2017/06/01

وفقَ النص القرآني/ الأنبياء أنفسهم لم يكونوا معصومين.. فمن أين للولي الفقيه العصمة؟!



أمَّا وقد رأينا – وفقَ النص القرآني – أنَّ أنبياء الله ورُسُلِهِ لم يكونوا معصومين عن الخطأ، وأنَّ الله جَلَّ وعلا كان يتدخَّل بشكلٍ مباشر بلُطْفِهِ وحكمته ورحمته تبعاً لفداحة الخطأ المُرْتَكَب لِثَنْيِهِم عنه ونَهْيِهِم عن تكراره.. فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي:
من أين للولي الفقيه العصمة دوناً عن أنبياء الله ليكون ما يصدر عنه صواباً لا يقبل الخطأ ولا الشك ولا الإرتياب ولا حتى مجرَّد النقاش، بل تسليماً فورياً به وتنفيذاً له بعُقُولٍ مُقْفَلَة؟! أهو على اتصالٍ مباشر مع الله ليكن كل ما يصدر عنه تكليفاً شرعياً مباشراً من الله، فمَنْ اتَّبَعَ الوليَّ الفقيه اتَّبَعَ اللهَ ومَنْ عصى الوليَّ الفقيه عصى الله؟!

إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



رداً على الشيعة الضلاليين

وفقَ النص القرآني
الأنبياء أنفسهم لم يكونوا معصومين..
فمن أين للولي الفقيه العصمة؟!



·      النبي محمد حرَّم ما أَحَلَّهُ الله.. وعَبَسَ وتولَّى أن جاءه الأعمى
·      النبي داود تسرَّع في الحكم بين اثنين من المتخاصمين فأخَـــلَّ بميزان العدالة
·   النبي يونس استبدَّ به الغضب فغادر مُبْحِراً دون إذنٍ من الله فابتلَعَهُ الحوتُ وكان من الظالمين
·   النبي يوسف اشترط على الله إبعادَهُ عن النساء اللواتي يستثيرونه جنسياً وإلا استسلَمَ لرغباتهنَّ
·   النبي موسى ألقى التوراةَ أرضاً في لحظة غضب ثم أمسك بخناق نبيٍّ آخر هو أخوه هارون يريد ضَرْبَهُ


(هذا المقال كتبتُهُ بإسمٍ مستعار هو "د. إحسان الأحمد"، وذلك عقب اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت في 7 أيار/ مايو 2008)


حسين احمد صبرا
لاحظوا التالي:
فعلى الرغم من أنَّ الهذَّائين الدينيين "يستهبلون" الناس ويستخفُّون بعقولهم في أمورٍ لا يصدِّقها عاقل، وكأنَّا بالواحد منهم يدَّعي أنَّ للأفيال أجنحةً تُحَلِّقُ بها وعلى عُلُوٍّ شاهق، إلا أنهم يجدون الكثيرين والكثيرين ممن هم على استعدادٍ لتصديقهم واقتفاء أثرهم والإيمان الراسخ بِهَذْيِهم والسير على دينهم.. حتى أننا نرى الهذيان الديني، وعبر التاريخ، سرعان ما ينتشر بين الناس والأمم بعدما يتوارثه جيلٌ بعد جيل ليصبحَ من الثوابت، وأما الطعن به فيتحوَّل إلى خروجٍ عن الدين وضربِ من الكفر!
لاحظوا مثلاً كيف أنَّ أحد المصابين بالهُذاء أراد الإستخفاف بعقل النبي إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) حينما سأله عن ماهية ربِّه الذي يؤمن به ويدعو إليه.. فقال إبراهيم:
- ربي الذي يُحيي ويُميت.
فقال هذا الهذَّاء، وقد كان مَلِكاً:
- أنا أُحيي وأُميت.
فرَدَّ عليه النبي العاقل والراشد رداً منطقياً بسيطاً وسهلاً وواضحاً، ما جعل الأمرَ مفضوحاً:
- فإنَّ الله يأتي بالشمس من المشرق فَأْتِ بها من المغرب.
فَبُهِتَ الذي كَفَر، والله لا يهدي القومَ الظالمين (راجع الآية 258 من سورة البقرة).
وقد حاول النبي إبراهيم (أبو المنطق) إقناعَ أبيه الهذَّاء بالإقلاع عن عبادة الأصنام:
*إذ قال لأبيه يا أَبَتِ لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئاً (سورة مريم، الآية 42).
وبما أنَّ الهذَّائين الدينيين هم أصحاب عقولٍ مُقْفَلة ولا يتقبَّلون رأياً مخالفاً لرأيهم على الإطلاق فإنهم سرعان ما يستعملون لغة التهديد والوعيد وكَمِّ الأفواه والتهجير (ولاحقاً سفك الدماء):
*قال أَراغِبٌ أنتَ عن آلهتي يا إبراهيمُ، لئن لم تَنْتَهِ لأَرجُمَنَّك، واهجُرْني مَلِيّاً (سورة مريم، الآية 46).
وقد كان لأبي إبراهيم وقومه حجَّتُهُم في عبادة هذه الأصنام:
*قالوا وَجَدْنا آباءنا لها عابدين (سورة الأنبياء، الآية 53).
بمعنى أنها باتت من المعتقدات والثوابت المقدَّسة والراسخة لديهم.. فهم يرون أنَّ آباءهم كانوا على حقٍّ وخاصةً أنهم قد تَرَبُّوا على هذه المعتقدات منذ الصِغَر وتشرَّبوها، أي أنهم باتوا معتنقين لها بشكلٍ راسخٍ ومن الصعب (إن لم يكن المستحيل) إقناعهم بما ينافي ذلك! تماماً كحال المسلمين اليوم، بحيث أنَّ الكثير مما أَدْرَجُوه عبر التاريخ وما يزالون يدرجونه ضمن معتقداتهم وثوابتهم المقدَّسة يتعارض مع القرآن وجوهر الإسلام، بل ومع وحدانية الله في نواحٍ لا تُحصى!
ولاحظوا هنا كيف أنَّ النبي المنطقي إبراهيم قد استخدم حيلةً بسيطة، ولكن ذكية وجريئة، لِفَضْحِ أمر الهذَّائين الدينيين من قومه، ما يشكِّلُ دليلاً على مدى هشاشة بنيان ما يدَّعيه أمثال هؤلاء الهذَّائين عبر التاريخ وبطلانه وتنافيه مع العقل والمنطق بشكلٍ نافرٍ ومُعيب يندى له الجبين.
في تلك اللحظة قرَّر النبي إبراهيم ما يلي:
*وتالله لَأَكيدَنَّ أصنامَكم بعد أن تُوَلُّوا مُدبِرين * فجَعَلَهُم جُذاذاً إلا كبيراً لهم لعلَّهم إليه يَرْجِعون (سورة الأنبياء، الآيتان 57 و58).
وهكذا حطَّم إبراهيمُ الأصنامَ ما عدا الصنم الأكبر.. وعَلِمَ قومُهُ بفِعْلَتِهِ:
*قالوا أَأَنتَ فعلتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم (سورة الأنبياء، الآية 62).
وجاءت الفرصةُ سانحةً لإبراهيم كيما يفضح هؤلاء الهَاذِين الذين "يستهبلون" الناس ويستخفُّون بعقولهم حينما يُهاذونَهُم بإسم الدين:
*قال بل فَعَلَهُ كبيرُهُم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (سورة الأنبياء، الآية 63).
ارتبك الهذَّاؤون وأُسقِطَ في يدهم:
*ثم نُكِسوا على رؤوسهم لقد عَلِمْتَ ما هؤلاء ينطِقون (سورة الأنبياء، الآية 65).
فوبَّخَهُم إبراهيم:
*قال أَتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضرُّكم * أُفٍّ لكم ولِما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون (سورة الأنبياء، الآيتان 66 و67).
فاستشاط الهذَّاؤون الدينيون غيظاً، فَهُم أصحاب عقولٍ مُقْفَلة ولا يتقبَّلون رأياً مخالفاً لرأيهم ولا يتحمَّلون كلمةً تفضح هذيانهم، ذلكم أنَّ سلاح الكلمة يصيبهم دائماً في مقتل.. فتحرَّكَتْ لديهم روح الإجرام المسيطرة عليهم باستمرار وشهوة البطش وسفك الدماء المتَّقدة في داخلهم أبداً:
*قالوا حَرِّقُوهُ وانصُروا آلهتَكُم إن كنتم فاعلين (سورة الأنبياء، الآية 68).
وقد شاء الله العليّ القدير أن يُنَجِّي نبيَّهُ إبراهيم، وإلا لَكان شهيداً من شهداء المواجهة بسلاح الكلمة والرأي والمنطق:
*قُلنَا يا نارُ كوني بَرْداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم من الأخسرين (سورة الأنبياء، الآيتان 69 و70).

مَلَكِيُّون أكثر من الملك!

من تلك المقدِّمة ندخل في صلب الموضوع، حيث أنَّ من المسلمين المتأخرين عن زمن الرسول مَنْ أراد (عن حُسن نية أو سوئها لا فرق) أن يكون ملكياً أكثر من الملك، فيَعْمَد إلى تغييب الحقيقة والترويج لنقيضها فيفرض فرضاً على عموم المسلمين أن يغضُّوا الطَرْفَ عن بعض ما ورد في القرآن الكريم وأن يتجاهلوه وأن يكون نسياً منسياً!
من قبيل ذلك القول بأنَّ أنبياء الله ورُسُله كانوا معصومين عن الخطأ، على الرغم من أنهم – واستناداً إلى النص القرآني – لم يكونوا معصومين بل كانوا من حينٍ لآخر يرتكبون أخطاءً كان الله اللطيف الخبير يتدخَّل مباشرةً لتصحيحها ونَهْيِهِم عنها، وكان الله أحياناً يغض الطرف عنها، وفي أحايين أخرى كان يستنكرها استنكاراً شديداً.
نعم.. لقد كان أنبياء الله ورُسُله من خيرة الأتقياء، وبلغة هذا العصر "من خيرة الأوادم"، وقد وَجَدَ اللهُ فيهم خيرَ مَنْ يبلِّغ رسالته الدينية، وكانوا وسيبقون قدوةً حسنة ومثلاً أعلى للمؤمنين.. وقد خاطب اللهُ تعالى النبيَّ محمدٍ بالقول: * وإنَّك لَعَلى خُلُقٍ عظيم (سورة القلم، الآية 4).. وقال عن النبي إبراهيم: *إنَّ إبراهيم لَحليمٌ أَوَّاهٌ مُنيب (سورة هود، الآية 75).. وقال عن النبي موسى: *وكان عند الله وجيهاً (سورة الأحزاب، الآية 69).. وقال عن النبي يوسف: * إنه من عبادنا المُخْلَصين (سورة يوسف، الآية 24).. وقال عن النبي داود: * وإنَّ له عندنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآب (سورة ص، الآية 25).. وقال عن النبي عيسى: * وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين (سورة آل عمران، الآية 45).. وغيرها وغيرها من الآيات الكريمة التي تمدح الأنبياء والرُسُل.
على أننا نسأل: أيٌّ من الصورتين يكون لها التأثير الأعمق ووالأكثر بلاغةً لِمَنْ يُمَثِّلُ قدوةً ومثلاً أعلى لعموم البشر قاطبةً إذا ما أردنا الخوض في البحث فيها من ناحية تأثيرها النفسي على الناس كلِّ الناس: صورة القدوة والرمز الذي هو فوق مستوى البشر، أي كالملائكةِ معصومٌ عن الخطأ، بل ومعصومٌ على طول الخط حتى عن الإتيان ولو بهفوات؟! أم صورة القدوة والرمز الذي هو غير معصوم عن ارتكاب الأخطاء التي قد يرتكبها أيُّ كائنٍ بشري عادي ولكنَّ حسناته تطغى على "سيئاته" أو "أخطائه" أو حتى "هفواته"، والمشفوعة بمغفرةٍ ولُطفٍ من الله الغنيّ الحميد لكونهم قد اختارَهُم أنبياءَهُ ورُسُلَهُ وهو أعلم بهم؟!
بل هي الصورة الثانية أشدُّ تأثيراً على البشر وأعلى مقاماً لديهم لأسبابٍ كثيرة أبرزها إزالة الحاجز النفسي الذي يعترض إصلاحَ النفس البشرية فيما لو وَجَدْنا – نحن البشر العاديين – أنفسَنا عاجزين عن بلوغ المرتبة التي وصل إليها الأنبياء والرُسُل في أي محطةٍ من محطات حياتنا طالما أنَّ هؤلاء الأنبياء قد بلغوا هذا الشأو العظيم في دنيا الأخلاق والتقوى بفضل أنهم من صنف الملائكة، أي معصومون عن الخطأ.. في حين أنَّ أنبياء الله – وبشهادة الخالق نفسه – هم بشرٌ مثلنا وقد حدَّثنا الله تعالى في القرآن الكريم عن بعض أخطائهم لإثبات أنهم بشرٌ مثلنا غير معصومين عن الخطأ وأعطانا أمثلةً كيف أنه تدخَّل بنفسه كيما يتراجعوا عن أخطاءٍ ارتكبوها، ما يُسَهِّل استجابتنا – نحن البشر العاديين – لِحَثِّهِ لنا على الإقتداء بسيرتهم الحسنة مع تسليمنا بأننا خطَّاؤون، غير متحجِّجين بأنَّ بلوغ الأمر عسيرٌ علينا ويبلغ مرتبة التعجيز، ذلك أننا لو رَكَنَّا إلى "عصمتهم" (التي لا أساس لها وفقَ النص القرآني) فإنَّ ذلك سيجعلنا ننصرف عن الإقتداء بهم.

النبي محمد.. عَبَسَ وتَوَلَّى

إذاً، لقد أوردَ اللهُ في القرآن الكريم أمثلةً عديدة تدل بوضوحٍ لا جدالَ فيه على أنَّ الأنبياء لم يكونوا معصومين عن الخطأ.. فبدأها مع مثالٍ عن قيام الرسول العربي الكريم بتحريمِ أمرٍ ما على نفسه تبيَّن لاحقاً بأنه حلالٌ عند الله، حتى أنَّ السورة التي ورد فيها الحديث عن ذلك سمَّاها المسلمون بسورة "التحريم":
·   يا أيها النبيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ لك، تبتغي مرضاتَ أزواجك، والله غفورٌ رحيم (سورة "التحريم"، الآية 1).
وبغض النظر عن ماهية الأمر الذي حرَّمه الرسولُ على نفسه فيما هو حلالٌ عند الله، فإنَّ ما يعنينا هو جوهر ما حدث والعبرة منه.. فهناك أمرٌ ما قام الرسول بتحريمه (عن حسن نية طبعاً) فتدخَّل الله ليقول إنه حلالٌ وليس حراماً.. ولولا عنايةٌ من الله وتَدَخُّلٌ مباشر منه وبنصٍّ قرآني لاقتدى المسلمون بالرسول بأن يُحَرِّموا على أنفسهم الأمرَ الذي حَرَّمَهُ الرسول على نفسه.. ولو أنَّ المسلمين من بعد الرسول إلى عصرنا هذا قد اعتَبَروا من هذه الآية الكريمة لَـمَا نَسَجُوا حول أنفسهم هذه الشرنقة المؤلَّفة من هذا الكم الهائل من المُحَرَّمات التي اخترعها مَنْ نصَّبوا أنفسهم رجالَ دين ومُفْتِين على امتداد 14 قرناً!
ومثالٌ آخرُ أشدُّ وضوحاً في مطلع سورةٍ جَعَلَ لها المسلمون عنواناً مستمداً من الخطأ الذي ارتكبه الرسول الكريم ألا وهي سورة "عَبَس".. فلقد عَبَسَ الرسولُ إذ انزعَجَ حينما دَخَلَ إلى مجلسه رجلٌ أعمى وفقير يريد منه أن يزيدَهُ من سُبُلِ الهداية، فيما الرسول يجالس بعضاً من الأغنياء كان شديدَ الحرص على استمالتهم إلى الإسلام.. فأَعْرَضَ عن الرجل الأعمى:
*عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جاءَهُ الأعمى (سورة عبس، الآيتان 1 و2).
فعاتَبَهُ اللهُ عتاباً بالغاً ليكون الأمرُ عبرةً للرسول وللمؤمنين معاً.. وقد بدأ الله عتابَهُ على الشكل التالي متحدِّثاً عن الرجل الأعمى:
*وما يُدْرِيْكَ لعلَّه يَزَّكَّى * أو يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذكرى (سورة عبس، الآيتان 3 و4).
ثم يتابع الله عتابَهُ للرسول بالقول عن الأغنياء الذين كان يُجالِسُهُم ويَحْرِصُ (يتصدَّى) على استمالتهم إلى الإسلام أنْ ما ضَرَّكَ إنْ لم يؤمنوا (يَزَّكُوا)؟ (تبعاً لقاعدة: مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليَكْفُر):
*أمَّا مَنِ استغنى * فأنتَ لَهُ تَصَدَّى * وما عليكَ ألَّا يَزَّكَّى (سورة عبس، الآيات 5 و6 و7).
في حين (يُتابع اللهُ عتابَهُ للرسول) أنَّ الأعمى الذي جاءك وهو يخشى اللهَ فقد تشاغَلْتَ عنه!:
*وأما مَنْ جاءَكَ يسعى * وهو يخشى * وأنتَ عنهُ تَلَهَّى (سورة عبس، الآيات 8 و9 و10).
أيضاً من الأخطاء التي ارتكبها النبي محمد وأَوْرَدَها اللهُ في كتابه العزيز أنه أَذِنَ لجماعةٍ من المسلمين في التخلُّف عن المشاركة في إحدى الغزوات بعدما طلبوا منه ذلك.. وقد عفا اللهُ عن الرسول وأوضَحَ له أنَّ الذين يستأذنونك في التخلُّف عن القتال من الآن فصاعداً إنما هم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وفي قلوبهم ريبةٌ في الدين.. ونكتفي بإيراد الآية المختصَّة بخطأ الرسول والتي تقدَّمَها عفوٌ من الله:
*عَفَا اللهُ عنكَ لِمَ أَذِنْتَ لهم حتى يتبيَّن لك الذين صَدَقُوا وتعلَمَ الكاذبين (سورة التوبة، الآية 43).

داود يتسرَّع في إصدار حُكْمِهِ

أما النبي داود (عليه الصلاة والسلام) فقد آتاه اللهُ مُلْكاً وجَعَلَهُ من الحكماء الذين لديهم قدرةٌ على الفصل بين المتخاصمين بما يشبه اليوم من الناحية الرسمية والقانونية عَمَلَ القضاة:
*وشَدَدْنَا مُلْكَهُ وآتيناهُ الحكمةَ وفَصْلَ الخِطَاب (سورة ص، الآية 20).
وبينما هو في محرابه يتعبَّد اللهَ تسلَّل إليه فريقان من المتخاصمين يريدانه أن يحكم بينهما في ما اختَلَفَا فيه:
*وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذ تَسَوَّروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففَزِعَ منهم، قالوا لا تَخَفْ، خصمانِ بَغَى بعضُنا على بعضٍ فاحْكُمْ بيننا بالحق ولا تُشْطِطْ واهْدِنَا إلى سواءِ الصراط (سورة ص، الآيتان 21 و22).
تكلَّم أحدُهما عارضاً المشكلة بأن لديه نعجة واحدة فيما لدى الآخَر 99 نعجة، فطلب منه الأخير أن يضمَّ تلك النعجة الوحيدة إلى نعاجه وقد نجح في إقناعه بذلك وكان له ما أراد:
*إِنَّ هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجةَ ولي نعجةٌ واحدة فقال أكْفِلْنِيْها وعَزَّني في الخِطاب (سورة ص، الآية 23).
هنا تسرَّع النبي داود في إصدار حكمه لصالح هذا المدَّعي دون أن يستمع إلى إفادة الطرف الثاني المدَّعى عليه، معتبراً أنَّ طَلَبَ الأخير ضَمَّ النعجة إلى نعاجه فيها ظُلْمٌ للمُدَّعي، وزاد في إدانة المدَّعى عليه بأن قال إنَّ السائد هو أنَّ كثيراً من الشركاء يبغي بعضُهُم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم قِلَّة:
*قالَ لقد ظَلَمَكَ بسؤالِ نعجتكَ إلى نعاجه، وإنَّ كثيراً من الخُلَطَاء لَيَبْغي بعضُهُم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هُمْ... (سورة ص، الآية 24).
ثم حَدَثَ ما جعل النبي داود يوقن (يظن) أنه أخطاَ في حُكْمه فاستغفر ربَّه وخَرَّ راكعاً وتاب إليه، فغَفَرَ اللهُ له وزادَهُ خيراً في الدنيا والآخرة:
*... وظَنَّ داودُ أَنَّما فتنَّاهُ فاستغفرَ ربَّهُ وخَرَّ راكعاً وأناب * فغَفَرْنا له ذلك، وإنَّ لهُ عندنا لَزُلْفَى وحُسْنَ مَآب (سورة ص، تتمة الأية 24، ثم الآية 25).
وقد ذكَّره اللهُ بأنه قد جعله خليفةً في الأرض ليتدبَّر أمور الناس، وقد أَمَرَهُ بأن يحكم بين الناس بالعدل لا بالمزاج وإلا نالَ عذاباً شديداً:
*يا داودُ إنَّا جعلناكَ خليفةً في الأرض فاحْكُمْ بين الناس بالحقِّ ولا تَتَّبِعَ الهوى فيُضِلَّك عن سبيل الله، إنَّ الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نَسُوا يومَ الحساب (سورة ص، الآية 26).

النبي يونس يرحل عن قومه دون إذنٍ من الله

أخطأ النبي يونس (عليه الصلاة والسلام) الملقَّب بذي النون، حينما رحل عن قومه غاضباً دون أن يأذن الله له.. واستقلَّ سفينةً في البحر، إلا أنه انزلق منها فابتلعه الحوت..
وقد اعترف بخطئه ونادى اللهَ من بطن الحوت أنْ لا إله إلا أنتَ سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين.. ولولا أن كان من المسبِّحين لماتَ في داخله، فنجَّاهُ اللهُ:
*وإِنَّ يونِسَ لَـمِنَ المُرْسَلين * إذ أَبَقَ إلى الفُلْكِ المشحون * فساهَمَ فكانَ من المُدْحَضين * فالتَقَمَهُ الحوتُ وهو مُليم * فلولا أن كان من المسبِّحين * لَلَبِثَ في بطنه إلى يوم يُبْعَثُون * فنَبَذْنَاهُ بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين * وأرسلناه إلى مئة ألفٍ أو يزيدون * فآمنوا فمتَّعناهم إلى حين (سورة الصافات، الآيات 139 – 148).
*وذا النون إذ ذَهَبَ مُغاضباً فظَنَّ أنْ لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أنْ لا إله إلا أنتَ سبحانك إني كنتُ من الظالمين * فاستجبنا له ونجَّيناه من الغمِّ، وكذلك نُنْجي المؤمنين (سورة الأنبياء، الآيتان 87 و88).
وقد حذَّر اللهُ تعالى الرسولَ العربيَّ الكريم من أن يفعل كما فَعَلَ النبي يونس، لذا أَمَرَهُ بالصبر:
*فاصْبِرْ لِحُكْمِ ربِّكَ ولا تكن كصاحبِ الحوت إذ نادى وهو مَكْظُوم * لولا أن تدارَكَهُ نعمةٌ من ربِّهِ لَنُبِذَ بالعراء وهو مذموم * فاجتباهُ ربُّهُ فجعله من الصالحين (سورة القلم، الآيات 48 و49 و50).

النبي يوسف.. والإغراء الجنسي المتزايد

أثارت الحادثة التي وقعت بين امرأة العزيز والنبي يوسف (عليه الصلاة والسلام) لَغَطاً كبيراً – وما تزال – عند المسلمين المتأخرين عن الرسول إذ قرَّروا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك وحاولوا لَيَّ عُنُقِ الآية الكريمة التالية:
*ورَاوَدَتْهُ التي هو في بيتها عن نفسِهِ وغَلَّقَتِ الأبوابَ وقالت هَيْتَ لك، قال معاذَ الله، إنه ربي أحسَنَ مثوايَ، إنه لا يُفْلِحُ الظالمون * ولقد هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بها لولا أنْ رأى برهانَ ربِّه، كذلك لِنَصْرِفَ عنه السُوءَ والفحشاء، إنه من عبادنا المُخْلَصين (سورة يوسف، الآيتان 23 و24).
وبعيداً عن معنى "هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بها"، فإنَّ في سورة يوسف آية كريمة تكاد تكون أكثر آية في القرآن يتجاهل المسلمون معناها، وفيها تمَّ ذِكْرُ ما قاله النبي يوسف لله تعالى حينما عَمَدَت امرأة العزيز إلى جمع بعض نسوة المدينة عندها بعدما أَخَذْنَ يُعِبْنَ عليها مراودة عَبْدِها عن نفسه، فأعطت كلَّ واحدةٍ منهنَّ سكِّيناً وطعاماً لتقطيعه، فلما رأينه عَظَّمْنَ حُسْنَهُ واْرْتَبَكْنَ فـــ"قَطَّعْنَ أيديهنَّ وقُلْنَ حاشا لله ما هذا بشراً إنْ هو إلا مَلَكٌ كريم (راجع الآية رقم 31 من سورة يوسف)..
حينها فإنَّ امرأة العزيز:
*قالتْ فَذَلِكُنَّ الذي لُـمْتُنَّني فيه، ولقد راودْتُهُ عن نفسه فاستعصَمَ، ولئن لم يفعل ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً من الصاغرين (سورة يوسف، الآية 32).
والآن بات جميع النسوة الحاضرات يشاركن امرأة العزيز دعوَتَها النبيَّ يوسفَ إلى الجُماع.. وهنا تأتي الآية التي – كما ذكرنا – تكاد تكون أكثر آية في القرآن يتجاهل المسلمون معناها، إذ استجارَ النبيُّ يوسفُ بالله كي يُبْعِدَ عنه إغراءَهُنَّ الجنسي له وإلا استجابَ لهذا الإغراء لعدم استطاعته التحمل وضبط أعصابه وشهوته ويكون حينها من المذنبين:
*قال ربي السجنُ أَحَبُّ إليَّ مما يدعونني إليه، وإِلَّا تَصْرِفْ عني كيدَهُنَّ أَصْبُ إليهنَّ وأكُنْ من الجاهلين (سورة يوسف، الآية 33).
إنَّ قول النبي يوسف "وإِلَّا تَصْرِفْ عني كيدَهُنَّ أَصْبُ إليهنَّ وأَكُنْ من الجاهلين" دليلٌ على أن النبي يوسف كان بشراً غير معصوم عن الخطأ، وإنما كانت لديه قدرة معيَّنة على الإحتمال والصبر وعدم الخضوع لإغراء الإناث الجنسي.. إلا أنَّ هذا الإغراء، وقد تفاقم وتزايد وبات يشمل جمعاً من النساء يُطَارِدْنَهُ، فإنه بات فوق قدرة النبي يوسف على الإحتمال..
وعلى العموم، فلقد استجاب الله لدعاء النبي يوسف.. كيف؟ بأنْ قَرَّر العزيز وقومُهُ إدخالَ يوسف إلى السجن (بعد ثبات براءته) قطعاً لألسنة الناس.. وبذا أُبْعِدَ يوسف عنهنَّ حيث مكث في السجن بضعَ سنين، أي ما بين ثلاثٍ إلى تسع سنوات، وبعدها حدث أن بانت براءتُهُ على رؤوس الأشهاد حيث اعترفت امرأةُ العزيز على الملأ بأنها هي التي راودته عن نفسه، وبالتالي لم تعد لدى أي من النسوة الجرأة لمراودة يوسف عن نفسه خشية الفضيحة الجنسية:
*فاستجابَ له ربُّهُ فصَرَفَ عنه كيدَهُنَّ، إنه هو السميع العليم * ثم بَدَا لهم من بعد ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنَنَّهُ حتى حين (سورة يوسف، الآيتان 34 و35).

النبي موسى يُلقي التوراةَ أرضاً!

في لحظة غضبِ وتوترٍ عصبي شديد ألقى النبي موسى (عليه الصلاة والسلام) الألواحَ أرضاً، وهي الألواح التي كَتَبَ عليها كتابَ الله المُنْزَل عليه وهو التوراة، حيث يقول الله تعالى عنها:
*وكَتَبْنَا له في الألواح من كلِّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلِّ شيءٍ فَخُذْها بقوَّة وَأْمُرْ قومَكَ يأخذوا بأَحْسَنِهَا، سأُوْرِيْكُم دارَ الفاسقين (سورة الأعراف، الآية 145).
وبعدما رمى موسى الألواحَ أرضاً أمسكَ بلحية أخيه هارون ثم أطبق على خناقه يريد أن يتشاجر معه ويضربه.. وهارون هو نبي أيضاً، أي أنَّ نبياً يريد أن يضرب نبياً آخر في لحظة غضب.. وقد قال الله عنهما:
*ولقد آتينا موسى وهارونَ الفرقانَ وضياءً وذِكْراً للمتَّقين (سورة الأنبياء، الآية 48).
كما قال تعالى عنهما:
*ولقد مَنَنَّا على موسى وهارون * ونجَّيناهما من الكَرْبِ العظيم * ونصرناهم فكانوا هم الغالبين * وآتيناهما الكتابَ المستبين * وهديناهما الصراطَ المستقيم * وتركنا عليهما في الآخرين * سلامٌ على موسى وهارون * إنَّا كذلك نجزي المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين (سورة الصافات، الآيات 114 – 122).
ولقد غضب النبي موسى بعدما أخبَرَهُ اللهُ أنَّ قومه قد عبدوا العجلَ الذي صنعه لهم السامريّ.. وكان موسى في تلك الأثناء قد ذهب إلى حيث كان يتعبَّد الله ويتكلَّم معه ويتلقَّى منه التوراة، فسأله الله عن سبب تعجيله في القدوم وتَرْكِهِ لقومه، فأجاب موسى بأنه مطمئنٌّ إلى أنَّ قومه هم على أَثَرِهِ، أي يتَّبعون دينه، وأنه عَجَّلَ في القدوم طمعاً في رضى الله عنه.. فأخبره تعالى حينها أنَّ قومه باتوا يتعبَّدون العجل:
*وما أَعْجَلَكَ عن قومك يا موسى * قال هم أُولاءِ على أَثَري وعَجِلْتُ إليك ربي لترضى * قال فإِنَّنا قد فَتَنَّا قومَكَ من بعدكَ وأَضَلَّهُم السامريُّ (سورة طه، الآيات 83 و84 و85).
فعاد موسى إلى قومه وهو في حالة غضبٍ شديد وإحباطٍ أشد، وكان قد ترك في قومه أخاه هارون فألقى اللومَ عليه، وبعدما أَلْقَى الألواحَ أرضاً أمسك بلحية أخيه يَجُرُّهُ إليه وأطبقَ على خناقه.. وأثناء هذا الموقف حاول هارون شرحَ ما جرى محاولاً تهدئة أخيه موسى طالباً منه ألا يُشْمِتَ به الأعداء:
*وَلَـمَا رَجَعَ موسى إلى قومه غضبانَ أَسِفاً قال بئسما خَلَفْتُمُوني من بعدي، أَعَجِلْتُم أمرَ ربكم، وأَلْقَى الألواح وأَخَذَ برأسِ أخيه يَجُرُّهُ إليه، قال يا ابنَ أُمَّ إنَّ القومَ استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ ولا تجعلني مع القوم الظالمين (سورة الأعراف، الآية 150).
وفي سورةٍ أخرى:
*قال يا هارون ما منعك إذ رأيتَهُم ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبعني، أَفَعَصَيْتَ أمري * قال يا ابنَ أُمَّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيتُ أن تقولَ فَرَّقْتَ بين بني إسرائيل ولم تَرْقُبْ قولي (سورة طه، الآيات 92 و93 و94).
ثم راح موسى يستغفر اللهَ له ولأخيه:
*قال ربي اغفر لي ولأخي وأَدْخِلْنَا في رحمتك، وأنتَ أرحمُ الراحمين (سورة الأعراف، الآية 151).
وبعدما هدأت أعصاب النبي موسى وذَهَبَ عنه الغضب راحَ يجمع الألواحَ التي ألقاها:
*وَلَـمَّا سَكَتَ عن موسى الغَضَبُ أَخَذَ الألواحَ، وفي نُسْخَتِهَا هدىً ورحمةٌ للذين هم لربِّهم يَرْهَبُون (سورة الأعراف، الآية 154).

الولي الفقيه.. المعصوم دوناً عن أنبياء الله!!

وأما وقد رأينا – وفقَ النص القرآني – أنَّ أنبياء الله ورُسُلِهِ لم يكونوا معصومين عن الخطأ، وأنَّ الله جَلَّ وعلا كان يتدخَّل بشكلٍ مباشر بلُطْفِهِ وحكمته ورحمته تبعاً لفداحة الخطأ المُرْتَكَب لِثَنْيِهِم عنه ونَهْيِهِم عن تكراره.. فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي:
من أين للولي الفقيه العصمة دوناً عن أنبياء الله ليكون ما يصدر عنه صواباً لا يقبل الخطأ ولا الشك ولا الإرتياب ولا حتى مجرَّد النقاش، بل تسليماً فورياً به وتنفيذاً له بعُقُولٍ مُقْفَلَة؟! أهو على اتصالٍ مباشر مع الله ليكون كل ما يصدر عنه تكليفاً شرعياً مباشراً من الله، فمَنْ اتَّبَعَ الوليَّ الفقيه اتَّبَعَ اللهَ ومَنْ عصى الوليَّ الفقيه عصى الله؟!
صلاةُ الله ورحمتُهُ على النبي إبراهيم..
مَدَد يا نبينا إبراهيم مَدَد!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2008 – رقم العدد 1350).

موضوع ذو صلة:














 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق