2017/06/12

مناقشة هادئة مع صديقٍ ناصري مؤيِّد لحزب الله/ حسن نصر الله بين تشرشل وديجول/ حزب الله قاتَلَ إسرائيل في سبيل الله.. أم في سبيل التكويش على السلطة؟!



لقد طَرَحَ صديقي وليدُ الزعيمَ الفرنسيَّ شارلَ ديجول مثالاً: هو انتصر في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي هو مَنْ حَكَمَ فرنسا.. أي بما معناه أنَّ حزب الله هو الذي "انتصر" وهو الذي يجب أن يحكم لبنان...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



مناقشة هادئة مع صديقٍ ناصري مؤيِّد لحزب الله

حسن نصر الله بين تشرشل وديجول
حزب الله قاتَلَ إسرائيل في سبيل الله..
أم في سبيل التكويش على السلطة؟!






(هذا الكلام هو بِرَسْم جميع طُـلَّاب السلطة في الوطن العربي).


حسين احمد صبرا
في 3 حزيران/ يونيو 2017 أرسل لي صديقٌ ناصريٌّ ومؤيد لحزب الله تعليقاً عبر صفحتي في الفيسبوك، قال لي فيه بعد التحية والسلام:
"سؤالٌ واضحٌ وأتمنى جواباً واضحاً:
"أنا جنوبيٌّ من النبطية الفوقا (جنوب لبنان)، ولولا حرب التحرير التي قادها شباب المقاومة (حزب الله) وحرَّروا الأرض، لم أكن أستطيع زيارة قريتي إلا بالذل والخنوع والإذلال.
"مع العلم أنه في عام 1982 تمَّ الدخول إلى أول عاصمة عربية من قبل الإحتلال الصهيوني.
"ديجول انتصر في الحرب وحَكَمَ فرنسا" (إنتهى نصُّ التعليق).
الإمضاء: وليد علي العزِّي.
أما وليد علي العزِّي فهو باختصارٍ صديقٌ عزيز، وإنسانٌ مسالمٌ وودودٌ وخَلُوق، تمتد الصداقة بيننا إلى ما يزيد عن 35 عاماً (منذ العام 1983)، وهي ليست صداقة شخصية فحسب بل صداقة عائلية تشمل كافة أفراد أسرتي: والداي (رحمهما الله) وأشقائي وشقيقاتي.. وهو فنانٌ ويُعتبر من أشهر المصوِّرين الفوتوجرافيين في لبنان، واستديو التصوير الذي يمتلكه (فوتو وليد) ذائع الصيت ويقع بالقرب من منزل أهلي في محلَّة المُصَيْطِبَة في بيروت، وله فروع عديدة في بيروت وضواحيها..  

مسألة هامَّة وخطيرة

صديقي وليد، القومي العربي الناصري، مؤيِّدٌ لحزب الله، وقد طرح في تعليقه الوارد أعلاه مسألةً في غاية الأهمية والخطر، ولا بدَّ لنا جميعاً أفراداً وأحزاباً، مواطنين ومثقَّفين وسياسيين عرباً، من أن نجد إجابة واضحة على هذه المسألة المتعلقة بأزمة السلطة في الوطن العربي:
- هل أنَّ من ينتصر في الحرب هو الذي يجب أن يحكم بمفرده؟! وبمعنىً تفصيلي: هل أنَّ مَنْ يُعارض نظام الحكم أو يقود ثورة سلمية أو مسلَّحة ضده هو الأَحَقُّ في استلام السلطة بعد سقوط هذا النظام؟! هل أنَّ مَنْ ينتصر في الحرب الأهلية له الأحقية في السيطرة على مقاليد الحكم؟! هل أنَّ من ينتصر على العدو له الأحقية في التكويش على السلطة؟!  
لقد طَرَحَ صديقي وليدُ الزعيمَ الفرنسيَّ شارلَ ديجول مثالاً: هو انتصر في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي هو مَنْ حَكَمَ فرنسا.. أي بما معناه أنَّ حزب الله هو الذي "انتصر" على إسرائيل وهو الذي يجب أن يحكم لبنان..

قبل ديجول.. فلنبدأ من تشرشل

إليكم زعيماً أوروبياً آخر انتصر في الحرب العالمية الثانية انتصاراً مُدَوِّياً، أين منه انتصار شارل ديجول، حيث قاد صمودَ بريطانيا في وجه الغزو الألماني النازي، ألا وهو ونستون تشرشل..
ونستون تشرشل هو الذي رفض الإستسلام لهتلر، وهو الذي أَلْهَمَ المقاومة البريطانية على الثبات في الجبهات بروحٍ معنوية مرتفعة، وكلَّما سؤل أثناء الحرب العالمية الثانية: ما هو هَدَفُك؟ أجاب: "هدفي هو النصر بأي ثمن، فبدون النصر لا وجودَ لنا".. مع التذكير بأنَّ تشرشل حينما استلم زمام الحكم في بريطانيا (كرئيسٍ للوزراء) عام 1940، أي عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية، فإنه قال للبريطانيين جملته الشهيرة: "لا أستطيع أن أَعِدُكُم إلا بالدم والدموع والبكاء والألم"، في إشارةٍ منه إلى تصميمه على الدفاع عن بريطانيا مهما بلغت التضحيات.
تشرشل هذا، أَسْقَطَهُ الشعبُ البريطاني في الإنتخابات عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.. لماذا؟! لأنَّ البريطانيين رأوا أنَّ الرجل الذي قاد بريطانيا بنجاحٍ أثناء الحرب ليس من الضرورة أن يقودها بنجاحٍ أوقات السِلْم، وقد قالوا له بالعربي "المُشَبْرَح": أنتَ مَنْ صَنَعَ الإنتصار، عظيم، ولكن لن نَدَعَكَ تركب على أكتافنا، فغداً ستقول لنا بمناسبة وبدون مناسبة: أنا الذي صَنَعْتُ الإنتصار، أنا الذي عَمَلْتُ وأنا الذي فَعَلْت، وتريد أن تُبْرِز كلَّ قراراتك كما لو أنها صادرة عن قَدِّيسٍ مُطَوَّب.. أُغْرُبْ عن وجهنا!
الأهم في ذلك هو ما فعله تشرشل بعد سقوطه المدوي في الإنتخابات، إذ تحوَّل إلى زعيمٍ للمعارضة بكل بساطة.. إنها الديمقراطية، حيث لم يكن تشرشل يمتلك ميليشيا مسلَّحة بــ150 ألف صاروخ، ولم يقم باجتياح لندن عسكرياً، ولا مارس الإغتيال والتخوين والتكفير ضد خصومه السياسيين.. إنها الروح الديمقراطية.. وهذه الروح الديمقراطية هي التي عادت وجاءت به رئيساً لوزراء بريطانيا في الإنتخابات التي جرت عام 1951، أي بعد 6 سنوات.

أمَّا ديجول..

أما شارل ديجول فلم ينتخبه الشعب الفرنسي رئيساً للجمهورية في أعقاب الإنتصار على النازية عام 1945! والمفاجىء في الأمر هو السبب في تنحية ديجول جانباً: لقد طَرَحَ رؤيته السياسية في جعل فرنسا دولة ديمقراطية قوية، الأمر الذي لم يَرُقْ للفرنسيين آنذاك.. فبقي ديجول 13 عاماً خارج السلطة، ولم ينتخبه الشعب الفرنسي رئيساً إلا أواخر عام 1958، أي بعد أكثر من 13 عاماً على الإنتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية..
وفي كل الأحوال، هو لم يُمْضِ في الحكم رئيساً إلا ما يزيد بقليلٍ عن 10 سنوات، حيث قامت مظاهراتٌ قادها العمَّال والطلاب الفرنسيون عام 1968 ضده يطالبونه بتطبيق اللامركزية في فرنسا.. حينها طرح ديجول هذا الأمر ضمن استفتاء شعبي، وقد أظهر على هامش هذا الإستفتاء نوعاً من الدكتاتورية حينما خيَّر الشعب الفرنسي بين أن يصوِّت لصالح اللامركزية بنسبةٍ كبيرة وإلا فإنه سيستقيل.. فما كان من الفرنسيين إلا أن رفضوا "دكتاتورية" ديجول ولم يصوِّتوا إلا بنسبة أقل مما كان يتوقَّعُها، وهكذا جعله الفرنسيون يضطر إلى الإستقالة ربيع العام 1969.. أي بمعنى أنهم قالوا له: أنتَ حقَّقْتَ لنا الإنتصار في الحرب العالمية الثانية، أَيْ نَعَم، ولكنَّ هذا لا يمنحك الحق بأن تمارس الدكتاتورية علينا وتركب على أكتافنا.. أُغْرُبْ عن وَجْهِنا!

ما لم يفعله ديجول حينما كان خارج الحكم

كلُّ ما فعله ديجول حينما نُحِّي جانباً في أعقاب تحقيقه الإنتصار لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، هو أنه أسَّس حركةً سياسية حملت إسم "مسيرة الشعب الفرنسي" (استمرَّت من عام 1947 وحتى العام 1955)، وكان من أبرز أهدافها الداخلية هو محاربة "حصرية" الحكم في يد الأحزاب، أي بمعنى أن تكون فرنسا دولة ديمقراطية لا دكتاتورية يسيطر عليها حزبٌ أو أكثر.. فهل لاحظتَ يا صديقي العزيز الفارق بين ما فعله ديجول في فرنسا وما يفعله حزب الله في لبنان؟!
إنَّ الزعيم الفرنسي البطل شارل ديجول كان يؤمن بفرنسا أولاً.. وفرنسا أخيراً.. وفرنسا دولةً ديمقراطيةً قوية.. ولم يكن جندياً من جنود ولاية الفقيه، وهو حينما لم يتم انتخابه رئيساً بعد تحرير فرنسا فإنه لم يَقُمْ بتأسيس ميليشيا عسكرية من المقاومين الذين قاتلوا معه لتحرير فرنسا إبَّانَ الحرب العالمية الثانية ، وإنما جعل هؤلاء المقاومين الفرنسيين ينضمُّون فوراً إلى الجيش الفرنسي بكل سهولة، وانصرف هو ومناصريه إلى العمل السياسي البحت.. لم يمتلك 150 ألف صاروخ، ولا قام باجتياح باريس دفاعاً عن "شبكة الإتصالات الخاصة به".. ولا أمضى ثلاثين عاماً وهو يغتال خصومه السياسيين.. فديجول لم يكن متَّهماً باغتيال أي شخصية سياسية فرنسية.. ولم يُنشِءْ في فرنسا دويلةً داخل الدولة، لها جيشها ومناطقها الأمنية واقتصادها المستقل.. ولم يفتعل حرباً مع العدو تؤدي إلى تدمير بلده ثم يقول: "لو كنتُ أعلم".. ولم تتباهَ إيران بأنها تحتل باريس، أو أنَّ باريس جزءٌ من الإمبراطورية الفارسية.. ولم يضع ديجول يده على استخبارات الجيش والأمن العام والقضاء، ولم يشنَّ حرباً شعواء على شعبة المعلومات كونها الجهاز الأمني الوحيد الذي لم يسيطر عليه.. وهو خلال 13 سنة أمضاها خارج سدة الحكم ( وتحديداً بين عامي 1947 و1958) لم يقل: "ديجول أو لا أحد".. لم يعطِّل الإنتخابات الرئاسية ولم يعطِّل المجلس النيابي ولم يحاصر سرايا الحكومة، ولم يسعَ إلى تفصيل قانونٍ انتخابي على قياسه، ولا فَرَضَ الثُلُثَ المعطِّل في الحكومة ولا ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة الفرنسية".. ولم يقم باستعراضاتٍ عسكرية يتحدَّى فيها الدولة وجيشَها، ولم ينفِّذ يوماً أمنياً طويلاً متحدِّياً الأجهزة الأمنية، ولم يهدِّد ولم يخوِّن ولم يكفِّر أحداً أو يتَّهمه بالعمالة لإسرائيل.. ديجول لم يكن للحظةٍ واحدةٍ أقوى من الدولة الفرنسية، ولا استقوى عليها بسلاحه وبمليارات الدولارات من المال النظيف الشريف العفيف.. ولا تاجر بالمخدرات ولا بالسلاح.. ولا تعمَّد شراء مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في مختلف المناطق الفرنسية وأقام فيها معسكراتٍ لميليشياته بغية السيطرة لوجستياً على كل فرنسا.. ولم يُنْشِءْ ديجول سرايا الدفاع عن المقاومة الفرنسية من الزعران والحشَّاشين والقوَّادين والمجرمين من أصحاب السوابق ليرهب بهم خصومه السياسيين والبيئات الشعبية المعارضة له.. كما أنَّ ديجول رفع شعار "فرنسا دولة ديمقراطية قوية" ولم يرفع شعار "فرنسا جمهورية إسلامية"... والحديث في هذا المجال لا ينتهي.

المشاركة في السلطة.. أم التكويش على السلطة؟!

هنا تكمن المسألة الهامة والخطيرة: هل أنَّ كل مَنْ يقاوم العدو و"ينتصر" عليه، تجب مكافأتُهُ بأن تُقَدَّم السلطة إليه على طبقٍ من ذهب لـ"يُكَوِّش" عليها بمفرده.. أم يجب إشراكه في السلطة؟!
الديمقراطية هي التي تخوِّله المشاركة في السلطة من عدمها، وذلك عبر الإنتخابات الشعبية وفق قوانين إنتخابية عادلة..
والدكتاتورية هي التي تخوِّلُهُ "التكويش" على السلطة إلى أبد الآبدين..
فهل نريد لبلدنا لبنان أن يكون دولةً ديمقراطية، أم دولةً ديكتاتورية يهيمن عليها حزب واحد يمتلك 150 ألف صاروخ ويرتبط بولاية الفقيه؟!
إنَّ ديجول حينما أتى رئيساً لفرنسا لم يكوِّش على السلطة، وقد تخلِّى عنها طواعيةً بعد عشر سنوات.. فعلى أي أساسٍ يريد حزب الله "التكويش" على السلطة، مع العلم أنك لن تجد أحداً في لبنان معارضاً لحزب الله (بمن فيهم كاتب هذه السطور) إلا ويؤمن بضرورة مشاركة هذا الحزب في السلطة لكونه مكوِّناً أساسياً من المكوِّنات اللبنانية، وهو عملياً مشاركٌ فيها؟!
أما "التكويش" على السلطة فهو أمرٌ مرفوض كلياً أياً تكن الجهة "المكوِّشة".. وتلك هي مشكلة حزب الله مع معظم اللبنانيين..
من هنا لا بدَّ أن أطرح في الختام هذا السؤال الهام جداً:
هل أنَّ حزب الله قاتَلَ إسرائيل في سبيل الله، أم في سبيل التكويش على السلطة؟!
إنَّ أبسط أسس العقل والمنطق والفَهْم الديني وَفْقَ النص القرآني تقول إنَّ مَنْ يقاتل العدو في سبيل الله فإنه يأخذ أَجْرَهُ من الله.. أي أنَّ المسألة متروكة للدار الآخرة.
أمَّا مَنْ يقاتل العدو في سبيل التكويش على السلطة، فإنَّ قتاله هذا هو دونما أدنى شَكٍّ قتالٌ في سبيل الحياة الدنيا، ومَنْ يفعل ذلك هو مِنْ طُـلَّاب الدنيا لا من طُـلَّاب الآخرة، وستجده يُربح الأخرين الجميل متبجِّحاً دوماً بالقول: أنا قاتلت، أنا فعلت، أنا عملت، أنا انتصرت، أريد السلطة كلَّها لي لوحدي كجائزةٍ على "انتصاري"...
فهل أنَّ ما فعله حزب الله في السنوات الماضية وما يفعله الآن هو "مقاومة" في سبيل الله أم "مقاولة" في سبيل التكويش على السلطة لحسابه الخاص أولاً، كما لحساب نظام ولاية الفقيه والإمبراطورية الفارسية المزعومة؟!

(10/ 6/ 2017)

















 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق