2017/02/15

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (10)/ بوتين يلفِّق قضايا جنائية ضد نافالني ليمنعه من الترشح ضده عام 2018.



إنَّ أكثر ما جعل ألكسي نافالني يبرز كزعيمٍ معارض لبوتين، بالإضافة إلى نشاطه الإلكتروني في مكافحة الفساد في روسيا، هو قوله في حديثٍ إذاعي في شباط/ فبراير 2011 إنَّ حزب بوتين (روسيا المتحدة) هو "حزب اللصوص والمحتالين".. هذه العبارة سرعان ما انتشرت في الشارع الروسي كالنار في الهشيم حتى غدت شعاراً شعبياً، وهذا ما حدا ببوتين (رئيس الوزراء آنذاك) إلى البدء برحلة الإنتقام من نافالني...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (10)

بوتين يلفِّق قضايا جنائية ضد نافالني
ليمنعه من الترشح ضده عام 2018





حسين احمد صبرا
إنَّ أكثر ما جعل ألكسي نافالني يبرز كزعيمٍ معارض لبوتين، بالإضافة إلى نشاطه الإلكتروني في مكافحة الفساد في روسيا، هو قوله في حديثٍ إذاعي في شباط/ فبراير 2011 إنَّ حزب بوتين (روسيا المتحدة) هو "حزب اللصوص والمحتالين".. هذه العبارة سرعان ما انتشرت في الشارع الروسي كالنار في الهشيم حتى غدت شعاراً شعبياً، وهذا ما حدا ببوتين (رئيس الوزراء آنذاك) إلى البدء برحلة الإنتقام من نافالني.. وبالفعل، لم تكد تمضي ثلاثة أشهر حتى تمَّ افتعال أول قضية جنائية وأشْهَرِها ضد نافالني في أيار/ مايو 2011 ألا وهي قضية الأخشاب في شركة "كيروفْلِس"، وهي القضية التي سنفتتح بها سلسلة القضايا الجنائية التي أثيرت وما تزال ضد هذا المعارض الشاب، وخاصةً أنَّ نافالني كاد يفوز في انتخابات بلدية موسكو عام 2013 لولا التلاعب الذي حصل في النتائج، وهو منذ ذلك الحين بات يُنظَر إليه على نطاقٍ واسع في روسيا والعالم الغربي على أنه المنافس المحتمل الوحيد للرئيس فلاديمير بوتين كمرشَّحٍ لرئاسة روسيا عام 2018. 

قضية أخشاب "كيروفْلِس"

 
ألكسي نافالني في المحكمة
    في أيار/ مايو 2011 بدأت رحلة القضايا الجنائية الملفَّقة ضد ألكسي نافالني، حيث فتحت النيابة العامة في محكمة "باسماني" في موسكو تحقيقاً جنائياً معه متهمةً إياه بالفساد وبأنه مشتبهٌ به بأنه "ألحق أضراراً مادية عن طريق الخداع" عندما كان نافالني يعمل عام 2009 مستشاراً طوعياً لحاكم منطقة كيروف (على بعد ألف كلم شرق العاصمة موسكو)، بحيث أنه حثَّ رئيس شركة "كيروفْلِس" للأخشاب (وهي شركة مملوكة من قبل الدولة) على إنهاء صفقةٍ، زَعَمَ الأخير أنَّ ذلك أدى إلى خسارته نحو 40 ألف دولار (1,3 مليون روبل)، وأنَّ نافالني اختلس من الشركة أخشاباً بقيمة نصف مليون دولار (16 مليون روبل)، وبالتالي بات نافالني مهدَّداً في حال إدانته بالسجن لمدة 5 سنوات..

    إلا أنَّ نافالني قال إنَّ هذا الإتهام ملفَّق من قبل الأجهزة الأمنية لمعاقبته على تصريحه بأنَّ شركة النفط "ترانس نفط" (التي يسيطر عليها بوتين) قامت بتحويل مسار مبلغٍ قدرُهُ 2,5 مليار دولار في صفقةٍ مشبوهة عبر المصرف الحكومي الروسي "في تي بي".. وقال إنَّ التهمة ضده "مصنوعة بطريقة خرقاء من قبل رجال الشرطة". (مع الإشارة إلى أنَّ محكمة "باسماني" هي نفسها المحكمة التي حكمت على رجل الأعمال ميخائيل خودوركوفسكي بالسجن لمدة 9 سنوات عام 2005 – راجع ما كتبناه عن خودوركوفسكي في حديثٍ سابق).
نافالني ماثلاً أمام القاضي
في العام التالي أُعيد فتح التحقيق الجنائي مع نافالني بتهمة الإختلاس في القضية نفسها ونظراً لعدم كفاية الأدلة تمَّ إطلاق سراح نافالني مع تعليمات بعدم مغادرة موسكو.. وقد صرَّح نافالني بأنَّ هذه الإتهامات "غريبة" ولا أساس لها من الصحة..


نافالني في قفص المحكمة في 19/ 7/ 2013
إذاً، في عام 2011 تمت إثارة قضية الأخشاب ضد نافالني، وفي عام 2012 تم فتح التحقيق بالقضية.. أما في عام 2013 فقد تمَّت المحاكمة: ففي 17 نيسان/ إبريل 2013 بدأت محاكمة نافالني.. والملاحظ هنا أنَّ المعارض الشاب أعلن في 17 تموز/ يوليو 2013 عن ترشحه في انتخابات بلدية موسكو، فسارعت المحكمة في صبيحة اليوم التالي (18 تموز/ يوليو 2013) إلى إصدار الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم الإحتيال واختلاس مبلغ 500 ألف دولار من أخشاب شركة "كيروفْلِس".. وبعد عدة ساعات من صدور الحكم أعلن نافالني عن انسحابه من سباق انتخابات البلدية المقررة في أيلول/ سبتمبر 2013، ودعا إلى مقاطعة الإنتخابات.. واللافت في الأمر أنَّ المدعي العام سارع إلى استئناف الحكم على اعتبار أنَّ حكم المحكمة العليا على نافالني بالسجن هو حكمٌ غير صالح.. وقد وُصف قرار المدعي العام من قبل الخبراء بأنه "غير مسبوق"، وأُفرج عن نافالني في 19 تموز/ يوليو 2013 في انتظار جلسات المحكمة العليا للإستماع والبت في الإستئناف، وعاد نافالني إلى موسكو وأعلن أنه ما يزال مرشحاً..
سيرجي سوبيانين مع بوتين
    كما أنَّ هذا الأمر دفع بالمراقبين إلى الإشارة إلى ارتباكٍ على مستوىً عالٍ حول ما ينبغي القيام به، وذكر مراسل "نيويورك تايمز" في موسكو أنَّ قرار الإفراج عن نافالني في تموز/ يوليو يعكس فيما يبدو الإنقسامات بين مستشاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا سيما أنَّ الإفراج عن نافالني جاء بدعمٍ من سيرجي سوبيانين، الذي فاز لاحقاً في الإنتخابات ضد نافالني، ويومها تكهَّنت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بأنَّ إطلاق سراح نافالني بأمرٍ من الكرملين هو بهدف جعل انتخابات البلدية وفوز مرشَّح بوتين – سيرجي سوبيانين – يبدو أكثر شرعية والإيحاء بوجود مظهر من مظاهر المنافسة..
ميخائيل جورباتشوف
وعلى كلٍّ يبدو التلفيق في قضية الأخشاب واضحاً جداً، فبالإضافة إلى أنَّ المحكمة رفضت طلباته باستدعاء شهود وخبراء خارجيين، فإنَّ نافالني يكشف أنه قد تم استدعاء نحو 30 من شهود الإدعاء حتى الآن، إلا أنه "انتهى كلٌّ منهم إلى الشهادة لصالحنا. إنَّ الإستمرار في هذه القضية هو من الغباء والسخف تماماً".. وجدير  بالذكر أنَّ الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل جورباتشوف قال أثناء وبعد محاكمة نافالني في قضية الأخشاب (كيروفْليس) إنَّ محاكمة نافالني "دليل على أنه ليس لدينا محاكم مستقلَّة"..

إدانة عالمية

    في 18 تموز/ يوليو 2013، أي يوم صدور الحكم بسجن ألكسي نافالني لمدة خمس سنوات، أدانت وزارة الخارجية الأميركية هذا الحكم، وقال المتحدث بإسمها إنَّ الولايات المتحدة "أُصيبت بخيبة أمل كبيرة من إدانة زعيم المعارضة ألكسي نافالني والحكم عليه"، وننقل حرفياً ما جاء في البيان: "نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة من الإدانة والحكم على زعيم المعارضة ألكسي نافالني وشريكه المتَّهَم بيوتر أوفيتسيروف، بالسجن لمدد طويلة بتهمة الإختلاس المزعومة من قبل محكمة في مدينة كيروف. إننا في جميع مراحل المحاكمة أبدينا قلقنا حول الدوافع السياسية الظاهرة، ونحن ما نزال قلقين من عدم احترام سيادة القانون الدولي. إنَّ عقوبة السجن القاسية بحق السيد نافالني والسيد أوفيتسيروف هي أحدث الأمثلة على الإتجاه المقلق في الإتحاد الروسي في التشريعات والملاحقات القضائية والإجراءات الحكومية الرامية إلى قمع المعارضة والمجتمع المدني. نحن نشجِّع روسيا على تبنِّي الجهودٍ الجادة، كالتي للسيد نافالني، من أجل تحسين مساءلة الحكومة ومكافحة الفساد من أجل تعزيز الإقتصاد الحديث. ندعو الحكومة الروسية لضمان أن يمارس الأفراد بحرية حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك حرية التعبيرة والتجمُّع. ونحثُّ روسيا على تأمين الظروف الضرورية لإستئناف الحكم بشكلٍ عادلٍ ونزيه وفقاً للقانون والإلتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان".
كاترين آشتون مع بوتين
وفي الإطار نفسه قالت المتحدثة بإسم الممثلة العليا للإتحاد الأوروبي كاترين آشتون إنَّ نتيجة المحاكمة "تثير تساؤلات جدية حول دولة سيادة القانون في روسيا".. وقال المفوض الألماني لهيئة تنسيق العلاقات الألمانية الروسية: "بالنسبة إلينا فإنَّ ذلك دليلٌ آخر على السياسة السلطوية في روسيا، التي لا تسمح بالتنوع والتعددية".. أما الناطق بإسم خافيير سولانا (منسق السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي) فقال إنَّ الحكم الذي صدر اليوم ضد نافالني من المرجَّح أن يكون ذا دوافع سياسية..

تهديد مستقبل نافالني السياسي

نافالني خارجاً من محكمة كيروف بصحبة زوجه
الخطير في الأمر أنه في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 علَّقت محكمة كيروف عقوبة السجن بحق نافالني، وما تزال هذه العقوبة تهدِّد مستقبله السياسي، وهي بمثابة سيفٍ مُسْلَط عليه، بحيث توجد إمكانية لتحريكها من جديد في أي لحظة.. قال نافالني بعد الإفراج عنه في 16 تشرين الأول/ أكتوبر إنه وبالرغم من أنَّ الحكم كان نصراً إلا أنه لا شيء يدعو إلى الإحتفال بذلك لأنَّ هذه القضية التي حوكم بسببها ممكن أن تتضارب مع مصالحه السياسية في المستقبل..

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 22 شباط/ فبراير 2016، العدد رقم 1737).

الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق