2016/11/25

هل شيعة جبل عامل غوغائيون؟!



إنَّ الإنسان الريفي بشكلٍ عام متى ما أراد تكبير عالمه والخروج من قمقمه سياسياً فإنه يرغب بأن يذهب به سِعَةً إلى حد أن يشمل العالم بأسره والكرة الأرضية برمَّتها والكون بوسعه بكواكبه وفضائه ومجرَّاته،. ومن هنا تستهويه الأحزاب العقائدية ، مع ملاحظة أنَّ كل الأحزاب العقائدية على الإطلاق هي أحزاب غوغائية ومتطرِّفة وذات طابع أمني وفاشي وشمولي، تلائم بغوغائيَّتها وتطرُّفها وطبيعتها الأمنية والفاشية العقلية الريفية تمام الملائمة، وهي العقلية القائمة أصلاً – وفق رؤيتنا – على المساوىء التالية:


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً





بين الريف والمدينة
هل شيعة جبل عامل غوغائيون؟!




حسين احمد صبرا
أول ملاحظة نَلْحَظُهَا في الريف بشكلٍ عام، كون كاتب هذه السطور يعيش في الريف منذ 16 عاماً، أنَّ حدود العالم بالنسبة إلى الإنسان الريفي هي حدود قريته، التي هي أشبه بقمقم يعيش فيه ويقتصر عليه عالمُهُ، الأمر الذي يدل على مدى كون العالم صغيراً وضيِّقاً وراكداً بالنسبة إليه، حتى أنه متى ما خَرَجَ من قريته إلى قرية أخرى فإنه يشعر أنه قد خرج من عالمه، على الرغم من التشابه إلى حد التطابق بين قريته والقرية المجاورة لها.. وزد على ذلك أنَّ هذا الشعور بالإنتماء إلى هذا العالم المتناهي في الصِغَر ينافسه أمرٌ آخر يزيد من عالمه صَغَراً على صَغَر وضِيقاً على ضِيق وركوداً على ركود، ألا وهو الإنتماء إلى العائلة (أو القبيلة أو العشيرة) التي تقطن تلك القرية وينتمي هو إليها بحكم العامل الوراثي..
أما عن الملاحظة الثانية التي نلاحظها في الريف، أنَّ الإنسان الريفي بشكلٍ عام متى ما أراد تكبير عالمه والخروج من قمقمه سياسياً فإنه يرغب بأن يذهب به سِعَةً إلى حد أن يشمل العالم بأسره والكرة الأرضية برمَّتها والكون بوسعه بكواكبه وفضائه ومجرَّاته، ويصبح حاله كما يقول المثل المحلي: "متى ما شَطَح نَطَح".. إذ لا توجد حلول وسطى لديه، ومن هنا تستهويه الأحزاب العقائدية ، مع ملاحظة أنَّ كل الأحزاب العقائدية على الإطلاق هي أحزاب غوغائية ومتطرِّفة وذات طابع أمني وفاشي وشمولي، تلائم بغوغائيَّتها وتطرُّفها وطبيعتها الأمنية والفاشية العقليةَ الريفية تمام الملائمة، وهي العقلية القائمة أصلاً – وفق رؤيتنا – على المساوىء التالية:
1- الجمود والتحجُّر ومقاومة أي تطوُّر أو تغيير، من هنا فإنك تغيب عن القرية ألف عام وتعود لتجدها "مولاي كما خلقتني"، على الرغم مما قد يصل إليها حالياً من منتجات الغرب التقنية المتطوِّرة..
2- معاداة التنوُّع ومقاومته بشتى الوسائل واعتماد اللون الواحد في كل شيء حتى في الملبس، ويأتي ذلك كنتيجة للعالم الضيِّق الذي اختاره أهل الريف لأنفسهم، أو وجدوا أنفسهم فيه، لا فرق..
3- انعدام القدرة على الإبتكار كنتيجة للجمود والقوقعة ومعاداة التنوع، من هنا فإنَّ الريف كما هو معروف لا يصنع حضارة..
4- الطبيعة التجسُّسية، بحيث أنَّ الواحد منهم بفطرته يريد أن يعرف ويتابع كلَّ شيءٍ عن الآخرين المنتسبين إلى عالمه القمقمي الضيِّق والراكد، بما لا يفيد أحداً ولا ينفع أحداً ولا جدوى منه على الإطلاق إلا بما يُرضي كوامن الشَرِّ فيه تجاه الآخرين، وهو ما يجعل أهل الريف أكثر قابلية للإنتساب إلى الأحزاب العقائدية نظراً إلى طبيعتها الأمنية التجسسية والإلغائية..
5- الحقد على المدينة نظراً لما تشهده من تطور وتغيير وتنوُّع باستمرار يجعلها متفوِّقة على الريف وبانية للحضارة ومكتشفة ومبتكرة حتى للآلة الزراعية التي تُستخدم في الريف، ويتلازم هذا الحقد مع الرغبة في تدمير هذه الحضارة المدينيَّة انتقاماً لفشله وتعبيراً عن اختلاف مفاهيم القيم الإنسانية لديه..
6- أنَّ العقلية المتحجِّرة المعارضة لأي تطوُّر أو تغيير والعاجزة بالتالي عن الإبتكار، تجعل من إنسانها بدائياً ليس من ناحية التفكير وطرق العيش فحسب بل وحتى من ناحية الطباع وما يطغى عليها من خشونة وفظاظة وجلافة وشراسة..
7- أنَّ الطباع الخشنة والجلفة والفظَّة كلُّها دلائل على ميل الإنسان الريفي بفطرته إلى سفك الدماء، من هنا فإنه يشكِّل وقودَ الجماعات والأحزاب المتطرِّفة والأنظمة الشمولية القمعية الدموية..
8- أن هذه الطباع الشرسة، زائد العداء لأي تنوع أو تطور أو تغيير، زائد طغيان اللون الواحد في كل شيء، يجعل من المجتمعات الريفية أشبه بالمجتمعات العسكرية، من هنا مَيْلُ أهل الريف إلى الإنتساب إلى الميليشيات وما ترمز إليه من عسكرة لكل شيء وفوضى في كل شيء..
9- أنَّ الإنسان الريفي الثائر على دولته لما قد تلحقه به من ظلم وتهميش لا يقدِّم البديل الأحسن ولا الأفضل حينما يقوم بمحاربة دولته أو إسقاطها والإستيلاء عليها..
10- أنَّ الإنسان الريفي بطبيعته البدائية والمنفلتة دائمُ التمرُّد على الدولة وعلى القوانين التي تضعها هذه الدولة..
11- أنَّ الإنسان الريفي يهوى الغرق حتى النخاع بالخرافة الدينية، وأكثر ما تنتشر مثل هذه الخرافات في الريف، بل وهو أكثر مَنْ يغرق بالخرافة التي تتغطى بلحاف العلمانية، وما أكثرها..
12- مع كل ما تقدَّم فإنَّ الإنسان الريفي يعيش في الوهم النابع من تضخُّم الذات، بحيث يتوهَّم باستمرار أنه الأذكى والأحسن والأفضل والأعلم والأكثر تفوُّقاً والأكثر عبقرية، وما يترافق مع ذلك من عنجهية وغطرسة و"أنزحة" وحالة طاووسية عجيبة، رغم ما قد يظهر عليه من بساطة، وتزداد هذه الحالة كلَّما امتلك شيئاً من عوامل القوة لا سيما السلاح لتبرز بعدها إلى العلن طبيعته الهَدْمِيَّة..
وملاحظاتنا عن الريف لا تنتهي (سلباً أو إيجاباً)، وقد اكتفينا بإيراد أهم ما يعنينا من مساوىء سنتطرَّق إلى نتائجها الكارثية في إطار حديثنا هذا، مع التذكير بأنَّ ملاحظاتنا تلك تنطبق تماماً على المتريِّفين الذين يعيشون في المدن، والذين هم عصيُّون على التشكُّل بقالب المدينة وما تمثله من غنىً حضاري مهما مرَّ زمنٌ طويل على عيشهم في المدن..
نريد أن نخلص إلى القول بأنَّ شيعة جبل عامل في جنوب لبنان اختزنوا كلَّ مساوىء الريف حينما مَوَّلوا طوال الحرب الأهلية في لبنان كلَّ الأحزاب والميليشيات اليسارية بأن انتسبوا إليها وقاتلوا في صفوفها، في حين أنَّ سُنَّة الريف في عكار في شمال لبنان، على سبيل المثال، قد اختاروا بعقلانية الطريق الأفضل والأمثل حينما اكتفوا بأن يشكِّلوا الخزان البشري للجيش اللبناني عن طريق الإنتساب الكثيف إلى صفوفه.. صحيح أنها في النهاية عسكرةٌ تستهوي أهلَ الريف، إلا أنهم بانتسابهم الكثيف إلى الجيش إنما ينتسبون إلى مؤسسة وطنية جامعة، تجمع في صفوفها من كل الطوائف والمذاهب، وهي أولاً وأخيراً مؤسسة تابعة للدولة المركزية الواحدة، التي تمثل جميع المواطنين على اختلاف مشاربهم، رغم كل ما يعاني منه أهل عكار وما يزالون من فقر وحرمان وإهمالٍ من قبل الدولة حتى وقتنا الراهن..    
أما عن شيعة جبل عامل فإننا أمام صورة مغايرة تماماً، حيث أكثر ما يستهويهم الأحزابُ العقائدية، وهي أحزابٌ تضج بالغوغائية والدموية كما ذكرنا، حتى باتت كل الأحزاب العقائدية في لبنان أحزاباً شيعية بامتياز (حتى ولو كان عديد بعض تلك الأحزاب نفرين ونصف النفر)، وبات من الواجب علينا تسميتها بالتسمية الواقعية: حزب الله الشيعي، والحزب الشيوعي الشيعي، والحزب القومي السوري الشيعي، وحزب البعث السوري (والعراقي) الشيعي.. ومن لم ينتسب منهم إلى تلك الأحزاب العقائدية ارتبط مباشرةً بالنظام العلوي في سورية ارتباطاً وجودياً، وهو النظامٌ المذهبي العنصري الإستخباراتي المجرم الدموي الغارق في البداوة..
وهنا نلحظ ثلاثة أمور:
الأمر الأول، أنه في وقتٍ ينتسب فقراء السُنَّة في عكار إلى الجيش اللبناني وما يعنيه ذلك من دعمٍ لا متناهٍ لفكرة الدولة الواحدة الجامعة، فإنَّ فقراء الشيعة زائداً طبقتهم المتوسطة يستهويهم الإنتساب إلى أحزابٍ عقائدية غوغائية دموية هدَّامة هي ضد فكرة الدولة من الأساس بل وضد الإنسانية بحد ذاتها..
الأمر الثاني، أنَّ جميع الأحزاب العقائدية في لبنان دون استثناء، والتي كما أشرنا يشكِّل شيعة جبل عامل الخزان البشري لها وعمودها الفقري، هي أحزابٌ امتهنت التبعيَّة إلى دول إقليمية ودولية وأجهزة استخباراتها حتى الثمالة، حتى قيل عن الحزب الشيوعي اللبناني أنه كلَّما أمطرت في موسكو رَفَعَ الشيوعيون المظلَّة في لبنان، والأمر نفسه ينطبق على حزب الله، الذي كلَّما أمطرت في طهران رفع المظلَّة في لبنان.. 
الأمر الثالث، وهو ما يجب أن نعيه جيداً، أنَّ جميع الأحزاب العقائدية التي يموِّلها شيعة جبل عامل بالإنتساب إليها وتشكيل العمود الفقري لها، هي أحزابٌ ضد العروبة والإسلام حتى النخاع.. فهل في الأمر مصادفة؟!

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 20 نيسان/ أبريل 2015 – العدد 1693).

 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق