2017/02/15

كتاب "بوتين زعيم مافيا" (11)/ أغرب حكم في تاريخ القانون الروسي: بوتين حَكَمَ على نافالني بالإقامة الجبرية!



على أنَّ بوتين لم يكتفِ بتلفيق قضية الأخشاب ضد نافالني، وإنما ترافق ذلك مع إثارة عدد من القضايا الجنائية ضده: فإذا ما كانت قضية الأخشاب قد أثيرت في أيار/ مايو 2011، فإنَّ قضيةً جنائية ثانية هي قضية شركة مستحضرات التجميل الفرنسية "إيف روشيه" تمَّت إثارتها  ضد نافالني (وشقيقه أوليغ) بعد بضعة أشهر.. ثم أُثيرت قضية جنائية ثالثة بعد أسبوعين، أي في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2012، حيث وُجِّه الإتهام إلى نافالني باختلاس 100 مليون روبل (3,2 مليون دولار) عام 2007 من الحزب السياسي الليبرالي المنحل "إتحاد قوى اليمين".. ويبدو التلفيق واضحاً في هذه القضية الأخيرة حيث أنَّ مسؤولاً كبيراً سابقاً في الحزب يدعى ليونيد كوزمان نفى حدوث أي احتيال أو سرقة قائلاً: "لم يحدث أي شيءٍ من هذا القبيل، إنَّ نافالني لم يرتكب أي سرقة".. وقد ضحك نافالني من هذا الإتهام الجديد وكتب على تويتر: ...


إنزل إلى أسفل لمتابعة القراءة



كتاب
بوتين زعيم مافيا
(ملف ضخم عن فساد بوتين وإجرامه)
تأليف: حسين احمد صبرا
(2016)



الإهداء:
إلى روح الشهيد ألكسندر ليتفيننكو
(ضابط الإستخبارات المنشق، والذي اغتاله بوتين في لندن عام 2006)




الطامع في ثروة سورية النفطية (11)

أغرب حكم في تاريخ القانون الروسي:
بوتين حَكَمَ على نافالني بالإقامة الجبرية!





حسين احمد صبرا
رأينا في الحديث السابق كيف حُكِمَ على المعارض الروسي الشاب ألكسي نافالني بالسجن لمدة 5 سنوات في 18/ 7/ 2013 في قضية أخشاب شركة "كيروفْلِس" التابعة للدولة، ثم ما لبث أن أُفرج عنه بعد ساعات في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، ليبقى هذا الحُكْم سيفاً مُسْلَطاً على رقبة نافالني إذا ما تمادى في معارضته لبوتين وفي كشف فساده وفساد حاشيته، وليشكِّل هذا الحكم تهديداً للمستقبل السياسي لهذا المعارض الشاب.. 
من اليسار: نافالني وشقيقه أوليغ في المحكمة
على أنَّ بوتين لم يكتفِ بتلفيق قضية الأخشاب ضد نافالني، وإنما ترافق ذلك مع إثارة عدد من القضايا الجنائية ضده: فإذا ما كانت قضية الأخشاب قد أثيرت في أيار/ مايو 2011 وفُتِحَ التحقيق فيها في تموز/ يوليو 2012، فإنَّ قضيةً جنائية ثانية هي قضية شركة مستحضرات التجميل الفرنسية "إيف روشيه" تمَّت إثارتها  ضد نافالني (وشقيقه أوليغ) بعد بضعة أشهر في أواسط كانون الأول/ ديسمبر 2012، حيث اتُّهم نافالني باختلاس 55 مليون روبل (1,7 مليون دولار) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 بينما كان يعمل في الأعمال التجارية في الشحن البريدي.. ثم أُثيرت قضية جنائية ثالثة بعد أسبوعين، أي في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2012، حيث وُجِّه الإتهام إلى نافالني باختلاس 100 مليون روبل (3,2 مليون دولار) عام 2007 من الحزب السياسي الليبرالي المنحل "إتحاد قوى اليمين"، ونصَّ الإتهام على أنَّ شركة الإعلان "أَلّيكت" (التي يرأسها نافالني) تقاضت هذا المبلغ من الحزب للدعاية، إلا أنَّ شركة نافالني لم تحترم العقد المبرم..
    ويبدو التلفيق واضحاً في هذه القضية الأخيرة حيث أنَّ مسؤولاً كبيراً سابقاً في الحزب يدعى ليونيد كوزمان نفى حدوث أي احتيال أو سرقة قائلاً: "لم يحدث أي شيءٍ من هذا القبيل، إنَّ نافالني لم يرتكب أي سرقة".. وقد ضحك نافالني من هذا الإتهام الجديد وكتب على تويتر: "أقواس الكمان، لقد فُتحت قضية أخرى ضدي! ماذا تفعلون؟ لجنة تحقيق جنائي؟ ها ها ها، هذا يكفي".. ( مع الإشارة إلى أنه في حال إدانته من الممكن أن يُسجن لمدة تصل إلى 10 أعوام).
    واستمرَّت مضايقة نافالني ومطاردته جنائياً، حتى أنه في صيف عام 2014 تمَّت مداهمة شقَّته من قبل محقِّقين جنائيين وصادروا صورة لنافالني كان قد رسمها أحد رسامي الشوارع في مدينة فلاديمير، وكان شخصٌ ما قد سرقها من الرسام وأعطاها لنافالني كهدية.. يقول نافالني إنَّ الرسام تحدَّث في مقابلات إعلامية عديدة عن أنه لا يبيع فنَّه، ولا يهمُّه إن تمَّ أَخْذُها، وإنه لا يريد أن يكون هناك دعوى قضائية.. ورغم ذلك فإنَّ 6 من كبار المحقِّقين في جهاز الإستخبارات الروسية "أف. سي. بي" (الـ"كي. جي. بي" سابقاً) يعملون على هذه القضية!!

قضية "إيف روشيه"

    الآن نتوقَّف عند القضية الجنائية الأهم والأكثر خطراً على نافالني وهي قضية مستحضرات التجميل الفرنسية "إيف روشيه"، التي أتينا على ذكرها قبل قليل، حيث وُجِّهت إلى نافالني (وشقيقه أوليغ) في أواسط كانون الأول/ ديسمبر 2012 باختلاس 55 مليون روبل (1,7 مليون دولار) في تشرين الثاني 2008 بينما كان يعمل في الأعمال التجارية في الشحن البريدي، وهو الإتهام الذي وصفه نافالني بأنه "محض هراء"..
    وبدايةً نشير إلى التلفيق الفاضح في هذه القضية إلى درجة أن لا أحد من الضحايا المزعومين شهد في المحكمة بأنه تعرَّض للإحتيال في قضية شركة الشحن (التابعة لنافالني وشقيقه)، لا بل إنَّ أكبر ممثِّل لشركة إيف روشيه شهد في المحكمة بأنه استفاد مادياً من التعامل مع شركة نافالني.. ومع ذلك فإنَّ المحكمة وجدت كلاً من نافالني وشقيقه أوليغ مذنبين.
ألكسي نافالني وزوجه يوليا وولداهما
    جدير بالذكر أنَّ المحكمة طلبت من نافالني عدم مغادرة موسكو طالما التحقيق الجنائي متواصل إلى حين صدور الحكم النهائي، وذلك حسبما ينص القانون الروسي.. لكن نافالني انتهك هذا القرار، فصدر قرار من المحكمة في 28 شباط/ فبراير 2014 بوضع نافالني قيد الإقامة الجبرية في موسكو لمدة شهرين ومُنع من التواصل مع أي شخصٍ آخر غير عائلته (زوجه يوليا وطفلَيه) والمحامين والمحققين، وحُظر عليه استخدام شبكة الإنترنت وسط قطع التيار الكهربائي عن شقته.. وقال نافالني إنَّ الإعتقال هو ذو دوافع سياسية، وتقدَّم بشكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي أعلنت قبول الشكوى في 7 تموز/ يوليو 2014 وأجبرت حكومة روسيا على تقديم إجاباتٍ حول تلك القضية..
    وتمادت الإجراءات مفضوحة الأهداف ضد نافالني إلى درجة أنه في 13 آذار/ مارس 2014 حجبت السلطات الروسية مدوَّنة نافالني (في "لايف جورنال") في روسيا، وقالت هيئة الرقابة: "إنَّ عمل هذا الموقع يشكِّل انتهاكاً لأحكام المحكمة بشأن تدابير الإقامة الجبرية المتعلقة بقضية جنائية"..
من اليسار: صديقة أوليغ، زوج نافالني، أوليغ وألكسي نافالني
    وقد علَّق نافالني على ذلك بالقول إنَّ حكم المحكمة ضده هو لإسكاته.. وقال في المحكمة: "أعتقد أنَّ التدابير الجديدة مبنية على أسبابٍ ملفقة من أجل تقييد الأنشطة السياسية في بلادي".. (بالعودة إلى مدونة نافالني باللغة الإنكليزية فإنَّ آخر كتابة لنافالني قرأناها في مدونته كانت في 28 شباط/ فبراير 2014، أي تاريخ صدور القرار بوضعه قيد الإقامة الجبرية، وكانت بعنوان "لجنة التحقيق تُزايد في الإقامة الجبرية"، وأهم ما ورد فيها أنه إلى حين نقل نافالني من مركز الإعتقال إلى المحكمة فإنه قد فُوِّض أمرُهُ إلى جهاز الإستخبارات الروسية الـ"أف. سي. بي"، وأضاف: "هذا ما يشير بوضوح إلى طبيعة غير عادية للأحداث الجارية حول نافالني، وإلى حقيقة أنَّ أحكاماً قد صدرت ضده من قبل كبار المسؤولين في الإتحاد الروسي").
    نذكر  أنه وأثناء فترة محاكمته في قضية "إيف روشيه" قال نافالني في مقابلة صحافية إنَّ "كل ما حدث في الصيف الماضي (تموز/ يوليو 2013 في قضية الأخشاب) وكل ما يحدث اليوم (في قضية إيف روشيه)، متعلِّقٌ ببوتين".. وتابع: "ليس لدي أي فكرة عما يدور في رأسه أو في رؤوس المنحرفين المحيطين به. إنَّ جميع أعضاء النيابة العامة وجميع المحامين والقضاة هم هنا مجرَّد شكليات"..  
صورة للسوار الإلكتروني نشرها نافالني في مدوِّنته
بعدما قام بكسره مطلع كانون الثاني/ يناير 2015
تجدر الإشارة إلى أنَّ نافالني قد وُضع قيد الإقامة الجبرية في موسكو في شقةٍ تقع في برج سكني شُيِّد منذ الحقبة السوفياتية، ويبعد أميالاً عن وسط العاصمة موسكو.. ومحظورٌ عليه اسنخدام الهاتف والإنترنت، بيد أنَّ زوجه يوليا تستطيع استخدامهما.. وبات لا يخرج من الشقة إلا إذا قادته سيارة الشرطة إلى المحكمة حيث هو متَّهم بإحدى القضايا الجنائية، وقد تمَّ وضع سوارٍ إلكتروني حول كاحله بحيث يتم تنبيه الشرطة على الفور إذا ما غادر شقَّته، إلا أنَّ نافالني استطاع أن يقطع السوار الإلكتروني من حول كاحله ويخرج بعض الأحيان..
نافالني يتحدث من شقته إلى صحيفة "الجارديان" البريطانية
    وبعد ستة أشهر من وضعه قيد الإقامة الجبرية  بات يُسمح له بالتحدث إلى أقاربه وأن يزوره زملاؤه وأصدقاؤه، كما سُمح للصحافيين بزيارته، وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية أول صحيفة عالمية زارته في شقته منذ وَضْعِهِ قيد الإقامة الجبرية ريثما تنتهي محاكمته في قضية إيف روشيه.


الحكم بالإقامة الجبرية

    وأخيراً صدر الحكم ضد نافالني وشقيقه أوليغ في قضية "إيف روشيه".. والملاحظ هنا أنه كان من المقرَّر أن يصدر قرار الإدانة ضد نافالني في شهر كانون الثاني/ يناير 2015، بيد أنه تمَّ تقريب الموعد على عجل إلى 30 كانون الأول/ ديسمبر 2014، وهو يوم رأس السنة حيث تكون موسكو فارغة تقريباً عشية العطلة، مما يجعل الإحتجاج مستبعداً بما في ذلك التغطية الإعلامية..
    لقد حكمت المحكمة على أوليغ نافالني بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة مع التنفيذ، وعلى ألكسي نافالني بالسجن للمدة نفسها ولكن مع وقف التنفيذ، واستعيض عن سجنه بالحكم عليه باستمرار وضعه قيد الإقامة الجبرية!! كما حُكم عليه بدفع تعويضٍ بقيمة 4,4 مليون روبل (حوالى 150 ألف دولار)..


يومها كتب نافالني في تغريدةٍ له في "تويتر" أنه ربما الشخص الوحيد في التاريخ القانوني الروسي الذي يوضَع قيد الإقامة الجبرية بعد أن حُكم عليه بالسجن! (ملاحظة: لا يوجد في القانون الروسي عقوبة الإقامة الجبرية، فعلى الرغم من وجود قانون بوضع المتهم في الإقامة الجبرية في انتظار محاكمته، إلا أنه لا يمكن أن يُحكَم على المرء بالإقامة الجبرية)..
ديمتري بيسكوف مع بوتين
وعقب صدور الحكم ضد نافالني في قضية "إيف روشيه" قال السكرتير الصحافي لبوتين، ديمتري بيسكوف: "نحن لا نستطيع التعليق على ذلك"، وأضاف إنَّ بوتين عَلِمَ بقرار المحكمة من وسائل الإعلام.. مع الإشارة إلى أنه عقب صدور الحكم تجمَّع عدة آلاف من المتظاهرين في وسط موسكو، فخرج نافالني من إقامته الجبرية لحضور اجتماعٍ حاشد، ولكن أُلقي القبض عليه فوراً من قبل الشرطة، التي أعادته إلى منزله.

الصحافية الروسية - الأميركية ماشا جيسين
    وكان الحكم على شقيق نافالني – أوليغ – بالسجن مع التنفيذ طعنةً كبيرة وُجِّهت إلى صدره، وقال نافالني لمراسلة صحيفة "نيويوركر" الأميركية ماشا جيسين حينها: "من الناحية النفسية هي محسوبة جيداً. كنتُ أعتقد دائماً أنني سأكون سجيناً لوحدي، وأنه كان هناك أيضاً احتمال أن نذهب سوياً (أي مع شقيقه أوليغ) إلى السجن. ولكن لم يخطر ببالي أنه سوف يذهب لوحده إلى السجن. لقد نجحوا في لخبطة توازني الداخلي"..
    ومنذ ذلك الحين راح المراقبون والمحللون يعتبرون أنَّ سَجْن أوليغ هو بمثابة رهينة يستخدمها بوتين لابتزاز نافالني وتهديده إن هو استمر في كشف جرائم الفساد التي يرتكبها بوتين وحاشيته.. وقد وُضع شقيقه أوليغ في زنزانة الحبس الإنفرادي ومُنع من إجراء المكالمات الهاتفية أو تلقي الطرود الغذائية من الخارج، ويقول ألكسي نافالني إنَّ شقيقه يتعرَّض للتعذيب، وقال لمراسل نيويوركر: "ما الذي سأفعله؟ أن أُوقف نشاطاتي! هذا مستحيل!".
ألكسي فينيديكتوف مع ألكسي نافالني
    وتعليقاً على هذا الحكم قال رئيس تحرير إذاعة "صدى موسكو" ألكسي فينيديكتوف: "إننا نتعامل مرة أخرى مع رهينة".. وأضاف: "نحن نتعامل مع حقيقة أنَّ شقيق ألكسي نافالني أصبح الآن رهينة في المخيَّم، في المستعمرة".. وخَلُصَ إلى القول: "إنَّ الهدف هو عزل نافالني دون أن يتسبَّب ذلك بسخطٍ جماهيري". وتوقَّع فينيديكتوف ظهور قضايا جنائية جديدة ضد ألكسي نافالني في العام المقبل (2015).




    وقد سارع العالم الغربي إلى التضامن مع ألكسي نافالني وشقيقه أوليغ.. ففي 2 أيار/ مايو عام 2015 مُنح ألكسي نافالني وشقيقه أوليغ "جائزة منبر الذاكرة والضمير الأوروبيَّين" في العاصمة التشيكية براغ، وقد صوَّت أعضاء المنبر للشقيقين نافالني على اعتبار أنهما شخصيَّتان شجاعتان ومناضلان ومضحِّيان من أجل إعلاء قيم الديمقراطية والحريات الأساسية في الإتحاد الروسي اليوم، وأضاف المنبر قائلاً في بيانه إنه "يودّ التعبير عن احترامه ودعمه للسيد أوليغ نافالني الذي يعتبره المنبر سجيناً سياسياً، وللسيد ألكسي نافالني لجهوده الرامية إلى فضح الفساد والدفاع عن التعددية السياسية والمعارِضة للنظام الإستبدادي المتزايد في الإتحاد الروسي". 

حرب التعويضات

    في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 أعلن محامي نافالني أنَّ موكله سيدفع 2,9 مليون روبل (98 ألف دولار) من أصل التعويض الذي قرَّرته المحكمة في قضية "إيف روشيه" والبالغ 4,4 مليون روبل (150 ألف دولار)، طالباً السماح بتقسيط بقية المبلغ.. وفجأةً، وفي وقتٍ لاحقٍ من الشهر نفسه رفعت شركة الأخشاب (كيروفْلِس) دعوى جنائية ضد نافالني مطالبةً إياه بدفع 16,1 مليون روبل (حوالى نصف مليون دولار)، وقد أعلن نافالني أنه لم يكن يتوقَّع هذه الدعوى..
    وفي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 قرَّرت المحكمة أنَّ على نافالني (ومتَّهَمَين آخرَين) دفع المبلغ المذكور، وقد أعلن نافالني أنه لا يستطيع دفع المبلغ المطلوب، وسمَّى الدعوى ضده بأنها "استراتيجية استنزافٍ له" من قبل السلطات.. وقال نافالني لصحيفة "فيدوموستي" الروسية: "إنَّ السلطات تستخدم هذه الإستراتيجية لتؤدي إلى الخراب، لأنهم يدركون أنني قادرٌ على دفع 4,4 مليون روبل، ولكنني لست قادراً على دفع 16 مليون روبل".
    نشير في هذا الإطار إلى أنه كان قد بقي لنافالني حساباً مصرفياً يبلغ 75 ألف دولار، تمَّ الحجز عليها في قضية شركة "إيف روشيه".. ثم طالبته المحكمة كما أشرنا بدفع غرامة 4,4 مليون روبل في القضية نفسها، والتي تمكن من سدادها بصعوبة كبيرة، ثم 16 مليون روبل في قضية الأخشاب.. مع الإشارة إلى أنه مُنع من جمع الأموال عن طريق التبرعات..

تراجع في شعبية نافالني!

    أدت القضايا الجنائية الملفَّقة ضد نافالني والأحكام الصادرة بحقه إلى تشويه صورة نافالني المكافح ضد الفساد وإظهاره كشخصٍ فاسد..  واللافت أنَّ "مركز ليفادا"، وهو مركز روسي مستقل للأبحاث، كان قد أظهر (حين بروز قضية كيروفْلِس للأخشاب) أنَّ 20% من الناس يعتقدون بأنَّ نافالني قد انتهك القانون فعلاً، في حين وافق 54% على أنَّ سبب هذه القضية هو نشاط نافالني في مكافحة الفساد في أيار/ مايو 2011.. ولكن بعد إثارة العديد من القضايا الجنائية ضد نافالني ظلت النسب المؤيدة لنافالني تنخفض إلى أن وصلت في أيلول/ سبتمبر 2014 إلى 37% هم مؤيدون للحكم و38 % معارضون.. وعما إذا كان نافالني غير مذنب فإنَّ النتيجة انخفضت من 13% في تموز/ يوليو 2013 إلى 5% في كانون الثاني/ يناير 2015..
    ويبقى الخطير في الأمر أنه وبسبب القضايا الجنائية المثارة ضده وبسبب وضعه في الإقامة الجبرية أصبح من المستحيل على نافالني السعي إلى تحقيقاته في مكافحة الفساد، واختفى اسمه إلى حدٍ كبير من الخطاب العام.


    إننا نقرأ في الموقع الإلكتروني لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 17/ 10/ 2014 قولَ نافالني لمراسلها بأنه فكَّر عدة مرات في أنَّ حاله سيكون أفضل في ما لو غادر البلاد، إلا أنه قرَّر البقاء، وقال: "لماذا يجب أن أترك؟ أنا لم أرتكب أي جريمة. بإمكانك أن تتَّفق أو لا تتَّفق مع رأيي السياسي، إلا أنَّ رأيي السياسي يبقى قانونياً تماماً. وبالإضافة إليَّ فإنَّ 90% من الروس يعتقدون بوجود نسبة مرتفعة من  الفساد، و80% من الروس يعتقدون بأننا يجب رفع دعاوى جنائية ضد المسؤولين الفاسدين. كما أنَّ الثقة هي مسألة مهمة، فإذا أردتُ من الناس أن تثق بي فعليَّ أن أبقى هنا وأشاركهم المخاطر. إذ كيف يمكنني أن أدعوهم إلى المشاركة في الإحتجاجات وما إلى هنالك إنْ لم أكن أشاركهم في المخاطر؟".. وأضاف نافالني إنه ما يزال يطمح إلى المشاركة بنشاطٍ في السياسة في يومٍ من الأيام "بما في ذلك القتال من أجل هذا المنصب".

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2016، العدد رقم 1738).

الحديث التالي:
الحديث السابق:










 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق