أما "فيفا زلاطة" فهو فيلم سينمائي فكاهي مصري ظهر عام 1976 ليـروِّج -كما فهِمْنا من أحداثه- للسياسة المصرية المستجدة، تلك التي انتهجها انور السادات منذ العام 1975 واستمرت من بعده إلى الآن: إنَّ حرب تشرين الأول/ اكتوبر عام 1973 هي آخر حروب مصر مع إسرائيل، وإنَّ مصر لم تعد مستعدة من الآن فصاعداً لأن تحارب نيابةً عن أشقائها العرب ولا حتى التدخل في شؤونهم، فقد قامت بواجبها وأكثر طوال عشرين عاماً ولم تعد مستعدة للقيام بذلك مرةً أخرى، بل عليها الإلتفات إلى نفسها.
الفصل الثاني
إما الإنكفاء..أو تجارة المخدرات.. أو إسقاط حلف بغداد الجديد (1من2)
شباب ثورة مصر بين ثلاثة خيارات:
نظرية "فيفا زلاطة".. أو أكذوبة
الممانعة.. أو عبد الناصر بروحٍ عصرية!
الممانعة.. أو عبد الناصر بروحٍ عصرية!
حسين احمد صبرا
أما "فيفا زلاطة" فهو فيلم سينمائي فكاهي مصري ظهر عام 1976 ليـروِّج -كما فهِمْنا من أحداثه- للسياسة المصرية المستجدة، تلك التي انتهجها انور السادات منذ العام 1975 واستمرت من بعده إلى الآن: إنَّ حرب تشرين الأول/ اكتوبر عام 1973 هي آخر حروب مصر مع إسرائيل، وإنَّ مصر لم تعد مستعدة من الآن فصاعداً لأن تحارب نيابةً عن أشقائها العرب ولا حتى التدخل في شؤونهم، فقد قامت بواجبها وأكثر طوال عشرين عاماً ولم تعد مستعدة للقيام بذلك مرةً أخرى، بل عليها الإلتفات إلى نفسها.
هذا النهج، أو ما نرغب بتسميته بـ "النظرية" الداعية إلى انكفاء مصر عن دورها القومي العربي وحصر اهتمامها ببناء ذاتها، قد قام بترجمته فنياَ كلٌّ من السينارست أنور عبدالله (والد الفنانة سماح أنور من زوجه الفنانة الراحلة سعاد حسين) والفنان الكبـير فؤاد المهندس (بطل هذا الفيلم ومنتجه أيضاً)..
إمليانو زباتا |
أما عن إسم "زلاطة" فهو مستوحى من إسم إمليانو زباتا، الثائر المكسيكي الشهير ضد النظام الإقطاعي في بلاده، والذي انضم إلى الثورة المكسيكية مطلع القرن العشرين وخاض معارك طاحنة لجعل الأراضي التي يزرعها الفلاحون بالأجرة أو بالسخرة ملكاً لهم، إلى أن نجح عام 1914 مع أحد القادة من رفاقه باحتلال العاصمة مكسيكو، فهتف الفلاحون بإسمه وهو الهتاف الذي بات أشهر من نار على علم: فيفا زباتا (يعيش زباتا)، إلى أن اغتاله أحد جنـرالات النظام الحاكم عام 1919.. ولعل ما ساهم في جعل هذا الهتاف ينتشر بهذا الشكل الواسع بيـن جمهور عريض من سكان الكرة الأرضية (بالإضافة إلى سيرة حياة هذا الثائر) هو الفيلم السينمائي الأميركي "فيفا زباتا" عام 1952 والذي قام فيه بدور زباتا الممثل الأميركي الشهير مارلون براندو.
الآن أخونا زلاطة (فؤاد المهندس) موجود في العاصمة تكسيكو (على وزن مكسيكو)، وقد هاجر إليها من مصر، أي أنه مصريّ الجنسية.. في تكسيكو يصبح زلاطة هذا واحداً من أبطال الثورة هناك ضد النظام الحاكم فيها إلى أن ينجح مع رفاقه في احتلال تكسيكو (كما احتلَّ زباتا مكسيكو) ليصبح حاكماً للمدينة، فيهتف الناس بإسمه: فيفا زلاطة.. على أن أحد أركان النظام السابق (محمود مرسي) ينجح في اغتياله (كما اغتيل زباتا)، فتسارع أرملة زلاطة وإسمها نجمة (شويكار) إلى السفر إلى مصر لتستنجد بإبن شقيق زلاطة واسمه متولي (فؤاد المهندس أيضاً في دور ثانٍ)، طالبةً منه التوجه فوراً إلى تكسيكو للأخذ بثأر عمه زلاطة وإكمال مسيرته الثورية "المُزفَّرة".
ويُظهر الفيلم، الذي هو من إخراج حسن حافظ، التناقض بيـن شخصية الأخ زلاطة، الثورجي الشرس بل قُل المجرم، وبيـن شخصية إبن شقيقه متولي، الوديع والمسالم.. ولعل الكثيـرين منكم يذكرون هذا المشهد الملفت والمعبـّر حيث تعمَّد صُنّاع الفيلم إظهار مدى إجرام وهمجية الشخصيات الثورجية: إذ بينما يتواجد الأخ الرفيق زلاطة في إحدى حانات تكسيكو صودف وجود أربعة أشخاص جالسين أمام إحدى الطاولات ويلعبون الورق.. يقول زلاطة لصاحبه وهو مخمور إنَّ أحد هؤلاء الأربعة لا يعجبني، فيسأله صاحبه: ميـن فيهم؟ فيقوم المجاهد زلاطة بإطلاق الرصاص على ثلاثة منهم ليُرديهم قتلى ويبقى واحدٌ منهم على قيد الحياة جالساً على كرسيه، حينها يشير زلاطة إليه قائلاً: هوَّ ده (!!).
إذاً، يقبل متولي الذهاب إلى تكسيكو، وهناك يكتسب من البيئة المحيطة به طباعَها ويتحول إلى ثورجي شرس ومجرم، وفي النهاية ينجح في الأخذ بثأر عمه بأن يتمكن من قتل محمود مرسي (قاتل عمه).. على أن متولي هذا ، وبعد أن أخذ بالثأر وأحب أرملة عمه (شويكار) وتزوج بها، يقرر مغادرة تكسيكو نهائياً والعودة إلى مصر، التي هي في المقام الأول لديه، ليمضي بقية حياته مع زوجه بأمان واستقرار في مَنْبته حيّ الحسينية.
ونلاحظ أن الفيلم يُختتم بأغنية "مصر هيَّ أمي" (أي مصر وليس تكسيكو).. حيث يقول مطلع هذه الأغنية، التي كتبها عبد الوهاب محمد ولحّنها كمال الطويل وغناها في الفيلم فؤاد المهندس (لاحقاً سجلتها عفاف راضي بصوتها): مصر هيَّ أمي/ نيلها هوَّ دمّي/ شمسها بسماري/ شكلها بملامحي/ حتى لوني قمحي / من خيرك يا مصر.
إذاً، جاء فيلم "فيفا زلاطة" دعوةً لإنكفاء مصر عن دورها القومي العربي ودورها في مساعدة حركات التحرر في دول العالم الثالث بعدما أدت هذا الدور بنجاح في عصر عبد الناصر، والآن جاءت مرحلة جديدة يتصدرها أنور السادات وحان الوقت لأن تكون مصر هي أمي.
خيار الإنكفاء هذا هو واحد من الخيارات الثلاثة، التي نرى أن على شباب ثورة مصر اختيار واحد منها.. مع التذكير بأن الإنكفاء يعني أن تعيش مصر في ما يشبه العزلة عن هموم ومشاكل محيطها العربي وتنكفىء على نفسها للتفرغ لبناء ذاتها اقتصادياً واجتماعياً (عام الرخاء).
للتذكير فقط، نقول ان السادات لم يكن أميناً مع نظرية فيفا زلاطة هذه (أي نظرية الإنكفاء)، وإليكم كيف ترجم عدم الأمانة مع هذه "النظرية":
أولاً، لن نتحدث عن أن السادات قد فجَّر حقده الشخصي على عبد الناصر وإنما سنهمل هذا الكلام (مع التنبيه إلى أن الحقد لغوياً هو خلاف النقمة، التي قد تنجم عن غضب أو عدم رضى عن تصرفات شخص معيَّـن أو ظلمٍ أو أذىً لحق بنا من قبله، أما الحقد فهو ناجم عن غيرة وحسد).. فقط سنقول ان السادات هدم كل ما بناه عبد الناصر دون أن يبني شيئاً في المقابل كيما نقول أنه أعاد البناء!
ثانياً، أن شعار "دولة العلم والإيمان"، الذي رفعه السادات، قد عمل هو نفسه بنقيضه.. فمن ناحية "العلم" سنكتفي بالإشارة إلى الإقتصاد فحسب، والذي هو عماد أي دولة يُعْمل على بنائها حديثاً أو يُعمل على إنهاضها وتطويرها. فإذا ما كان جهابذة علم الإقتصاد المصريون قد ضربوا كفاً بكف بعدما عجزوا عن تحديد الوجهة التي يتجه إليها الإقتصاد المصري، فعن أي علمٍ نتحدث! أما عن "الإيمان" فحدِّث ولا حرج، فلقد أصبح إرخاء اللحية كافياً لأن يتحوَّل الإنسان إلى عبقري (تكنولوجيا حديثة، باسم الله ما شاء الله)، وبات الإيمان لقمة يلوكها أراجوزات، تصدَّرهم محمد متولي الشعراوي.. وأخرج السادات جماعات الإسلامجية من السجون وأفلت لها الحبل على الغارب لمحاربة الناصريين والشيوعيين، حتـى باتت الجامعات (رمز العلم المقدَّس) مسرحاً لأن يجلدك الطلبة الإسلامجية بالجنازير أو أن يفتحوا كرشك بعطوة أبو مطوة إذا ما خالفتهم الرأي! وصارت مصر المحروسة كلها مسرحاً للتكفيـر وللفتنة الطائفية ولعصاباتٍ إسلامجية تسفك دماء المصريين! ولا تنسوا أن يوسف القرضاوي كان من أبرز منظِّري الإسلامجية آنذاك!
ثالثاً، أن السادات الذي رفع شعار الإنكفاء وعدم التدخل في شؤون الآخرين ما لبث أن فتح الباب على مصراعيه لشباب الإسلامجية من الإخوان المسلمين وبقية الجماعات التـي خرجت من عباءتهم، للتطوع للذهاب إلى أفغانستان "للجهاد" فيها من أجل تحريرها وإسقاط الإتحاد السوفياتي.. لقد زحف الإسلامجية على بطونهم إلى أفغانستان ليتدربوا ويتسلحوا على أيدي الإستخبارات المركزية الأميركية "السي آي إي"، بعدما أفتوا للسادات بالصلح مع إسرائيل مستشهدين بالآية الكريمة: "وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها"!
وما عليكم، يا شباب ثورة مصر إذا ما قررتم اعتماد خيار الإنكفاء، سوى أن تختاروا بين أمرين: إما نظرية "فيفا زلاطة".. أو نظرية "فيفا سلاطة"!
الإنضمام إلى النادي العالمي لتجارة المخدرات
هذا وفي حال رفض شباب ثورة مصر نظرية "فيفا زلاطة" فإن الخيار الثاني المتاح أمامهم هو أن يعتمدوا منهج التقية (أي الكذب على الله) بأن يرفعوا شعار الممانعة مصحوباً بالطبل والزمر وصواريخ "الفشنك"، وبالزعق ليل نهار من خلف المنابر وعبـر مكبـرات الصوت والفضائيات والشاشات العملاقة مدَّعين بأنكم تريدون تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.. وفي حال استقرَّيتم على هذا الخيار، أي أكذوبة الممانعة، فما عليكم يا شباب ثورة مصر سوى أن تستعدوا للتالي:
أولاً، ألاّ تكِلّوا ولا تمَلّوا من رفع شعارات الدفاع عن الفقراء والكادحين والمحرومين والمستضعَفين والمعذَّبين في الأرض، لأنها هي التي ستُكسِبكم شعبيةً وتضمن وصولكم إلى السلطة وسيكون لها الفاعلية في تثبيتكم على الكراسي، تماماً كفاعلية مثبِّتات الحمل عند النساء.
ثانياً، بناء دولة أمنية إرهابية إرعابية، وتنكيلية إذلالية، شعارها المقدَّس الأمنُ وحده لا شريك له، لتدوس على رقاب الفقراء والكادحين والمحرومين والمستضعفين والمعذبين في الأرض وتنهب ثروات بلدهم، وتودي بمن يتفوَّه منهم بحرف واحد ضدها إلى ما وراء الشمس.. وتحوِّل الشعب إلى كتبة تقارير، كله يتجسس على كله.. وتُجبـر "الجماهير" على السير في مظاهرات مليونية وهي تهتف "يموت الشعب ويحيا النظام".
ثالثاً، إلصاق تُهَم بعينها ضد أي صاحب رأي أو نهج أو فكر مخالف لرأيكم أو نهجكم أو فكركم، من قبيل: خائن، كافر، عميل ل "عَفْروتّو" الأكـبر، عميل ل "عَفْروتّو" الأصغر، عميل للصهيونية العالمية، أجـير للملوخية الكوكبية... وبعدها تستبيحون دمه وتتهمون إسرائيل بقتله!!
رابعاً، التهيؤ للـتزود بالمال النظيف والشريف والعفيف لتملأوا به جيوبكم وجيوب أزلامكم من "الممانعين" بمليارات الدولارات نظـير تبنِّيكم لثقافة الموت، لتبنوا بها دويلاتكم المسخ وتشترون بها أصحاب النفوس المريضة والعقول المسطحة، ولترفِّهوا بها عن أنفسكم قليلاً (عزٌّ بعد فاقة) قبل أن "تستشهدوا" في سبيل كرسي السلطة (عدم اللامؤاخذة)!
خامساً، أن تُبدعوا في استنفاد ما في قاموس إبليس من شر، لتضطرّوا إبليس ذات نفسه لـيركض صوبكم ويأخذ دروساً خصوصية على أيديكم كيما يتسنى له النجاح في ثانويته العامة أملاً منه في أن يلتحق بجامعاتكم ليتعلم فيها العهر والفجور والكفر على أصوله.
سادساً أن تُنَصّبوا رئيس (أو مرشد) الجمهوية المصرية رئيساً (أو مرشداً) إلى الأبد، وأن تسنّوا له قانوناً يمنع تداول السلطة ويسمح بالتوريث.. وحينها ستبلغ ثروة رئيسكم (أو مرشدكم) "التأبيدة" وعائلته عشرات المليارات من الدولارات وستبدو ثروة حسني مبارك وعائلته أمامها مجرد ملاليم.
سابعاً، إذا ما ثار الشعب المصري يوماً ما ضدكم لا تنسوا أن تهددوه بهذه الجملة المعرَّبة: لو أن حسني مبارك قتل مليوناً من الشعب المصري لما نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير في إسقاطه.
ثامناً، أن تستغفروا كلَّ الفاسدين الذين ثُرتم ضدهم وطالبتم بمحاكمتهم ومصادرة ثرواتهم التي نهبوها من الغلابة المصريين، وأن تكرِّموهم وتُعيدوا إليهم هذه الـثروات وتشجعوهم على نهب المزيد، والبحر يحب الزيادة.. فهؤلاء سيكونون عاملاً أساسياً في حماية نظامكم واستمراره.
تاسعاً وبما أنكم ثوار ومجاهدون ومقاومون وممانعون، فإن صراعكم مع إسرائيل يتطلب "مصروف جيب" وافراً جداً، فما عليكم إذاَ سوى أن تقتفوا أثر زملائكم في المهنة، أولم تسمعوا بالمثل القائل: الغـيرة من الجـيرة عمَّرت الديرة.. إذاً عليكم اقتطاع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في مصر لزراعتها بالحشيش، لتدخلوا بعدها النادي العالمي لتجارة المخدرات، واسألوهم (زملاءكم في المهنة) يدلُّوكم إلى مثلث كولومبيا- البيرو- الإكوادور لتجنوا من تجارتكم مليارات الدولارات والتبريكات سنوياً لتستخدموها في جهادكم الأكبر ضد "عَفْروتّو" الأكبر و"عَفْروتّو" الأصغر.
وبما أن أملنا بكم كبيـر ونُبْصر فيكم حماساً ورغبةً في التغيـير وعناداً وإصراراً على بناء دولة قوية في بر مصر، فإن الخيار الثالث يبقى الأوفر حظاً في أن تعتمدوه يا شباب ثورة مصر، ألا وهو: إحياء عبد الناصر من جديد، ولكن بروحٍ عصرية.
ولكن حذارِ!
في السياسة، ممنوعٌ أن يتسلَّم السلطة (بأكملها أو بمعظمها) عسكرٌ بثيابٍ مدنية.
في تركيبة النظام، ممنوعٌ ظهور عبد الحكيم عامر آخر هو وزمرته.
في العمل الإستخباري، ممنوعٌ استدراج سعاد حسني أخرى لتصويرها وهي عارية (زلبطّة) لابتزازها وتجنيدها للعمل مع الإستخبارات المصرية، كما فعل المُتعَبْقر صلاح نصر.
في الإقتصاد الوطني، ممنوعٌ القضاء على سليم باشا البدري، رمز الصناعة الوطنية (الفنان يحيـى الفخراني في مسلسل عكاشة "ليالي الحلمية").
في العسكرية، ممنوعٌ التورط في يمنٍ أخرى، وممنوعٌ أن يجرَّكم المجرمون الحاقدون الغوغائيون من العرب إلى حرب 67 أخرى.
في الموقف من النظام السابق، ممنوعٌ محو صورة الرئيس حسني مبارك في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية كما فعل بعض الضباط الأحرار الأغبياء حينما أمروا بمحو صورة الملك فاروق باللون الأسود من على خامات الأفلام السينمائية المصرية، حتى بات الأمر مثار سخرية ودليلاً على الغباء.
في السياسة العربية، ممنوعٌ الخلاف مع المملكة العربية السعودية.
في الوحدة العربية، ممنوعٌ الإندماج، ومطلوبٌ فقط التعاون والسعي للتكامل على جميع الصعد دون استثناء، شرط ألاّ تتقدَّم مصلحة أي شعب عربي آخر على مصلحة الشعب المصري.
وبالتالي، إذا ما قررتم يا شباب ثورة مصر إحياء عبد الناصر من جديد بروحٍ عصرية، فإن صعوبات وتحديات وعقبات جمّة ستعترض مسيرتكم وتُفرض عليكم قهراً..
للعلم فقط، نذكِّركم بأن عبد الناصر وبعد نجاح ثورته في 23 تموز/يوليو عام 1952 اختار أول ما اختار خيارَ الإنكفاء.. لقد أراد التفرغ لبناء مصر اقتصادياً واجتماعياً.. لقد هرش رئيس وزراء العدو الإسرائيلي ديفيد بن غوريون برأسه حينما تهادى إلى أسماعه هذا الخبر، وقال إن ما يريد عبد الناصر فعله هو مدعاة للقلق بالنسبة إلى إسرائيل وهو أمر غـير مُطَمْئن!
كان همُّ عبد الناصر الأول ومنذ وقت مبكر جداً هو الزراعة والصناعة.. فظهرت قوانين الإصلاح الزراعي أول ما ظهرت عام 1954.. ولكن، وبما أن الزراعة بحاجة إلى ماء وبشكل منتظم، والصناعة بحاجة إلى كهرباء، فقد قرر عبد الناصر العمل منذ ذلك العام (أي 1954) على بناء السد العالي.. وهنا بدأت المشكلة مع الغرب، والتي أفضت –وبسبب السد العالي- إلى حروب عسكرية وسياسية واقتصادية ضد مصر لانهاية لها!
لم يكن الغرب (ولا إسرائيل بطبيعة الحال) ليسمح لعبد الناصر ببناء السد العالي، لأن ذلك كان سيمكِّن مصر من إحداث نهضة زراعية – صناعية- إجتماعية، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى أن تصبح مصر دولةً قوية (كما تحقَّق في الستينيات).
على أن هذا الغرب، الذي لم يكن في نيَّته قط تمويل السد العالي، رمى لعبد الناصر طعماً.. قال الغرب لعبد الناصر عام 1955: أُدخل معنا في حلف بغداد نموِّل لك السد العالي.. فما هو حلف بغداد هذا؟
هل سيُسقط شبابُ ثورة مصر حلفَ بغداد الجديد؟!
**************************************************************************************
**************************************************************************************
***************************************************************************
***************************************************************************
***************************************************************************
فهرس الكتب
***************************************************************************
إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية على موقعها الإلكتروني التالي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق