2011/05/20

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"/ بين الحضارة والبداوة (1 من 5): لماذا الأقباط في مصر أهل ذمة والمسلمون العرب في أميركا مواطنون من الدرجة الأولى؟!


لا يطيق الإسلامجية العرب (سنَّةً وشيعة)، أولئك الذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، وجودَ مواطنين مسيحيين في أوطاننا.. بينما يستطيع أي إنسان مسلم (أو غير مسلم) من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم الإسلامجية هؤلاء، الحصول على البطاقة الخضراء من الولايات المتحدة الأميركية ليصبح بعد سنتين اثنتين فقط مواطناً أميركياً من الدرجة الأولى


إنزل إلى أسفل لتقرأ الموضوع كاملاً

   
        
                                   كتاب
     حوار مع صديقي الإسلامجي
                                             تأليف حسين احمد صبرا





    بين الحضارة.. والبداوة (1 من 5)

      لماذا الأقباط في مصر أهل ذمة..
        والمسلمون العرب في أميركا
        مواطنون من الدرجة الأولى؟!




حسين احمد صبرا
لا يطيق الإسلامجية العرب (سنَّةً وشيعة)، أولئك الذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، وجودَ مواطنين مسيحيين في أوطاننا هم شركاء أصيلين لنا في الوطن خَلَفاً عن سَلَف، وسبق لهم أن اعتنقوا المسيحية في تلك الأوطان قبل ظهور الإسلام بمئات السنين.. فيسعون إلى طردهم من أوطانهم في أقصى حالات النبذ، أو السماح لهم بالبقاء شريطة أن يتم التعامل معهم على أنهم أهل ذمة، أي مواطنين من الدرجة الثانية أو بالأحرى العاشرة، في واحدة من أبشع صور العنصرية التي حرَّمها الإسلام كلَّ التحريم وجرَّمها كلَّ التجريم..
بينما يستطيع أي إنسان مسلم (أو غير مسلم) من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم الإسلامجية هؤلاء، الحصول على البطاقة الخضراء من الولايات المتحدة الأميركية ليصبح بعد سنتين اثنتـين فقط مواطناً أميركياً من الدرجة الأولى مثله مثل أي مواطن أميركي آخر على حد سواء، فيتمتَّع بكل الحقوق وتترتب عليه كل الواجبات، ليصبح متاحاً له بعدها تبوُّء جميع المراكز والمناصب على اختلاف أنواعها بما فيها رئاسة الدولة، كما حصل مع أوباما!
لقد وصلت الأمور إلى حد أن تأشيرات الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية قد بات يُطلق عليها تسمية "يانصيب البطاقة الخضراء"، وهي البطاقة التي يكاد الإعلان عنها يحتل المرتبة الأولى بـين جميع الإعلانات في العالم من حيث الكمية والأهمية، وقد باتت تشكل حلماً لجميع أفراد الشعوب أين منها حلم العاشق بمعشوقته! فالأمر هو فعلاً أشبه باليانصيب الذي يُجرى فيه السحب بالقرعة على 50 ألف تأشيرة سنوياً.. أي أن هناك 50 ألف مواطن من كل أنحاء العالم يحصلون سنوياً على الجنسية الأميركية من خلال هذا العرض (ناهيك عن عشرات الآلاف غيرهم يحصلون على الجنسية بطرق أخرى).. بيد أن الفارق أن هذا السحب هو أولاً سحب مجاني لا يكلِّفك سنتاً واحداً، فقط عليك أن تملأ عدة أوراق بالبيانات المطلوبة.. أما ثانياً، فإن هذا "السحب" لا يتم عشوائياً وبضربة حظ كما هو حاصل في اليانصيب، وإنما تتم الموافقة على التأشيرة أو رفضها من قبل الإدارات الأميركية المختصة بناءً على أسس عديدة لا داعي للخوض فيها وإنما سنكتفي بذكر واحد منها فقط، وهو مدعاة لأن يجعلنا نحن العربَ والمسلمين نجلس ونتأمل ومن ثمَّ نتحسَّر على حالنا.. فالولايات المتحدة هذه تمنح الجنسية الأميركية رسمياً لـ 50 ألف مواطن من كل أنحاء العالم كل عام، ولكن مع تفضيل الأجناس والأعراق والقوميات والأديان والجنسيات التي يتواجد أعداد ضئيلة من أبنائها على الأراضي الأميركية.. فلو افترضنا مثلاً أن المواطنين الأمـيركيين من أصل بنجابي أعدادهم كبـيرة فيما أعداد المواطنين الأمـيركيين من أصل طاجيكي هي أعداد ضئيلة، فإن التأشيرات ستُعطى للبنجابيين بأعداد أقل بينما ستعطى للطاجيكيين بأعداد أكـثر.. وهذا يعني أن أميركا تريد أن تضم إلى مواطنيها الأصليين مواطنين من مختلف الأجناس والأعراق والقوميات والأديان والجنسيات وبنسبٍ متعادلة حفاظاً منها على التعددية والتنوع وفي سعي منها ألاّ تحرم فئةً في العالم من العيش على أراضيها.
وإلى جانب البطاقة الخضراء فإن القوانين الأميركية تمنح الجنسية لكل رجل في العالم يـتزوج بمواطنة أميركية ولكل امرأة تتبعَّل بمواطن أميركي.. ومن هذه النافذة عـبر مئات الآلاف من شباب العالم الثالث ومن بينهم المسلمون العرب، فدخلوا إلى أميركا بتأشيرات سياحية وراحوا يتزوَّجون بفتيات أميركيات (معظمهن زنجيات) مع الإشتراط عليهن مسبقاً بأن الزواج منهن غرضُه الحصول على الجنسية، ثم بعدما يحصل على هذه الأخـيرة يقوم بتطليقها، حـتى بات في أميركا الآن شبكات عريضة من الفتيات الأميركيات المختصات لهذا الغرض وبأجرٍ مادي..
وأمام هذا الطموح والجموح لشعوب العالم للعيش على الأراضي الأميركية والحصول على الجنسية فإن الهجرة غير الشرعية جارية على قدم وساق، حـتى أن التعداد السكاني في الولايات المتحدة لعام 2010 قد أحصى وجود 11,2 مليون مهاجر غـير شرعي موجودين على الأراضي الأميركية (جزء كبـير منهم من المكسيك) ويشكلون ما نسبته 3,6% من مجموع السكان الأمـيركيين البالغ عددهم حوالى 309 ملايـين نسمة (بمن فيهم المهاجرون غـير الشرعيين هؤلاء)! ورغم عدم شرعية تواجدهم على الأراضي الأميركية فإن الإدارات المختصة قامت عام 2010 بمنح الجنسية لحوالى مليون منهم وذلك ضمن ما يُعرف بـ "لَمّ الشَمْل"، أي بمعـنى لمّ شمل الأسرة الواحدة، تلك التي حصل بعض أفرادها على الجنسية في حين لم يحصل عليها الجزء الآخر.. ومن الضرورة بمكان الإشارة هنا إلى أن لمّ الشمل هذا، والذي يجري كل عدة أعوام، لا يطال المهاجرين غير الشرعيين فحسب، بل ويطال أيضاً بقية أفراد أسرٍ  لم يسبق لهم (أي لهذه البقية) أن وطأوا الأراضي  الأميركية من قبل!
            ليس ضعفاً.. وإنما قوة وعظمة    
إن أميركا هذه هي ليست بأضعف دولة في العالم كي نصف هذا الأمر الحاصل فيها من منحٍ للجنسية بهذا السخاء بأنه ناجم عن تسيُّب، بل إنما هي تفعل ذلك من منطلق كونها أقوى دولة عرفها تاريخ البشرية جمعاء..
وأميركا هذه ليست دولة إسلامية لنقول أن سماحة الإسلام وحضارته هما اللتان أنتجتا هذا الإنجاز الأميركي الحضاري الأضخم في تاريخ الإنسانية عملاً بقوله تعالى في القرآن الكريم: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لِتَعارَفوا، إنَّ أكرمَكم عند الله أتقاكم، إن الله عليمٌ خبير".. بل إن أميركا هذه هي دولة يَدِين معظم سكانها (والأهم معظم ساستها ومشرِّعيها) بالديانة المسيحية، وشعارها الوطني الذي ذهبتْ إلى حد طَبْعه على عملتها الخضراء (أي الدولارات التي يعرفها  الإسلامجية جيداً جداً) هو شعار دينـي إيماني عام لا يختص بدين معيَّن ويتبناه أي مؤمن موحِّد أياً تكن ديانته، ويقول بالفم الملآن: "نحن نؤمن بالله"..
ولا يقتصر الأمر في أميركا على البطاقة الخضراء للحصول على حق المواطنة.. ولا بالزواج من أميركيات.. ولا بالهجرة غـير الشرعية.. ولا بلمّ الشمل.. بل إن الأمر تعدى ذلك بأشواط، بحيث يحصل على الجنسية الأميركية على الفور أيُّ مولود أجنـبي خرج من رحم أمه للتوّ سواءً على الأراضي الأميركية أو حـتى في الأجواء الأميركية!!!
أوليس غريباً بعدها أن باستطاعة الإسلامجية الذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى في دولة "مسيحية" هي الولايات المتحدة الأميركية مع العلم بأن الواحد منهم لم يسبق له أن سمع بأميركا هذه طوال عمره إلا من خلال نشرات الأخبار.. بينما يمنعون المسيحيين العرب، وبإسم الدولة "الإسلامية" الميمونة، من أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى في وطنهم الأصلي؟!
وكيف يُعقل أن المولود المسلم على الأراضي الأميركية أو في الأجواء الأميركية يحصل فور خروجه من رحم أمه على الجنسية الأميركية ليصبح مواطناً أميركياً على حد سواء كما كل المواطنين الأمـيركيين، في حـين أن المسيحيين العرب لا يستطيعون أن يكونوا مواطنين أسوةً بالمواطنين المسلمين بحجة أنهم على ديانة غير ديانة الإسلام، مع أنهم أبناء هذه الأرض العربية منذ آلاف السنين؟!
وكيف لنا –نحن المسلمين- أن نستنكر ونستهجن العنصرية الأميركية ضد لون البشرة ولا نستنكر ونستهجن عنصريتنا ضد لون الدين ولون الطائفة ولون المذهب؟!
من هنا نستطيع المقارنة بـين ردة فعل الشارع والكنائس والإدارة السياسية في الولايات المتحدة ضد المسلمين الأمـيركيين بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية بحيث لم يتم حرق أي جامع في أميركا، لا بل على العكس، إذ تم استغلال الصدمة لفتح حوار بـين الأديان داخل أميركا نفسها وخارجها، على الرغم من أن تلك الهجمات الإرهابية هدفت إلى ضرب الحضارة  الأميركية نفسها بضرب صرحٍ من صروحها.. وبـين ردة فعل الذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" ضد الأقباط في مصر وقد دفعتهم بكل سهولة وبساطة لأن يحرقوا كنائس قبطية لأسباب أتفه من التفاهة، مع التذكير بأنه سبق للإسلامجية السنّة أن أحرقوا مساجد شيعية، وسبق للإسلامجية الشيعة أن أحرقوا مساجد سنيّة.. فما هي حقيقة القيم التي يدعي أصحاب شعار "الإسلام هو الحل" امتلاكها حتى يُقْدموا بهذه السهولة واليسر على حرق الجوامع والكنائس؟!
وما علينا سوى أن نلاحظ أن ردة الفعل العنيفة من قبل الشعوب الأميركية على الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في نيويورك قد جاءت بعد 9 سنوات من تلك الهجمات وتمثلت بحرق نسخة واحدة من القرآن على يد رجل دين مسيحي لاقت أول ما لاقت استنكاراً شديد العنف من قبل الإسلامجية أنفسهم، مع أن هؤلاء يحرقون القرآن في كل لحظة بمفاهيمهم وطروحاتهم المشوِّهة له أيما تشويه وبسفكهم لدماء المسلمين وبتفتيتهم لمجتمعاتهم، ومع أنه سبق لهم وأن أحرقوا المئات من نسخ القرآن تلك التي كانت موجودة في الجوامع الـتي أحرقوها أو فجَّروها، وها هم يحرقون المئات من نسخ الإنجيل في الكنائس التي دمروها أو أضرموا النيران فيها..
ولكن، وبما أننا تحدثنا عن أميركا وقيمها الحضارية المتعلقة بمنح الجنسية والمواطنة لكافة شعوب العالم والمثـيرة للإعجاب والإنبهار والصالحة للإقتداء بها، مقارنةً بانعدام القيم عند من يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، فإننا نريد التحدث أيضاً عن التطرف الديني المسيحي فيها.. ففي أميركا أيضاً "سلفيّون"، نرغب بتسميتهم بـ "النصرانجية".. ويكفي أن نلقي بعض الضوء عليهم ليتبـيَّن لنا مدى التطابق بـين النصرانجية عندهم والإسلامجية عندنا.. وهذا هو موضوع حديثنا المقبل.
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشـراع" اللبنانية في 6 حزيران/ يونيو 2011، العدد 1496).


       إقرأ الحلقات المتبقّية:
********************************************************************
                          فهرس كتاب:
********************************************************************
إقرأ قصيدة "مشايخ.. ومشايخ"
                          (شعر: حسين احمد صبرا)
*******************************************************************

                             فهرس كتاب:
***********************************************************
      إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
      www.alshiraa.com               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق