2012/09/21

كتاب "حوار مع صديقي الإسلامجي"/ بعدما تحوَّل الربيع العربي إلى بزرميط إسلامجي (1)- إخوانجية النهضة ينهبون أموال الشعب التونسي ويعتبرونها كغنائم الرسول!





هل تعلمون أنَّ أعداد العاطلين عن العمل في تونس الآن قد ازداد عما كان عليه حين اندلاع الثورة إلى أن فاق عددهم حالياً الـ800 ألف عاطل عن العمل ومعظمهم من الشباب، ومن حاملي الشهادات الجامعية، أي بزيادة أكثر من النصف عما كان عليه الحال حين اندلاع الثورة قبل عام ونصف العام، مع التذكير بأنَّ عدد سكان تونس يبلغ (حسب إحصاءات عام 2009) 10,5 مليون نسمة فقط! فماذا فعل إخوانجية النهضة؟! قبل ذلك هل سمعتم عن إستقالة وزير المالية حسين الديماسي في 27 تموز/ يوليو 2012؟! وهل تعرفون سبب الإستقالة؟!

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً
كتاب
حوار مع صديقي الإسلامجي
تأليف: حسين احمد صبرا
بعدما تحوَّل الربيع العربي إلى بزرميط إسلامجي (1)
إخوانجية النهضة ينهبون أموال الشعب التونسي
ويعتبرونها كغنائم الرسول!
 
حسين احمد صبرا
لقد أطلق الفرنسيون على الثورة في تونس جزافاً تسميةً هي غاية في الرومانسية ألا وهي تسمية "ثورة الياسمين"، لأنها نجحت في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي بشكلٍ سلمي دون إراقة الكثير من الدماء، مثلما سبق لهم أن أطلقوا التسمية ذاتها (ثورة الياسمين) على إنقلاب بن علي نفسه على الحبيب بورقيبة في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987، وخاصةً أنَّ الياسمين هو شعار السياحة في تونس منذ عقود.. في حين أنَّ التسمية الحقيقية التي كان يجب أن تُطلَق على الثورة ضد بن علي هي تسمية "ثورة البطالة".. فقط نريد أن نذكِّركم بأنَّ الشعب التونسي قد رفع أثناء ثورته على زين العابدين بن علي هذا الشعار اللافت: "الشغل والحرية والكرامة الوطنية".. فالشغل، بمعنى توفير فرص العمل، كان في مقدمة أهداف ثورة الشباب في تونس كما ترون..
كما نريد أن نذكِّركم أيضاً بأنَّ الشاب التونسي محمد البوعزيزي إنما قد قام بإحراق نفسه في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 إحتجاجاً على البطالة التي بات يعاني منها بعد حصار النظام الحاكم له في منفذ رزقه الوحيد ألا وهو عربة الخضار، ما أدى إلى إشتعال ثورة شعبية في تونس أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وهي الثورة التي ألهمت الشباب في دول عربية أخرى انطلقت فيها ثورات مشابهة أدت إلى إسقاط العديد من الأنظمة، لتصبح تونس مهداً لما عُرف بالربيع العربي..
وبالتالي، فإنَّ الإخوان المسلمين العاملين تحت مسمَّى حزب النهضة في تونس، لم يتمكَّنوا من الوصول إلى الحكم والإمساك بمعظم مفاصل الدولة إلا بعدما نجحوا في الإنتخابات في كسب تأييد الكثير من سكان المناطق الفقيرة والمهمَّشة في الريف كما في المناطق العشوائية المحيطة بالمدن، وذلك بعدما أوهموا عبادَ الله السُذَّج والجُهَّل بشعارهم الخبيث "الإسلام هو الحل".. حلٌّ لماذا؟! للبطالة؟! فماذا كانت النتيجة؟!
هل تعلمون أنَّ أعداد العاطلين عن العمل في تونس الآن قد ازداد عما كان عليه حين اندلاع الثورة إلى أن فاق عددهم حالياً الـ800 ألف عاطل عن العمل ومعظمهم من الشباب، ومن حاملي الشهادات الجامعية، أي بزيادة أكثر من النصف عما كان عليه الحال حين اندلاع الثورة قبل عام ونصف العام، مع التذكير بأنَّ عدد سكان تونس يبلغ (حسب إحصاءات عام 2009) 10,5 مليون نسمة فقط! فماذا فعل إخوانجية النهضة؟! قبل ذلك هل سمعتم عن إستقالة وزير المالية حسين الديماسي في 27 تموز/ يوليو 2012؟! وهل تعرفون سبب الإستقالة؟!
وزير المالية المستقيل حسين الديماسي
إنَّ كلَّ هَمِّ حزب النهضة حالياً يَنْصَبُّ على إقتطاع مليار دولار دفعة واحدة من خزينة الدولة (الخاوية أصلاً) لإغداقها على 20 ألفاً من أتباعه سبق وأن سُجنوا أيام زين العابدين بن علي (وفق تفعيل قانونٍ للتعويض عن السجناء السياسيين)، وهذا ما أثار غضب وزير المالية حسين الديماسي، الذي استقال متَّهماً حزب النهضة بأنه يريد أن يستأثر بهذا المال للتعويض عن ضحاياه لأسبابٍ إنتخابية (موعد الإنتخابات النيابية المقبلة في آذار/ مارس 2013).. لقد قال الديماسي في بيان إستقالته أنه في وقتٍ تشهد فيه تونس أزمة إقتصادية خانقة فإنَّ أغلب أعضاء الحكومة (يقصد أولئك المنتمين إلى النهضة) يدفعون نحو "منهجٍ سياسي إنتقائي نتج عنه تصاعدٌ فادح ومفاجىء في نفقات الدولة مقارنةً بمواردها"، ملاحظاً أنه كان من الأجدى -عوض إهدار المال العام لأسبابٍ إنتخابية- العنايةُ بالفئات الفقيرة ودعم قدراتها الشرائية بتوفير فرص عمل ملائمة وبتنمية المناطق المهمَّشة مع المحافظة على التوازنات المالية العامة، منتقداً بشدة أن ينصبَّ إهتمام حكومة النهضة على تفعيل قانونٍ للتعويض عن السياسيين يتجاهل تماماً الظروف الإقتصادية والمالية العصيبة التي يُتوقَّع أن تشهدها البلاد خلال السنوات المقبلة..
لقد أصدرت جمعية الخبراء المهنيين التونسية بياناً في 29/ 7/ 2012 ذكرت فيه أنَّ التعويضات التي تنوي حكومة النهضة دفعها لمعتقليها السابقين تعادل أكثر من ضعفَي ميزانية وزارة الشؤون الإجتماعية، أو تعادل ما نسبته 81% من ميزانية التعليم في تونس، أو تعادل 71% من ميزانية وزارة التشغيل المهني!! فما هي الحجج والتبريرات التي يسوقها إخوانجية النهضة لدفع مثل هذه المبالغ الطائلة لأتباعهم الذين يُطلقون عليهم تسمية "المستضعفين"(معظمهم سُجن بتُهَم إستخدام العنف والتفجير والقتل وما شابه بما أضرَّ بالشعب التونسي نفسه، وهو ما يُجرِّمه القانون في كل دول العالم)؟!
بيد أنَّ المسألة لا تتوقَّف عند تعويض سجناء النهضة من الناحية المادية فحسب وإنما تتعداها لتصل إلى حد تأمين وظائف في الدولة لكل هذا العدد الضخم، ما سيُرهق ميزانية الدولة أكثر فأكثر.. في وقتٍ لا يلتفت إخوانجية النهضة إلى إيجاد حل للمشكلة التي يعاني منها حوالى مليون عاطل عن العمل في تونس، على الرغم من أنَّ حكومة النهضة قد أعلنت في أيلول/ سبتمبر 2011 عن خطة خمسية إقتصادية وإجتماعية تهدف إلى خلق مليون فرصة عمل وتحمل شعار "الياسمين الإقتصادي والإجتماعي"، وهي مجرَّد كلام فارغ لا معنى له على أرض الواقع، وقد كان من الأجدى لهذه الخطة أن تحمل شعار "البزرميط الإسلامجي"! فلماذا قامت الثورة إذاً؟!

العجمي الوريني

إليكم ما قاله عضو المكتب التنفيذي في حزب النهضة العجمي الوريني في معرض تبريره لتعويضات أتباع النهضة، فلقد إستمعنا إليه من خلال برنامجٍ حواري أجرته إذاعة لندن مطلع آب/ أغسطس 2012، حيث قال العجمي الوريني بالحرف: "الرسول عندما هاجر فإنه آخى بين المهاجرين والأنصار، وإقتسم مع المهاجرين والأنصار كلَّ شيء"!! وهذا ليس له سوى معنى واحد وهو أنَّ إخوانجية النهضة قد وضعوا أنفسهم في مرتبة الرسول وبالتالي فإنَّ ثروات تونس هي غنيمة لا بد من اقتسامها مع أعضاء حزب النهضة ومع أنصارهم!!
 
التعليم الجامعي سَبَبُ البطالة
تعالوا ضمن هذه المساحة المتاحة الآن نبحث عن السبب الحقيقي الذي فجَّر ثورة الشعب التونسي، هذه الثورة التي يعمل الإخوان المسلمون على مصادرتها لهدف "التكويش" على السلطة كلياً في البلاد.. ولقد بذلنا وقتاً غير قليلٍ ونحن نبحث عن الأوضاع الإقتصادية المتأزمة في محاولةٍ منا لفهم الدوافع الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الثورة في تونس، وسنحاول أن نقدِّم عرضنا لها باختصارٍ وبما قلَّ ودل وفق ما فهمناه وبلغةٍ سهلة ومبسَّطة:
      بدايةً، قد يكون الأمر غريباً بعض الشيء إذا ما عرفنا أنَّ أساس تفاقم أزمة البطالة في تونس هي ازدياد التعليم الجامعي في البلاد! في هذا الإطار بالذات علينا ألا نَبْخَسَ زينَ العابدين بن علي حقَّه في ما يتعلَّق بإتاحة الفرص للشباب التونسي في الحصول على التعليم الجامعي بشكلٍ واسع جداً وبأعدادٍ ضخمة.. لقد وضعت الحكومة التونسية خطةً لأعوام 1997- 2001 عُرفت في تونس بالخطة رقم تسعة، إزداد بموجبها عدد المتخرِّجين في الجامعات التونسية دفعةً واحدة بنسبة 86%، وهو رقمٌ يُعتبر تاريخياً، بحيث بلغ عدد المتخرجين عام 2001 نحو 34,5 ألف متخرِّج، وظلَّ العدد في ازدياد حتى بلغ عام 2007 حوالى 88 ألف خِرِّيج، وهو عددٌ ضخمٌ جداً مقارنةً بعدد سكان تونس البالغ 10,5 مليون نسمة فقط.. وهنا تفاقمت المشكلة.. فمنذ عام 2007 بات لدينا كلَّ عامٍ 88 ألف مُخَرَّجٍ جامعيّ يبحث عن فرصة عمل! ولا ندري مَنْ الذي "ورَّط" بن علي في هذه "الورطة" وأشار عليه بدعم التعليم الجامعي، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إسقاطه عن كرسي الحكم: هل هو الإتحاد الأوروبي أم مجموعة الدول الثماني، أم أيُّ وزيرٍ في حكومته أم أيُّ مستشارٍ من مستشاريه؟!


ماذا كانت النتيجة؟! وفق إحصاءات عام 2009 بات 70% من حاملي الشهادات الجامعية عاطلين عن العمل، وبمعنى أوضح وبحسبة بسيطة: هناك  88 ألف متخرِّجٍ جامعي سنوياً.. 30% منهم يجدون عملاً (أي 26,4 ألف)، فيما 70% منهم يبقون عاطلين عن العمل (أي 61,6 ألف).. لماذا؟
دعونا نبحث عن الأسباب، وهي متعددة.. ولنبدأ بأبرز الأسباب الداخلية:
فالنظام الحاكم قد فشل في رفع نسبة النمو الإقتصادي في البلاد.. وفشل في جلب الإستثمارات.. وقام بتخصيص الكثير من المؤسسات الحكومية الأمر الذي أدى إلى تقليص فرص العمل..  وإلى جانب ذلك هنالك فشلٌ في سياسة التعليم، إذ لم يتم توجيه الشباب الجامعي للإهتمام بالتخصصات العلمية والتكنولوجية وخاصةً تلك التي يحتاجها السوق.. يضاف إلى ما تقدَّم أنَّ من عيوب الإقتصاد التونسي الإعتماد على القطاعات المنخفضة المهارة، تلك التي تعتمد على اليد العاملة الرخيصة كالنسيج وصناعة الملابس..ومن عيوبه أيضاً تشجيع السياحة رخيصة السعر، تلك التي تعتمد على جذب السياح الأوروبيين من ذوي الدخل المتوسط والضعيف، مع الإشارة إلى أنَّ هذه الشريحة من الأوروبيين هي التي كانت الأكثر تضرراً من الأزمة الإقتصادية العالمية التي ما زلنا نشهدها منذ العام 2009..
وكما أشرنا قبل قليل: كلما ارتفع مستوى التعليم كلما زادت نسبة البطالة، ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ فرص العمل في تونس هي متاحة أكثر لمن هم حاصلون على تعليمٍ إبتدائي أو لمن هم أميُّون، أي لليد العاملة الرخيصة وغير الماهرة وغير المتعلمة، إلى درجة أنَّ البطالة تبلغ بين العاملين الأميين 10% فقط، وهم في كل الأحوال يتقاضون أجوراً زهيدة غالباً ما تكون أقل من الحد الأدنى للأجور (نسبة العاطلين عن العمل بين حاملي الشهادات الجامعية 70% كما ذكرنا)..
ومن مشاكل تونس الإقتصادية أيضاً أنه لا توجد فيها مؤسسات تشغِّل عدداً كبيراً من الأيدي العاملة، ولكم أن تتخيلوا أنَّ 84% من المؤسسات التونسية هي مؤسسات صغرى ومتوسطة، لكنها تشغِّل 32,4% فقط من الأيدي العاملة، في حين أنَّ المؤسسات الصغرى والمتوسطة في البلدان الصناعية تشغِّل 60% من الأيدي العاملة.. والمشكلة لا تعود إلى نقصٍ في عدد المؤسسات في تونس بقدر ما هي في قدرتها المحدودة على التشغيل، فالمؤسسات الصغرى (وهي الغالبة) ليس باستطاعتها تشغيل سوى من واحد إلى خمسة أشخاص، وذلك بسبب وجود مصاعب في الحصول على القروض المصرفية وبالتالي على التكنولوجيا التي تتيح فرصةً لعمل الأيدي الماهرة والمتعلمة (ولكن كيف كان يمكن للمؤسسات الصغرى والمتوسطة الحصول على القروض المصرفية في ظل الفساد المستشري، وخاصةً أنَّ ما أُعلن عنه بعد الثورة قد بيَّن أنَّ 127 عائلة من ذوي النفوذ في تونس كانت تستأثر لوحدها عام 2004 بثلث القروض المصرفية الممنوحة للإقتصاد الوطني، أي ما يعادل 45% من الدين الخارجي لتونس!!).. وهكذا فإنَّ القطاع التونسي الخاص ليس بمقدوره استيعاب إلا من 4 إلى 5% من المتخرِّجين الجامعيين سنوياً في أقصى الحالات، أي ما بين 3,5 ألف إلى 4,4 ألف متخرِّجٍ جامعي.. والإقتصاد التونسي بمجمله لا يستطيع استيعاب أكثر من 20 إلى 30 ألفاً من الخرِّيجين الجامعيين سنوياً (نذكِّر بأنَّ عدد خرِّيجي الجامعات يبلغ 88 ألفاً سنوياً)..
أما عن أبرز الأسباب الخارجية فإنَّ الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2009 والتي أدَّت إلى ركودٍ إقتصادي في الأسواق الأميركية والأوروبية، كانت بمثابة النقطة التي طفح معها الكيل، إذ أدَّت أولاً إلى الحد من هجرة الشباب التونسي غير الشرعية إلى أوروبا، وأدت ثانياً إلى إقفال الكثير من المصانع التونسية وخاصةً تلك التي تعتمد في تسويق منتجاتها على الأسواق الأوروبية كمصانع النسيج والأدوات الكهربائية وقطع غيار السيارات.. وهذا ما أدى إلى زيادة إضافية خانقة في أعداد العاطلين عن العمل.. أضف إلى ذلك تأخُّر قدوم المشاريع الإستثمارية الخليجية التي كانت تنوي الإستثمار في تونس..
   
عيوب في برامج التعليم
إذاً، وكما ذكرنا، فإنَّ إتاحة الفرص الواسعة أمام الشباب التونسي في التعليم الجامعي قد أدى إلى تفاقم أزمة البطالة إلى حدٍّ غير مسبوق، وقد بات أكثر من نصف الباحثين عن عمل هم من حاملي الشهادات الجامعية! ففي عام 2008 بلغت نسبة حاملي الشهادات الجامعية بين طالبي العمل 55%..
في آذار/ مارس 2008 أصدر البنك الدولي تقريراً أورد فيه أنَّ البطالة في تونس بدأت تنتشر أكثر فأكثر في صفوف ذوي مستوى التعليم العالي (الجامعي)، حيث تضاعف عدد المتخرِّجين في الجامعات خلال عشر سنوات (275%): ففي حين كان عددهم في عامي 1996- 1997 يبلغ حوالى 122 ألفاً، أصبح في عامي 2006- 2007 يبلغ 336 ألفاً، أي أنَّ عددهم قد ازداد في عشر سنوات ما يقرب من ثلاثة أضعاف.. وقد دعا البنك الدولي الحكومة التونسية آنذاك إلى اعتماد استراتيجية إقتصادية ترتكز على التكنولوجيا والقطاعات المتجدِّدة التي تحتاج إلى يدٍ عاملة تمتلك مؤهلات علمية عالية، طالباً من الحكومة إعادة تأهيل برامج التعليم العالي والتعليم المهني وخلق اختصاصات تقنية وعلمية تستجيب لمتطلبات إقتصاد المعرفة وتكون قادرة على إنتاج طاقاتٍ ويد عاملة مختصة لديها إمكانياتٍ وكفاءاتٍ عالية للعمل في ميادينَ وقطاعاتٍ تكنولوجية متجددة (كإعتماد الطاقة البديلة وما شابه)..
وإلى جانب ما ورد في تقرير البنك الدولي، علينا ملاحظة أنَّه في السنوات العشر الأخيرة قد بدأت تطول "فترة الإنتظار"، أي تلك الفترة التي يقضيها الخرِّيج الجامعي عاطلاً ريثما يجد عملاً، وقد ازدادت حتى بلغت 5 سنوات في المتوسط، مع الإشارة إلى أنَّ فترة الإنتظار تلك قد وصلت في بعض الأحيان إلى 10 سنوات.. واللافت أنَّ أحد المواطنين التونسيين وإسمه مراد الصالحي، بقي 8 سنوات عاطلاً عن العمل رغم حصوله على شهادة جامعية في إدارة الأعمال، وهذا ما دفع به إلى أن يؤسس  عام 2004 جمعيةً تحمل إسم "الجمعية التونسية للمعطَّلين عن العمل"، وقد تعرَّضت للقمع أيام زين العابدين بن علي إلى أن عاودت نشاطها بقوة عام 2011 حتى نستطيع اعتبارها الآن بأنها تشكِّل أكبر "حزبٍ" في تونس من حيث عدد المعطَّلين المنتسبين إليها (أو من الذين يُفترض أن ينتسبوا إليها) والذي جاوز الـ600 ألف مواطن..
20 ألف تونسي يتظاهرون احتجاجاً على استمرار البطالة أمام مقر
الإتحاد العام التونسي للشغل في عيد العمال في 1-5-2012

كما علينا أن نلاحظ أيضاً أنَّ ارتفاع الطلب على العمل لا علاقة له بالزيادة السكانية، ذلك أنَّ النمو السكاني قد إنخفض في تونس في العشرين سنة الأخيرة، وهو أمرٌ مفاجىء، أليس كذلك! فلقد تراجع النمو السكاني من 2,4% عام 1994 إلى 1% عام 2008.. إلا أنَّ نسبة الطلب على العمل قد زادت 2,5%.. وهكذا، فإنَّ عدد العاطلين عن العمل عام 2003، على سبيل المثال، قد بلغ (من سن الـ18 إلى سن الـ59) 452 ألف مواطن.. أما نسبة العاطلين عن العمل من بينهم ممَّن هم دون سن الـ30 فبلغت 68%، أي 307 آلاف مواطن..
الآن فَهِمْتُكُم!
إنَّ زين العابدين بن علي كان يدرك تمام الإدراك أنَّ أزمة البطالة في تونس هي الخطر الأساسي الذي يهدد نظامه، وما نلاحظه أنه في برنامجه الرئاسي لأعوام 2009- 2014 قد جعل من تأمين فرص العمل والحد من البطالة الأولوية المطلقة باعتباره "من حقوق الإنسان"، كما قال هو نفسه حرفياً! ولكنَّ ذلك كان مجرد وعود في الهواء! ولعلكم تذكرون عبارته الشهيرة التي ذكرها وهو يخاطب الشباب التونسي المتظاهر قبل إزاحته عن الحكم بعدة أيام، حينما قال: "أنا (الآن) فَهِمْتُكُم".. ذلك أنَّ ما قصده بتلك العبارة هو أنَّ الأزمة التي يعاني منها الشباب هي البطالة، وأنه الآن قد فَهِمَ أنَّ البطالة موجعة ومؤلمة ومُذِلَّة ومهينة لا بل مميتة، وقد رأى العالم كلُّه كيف أحرق أحدُ الشباب (محمد البوعزيزي) نفسَه بسببها وكيف أنَّ الموت عند الشباب بات أرحم من البطالة.. وكان من المضحك كيف أنَّ بن علي وعد الشباب يومها بتأمين 300 ألف فرصة عمل فوراً! فلماذا انتظر إلى الآن؟! وهو لم يقل لنا كيف! ثم من أين يا حسرة!
سرقة علنية
مجموعة من الشباب التونسي العاطل عن العمل تحاول الإنتحار  شنقاً في أيلول/ سبتمبر 2011
إذاً، ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإنَّ البطالة بلغت عام 2007 حوالى 14% من مجمل اليد العاملة.. وفي أيار/ مايو عام 2010 بلغ عدد العاطلين عن العمل 491 ألفاً، أي بما نسبته 13% من اليد العاملة.. والمأساة أنَّ عدد العاطلين عن العمل في أيار/ مايو 2011 (أي بعد 4 أشهر من الثورة) قد ارتفع وفقاً لأرقام المعهد الوطني التونسي للإحصاء (وهو مؤسسة حكومية) ليصل إلى 704 آلاف عاطل عن العمل، أي بما نسبته 18,3% من اليد العاملة، أي أنَّ البطالة قد ارتفعت ما بين أيار/ مايو 2010 وأيار/ مايو 2011 بنسبة 5,3% من مجموع اليد العاملة، وبحسبة أخرى فإنَّ أعداد العاطلين عن العمل في الفترة نفسها قد زادت بنسبة 70% (تحديداً 69,7%)، وهو رقمٌ مخيف جداً! وحالياً يتم تداول أرقام غير رسمية بأنَّ أعداد العاطلين عن العمل في تونس عام 2012 قد فاق الـ800 ألف ويكاد يقترب من المليون!!
وحسب أرقام المعهد الوطني التونسي للإحصاء في 9/ 11/ 2011 فإنَّ أكثر المناطق التي تنتشر فيها البطالة في تونس هي منطقة الوسط الغربي (كمحافظة سيدي بو زيد) (28,6%).. ثم منطقة الجنوب الغربي (كمحافظة قفصة) (26,9%).. ثم منطقة الجنوب الشرقي(كمحافظة تطاوين) (24,8%).. ثم منطقة الوسط الشرقي(كمحافظة صفاقس) (21,1%).. وأخيراً المناطق الشمالية من البلاد (كمحافظات سوسة وجندوبة ومنوبة)(بين 17,3% و17,8%)..
إذاً، محافظة سيدي بو زيد، مهد الثورة التونسية حيث أحرق محمد البوعزيزي نفسه، هي أكثر المناطق التونسية على الإطلاق في معدلات البطالة.. فما الذي تغيَّر بعد الثورة ومن ثمَّ قيام إخوان النهضة بتشكيل حكومةٍ همُّها الأوحد التكويش على السلطة تحت شعارات رنانة ومزيَّفة تمتد من إعادة إحياء الخلافة الإسلامية وتحرير القدس وصولاً إلى التآمر على ثورتي الشعبين السوري واللبناني بإعادة إحياء حلف "المقاومة والممانعة" مع الفُرس أعداء العرب ومع أتباعهم من الشيعة العرب؟!
إنَّ ما يفعله إخوانجية النهضة الآن هو سرقة علنية لثورة الشعب التونسي، وقد رأينا كما ذكرنا في البداية كيف يعملون على سرقة أموال التونسيين وتبديدها على أتباعهم، كما هو حال مبلغ المليار دولار الذي ينوون صرفه على مَنْ كان مسجوناً منهم في سجون بن علي عِوَضَ أن ينفقوا مبلغاً ضخماً كهذا على مشاريع تنمية توفِّر عشرات الآلاف من فرص العمل للشباب التونسي العاطل عن العمل!
حديثنا السابق:
حديثنا التالي:
(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية في 3 أيلول/ سبتمبر 2012، العدد رقم 1559).
ترقبوا قريباً كتاب:
"الخليج العربي.. أم الخليج الفارسي؟!"
(تأليف: حسين احمد صبرا)
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
****************************************************************************
فهرس دراسة في اللغة والموسيقى:
"لهذه الأسباب اللهجة المصرية محبوبة"
(قيد الطبع)
********************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:




  

 













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق