من غير الجائز أبداً أن يَدَع العربُ المسلمون الصراعَ
الذي دار حول المهدي المنتظر عام 2012 بين الولي الفقيه علي خامنئي ورئيس
الجمهورية آنذاك أحمدي نجاد يمر مرور الكرام دون أن يلتفتوا إلى المعنى الحقيقي لما
دار في هذا الصراع ويتوقَّفوا عنده، ما يجب أن يجعلنا نتساءل جميعاً وبصوتٍ عالٍ
أنْ هل فعلاً يؤمن نظام الولي الفقيه بالمهدي المنتظر، أم أنَّ إيمان الفرس
المتشيِّعين به هو مجرَّد إيمان سياسي على شاكلة البكاء السياسي على الإمام الحسين؟!
إنزل إلى أسفل لقراءة
الموضوع كاملاً
كتاب
البكاء السياسي عند الشيعة
تأليف: حسين احمد صبرا
(2015)
(تصدياً لمخطط نشر التشيُّع الفارسي بين
العرب المسلمين)
الإهداء
إلى كل شيعي لا يؤمن بعصمة الأئمة ولا بولاية الإمام
علي
الفصل الرابع
البكاء
سياسي.. والإيمان بولاية الفقيه أيضاً سياسي
مع مَنْ
يتحدَّث المهدي المنتظر بالهاتف الخلوي:
مع علي خامنئي أم أحمدي نجاد؟!
حسين احمد صبرا
من غير الجائز أبداً أن يَدَع العربُ المسلمون الصراعَ
الذي دار حول المهدي المنتظر عام 2012 بين الولي الفقيه علي خامنئي ورئيس
الجمهورية آنذاك أحمدي نجاد يمر مرور الكرام دون أن يلتفتوا إلى المعنى الحقيقي لما
دار في هذا الصراع ويتوقَّفوا عنده، ما يجب أن يجعلنا نتساءل جميعاً وبصوتٍ عالٍ
أنْ هل فعلاً يؤمن نظام الولي الفقيه بالمهدي المنتظر، أم أنَّ إيمان الفرس
المتشيِّعين به هو مجرَّد إيمان سياسي على شاكلة البكاء السياسي على الإمام الحسين؟!
بدايةً، نلخِّص لكم ما جرى بسطرين: لقد أراد أحمدي نجاد
أن يقول لخامنئي ما معناه بأنَّ منصبك كنائبٍ للمهدي المنتظر هو منصب وهمي لأنَّ
المهدي المنتظر غير موجود أصلاً، وإلا فما معنى أن يدَّعي نجاد بأنَّ المهدي
المنتظر يرسل إليه شخصياً الرسائلَ النصِّيَّة عبر البريد؟! وما معنى أن يكون ردُّ
خامنئي عليه (بالواسطة) أنَّ المهدي المنتظر يتحدَّث معي بالهاتف الخليوي
(الموبايل) مباشرةً!!
إليكم عرضاً لتصريحات أحمدي نجاد (المباشرة) وخامنئي
(بالواسطة)، والتي لا تستدعي من جانبنا سوى إلى القليل من التوضيح والتعليق وبحيادٍ
مُطلق: ففي صيف عام 2012 أعلن أحمدي نجاد وعلى الملأ أنه يتلقى الوحي من المهدي
المنتظر برسائل نصِّيَّة تَصِلُهُ عبر البريد ليَدُلَّه على ما يجب عليه فعله في
إدارة كل شاردة وواردة من شؤون البلاد والعباد.. فكيف كان رد خامنئي؟
لقد لاحظنا من جانبنا أنَّ ردَّ مرشد الجمهورية
الإسلامية الإيرانية قد جاء سريعاً وبالواسطة عبر جهتين اثنتين: الجهة الإولى إمام
جمعة طهران المؤقَّت الشيخ محمد كاظم صِدِّيقي عبر صحيفة "باسدار إسلام"
(حارس الإسلام) الصادرة بالفارسية عن الحوزة الدينية في قم، وكلا الحوزة والصحيفة
تخضعان لسلطة علي خامنئي مباشرةً، مع التذكير بأنَّ خامنئي هو الذي جاء بصدِّيقي
خطيباً مؤقتاً لجمعة طهران عقب الإنتفاضة الخضراء عام 2009 كبديلٍ عن هاشمي
رفسنجاني بعد تنحيته.. والجهة الثانية جهاز الإستخبارات الإيرانية، وهو يتبع لسلطة
خامنئي أيضاً.
في أواخر آب/ أغسطس 2012 أدلى إمامُ جمعة طهران المؤقت
الشيخ محمد كاظم صديقي بتصريحٍ لصحيفة "باسدار إسلام" (حارس الإسلام)
حيث قال في ردٍّ مبطَّن على أحمدي نجاد إنَّ المهدي المنتظر على اتصالٍ مباشر مع
الولي الفقيه علي خامنئي عبر الهاتف (أي الخط الأرضي) أو عبر الموبايل (أي الشبكة
الخلوية) وفق الظروف.. وأضاف الشيخ صديقي (الحامل لقب حجة الإسلام) قائلاً إنَّ
المهدي المنتظر يطلب من خامنئي كل ما يريده باعتباره نائباً عنه في إدارة شؤون
المسلمين.. ثم يتابع غمزَه من قناة أحمدي نجاد بأن راح يشدِّد على أنَّ المهدي
المنتظر لا يتصل بأحدٍ إلا بشخص علي خامنئي، كاشفاً عن معلومة أخرى لا تقل غَمْزاً
عن سابقتها ألا وهي أنَّ خامنئي لم يكن على معرفة شخصية بالمهدي المنتظر في السابق
إلى أن قام المهدي المنتظر شخصياً قبل عدة سنوات بتعريف خامنئي بنفسه، وقال له
بالعربية: "طوبى للخامنئي، حقاً أنت نائبي في هذا الزمان".. ثم كشف كاظم
صديقي عن "معلومةٍ" غامزةٍ ثالثة وهي أنَّ خامنئي، الذي يقيم سنوياً
مراسم دينية خاصة تسمى "الفاطمية"، يقوم بتوجيه دعوة شخصية للمهدي
المنتظر لحضور هذه المراسم (دون أن يوضِّح ما إذا كان المهدي المنتظر يلبي هذه
الدعوة في كل مرة!).
أما الرد الثاني من خامنئي على نجاد فجاء عبر قيام
الإستخبارات الإيرانية في الشهر نفسه (آب/ أغسطس 2012) على وجه السرعة بطباعة
كتابٍ عبر مؤسسة تابعة لها وهي مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية، حمل عنوان
"شرح إسم خامنئي".. وقد تولى علي أكبر رشاد، وهو مسؤول النشر في مكتب خامنئي،
التعريف بهذا الكتاب قائلاً بالحرف: "إنَّ الكتاب هو شرحٌ لأحد أسماء الله
الحسنى، وهو أحد أولياء الله القائد علي خامنئي"..
لعلَّكم أدركتم أنَّ إقحام المهدي المنتظر في الصراع على
السلطة بين نجاد وخامنئي كان الهدف منه محاولة كل طرفٍ منهما كسب تأييد العوامّ من
الشعوب الإيرانية، التي يؤمن جزء كبير منها بوجود المهدي المنتظر وتؤيِّد خامنئي
على أساس أنه نائبه، فإذ بأحمدي نجاد يحاول سحب البساط لناحيته من تحت خامنئي.. وقد
اعترف حسين خزائي، رئيس مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية التي نشرت الكتاب الآنف
الذكر (شرح اسم خامنئي) بأنَّ الهدف من نشره هو مخاطبة الخيال الشعبي، إذ صرَّح
قائلاً: "إنَّ الهدف من نشر هذا الكتاب هو عرض الصورة الأكثر شعبية في الثورة
الإيرانية بين المتلقّين بطريقة الأدب الشعبي، حيث يحاول أنصار القائد خامنئي ومنذ
سنين أن يصنعوا الصورة اللائقة به من خلال الدعاية ونشر الموضوعات الخيالية
عنه".. (ملاحظة: الإسلام جاء ليحارب الخرافة الدينية في المخيلة الشعبية وهي
التي عناها القرآن حينما تحدَّث عن الكفر والشرك والوثنية).
ونذكِّركم بأنَّ صورة خامنئي الإلهية كانت قد اهتزَّت
بفعل الإنتفاضة الخضراء، التي قام بها الشباب الإيراني صيف عام 2009 ضد نظام الولي
الفقيه عقب حفلة التزوير الكبرى التي قام بها هذا النظام للإنتخابات الرئاسية والتي
نجم عنها المجيء بأحمدي نجاد رئيساً للجمهورية للمرة الثانية، ويومها راح الشيخ
أحمد خاتمي، أحد أتباع خامنئي، يكفِّر الشباب المنتفض ويتَّهمهم بالشرك بالله
لمجرد أنهم انتفضوا ضد الولي الفقيه، قائلاً: "إنَّ
الولي الفقيه (أي خامنئي) هو نائب إمام الزمان (أي المهدي المنتظر)، وإنَّ مخالفة
الولي الفقيه (خامنئي) تعني مخالفة الإمام (المهدي المنتظر)، ومخالفة الإمام
(المهدي المنتظر) تعني الإشراك بالله".. ثم سارع أتباع الولي الفقيه عقب الإنتفاضة إلى الإدعاء
بأنَّ خامنئي (بما أنه مولودٌ في خراسان) هو شعيب بن صالح، الذي سيقود من خراسان
جيشَ المهدي المنتظر (وفق ما تقوله الروايات الشيعية).. ولمّا لاقى هذا الإدعاء
اعتراضاً من المراجع الدينية في قم تمَّ التراجع عنه بأن تمَّ تصويب الأمر ليقال
عوضاً عنه بأنَّ أحمدي نجاد هو شعيب بن صالح (الإدعاء ومن ثم التصويب وردا في
صحيفة "إيران" الحكومية)!
حتى ذلك الوقت كانت العلاقة سمناً على عسل بين المرشد
ورئيس الجمهورية، ولم يكن من بأسٍ حينها أن يتنازل خامنئي لنجاد عن هالة القدسية
التي يحيط نفسه بها.. ولكن حينما فسدت العلاقة بين الإثنين نشأ تنافسٌ بينهما على
المهدي المنتظر، وهو التنافس الذي امتدَّ على صعيدٍ عالمي حينما أرسل نجاد برقية
تعزية بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في آذار/ مارس 2013 قال فيها إنَّ شافيز
سيُبعث مع المهدي المنتظر لإنقاذ البشرية! وقبلها قال نجاد إنَّ تشكيلة حكومته
وافق عليها المهدي المنتظر.. وقال أيضاً إنه بمساعدة المهدي المنتظر لن نسمح بسقوط
بشار الأسد.. وقال أيضاً وأيضاً إنَّ المهدي المنتظر أحاطه بهالةٍ من نور وهو يخطب
في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2012، ثم بشَّر بقرب ظهوره في إيران في نهاية
عام 2012، لكنه اتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى ضرب إيران من أجل عرقلة ظهوره
فيها في هذا الموعد.. ثم وصل الهرج والمرج إلى مداه عشية الإنتخابات الرئاسية
الأخيرة، والتي جرت في حزيران/ يونيو 2013، حينما عقد وزير الإتصالات اللواء محمد
حسن نامي مؤتمراً صحافياً ليعلن تمكُّن وزارته من التقاط صورة وصوت المهدي المنتظر
في إحدى طبقات الغلاف الجوي المسماة "يونوسفير"، واعداً ببث صوته وصورته
إلى مختلف أرجاء العالم، وبعدها سرَّب إلى الإنترنت صورة مفبركة لرجلٍ ضخم تمت
تغطية وجهه بقطعة قماش خضراء مدَّعياً بأنها للمهدي المنتظر!! ومع فوز حسن روحاني
بمنصب رئاسة الجمهورية صيف 2013 وانتهاء ولاية أحمدي نجاد، فإنَّ أتباع الأخير
أشاعوا بأنه (أي نجاد) وفور مغادرته مكتب الرئاسة سيتوارى عن الأنظار بانتظار
ظهوره مع المهدي المنتظر ليشارك معه في الصراع لإحقاق الحق ودحر الباطل..
فهل تصدِّقون بعد كل هذا وذاك أنَّ نظام الولي الفقيه
يؤمن فعلاً بالمهدي المنتظر وقد جعله أركان هذا النظام أُلعوبةً على ألسنتهم، أم
أنَّ إيمان الفرس المتشيِّعين بالمهدي المنتظر هو منذ البداية إيمان سياسي بغية
إقصاء النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله وطرح المهدي المنتظر كشخصية وهمية بديلة
عن النبي ومتفوِّقة عليه مع ادِّعائهم بامتلاكه صفات الله جميعها، ولاحقاً التلطي
خلف خرافة المهدي المنتظر لإسباغ الطابع الإلهي على أنظمة الفرس الحاكمة والراغبة
في التسلُّط على العرب المسلمين واحتلال أرضهم، تماماً كما بكائهم على الإمام
الحسين هو تباكٍ سياسي جاهلي وعنصري شعوبي بغية محاربة العروبة والإسلام والثأر
لأجداد الفُرس المجوس!
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية
بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير 2015 – العدد 1680).
الحديث التالي:
الحديث السابق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق