2017/02/10

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (6)/ بوتين تحوَّل إلى قيصر النفط في روسيا بعدما تخلَّص من معارضه ميخائيل خودوركوفسكي.



باستطاعتنا تسمية الملياردير الروسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي بأنه كان قيصر النفط في روسيا بلا منازع حتى العام 2003، عن ثروةٍ شخصية بلغت 15 مليار دولار، وقد غدا حينها أثرى أثرياء روسيا على الإطلاق، كما احتل المرتبة الـ16 بين أغنياء العالم، وكانت ثروته متأتية من قطاع النفط عبر شركته العملاقة "يوكوس".
تلاحظون أننا نقول "الملياردير السابق"، لأنَّ ثروة خودوركوفسكي الحالية بالكاد تبلغ 100 مليون دولار، ذلك أن فلاديمير بوتين عمل على إفلاس خودوركوفسكي منذ العام 2003 ليحل بوتين محلَّه منذ ذلك الحين قيصراً للنفط في روسيا بلا منازع..

إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)



الطامع في ثروة سورية النفطية (6)

بوتين تحوَّل إلى قيصر النفط في روسيا
بعدما تخلَّص من معارضه ميخائيل خودوركوفسكي






حسين احمد صبرا
باستطاعتنا تسمية الملياردير الروسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي بأنه كان قيصر النفط في روسيا بلا منازع حتى العام 2003، عن ثروةٍ شخصية بلغت 15 مليار دولار، وقد غدا حينها أثرى أثرياء روسيا على الإطلاق، كما احتل المرتبة الـ16 بين أغنياء العالم، وكانت ثروته متأتية من قطاع النفط عبر شركته العملاقة "يوكوس".
تلاحظون أننا نقول "الملياردير السابق"، لأنَّ ثروة خودوركوفسكي الحالية بالكاد تبلغ 100 مليون دولار، ذلك أن فلاديمير بوتين عمل على إفلاس خودوركوفسكي منذ العام 2003 ليحل بوتين محلَّه منذ ذلك الحين قيصراً للنفط في روسيا بلا منازع..
ميخائيل خودوركوفسكي مع بوتين
القصة بدأت حينما تحوَّل خودوركوفسكي إلى معارضٍ سياسي لبوتين مطلع الألفية الثالثة، وأصبح منافساً جدياً له على السلطة، فقرَّر بوتين مَحْوَهُ عن الخارطة السياسية والإقتصادية الروسية كلياً، فاتهمه بالتهرب من الضرائب والإختلاس وغسل الأموال، وقرَّر عليه دفع مبلغٍ خيالي بلغ 28 مليار دولار خلال 24 ساعة، وإلا بيعت شركاته بالمزاد العلني، وهذا ما حصل وبأبخس الأثمان.. ثم سَجَنَ بوتين خودوركوفسكي لبضع سنوات وما لبث أن أفرج عنه بفعل الضغوط الغربية عليه، لينتقل خودوركوفسكي للعيش في سويسرا.. ورغم ذلك ما زال يُعتبر خودوركوفسكي منافساً لبوتين على السلطة. 
والآن إلى التفاصيل: مَنْ هو ميخائيل خودوركوفسكي، وما هي شركته النفطية العملاقة "يوكوس"، وكيف عمل بوتين على إفلاسه؟

خودوركوفسكي و"يوكوس"

كان الملياردير ميخائيل خودوركوفسكي (البالغ من العمر 53 عاماً/ مواليد 1963) قيصرَ النفط في روسيا بلا منازع كما أشرنا، جَمَعَ ثروته من خلال شركته المسماة "يوكوس"، وهي شركة عملاقة للنفط والغاز مقرها في موسكو، وقد أصبحت "يوكوس" بين عامي 1996 و2003 واحدة من أكبر وأنجح الشركات الروسية، وباتت تنتج 20% من إنتاج النفط الروسي (أي بقدر ما كان ينتجه حينها العراق أو ليبيا).
خودوركوفسكي مع بوتين
كان خودوركوفسكي من مؤيدي بوتين في بداية عهده مطلع الألفية الثالثة، إلى أن جنح نحو المعارضة منذ شباط 2003 مطالباً بوتين بمكافحة الفساد في الكرملين وأجراء الإصلاحات في البلاد، فقرَّر بوتين الإنتقام منه لاسيما إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن خودوركوفسكي هو أغنى رجل في روسيا ويملك أكبر شركة فيها، فسارع بوتين إلى اتهامه بالتهرب الضريبي وغسل الأموال والإحتيال وقام باعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه (2003)، أي بعد بضعة أشهر من انتسابه إلى المعارضة..
لقد طالبت محكمة الضرائب خودوركوفسكي بطلبٍ غريب جداً، كما سبق وأشرنا، ألا وهو دفع مبلغٍ وقدره 28 مليار دولار!! وطلبت منه طلباً أكثر غرابة ألا وهو أن يقوم بتسديد المبلغ كله في اليوم نفسه، رافضةً عَرْضَ خودوركوفسكي بأن يقوم بتقسيطه! وفي العام التالي (2004)، وكنتيجةٍ لعجز خودوركوفسكي عن دفع هذا المبلغ الضخم في يومٍ واحد، قامت المحكمة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2004 بعرض أكبر شركة من شركات "يوكوس" وتسمى "يوجانسك للنفط والغاز" للبيع في المزاد العلني، وهي الشركة التي تضخ مليون برميل نفط يومياً وتمثِّل ما يقرب من 60% من إنتاج "يوكوس".. وهنا حصلت التعاجيب: لقد قامت شركة مجهولة تدعى "مجموعة بَيكال فايننس" بشراء 76,79% من الشركة النفطية "يوجانسك للنفط والغاز" التابعة للشركة الأم "يوكوس".. فمن هي هذه الشركة المجهولة المسماة "بيكال فايننس"، التي استطاعت أن تدفع مبلغاً وقدره 9,3 مليار دولار، ومن أين لها أن تدفع عداً ونقداً مبلغ 1,7 مليار دولار كإئتمان ؟!

"بيكال فايننس"


المبنى القديم لشركة "روسنفط" في موسكو
لقد تمَّ تأسيس الشركة الوهمية "بيكال فايننس" في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2004، أي قبل نحو أسبوعين من المزاد، وقد سجَّلت عنواناً وهمياً لها في مدينة "تفير" الروسية، التي تقع شمال غرب موسكو على بعد 165 كلم، في مبنًى عادي يضم باراً للفودكا ومحلاً لبيع الهواتف النقالة ووكالة للمرشدين السياحيين ومكاتب للعديد من الشركات المحلية الصغيرة، ولكن دون أن يكون لـ"بايكال فايننس جروب" أي مكتب في هذا المبنى.. ثم فجأةً انتقل عنوان الشركة إلى عنوان شركة "روسنفط" قبالة الكرملين، لتتَّضح الصورة بعدها: فشركة "روس نفط" النفطية الروسية مملوكة من قبل الدولة بنسبة 75,16%.. 
ولم يلبث بوتين أن أقرَّ في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2004 (أي بعد يومين من المزاد المثير) بأنه كان يعلم أصحاب "بايكال فايننس جروب"، لكنه لم يكشف عن أسمائهم، إلا أنه أشار إلى أنهم أفراد لديهم خبرة طويلة في مجال الطاقة.. ولاحقاً كشف بوتين في حديثٍ مع إحدى الصحف الإسبانية في شباط/ فبراير 2006 أنَّ "روس نفط" هي التي استخدمت الشركة الوهمية "بايكال فايننس" لشراء شركة "يوجانسك" لحماية الأخيرة من مخاطر التقاضي.
 وما علينا سوى ملاحظة التالي: إنَّ "يوجانسك" (أكبر شركات "يوكوس) والتي بيعت بسعرْ بخسٍ مقداره 9,3 مليار دولار، لم يلبث أن ارتفعت قيمتها رسمياً في العام التالي (2005) إلى 56 مليار دولار! ولا غرابة في أنَّ شركة "روس نفط" (بعد شرائها لشركة "يوجانسك") باتت حالياً أكبر شركة روسية في تداول النفط التجاري (تليها شركات: "لوك أويل"، "سورجوت"، "غازبروم نفط"، و"تات نفط").
وهكذا، في آب/ أغسطس عام 2006 أفلست شركة "يوكوس"، ثم تمَّت تصفيتها عام 2007، وقُضي على صاحبها ميخائيل خودوركوفسكي.

توجيه الإتهام إلى بوتين

كثيرون في روسيا وخارجها وجَّهوا أصابع الإتهام إلى بوتين بأنه وراء صفقة شراء شركة "يوجانسك" التابعة لـ"يوكوس"، وقد قال يومها فلاديمير ميلوف (نائب وزير الطاقة السابق ورئيس معهد سياسات الطاقة المستقل في موسكو) في مقابلة إذاعية عبر الهاتف: "شيءٌ واحد أنا واثقٌ منه وهو أنَّ هذه الصفقة نُظِّمت تماماً من قِبَل الكرملين، وكل ما يجري يتم بناءً على تعليماتٍ مباشرة من الكرملين".. وكتب ليونيد برشيدسكي، مؤسس صحيفة الأعمال الروسية "فيدومستي"، قائلاً: "إنَّ أياً من المليارديرات الروس ممكن أن يواجه الإتهامات نفسها (التي تعرَّض لها خودوركوفسكي)؛ إنَّ سجن خودوركوفسكي جعلهم ينصاعون لبوتين، بحيث أنَّ الأخير اكتفى بضحيةٍ واحدة فقط كعبرةٍ لهم".
خودوركوفسكي أثناء المحاكمة
وإلى يساره مساعده بلاتون ليبيديف
من جهتها أثارت "يوكوس" عالمياً ما تعرَّضت إليه من مؤامرة وقالت في وثائق مقدَّمة إلى المحكمة في هيوستن في ولاية تكساس الأميركية أنَّ النيابة العامة الروسية أرادت الإنتقام السياسي من ميخائيل خودوركوفسكي.. هذا بالإضافة إلى أنَّ ملابسات انهيار "يوكوس" أثارت انتقادات دولية قوية ضد الكرملين، حتى أنَّ منظمة العفو الدولية أصدرت في 24 أيار/ مايو 2011 بياناً اعتبرت فيه خودوركوفسكي ومساعده بلاتون ليبيديف سجناء رأي ودعت إلى الإفراج عنهما بعد انقضاء مدة عقوبتهما الأولية، وكانت مناسبة هذا البيان هو الحكم الثاني الذي صدر في 27 كانون الأول/ ديسمبر عام 2010 بسجن خودوركوفسكي وليبيديف لمدة 13 عاماً بتهمة غسل الأموال والإختلاس.. وأمام الضغوط الدولية تراجع الكرملين فتمَّ الإفراج عن خودوروفسكي في كانون الأول/ ديسمبر 2013 (أُطلق سراح ليبيديف بعده بشهرٍ واحد)، واعتُبر ذلك انتصاراً لكلٍ من خودوركوفسكي وللرئيس الروسي آنذاك ديميتري ميدفيديف، الذي كان أقل تشدداً من بوتين.
وهكذا، بعد إطاحة معارضه السياسي والإقتصادي ميخائيل خودوركوفسكي، تحوَّل بوتين إلى قيصر النفط في روسيا بلا منازع، وليس أدل على ذلك تلك التصريحات من داخل روسيا بأنَّ ثروته من الأسهم في الشركات النفطية الروسية تبلغ 70 مليار دولار، وتلك التصريحات من خارج روسيا بأنَّ ثروته من تلك الأسهم تبلغ 200 مليار دولار.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 25 كانون الثاني/ يناير 2016، العدد رقم 1733). 

الحديث التالي:
الحديث السابق:









 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق