسماعيل (محمد بن إسماعيل) وعُرفت بالإسماعيلية واعتبرت أنَّ الأئمة الشيعة المعصومين هم من نسل إسماعيل، وفرقة ثانية بايعت إبناً آخر من أبناء جعفر الصادق وهو موسى الكاظم وعُرفت بالشيعة الموسوية (لاحقاً الشيعة الإثني عشرية) واعتبرت أنَّ الأئمة الشيعة المعصومين هم من نسل موسى الكاظم.
 ذهب محمد بن إسماعيل إلى الحجاز وأقام فيها، ويقال على ذمة الرواة وبعض المؤرخين إنه عمل هناك على نشر دعوته إلى المذهب الإسماعيلي، وأنَّ الخليفة العباسي هارون الرشيد لمَّا علم بذلك راح يطارده يريد القبض عليه، وهذا ما اضطرَّ محمد بن إسماعيل (أيضاً على ذمة الرواة وبعض المؤرخين) إلى الإستتار والتوجه إلى بلاد فارس (تحديداً إلى قرية من قرى الري بالقرب من طهران) حيث راح ينشر دعوته سراً.. هاتان المرحلتان من حياة محمد بن إسماعيل أطلق الإسماعيليون عليهما الآتي: دور الظهور (أي حينما كان ينشر دعوته علناً في الحجاز)، ودور الإستتار (حينما كان ينشر دعوته سراً في بلاد الفرس).. من المرحلة الأولى نشأت عند الإسماعيليين نظرية الإمامة الظاهرة (أي أنَّ الإمام المعصوم يدعو إلى المذهب علناً)، أما من المرحلة الثانية فلقد نشأت نظرية "الإمام المستور" (أي أنَّ الإمام المعصوم مستتر عن الأنظار ويدعو إلى المذهب سراً)..
هذه النظرية الثانية (نظرية الإمام المستور) نراها سابقة لنظرية الإمام المستور عند الشيعة الإثني عشرية، ذلك أنَّ قصة محمد بن إسماعيل تسبق قصة المهدي المنتظر بما يقرب من مائة عام، مع الإشارة إلى أنَّ نظرية الإمام المستور عند الشيعة الإثني عشرية كانت قد نشأت عقب وفاة إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري عام 874م (260ه) دون أن ينجب ذرِّية، لتنشأ حينها نظرية المهدي المنتظر وغيبته واستتاره عن الأنظار على أن يعود إلى الظهور قبيل يوم القيامة ليُنشىء دولته المسماة "دولة الإمام القائم" ومن بعدها تقوم القيامة، وهي الدولة التي يذكرها عناصر حزب الله في وصيَّتهم التي يحملون نسخةً منها وهم يقاتلون، وقد عثر الثوار السوريون على نسخٍ من هذه الوصية في ملابس قتلى هذا الحزب في سورية، حيث يذكرون فيها أنهم يجاهدون في سبيل التمهيد لدولة الإمام القائم صاحب العصر والزمان، مع الإشارة إلى أنَّ في معتقدهم أنهم كلما جاهدوا أكثر وسيطروا على مساحاتٍ جغرافية أكبر وكلما كثرت الفتن والحروب كلما اقترب موعد ظهور المهدي ليقيم دولته، من هنا فإنَّهم كلما ذُكر إسم المهدي المنتظر قالوا: "عجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ"، أي أنَّ موعد ظهور المهدي في معتقدهم ليس ثابتاً في يومٍ محدَّد وإنما ممكنٌ التعجيل به عبر تكثيف الجهاد.
إذاً، وكما أشرنا قبل قليل، نشأت عند الإسماعيلية نظريتان: دور الظهور ودور الإستتار.. وبعد وفاة محمد بن إسماعيل عام 809م (193ه) تابع الأئمة من ذرِّيته دور الإستتار بأن دعوا إلى المذهب الإسماعيلي سراً (المؤرخون من أهل السنَّة كالبغدادي والغزالي وإبن الأثير والحمادي اليماني ينفون أن يكون محمد بن إسماعيل قد أنجب ذرِّية، وإن صحَّ ذلك فهذا معناه أنَّ الشيعة الإثني عشرية عقب وفاة إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري دون أن ينجب ذرِّية إنما تأثروا بالحيلة التي لجأ إليها الشيعة الإسماعيليون قبلهم بنحو مائة عام لتنشأ لديهم أيضاً نظرية الإمام المستور).. إلى أن قضى عبيد الله المهدي بمعاونة أبي عبد الله الشيعي على دولة الأغالبة في تونس عام 908م (296ه)، ومنذ ذلك التاريخ بدأ عبيد الله المهدي الدعوة العلنية إلى المذهب الإسماعيلي، فتمَّ منذ ذلك الحين اعتماد نظرية الإمام الظاهر (أو الإمامة الظاهرة)، وهي الدعوة العلنية التي مهَّدت لنشوء الدولة الفاطمية، التي كان كل حكامها من الأئمة الظاهرين، أي الذين يجاهرون علناً بأنهم أئمة إسماعيليون ويدعون علناً إلى المذهب الإسماعيلي ويزعمون بأنهم من نسل علي بن أبي طالب وبأنهم معصومون..
إلى أن جاء الحسن بن الصباح في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي لينقسم عن الإسماعيلين الفاطميين، مؤسساً الإسماعيلية النزارية الحشَّاشية (راجع الحديث السابق)، ليعيد إحياء نظرية الإمام المستور ولكن في حلَّة جديدة ومبتكرة: لقد نصَّب الحسن بن الصبَّاح نفسه نائباً للإمام المعصوم مدَّعياً بأنه لا يمكن لأحدٍ أن يعرف شيئاً عن الدين الحق إلا عن طريق الإمام المعصوم أو عن طريق نائبه، وأنه ما دام هو نائبه فقد أصبح (أي حسن الصبَّاح) مصدر العرفان، ما أدَّى بأتباعه إلى أن يسبغوا عليه طابع القدسية ويطيعونه طاعةً عمياء..   
وزيادةً في التوضيح نشير إلى أنَّ المقصود هنا بالإمام المستور عند الإسماعيليين الحشَّاشين هو نزار إبن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله والذي رفض الصبَّاح وأتباعه الإعتراف بأنه قُتل في الإسكندرية على يد أخيه الخليفة الفاطمي المستعلي وأشاعوا بأنه مستتر عن الأنظار.. ومع ما قيل من أنَّ الصبَّاح استطاع تهريب إبن نزار (ويدعى الهادي) من القاهرة إلى قلعة أَلَمُوت في جبال الديلم (على بعد 100 كلم إلى الشمال الغربي من طهران) فإنَّ الأئمة عند الإسماعيليين النزاريين (الحشاشين) باتوا لاحقاً من نسل الإمام المعصوم نزار وإبنه الإمام المعصوم الهادي بن نزار.. وسواء سلَّمنا بصحة رواية تهريب الهادي بن نزار إلى قلعة أَلَمُوت في بلاد فارس أو شكَّكنا بها، فإنَّ روايات الإسماعيليين الحشاشين تقول بأنَّ الهادي وإبنه المهتدي وحفيده حسن القاهر كانوا أئمةً مستورين، إلى أن جاء إبن حسن القاهر (حسن الثاني) وأعلن نفسه إماماً ظاهراً (توفي عام 1166م/ 561ه في قلعة أَلَمُوت)، وبذا ابتدأت مرحلة الإمامة الظاهرة، التي امتدت حتى مقتل الإمام المعصوم السابع والعشرين ركن الدين خورشاه عام 1257م (655ه) على يد المغول بعد استسلامه لهولاكو..

الخميني الهندي!

بعد مقتل إمام الإسماعيليين الحشاشين ركن الدين خورشاه (وهو الإمام السابع والعشرون كما أشرنا) عاد الحشاشون مرةً ثانية إلى دور الأئمة المستورين (دور الستر الثاني)، الذي استمرَّ منذ العام 1257م (655ه) وحتى العام 1817م (1233ه)، انتشر المذهب الإسماعيلي النزاري الحشاشي خلالها في بلاد فارس وخراسان والهند.. فماذا حدث مطلع القرن التاسع عشر؟!
عام 1817م (1233ه) قام الإمام الإسماعيلي النزاري المعصوم السادس والأربعون حسن علي شاه (آغا خان الأول) بالإعلان عن نفسه إماماً ظاهراً في بلاد فارس، وقد زوَّجه شاه الفرس القاجاري فتح علي بـإبنته الأميرة "سررجهان بكم" وعيَّنه والياً على ولاية كرمان الواقعة جنوب شرق إيران الحالية والتي تحُدُّها بلوشستان من الجنوب.. ثم أراد آغا خان الأول الإستيلاء على الحكم في بلاد فارس بحجة أنه إمام معصوم من الأئمة الإسماعيليين، وتمَّ ذلك بإيعازٍ من البريطانيين سعياً منهم لإقامة دولة دينية شيعية تصارع السلطنة العثمانية على أساسٍ مذهبي وتحارب العرب الذين معظمهم من أهل السنَّة، فأشعل آغا خان الأول ثورةً انتهت بالفشل وألقى شاه فارس القبض عليه وسجنه، فتدخَّل البريطانيون وطلبوا الإفراج عنه على أن يُنْفَى إلى أفغانستان، وهناك تعاون آغا خان الأول مع الإحتلال البريطاني مقدِّماً لهم خدماتٍ جليلة حيث ساعدهم على إخماد الثورة ضدهم في قندهار وعلى إخضاع أفغانستان (في ذلك الحين أطلق البريطانيون عليه لقب الآغا خان)، ما أدى إلى نقمة الأفغانيين عليه، ففرَّ مجدداً إلى الهند حيث ساعد البريطانيين على احتلال السند وبلوشستان، اللتين تطلان على بحر العرب (السند حالياً هي أحد أقاليم باكستان وعاصمته كراتشي.. أما بلوشستان فهي تحد السند من الشمال وسكانها من أصولٍ عربية، وقد قسَّمها البريطانيون في القرن العشرين ما بين باكستان وإيران وأفغانستان).. هناك في الهند حقَّق آغا خان الأول بمعاونة البريطانيين مجداً عظيماً بعدما اعترفوا به إماماً للإسماعيلية النزارية الحشَّاشية، وقد اتخذ من مدينة بومباي (أهم مدينة في الهند على الإطلاق) مركزاً له حيث بدأت جحافل الأنصار بالتوافد عليه وإبداء الطاعة العمياء له، وشهد المذهب الإسماعيلي في عصره انتشاراً واسعاً في الهند.. أما إبنه الآغا خان الثاني علي شاه فقد عيَّنه الإحتلال البريطاني حاكماً سياسياً لمنطقة بومباي حيث تولى الإمامة لمدة أربع سنوات من عام 1881م (1299ه) إلى حين وفاته عام 1885م (1303ه)، وفي عهده امتد انتشار المذهب الإسماعيلي النزاري إلى بورما وسيريلانكا وبعض بلدان أفريقيا وخاصة زنجبار.. ومن بعده تولى الإمامة إبنه محمد شاه (من عام 1885م/ 1303ه وحتى عام 1957م/ 1377ه)، الذي أَوْلَى أبناءَ طائفته في مختلف أنحاء انتشارهم في العالم اهتماماً بالغاً وشهد الإسماعيليون في عهده عصرهم الذهبي، وقد كُرِّم من قبل ملوك بريطانيا فكتوريا وإدوار السابع وجورج الخامس وإمبراطور ألمانيا والسلطان العثماني وشاه إيران وتولى رئاسة عصبة الأمم بين عامي 1937 و1938، كما كان من مؤسسي "عصبة مسلمي كل الهند" عام 1906 وأول رئيسٍ لها، وهي العصبة التي دعت إلى إنشاء دولة إسلامية في الشمال الغربي من شبه القارة الهندية (باكستان اليوم)، وقد أوصى بأن يُدفن بعد موته في أسوان في مصر، التي كان يزورها في كل عام، وقبره الآن في أسوان مزار سياحي مشهور.. وكان الآغا خان الثالث قد تزوَّج عام 1908م/ 1326ه للمرة الثانية براقصة باليه إيطالية أنجب منها إبنه الأكبر علي سلمان خان، لكنه أوصى على أن يخلفه في الإمامة حفيده الآغا خان الرابع كريم شاه الحسيني (إبن علي سلمان خان)، الذي ما يزال حياً يرزق ويعيش في فرنسا حياة الملوك ويملك ثروة توصف بالأسطورية..
من خلال هذا العرض الموجز أردنا الإضاءة على العصر الذهبي الذي عاشته طائفة الإسماعيليين الحشاشين طوال القرنين التاسع عشر والعشرين بفضل إعادة الآغا خان الأول الإمامة الظاهرة وبفضل دعم الإحتلال البريطاني لهؤلاء الإسماعيليين بغير حدود.. هذا العصر الذهبي إنما شهدته طائفة الإسماعيليين الحشَّاشين في الهند في المقام الأول، وليس لدينا أدنى شك في أنَّ الخميني قد تأثَّر تأثراً شديداً في هذه النهضة الإسماعيلية الهندية التي أعادت إحياء الإمامة المعصومة الظاهرة، وخاصةً أنَّ الخميني هو هندي الأصل كما يجمع على ذلك معظم معاصريه، وحتى شاه إيران محمد رضا بهلوي عندما سؤل عنه أجاب بالقول: "هذا هندي وليس إيرانياً" (راجع ما يقدِّمه الشيرازيون من أدلة يطعنون بها في النسب العربي للخميني).. لقد أراد الخميني تنصيب نفسه إماماً على نسق أئمة الإسماعيلية الحشَّاشية المعصومين بعدما رأى بنفسه مدى النجاح الذي حقَّقه هؤلاء بمعاونة المحتل البريطاني.. وإذا ما كان البعض يعزو الدعوة الحديثة إلى ولاية الفقيه إلى الشيخ الفارسي أحمد النراقي (1771م/ 1185ه – 1829م/ 1245ه)، في كتابه "عوائد الأيام"، فإننا وبعد البحث وجدنا أنه تطرَّق إلى الحديث عن ولاية الفقيه في العائدة رقم 54، وإذا ما كان هو نفسه يذكر أنه كتب العائدة رقم 50 عام 1823م/ 1239ه فإنَّ العائدة رقم 54 تكون قد كُتبت بعد ذلك التاريخ بطبيعة الحال.. وإذا ما كان الآغا خان الأول أعاد دور الإمامة الظاهرة عند الإسماعيليين الحشاشين في بلاد الفرس عام 1817م/ 1233ه فإن الشيخ النراقي قد برز للحديث عن ولاية الفقيه بعد عام 1817 بما لا يقل عن 6 سنوات، أي بمعنى أنَّ الشيخ النراقي نفسه قد تأثَّر دون أدنى شك بعودة الإمامة الظاهرة عند الإسماعيليين ومناداتهم بأحقيَّتهم في حكم البلاد من منطلق ديني شيعي إلهي، وهو المنطلق المنافس تاريخياً للشيعة الإثني عشرية.

الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق