2017/01/09

أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون (1)/ التتار يعتنقون الإسلام بادىء ذي بدء



أول من اعتنق الإسلامَ من التتار كان ابنُ هولاكو واسمه توكدار بن هولاكو ابن تولي خان بن جنكيز خان، والذي تسمَّى بإسم أحمد، وهو الثالث من ملوك هذه العائلة المغولية بعد هولاكو (الملك الأول) وأَبْغا بن هولاكو (الملك الثاني) ، ولعلَّكم انتبهتم إلى أنَّ توكدار هو أخو أَبْغا، والإثنان إبنا هولاكو، كيما يتذكَّر القارىء هذين الإسمين..



إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون
التتار نموذجاً
(دراسة تاريخية)
2015
تأليف: حسين احمد صبرا




أعداء العروبة والإسلام يتشيَّعون (1 من 15)
التتار يعتنقون الإسلام بادىء ذي بدء




حسين أحمد صبرا
أول من اعتنق الإسلامَ من التتار كان ابنُ هولاكو واسمه توكدار بن هولاكو ابن تولي خان بن جنكيز خان، والذي تسمَّى بإسم أحمد، وهو الثالث من ملوك هذه العائلة المغولية بعد هولاكو (الملك الأول) وأَبْغا بن هولاكو (الملك الثاني) ، ولعلَّكم انتبهتم إلى أنَّ توكدار هو أخو أَبْغا، والإثنان إبنا هولاكو، كيما يتذكَّر القارىء هذين الإسمين.. وذكر مؤرِّخ المغول الكبير رشيد الدين الهمذاني (المتوفى سنة 718ه/ 1318م) في كتابه "جامع التواريخ"  أنَّ "أحمد هو الإبن السابع لهولاكو" (المجلد 2، الجزء 2، وزارة الثقافة المصرية، 1960، ص88).. وقال قطب الدين اليونيني (المتوفى سنة 726ه/ 1326م) في كتابه "ذيل مرآة الزمان": "وفي أوائلها (أي سنة 681ه/ 1282م) تَسَلْطَنَ الملكُ أحمد (توكدار  بن هولاكو) وله نحو ثلاثين سنةً، فأمر بإقامة شعائر الإسلام، وضَرَبَ الجزية على الذِّمة. ويُقال إنه أسلم صغيراً وأبوه حي" (طبعة الهند، ج4، ص145).. ويورد الذهبي (المتوفى سنة 748ه/ 1374م) في كتابه "تاريخ الإسلام": "وقيل إنَّ سبب تسميته بأحمد أنَّ بعض مشايخ الأحمدية (الرفاعية) دخل النار قُدَّام هولاكو، وأحمد حينئذٍ طِفْلٌ، فأخذه الشيخ ودخل به النار، فسمَّاه أبوه أحمد، ووهبه للأحمدية. ثم كانوا يَغْشَونَهُ ويُحَبِّبون إليه الإسلام، فأسلم وهو صبي" (طبعة دار الغرب الإسلامي، 2003، ج15، ص493).. أما النويري (المتوفَّى سنة 733ه/ 1332م، وقد عاصر تلك الفترة كما المؤرخين المذكورين اعلاه) فقد ذكر في كتابه "نهاية الأَرَب في فنون الأدب" أنَّ توكدار جلس على كرسي المملكة بعد وفاة أخيه أَبغا سنة 681ه/ 1282م.. ثم يضيف النويري: "ولما جلس (توكدار على كرسي المُلك) كان أول ما بدأ به أنه أظهر دينَ الإسلام وأشاعه، وكتب إلى بغداد كتاباً، نسختُهُ بعد البسملة: "إنَّا جلسنا على كرسيّ المُلك، ونحن مسلمون، فتُبلغون أهلَ بغداد هذه البشرى، ويعتمدون في المدارس والوقوف وجميع وجوه البَرّ ما كان يُعتمد في أيام الخلفاء العباسيين، ويرجع كل ذي حقٍّ إلى حقِّه في أوقاف المساجد والمدارس، ولا يخرجون عن القواعد الإسلامية. وأنتم يا أهل بغداد مسلمون، وسمعنا عن النبيّ أنه قال: لا تزال هذه العصابة الإسلامية مستظهرة ظافرة إلى يوم القيامة. وقد عرفنا أنَّ هذا خبرٌ صحيحٌ ورسولٌ صحيح. ربٌّ واحد، أحد، فرد، صمد. فتُطيِّبون قلوبكم وتكتبون إلى جميع البلاد" (دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 2004، ج27، ص271 – 272).
وكان أحد المشايخ واسمه عبد الرحمان قد حبَّب الإسلامَ إلى قلب توكدار بن هولاكو وكان له تأثيرٌ كبيرٌ عليه، "وكانت تربطه بالشيخ عبد الرحمان صلة وثيقة بحيث كان (توكدار) يدعوه "يا أبي" (الهمذاني، جامع التواريخ، ص97)، "وخضع له الملك أحمد (ابن هولاكو)، وحَسُنَ إسلامُهُ بسببه" (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج15، ص498).. قال اليونيني: "حدَّثني عبد الله المَوْصلي الصوفي، وكان ممَّن قَدِمَ معه، أنَّ عبد الرحمان كان من مماليك الخليفة المستعصم بالله (آخر الخلفاء العباسيين في بغداد)، وكان اسمه قَرَاجا، فلما أُخذت بغداد تزهَّد وتسمَّى عبد الرحمان، واتصل بالملك أحمد (السلطان أحمد بن هولاكو) وعَظُمَ عنده إلى الغاية، بحيث كان ينزل إلى زيارته، وإذا شاهده (السلطانُ أحمد) ترجَّل ثم قَبَّلَ يدَه، وامتثل جميع ما يُشير به. وكان جميع ما يصدر عن الملك (أحمد) من الخير بطريقه، فأشار عليه أن يتَّفق مع الملك المنصور (سيف الدين قلاوون، سلطان مصر وبلاد الشام والحجاز) وتجتمع كَلِمَتهم، فندبه لذلك" (ذيل مرآة الزمان، ج4، ص215----218).
وأخرَجَ توكدار عقب إستلامه الحكمَ المسيحيين واليهود من الديوان المغولي وحوَّل المعابد البوذيَّة والكنائس المسيحية واليهودية إلى مساجد، وهو أمرٌ نستنكره وليس من تعاليم الإسلام بشيء، بل وفعل ما هو أنكى من ذلك (وتلك عادةٌ دَرَجَ عليها كلُّ العرق التركي الذي تَحَكَّم بديار العرب على مدى أكثر من ألف عام) إذ ألبس المسيحيين واليهود (أي ما يُعرف بأهل الذِمَّة عند بعض المسلمين) ما يسمَّى بالغِيَار، أي ملابس مختلفة عن ملابس المسلمين، فاليهود يلبسون اللباس الأصفر، والمسيحيون اللباس الأزرق والرمادي، والمجوس اللباس الأسود والأحمر، وما إلى هنالك، وهو أمرٌ في غاية السوء والهمجيَّة ولا يمت إلى الإسلام بصلة لا من قريبٍ ولا من بعيد، بل هو عملٌ عدواني جُرْمي ضد الله وضد الإسلام وضد العباد..
سياسياً، جاء إسلام توكدار (السلطان أحمد) بمثابة إعلان هدنة بين التتار من جهة والعرب والمسلمين من جهةٍ أخرى عقب الهزيمة الفادحة التي حلَّت بالتتار في موقعة حمص في بلاد الشام عام 680ه/ 1281م، والتي انتصر فيها العرب والمسلمون بقيادة سلطان المماليك سيف الدين قلاوون، وهي الهزيمة التي أدَّت إلى وفاة أَبْغَا بن هولاكو بحسرته، وعلى حد تعبير ابن كثير في "البداية والنهاية": "فلمَّا جرى عليهم (أي على التتار) ما جرى ساءَهُ ذلك ومات غمّاً وحزناً" (الطبعة الثانية 2010، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، ج15، ص497)..
واللافت أنَّ توكدار بن هولاكو سارع إلى الكتابة إلى حاكم الديار المصرية وبلاد الشام والحجاز السلطان المملوكي الملك المنصور سيف الدين قلاوون يُعْلِمُهُ بإسلامه، وكما قال ابن كثير في "البداية والنهاية": "يَطْلُبُ منه المصالحة وحقن الدماء فيما بينهم" (ج15، ص501)، وقد أجابه السلطان المملوكي إلى ذلك.. بيد أنَّ السلطان أحمد بن هولاكو ما لبث أن قُتل بعد عامين، أي سنة 683ه/ 1284م (وفق ما وجدناه في "جامع التواريخ" للهمذاني، و"البداية والنهاية" لابن كثير، و"السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي، و"شذرات الذهب" لابن العماد، بينما لاحظنا أنَّ النويري في "نهاية الأَرَب" هو الوحيد الذي يذكر أنَّ سنة مقتله هي 682ه، ولاحقاً نقل عنه ابن خلدون ذلك في "العِبَر وديوان المبتدأ والخبر" وبدر الدين العيني في "عقد الجُمان في تاريخ أهل الزمان").. وعلى العموم فإنَّ النويري أورد في "نهاية الأَرَب" (ص272) أنَّ من بين أسباب قَتْل المغول للسلطان أحمد (أو توكدار بن هولاكو) هو "ما أَلْزَمَهُم به من الدخول في دين الإسلام طوعاً أو كرهاً".. وقد صاغ ابن خلدون (المتوفى سنة 808ه/ 1405م) هذه المعلومة كالتالي: "وكانوا (أي أهل معسكر توكدار = السلطان أحمد) ينقمون عليه إسلامَهُ، فثاروا عليه وقتلوا نائبَهُ ثم قتلوه سنة اثنتين وثمانين (الأصح سنة 683ه كما أشرنا)" (راجع "ديوان المبتدأ والخبر"، دار الفكر – بيروت ، 2001، ج5، ص616).
في هذا الإطار لا بد لنا من الإشارة إلى أنَّ ابن خلدون أخطأ خطأً غير مقصود حينما ذكر أنَّ أَبْغَا بن هولاكو (أخا توكدار) قد أسلم، وهو الذي حكم بين عامي 663ه- 681ه/ 1264م- 1282م، بينما الصحيح هو أنَّ أخاه توكدار هو الذي أسلم، إذ نقرأ في كتاب ابن خلدون "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً": "ثم هدى اللهُ أَبْغا بن هولاكو إلى الإسلام (المقصود توكدار بن هولاكو كما أشرنا)، فأسلم بعد أن كان أسلَمَ بركة ابن عمِّه (...)، ثم أسلم بعد ذلك بنو جقطاي وراءَ النهر (نهر جيحون، وحالياً ما يعرف ببلاد أذربيجان وتركمانستان وغيرها)؛ فانتظمت ممالكُ الإسلام في أيدي وِلْد جنكيزخان من المُغْل، ثم من الطَطَر (التتر)، ولم يخرج عن ملكهم منها إلا المغرب والأندلس ومصر والحجاز، وأصبحوا وكأنهم في تلك الممالك خَلَفٌ من (الأتراك) السلجوقية و(الأتراك) الغُزّ" (منشورات دار الكتاب اللبناني، طبعة 1979، ص401 – 402).
على أنَّ أبرز ما في الأمر أنَّ إسلام المغول هذا كان حتى مقتل السلطان أحمد بن هولاكو (توكدار بن هولاكو) إسلاماً فردياً، وظلَّ كذلك بعدما تسلَّم الحكمَ من بعده ابنُ أخيه أَبْغَا واسمه أَرْغُون بن أَبْغَا بن هولاكو، وقد حكم ما بين عامي 683ه- 690ه/ 1284م- 1291م..
لم يُعرف عن أرغون بن أَبْغا بن هولاكو أنه أسلم، لكنَّ اللافت في هذا المضمار أنَّ واحداً من أبنائه تسلَّم الحكم لاحقاً وهو غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، كان أول حاكم مغولي (أو تتري) يعلن الإسلامَ دينَ الدولة المغولية في إيران، وقد تسلَّم الحكم ما بين عامي 694ه- 703ه/ 1294م- 1303م.. مع الإشارة إلى أنَّ حرف الغين في "غازان" يُلفظ معطَّشاً، وبعض المؤرخين العرب يسميه قازان، وهي في كل الأحوال كلمة تركية ما زلنا نستعملها إلى الآن في بلاد الشام على الأقل، فهي تعني الوعاء الكبير، فنقول "قازان الحمَّام"، أي الوعاء أو البرميل الذي يُسَخَّن فيه الماء كهربائياً أو بواسطة الحطب، ونقول "قازان الطائرة الحربية"، أي الصاروخ الضخم الذي تطلقه الطائرات الحربية.. وعن دخول غازان الإسلام سنة 694ه/ 1294م يقول ابن فضل الله العمري في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار": "وفيها (أي سنة 694ه) دَخَلَ ملكُ التتار غازان ابن أرغون في الإسلام، وتلفَّظ الشهادتين بإشارة نائبه نوروز، ونَثَرَ الذهبَ واللؤلؤَ على الخَلْق، وكان يوماً مشهوداً، ثم لَقِيَهُ نوروز شاه من العراق ودخل (شهر) رمضان فَصَامَهُ، وفَشَا الإسلامُ في التتار" (دار الكتب العلمية، بيروت، 2010، ج27، ص316).. مع الإشارة هنا إلى انَّ التتار غيَّروا زيَّهم ولبسوا العمامة للدلالة على إسلامهم..
ويبقى السؤال: هل كان من غايةٍ ما وراء إعلان غازان إسلامه وأسلمة دولة التتار؟!

الحديث التالي:
الحديث السابق:








 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق