2017/07/21

التقرير الأول لبوريس نيمتسوف: "بوتين – النتيجة المالية"/ الفصل السادس: محاكم "باسمان".



التقرير الأول لبوريس نيمتسوف: "بوتين – النتيجة المالية"/ الفصل السادس: محاكم "باسمان".





إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً






الكتاب الأبيض لبوريس نيمتسوف – التقرير الأول:
بوتين – النتيجة المالية
(موسكو – شباط/ فبراير 2008)

تأليف:
بوريس نيمتسوف
(النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الإتحاد الروسي عامي 1997 – 1998)
فلاديمير ميلوف
(نائب وزير الطاقة في روسيا عام 2002)

نقله من الروسية إلى الإنكليزية: ديفيد إيسّيل (2008)
نقله من الإنكليزية إلى العربية: حسين احمد صبرا (2016)


(Путин. Итоги (первое издание доклада


Boris Nemtsov’s White Paper in Full

Putin: the Bottom Line
(February 2008) 
first edition

by Boris Nemtsov
First Deputy Prime Minister of the Russian Federation, 1997-1998
and

Vladimir Milov
Deputy Minister of Energy, 2002


(Translated from the Russian by Dave Essel (2008

(Translated from English to Arabic by Hussein Ahmad Sabra (2016




الإهداء من قبل حسين احمد صبرا:
إلى روح الشهيد بوريس نيمتسوف، زعيم المعارضة الروسية الذي كان من المفترض أن يكون هو رئيس روسيا عام 2000 بدلاً من بوتين، والذي اغتاله بوتين بالقرب من أسوار الكرملين في 27 شباط/ فبراير 2015.


الفصل السادس
محاكم "باسمان"



بوريس نيمتسوف
فلاديمير ميلوف
لقد أدى عصر بوتين إلى أن تفقد الناس كل الإيمان بالعدالة والحماية القانونية وإلى انهيار فكرة سيادة القانون، في وقتٍ قال بوتين في خطابه الأول أمام الجمعية الإتحادية في عام 2000: "إننا نصر على دكتاتورية واحدة فقط هي دكتاتورية القانون".
ولكن عوضاً عن ذلك فإنَّ "دكتاتورية الفوضى" هي العبارة الأكثر تعبيراً عن الوضع في نهاية رئاسته. لقد أصبحت روسيا بطل العالم في التطبيق الإنتقائي للقانون في سبيل خدمة مصالح السلطات. أما القضاة فهم خاضعون تماماً للإختلاس، والمخالفات بالجملة للحقوق المدنية هي الأمر اليومي في أي قضية جنائية. لقد استحقَّت روسيا المرتبة الأولى المريبة في عدد الطلبات المقدَّمة من قِبَل مواطنيها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج [في فرنسا]، ذلك أنَّ أكثر من خُمْس جميع الطلبات إلى هذه المحكمة آتية من روسيا، وأكثر من 90% من هذه الحالات تعبِّر عن الإفتقاد إلى الدولة. وللأسف، لا تستطيع ستراسبورج أن تُلْزِم قضاتَنا بمراجعة قراراتهم، وإنما تستطيع فقط أن تُلْزِم الدولة بدفع تعويضاتٍ للمواطنين. من هنا فإنَّ سلطاتنا القانونية تشعر بأمانٍ تام في مواقفها. 
لقد توَّجت قضية شركة "يوكوس" (*) انتصارَ الفوضى وانعدام القانون في روسيا: لقد استُخدمت المحاكم كأداةٍ لمصادرة الممتلكات الخاصة لصالح الدائرة المحيطة ببوتين. خلال هذه القضية وَضَعَتْ روسيا نوعاً من الإجراءات القضائية التي أصبحت تسمَّى بـــ"قضاء باسمان"، وذلك "تكريماً" لمحكمة "باسمان" المحلية التي استمعت إلى القضية وفعلت العجائب في الفوضى والخروج على القانون وأَظْهَرَتْ الخنوع الكلي للسلطة التنفيذية من خلال قرارها الذي اتَّخَذَتْهُ ضد شركة "يوكوس" وميخائيل خودوركوفسكي وبلاتون ليبيديف.
___________________________________
(*) المعرِّب:  للإطلاع عما حصل لشركة "يوكوس" الروسية النفطية راجع كتاب حسين احمد صبرا "بوتين زعيم مافيا" – الفصل السادس: "بوتين تحوَّل إلى قيصر النفط في روسيا بعدما تخلَّص من معارضه ميخائيل خودوركوفسكي".
___________________________________
وبمجرد أن تغيَّر مَالِكُو أصول "يوكوس"  حتى راجع القضاة على الفور أحكامهم السابقة التي كانت تنص على أنَّ "يوكوس" يتوجَّب عليها دفع الضرائب المستحقة. وبعد أن أصبحت أصول "يوكوس" الأساسية (الموجودة ضمن شركة "يوجانسك نفط غاز") تحت سيطرة شركة "روسنفط" (المملوكة من قبل الدولة)، تبخَّرت المطالبات الضريبية وبدأ القضاة "بأعجوبة" إسقاطَ المطالبات الضريبية ضد الشركة. وفي شباط/ فبراير 2005 ألغَت محكمة التحكيم الجنائية الإتحادية التابعة لموسكو حكمَها السابق والذي كان ينص على أنَّ أكثر من 9 مليار روبل [360 مليون دولار] من الضرائب المرتجعة من عام 1999 كانت مستحَقَّة على "يوجانسك نفط غاز". وقبل ذلك، وأثناء ما كانت "يوجانسك نقط غاز" ما تزال تابعة لشركة "يوكوس"، فإنها خسرت قضيَّتَها مرتين. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2005 قضت محكمة التحكيم في موسكو بأنَّ مطالبة دائرة الضرائب الإتحادية بفرض ضريبة إضافية للفترة ما بين 1999 – 2001 تبلغ 5,6 مليار روبل [224 مليون دولار] هي مطالبة غير قانونية. 
إنَّ قضية "يوكوس" قد أطلقَت الأيدي دون قيدٍ أو شرط للبدء في "الإرهاب الضريبي"، أي بما معناه: المطالبات الضريبية التعسفية الضخمة ضد الشركات وفقاً لأهواء مفتشية الضرائب. واضطرت الشركات إلى دفع مبالغ للحكومة، ليس وفق ما هي مدينة به حسب القانون، وإنما وفق ما تعتقده السلطات. وفي معظم الحالات تقف المحاكم مع السلطات الضريبية. إنَّ افتراض أنَّ دافعي الضرائب قد قاموا بحساب ضرائبهم بشكلٍ صحيح وفق المنصوص عليه في القانون، تمَّ استبداله عن سابق نية وإصرار بالإفتراض أنَّ دافعي الضرائب هم مذنبون، وبالتالي أصبح من المستحيل عملياً القيام بأعمالٍ تجارية في روسيا من دون دفع الضرائب بشكلٍ غير قانوني، وبات الإرهاب الضريبي يُستخدَم في كل مكان كعصا لانتزاع الممتلكات من "الغرباء" لإعادة توزيعها على "المقرَّبين". إنَّ هذا يحدث على جميع المستويات: الإتحادية والإقليمية والمحلية.
إنَّ هذا النظام يعيق تطور المشاريع في البلد، حيث تشعر الشركات التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم بأنَّ أسوأ آثار هذا النظام هو في أنها لا تستطيع دفع الرشى للموظفين الحكوميين وللقضاة. وهذا يقود البلد إلى السيطرة الكاملة للإحتكار، وهو تحالفٌ احتكاري بين الأعمال التجارية الإجرامية والموظفين الحكوميين الفاسدين. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 تحدَّث رجل الأعمال أوليج شفارتزمان إلى صحيفة "كومرسانت" عن الكيفية التي تتم من خلالها ممارسة "ابتزاز الدولة" [أي الإبتزاز الذي تمارسه الدولة] لانتزاع المُلكية من رجال الأعمال وتقديمه إلى منظمة مرتبطة بالخدمات الحكومية، مع الإشارة إلى أنَّ شفارتزمان كان قد شارك بنفسه في بعض المشاريع التجارية التابعة للكرملين. وقد تمكَّن شفارتزمان من بالفعل وصف نظام بوتين بدقة. وليست فقط أصول شركة "يوكوس" التي شعرت بالضغط من قبل نظام ابتزاز الدولة عن طريق مسؤولي السلطة التنفيذية والمحاكم، بل هناك أصول شركات أخرى تعرَّضت للإبتزاز نفسه: "سخالين – 2"، "روسنفط"، "نورتغاز"، تامبي نفط غاز"، حقل غاز "كوفيكتا"، "المصانع المتحدة للآلات والأدوات"، مطار "دوموديدوفو"، واللائحة تطول.
وكان للإصلاح القانوني، المفترَض أن يعزِّز الضمانة الدستورية لاستقلال القضاء، أثرٌ معاكس، حيث تحوَّل الإستقلال إلى الإعتماد. فقد أعاد بوتين تعيين غالبية القضاة الروس، وفي عام 2000 نجح في تعيين ممثلين للرئاسة في "كُلِّيَّات التأهيل"، التي يُفترض أن تكون أجهزةً للإشراف والرقابة ولها الحق في إقالة القضاة من مناصبهم. إنَّ صيغة القوانين المتعلقة بـ"وضعية القضاة في الإتحاد الروسي" وبـــ"هيئات التنظيم القضائي في الإتحاد الروسي" لا تنص بمعايير واضحة على ما هي "المخالفات الإنضباطية" للقضاة التي تبرِّر إقالتهم من وظائفهم. ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ عدم الوضوح هذا يجعل من السهل التخلص من القضاة الذين يشكلون عقبةً، ويجعل من السهل ابتزاز القضاة الآخرين. فلقد تمَّت إقالة قاضية سابقة في "محكمة منطقة نوفوسيبيرسك" من منصبها من قِبَل "كلية التأهيل"، وذلك بسبب "طلباتها المتكررة إلى السلطات دفاعاً عن حقوقها ومصالحها".
ولن يكون مفاجئاً أن يسعى القضاة إلى إصدار أحكامٍ تتناسب مع السلطات.
كما أنَّ اعتماد المحاكم على السلطات هو سببٌ آخر لعدم حماية المواطنين الروس. إنَّ التضامن المؤسسي مع الحكومة – من قِبَل المحققين والمدَّعين العامِّين – يجعل المحاكم تميل نحو إصدار أحكامٍ بالإدانة، وفي الحقيقة وفي كثيرٍ من الحالات يقوم القضاة ببساطة بإلغاء وثائق الإتهام. بيد أنه في مجالٍ ما، لا يمكن العثور على الميل إلى إصدار أحكامٍ بالإدانة في القضايا المتعلقة بالموظفين الحكوميين المشاركين في إعادة توزيع الأصول، والمتعلقة بغيرهم ممن قاموا بوسائلَ مشبوهة بتجميع المليارات بفضل صِلاتهم ببوتين. بل على العكس، فإنَّ مثل هؤلاء الناس هم في وضعٍ متميِّز.
وفي الطرف الآخر من المقياس يمكن للروس العاديين أن يجدوا أنفسهم في السجن جراء سرقتهم لقطعةٍ من النقانق. وقد صُدِمَ العالم تماماً في أوائل عام 2008 من خلال قضية وصلت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: لقد تم الإحتفاظ بالمواطنة الروسية أولجا جافريلوفا (من مدينة نيجني نوفوجورد) في الحبس الإحتياطي لعدة أشهربتهمة سرقة من هذا القبيل، وهي الإنسانة المعوَّقة والمصابة في ذلك الوقت بأمراضٍ خطيرة.
ويتعيَّن تغيير النظام القانوني تغييراً جذرياً حتى يحصل الروس على حقهم المضمون في الحماية القضائية وعلى إجراء فحصٍ عادلٍ ومنصفٍ لقضاياهم. ويتعيَّن على البلد أن ينفِّذ مبدأ استقلال القضاء المكرَّس في الدستور. وهذا لن يتطلَّب فقط إرادة سياسية من قبل السلطة التنفيذية وإنما سنحتاج أيضاً إلى برلمانٍ مستقل، ورقابة عامة على السلطات، وكما قلنا عدة مراتٍ مسبقاً: حرية الصحافة والأنشطة السياسية.
وبالإضافة إلى ضمان استقلالية القضاء فإننا نحتاج إلى تعريفاتٍ قانونية أوضح للجنح التي يحق لــ"كليات التأهيل" تأديب القضاة فيها. وفي حالة الجرائم الأكثر خطراً – وفوق كل شيءٍ الفساد وشهوات مصالح السلطة التنفيذية – فإننا في حاجةٍ إلى أساسٍ قانوني لفصل هؤلاء القضاة من وظائفهم. وعند تعيين قضاةٍ جدد فسيكون من المهم أن نضع في اعتبارنا الحاجة إلى تشكيل جيلٍ قضائي جديد لم يشهد تعاوناً مع السلطة التنفيذية وليس ملزَماً بالتضامن مع السلطات. هذه هي الطريقة الوحيدة التي سنتمكَّن من خلالها من ميل القضاء بشكلٍ مفضوح نحو إصدار احكام الإدانة.
وإلى أن تتم تلبية هذه الشروط، ليس هناك أملٌ كبير في الحصول على عدالة غير متحيِّزة في روسيا.

الفصل التالي:
الفصل السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق