2016/11/25

دعوة إلى حظر نشاط الأحزاب العقائدية نهائياً وإلى الأبد



تتَّسم الأحزاب العقائدية بالتالي:
أولاً، الإدعاء باحتكار الحقيقة والقيام بحصرها في إطارٍ عقيدي نظري جامد، وكل ما عداه باطل.
ثانياً، تصبح هذه العقيدة بحد ذاتها بمثابة دِينٍ يعتنقه العقائديون ويتعصَّبون له أيما تعصب ومستعدون لأن يفتدوه بأرواحهم.. دينٌ له أنبياؤه وله تعاليمه وله طقوسه أيضاً.
ثالثاً، الغوغائية، حيث أنَّ كل العقائد التي يرفع العقائديون لواءها هي معتقداتٌ غير واقعية وكلامٌ غوغائي غير قابل للتنفيذ، لا بل هو أقرب إلى الخرافة والشعوذة والهذيان.. فمثلاً كانت الأحزاب والأنظمة الشيوعية...


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً



غوغائية.. إرعابية.. سفَّاكة للدماء.. مشتهية للسلطة
دعوة إلى حظر نشاط الأحزاب العقائدية
نهائياً وإلى الأبد




حسين احمد صبرا
حقيقة ساطعة تَجْسُمُ أمامنا ونحن نحلِّل طبيعة الأحزاب العقائدية، التي منها ما وصل إلى السلطة ومنها ما ينتظر، ألا وهي أنَّ جميع الأحزاب العقائدية دون استثناء وفي العالم أجمع يشبه بعضُها البعضَ الآخر إلى حد التوأمة أياً يكن الطابع العقيدي: علمانياً كان أم قومياً أم دينياً أو ما شابه...
تتَّسم الأحزاب العقائدية بالتالي:
أولاً، الإدعاء باحتكار الحقيقة والقيام بحصرها في إطارٍ عقيدي نظري جامد، وكل ما عداه باطل.
ثانياً، تصبح هذه العقيدة بحد ذاتها بمثابة دِينٍ يعتنقه العقائديون ويتعصَّبون له أيما تعصب ومستعدون لأن يفتدوه بأرواحهم.. دينٌ له أنبياؤه وله تعاليمه وله طقوسه أيضاً.
ثالثاً، الغوغائية، حيث أنَّ كل العقائد التي يرفع العقائديون لواءها هي معتقداتٌ غير واقعية وكلامٌ غوغائي غير قابل للتنفيذ، لا بل هو أقرب إلى الخرافة والشعوذة والهذيان.. فمثلاً كانت الأحزاب والأنظمة الشيوعية تطمح للوصول إلى مرحلة الشيوعية بمعنى أن يصبح جميع البشر متساوين في العمل والإنتاج وطرق العيش، لا يوجد غني ولا فقير، بل الجميع سواسية، ينتفي معها الصراع الطبقي، وهو أمرٌ غير قابل للتحقيق في أي زمنٍ من الأزمان على هذه البسيطة وأمرٌ لا يقبله عقلٌ ولا منطق.. وإليكم مثلاً آخر وهو نظام ولاية الفقيه، الذي يهدف إلى التمهيد لظهور المهدي المنتظر، الذي وفق المعتقد الشيعي سيُقيم دولة العدل على الكرة الأرضية قبيل القيامة، والوليُّ الفقيه هو نائبٌ للمهدي المنتظر ويعمل على التمهيد لظهوره.. ومثلٌ ثالث الجماعات الإسلامية التي تنادي بإعادة نظام الخلافة الإسلامية زمن الخلفاء الراشدين الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رغم أن كلاً منهم حكم بطريقة مختلفة مجتمعاتٍ قبلية وعشائرية، والمطلوب إعادة عقارب الزمن 1400 سنة إلى الوراء والإعتماد على روايات مشكوكٌ بمعظمها تناقلتها الألسن عبر مئات السنين.. ومثلٌ رابع الحزب النازي في ألمانيا، والذي نادى بسيادة العرق الآري على البشر لأنه الأقوى والأذكى والأفضل من بين كل الأعراق على الكرة الأرضية.. وحزب البعث بشقَّيه السوري والعراقي، والذي نادى بشعار "وحدة – حرية – إشتراكية"، أي أنَّ على العرب أولاً أن يتَّحدوا من المحيط إلى الخليج وبعدها يسعون لنيل الحرية، فكيف يمكن تحقيق الوحدة قبل التحرُّر؟!... إلى آخره.
رابعاً، أنَّ عقيدة الأحزاب العقائدية هي عقيدة شمولية تشمل مساحةً جغرافية كبيرة جداً: فعقيدة حزب البعث تشمل الوطن العربي بأكمله.. وعقيدة الحزب القومي السوري تشمل بلاد الشام والعراق والأحواز وقبرص.. ومن العقائد ما يشمل مساحة الكرة الأرضية برمَّتها كعقيدة الأحزاب الشيوعية والإسلامية والحزب النازي، ومنها ما يشمل الكون كله بما فيه من فضاءٍ بنجومه ومجراته كنظام ولاية الفقيه في إيران.
خامساً، أنَّ الأحزاب العقائدية هي جوعى سلطة ولديها شبقٌ لا يجاريها فيه أحد للوصول إلى كرسيي الحكم، مع التأكيد على أنها لا تؤمن بالمشاركة في السلطة وإنما تكون عينُها دائماً على السلطة كاملةً دون نقصان.. فهي تسعى إلى أن تحكم بمفردها، كما تسعى كأحزابٍ شمولية إلى أن تفرض عقيدتها على كل الناس عنوةً وقهراً كما فعل الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفياتي السابق، وكما يفعل نظام الولي الفقيه في إيران وداعش في سورية والعراق.
سادساً، أنَّ الأحزاب العقائدية قبل وبعد وصولها إلى السلطة هي أحزابٌ فاشية إرهابية إرعابية ودموية، همجية فئوية وعنصرية، تعمل على كم الأفواه وقهر الإنسان وكبته وانتهاك حرماته والتنكيل به وسجنه وتعذيبه وقتله دونما أي وازعٍ خلقي أو ديني أو "علماني" أو "قومي"... من هنا نرى أنَّ كل الأحزاب العقائدية على مختلف تلويناتها العقيدية هي في حقيقتها أحزابٌ ملحدة، لا تقيم لله وزناً، تريد التسلط على عباده عنوةً والإستمتاع بقهرهم والتنكيل بهم.. وأنَّ كلَّها أحزابٌ هدّامة لا تقيم وزناً للحضارة وحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي والإبداع.
سابعاً، وفي غمرة ما ترفعه الأحزاب العقائدية من شعاراتٍ علمانية وقومية ودينية ومذهبية فإننا نجد أنَّ أكثر مَنْ أساء إلى العلمانية هي الأحزاب الشيوعية.. وأكثر مَنْ أساء إلى القومية حزبٌ كبير مثل الحزب النازي وحزبٌ صغير مثل الحزب القومي السوري.. وأكثر مَنْ أساء إلى العروبة حزب البعث في سورية والعراق.. وأكثر مَنْ أساء إلى الدين الإسلامي الإخوان المسلمون والجماعات المتفرعة عنهم وآخرها داعش.. وأكثر مَنْ أساء إلى المذهب الشيعي نظامُ ولاية الفقيه في إيران وما دار في فلكه من أحزابٍ تابعة له كحزب الدعوة في العراق وحزب الله في لبنان...
ثامناً، وما أن تصل الأحزاب العقائدية إلى السلطة حتى تنكشف غاياتها الحقيقية: فالحزب الشيوعي السوفياتي لم يكن سوى حزب روسي يريد إعادة المجد إلى القومية الروسية والتوسع الإمبراطوري في الفضاء الروسي والوصول إلى المياه الدافئة كما كان الأمر مع القياصرة من قبل.. ونظام الولي الفقيه في إيران ليس سوى نظام فارسي يسعى إلى إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية على الأرض العربية، تحرِّكه غريزة الإنتقام التاريخي من العرب المسلمين.. وحزب البعث في العراق كان حزباً سنِّياً بامتياز، فكل قياداته الأساسية كانت من السنَّة بعد أن كان الحكم في العراق هاشمياً.. وحزب البعث في سورية هو عبارة عن حزبٍ للأقلية العلوية التي تحكم سورية منذ الستينيات، وآخر حكَّامه العلويين يقول: "الأسد أو أحرق البلد".. وكلا الحزبين الشيوعي اللبناني والقومي السوري أنشأتهما في لبنان أقلية مسيحية أرثوذكسية كعداءٍ من بعضها للعروبة والإسلام، ليتحوَّل هذان الحزبان في العقود الأخيرة إلى حزبين شيعيَّين بامتياز.. وكذلك حزب الله في لبنان هو حزب أقلية بين الشيعة معادية للعروبة والإسلام، شكَّل دويلةً تدور في فلك الإمبراطورية الفارسية الموعودة لتشكل ذراعاً لها في الخاصرة العربية...
تاسعاً، أنَّ ما من حزبٍ عقائدي إلا وارتبط بأجهزة الإستخبارات المحلية أو الإقليمية أو الدولية ارتباطاً وجودياً.. وفي لبنان خير دليلٍ على ما نقول: فالحزب الشيوعي مثلاً ارتبط بأجهزة الإستخبارات السوفياتية، فإذا ما أمطرت في موسكو رفع الشيوعيون المظلَّة في لبنان.. والحزب القومي السوري حقَّق في الخمسينيات رقماً قياسياً في هذا الإطار (وفق ما كشفته وثائق حلف بغداد آنذاك)، إذ ارتبط في آنٍ معاً بالإستخبارات البريطانية والفرنسية والتركية والعراقية (عراق نوري السعيد) والإيرانية الشاهنشاهية، ثم أعاده النظامُ السوري العلوي إلى الحياة مجدَّداً منذ ثمانينيات القرن الماضي ليرتبط هذا الحزب ارتباطاً عضوياً بالإستخبارات السورية.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب البعث بشقيه: أحدهما ارتبط بالإستخبارات العراقية والآخر بالسورية.. أما حزب الله فيرتبط ارتباطاً وجودياً باستخبارات نظام ولاية الفقيه، فكلما أمطرت في طهران يرفع حزب الله المظلَّة في لبنان.. أولم نقل لكم في بداية حديثنا أنَّ الأحزاب العقائدية يشبه بعضُها البعضَ الآخر؟! 
عاشراً، ولعله الأهم من كل ما ذكرناه، أنَّ الأحزاب العقائدية هي أوَّل مَنْ يدوس بالأرجل على العقائد التي تعتنقها وعلى الشعارات البراقة التي ترفعها، وذلك حينما تقع المفاضلة بين تلك العقائد والشعارات وبين السلطة التي يشتهون، وإليكم المفارقات الدموية لبعض الأحزاب العقائدية في لبنان: فالحزب الشيوعي اللبناني، الذي مضى على تأسيسه 91 عاماً ما برح خلالها ينظِّر للثورة وإسقاط النظام، ويطبِّل ويزمِّر تمجيداً لطبقة البروليتاريا التي هي طبقة الكادحين من العمال والفلاحين، صَمَتَ صَمْتَ الحملان منذ أن اندلعت الثورة السورية في العام 2011 وهي المطالِبة بإسقاط نظامٍ مذهبي مجرم، ثم ها هو في الأشهر الأخيرة يذهب إلى سورية للمقاتلة جنباً إلى جنب مع حزب الله دفاعاً عن نظام آل الأسد كرمى أن يأتي لهم حزب الله بنائبٍ شيوعي في مجلس النواب اللبناني، ونسأل: أوليس مَنْ يقاتلهم الحزب الشيوعي الآن هم من الثوار المطالبين بإسقاط النظام، ومن طبقة البروليتاريا من عمال وفلاحي سورية الكادحين؟!.. والحزب القومي السوري، الذي أمضى 83 عاماً من عمره وهو ينادي بـ"الأمة السورية التامَّة"، بل وأضاف إلى اسمه كلمة "الإجتماعي" في ثمانينيات القرن الماضي ليدَّعي بأنه معتدل، ليصبح "الحزب القومي السوري الإجتماعي"، فما هذا الحزب "الإجتماعي" الذي يقاتل إلى جانب نظامٍ مجرم يعمل على إبادة المجتمع السوري، شعب الأمة السورية، ونسأل: أوليس الذين يقتلهم النظام العلوي ويذبحهم هم أطفال "الأمة السورية التامة" وشبَّانها وشابَّاتها ونساؤها وعواجزها وشيوخها ومسنُّوها؟! وما فتىء هذا الحزب يطبِّل ويزمِّر لعبارة "الحياةُ وقفةُ عِزٍّ فقط"، وكأنها إنجيلٌ أو قرآنٌ مُنْزَل، وهي الجملة التي قالها مؤسس هذا الحزب أنطون سعادة.. فطالما أنَّ الحياة وقفة عز فقط فكيف لهذا الحزب أن يستميت في القتال إلى جانب نظامٍ ما انفكَّ منذ 50 عاماً يدوس بالأقدام على رؤوس الشعب السوري، شعب الأمة التامَّة، ويهينه وينكِّل به؟! وحزب الله (ومن ورائه نظام ولاية الفقيه) بُحَّ صوتُهُ وهو يدعو إلى نصرة المستضعَفين، وغَلُظَت حنجرتُهُ وهو ينادي بالثأر لدم الإمام الحسين لأنه قُتل ظلماً، وغالى – في سباقٍ محموم على السلطة – في قتاله ضد إسرائيل لأنها تحتل أرضاً لبنانية.. إلى أن انتهى به الأمر إلى الزحف على البطون للحؤول دون سقوط نظامٍ يستضعف الشعبَ السوري ويقتله ظلماً وعدواناً، ثم ها هو هذا الحزب يحتل أرضاً سورية ويبيد سكانَها ويطرد مَنْ بقي منهم على قيد الحياة...
لتلك الأسباب جميعها نوجِّه دعوةً إلى حظر نشاط جميع الأحزاب العقائدية نهائياً وإلى الأبد، نظراً لما تشكِّله من خطرٍ مزمن على القيم الإنسانية والبشرية جمعاء.

(نُشر هذا الموضوع في مجلة "الشراع" اللبنانية بتاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 2015، العدد رقم 1726).

إقرأ أيضاً:

إقرأ أيضاً:


 x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق