2011/10/04

بُعْبُع رفيق الحريري يظهر في سوريا هذه المرة- سليم الحص في أزمةٍ لا تنتهي!


منذ عام 1992 شهدت الساحة السياسية اللبنانية بروزَ شخصٍ بحجم رفيق الحريري قادته الظروف السياسية الإقليمية آنذاك لأن يصبح رئيساً للوزارة وأهَّلته مواهبه لأن يكتسح كل الشعبيات، فتراجعت حظوظ سليم الحص ليصبح زعيماً للسنّة من الدرجة الثانية.. وهنا بدأت أزمته!
إنَّ أزمة سليم الحص منذ ذلك الحـين لم تكن سوى أزمة شخصية مع رفيق الحريري مردُّها إلى أنَّ الأخـير جاء واحتلَّ مكانَه.. فعكسَ الحصُّ ما هو شخصيّ على ما هو عام..


إنزل إلى أسفل لقراءة الموضوع كاملاً


 بُعْبُع رفيق الحريري يظهر في سوريا هذه المرة
سليم الحص في أزمةٍ لا تنتهي!



حسين احمد صبرا
(4/ 10/ 2011)
في أصول التربية الأسرية كما التربية السياسية التي نطمح إليها كلبنانيين وعرب، وفي ما على الإنسان أن يجتهد فيه من تلقاء نفسه استناداً إلى مفاهيمه الذاتية وإلى تجاربه الخاصة في الحياة من تقويمٍ دائمٍ للنفس (وجَلَّ مَنْ لا يُخطىء)، لا يكفي أن يكون الواحد منّا نظيفَ الكف بأن لا يمد يده إلى المال الحرام ومن ضمنه المال العام.. وإنما لا بد وأن يردُف ذلك بأصوليات شتَّى في طليعتها أن لا يعكس ما هو شخصيّ على ما هو عام..
والرئيس سليم الحص يشهد له جميع اللبنانيين بنظافة الكف من بعد ما خَـبِروه مسؤولاً رفيعاً في الدولة اللبنانية لسنين طوال، حتى كادت عبارة "نظافة الكف" أن تُقْرَن بإسمه.. لكن وبكل أسف، الحلو ما يِكْمَلش!
إنَّ عيب سليم الحص الذي يكاد أن يصبح مقروناً بإسمه أيضاً هو أنه يعكس ما هو شخصي على ما هو عام، حتى بات في أزمةٍ ما فتئت ترافق ظلَّه كسياسي وزعيم وطني منذ عشرين عاماً..

بعد تغييب صائب سلام ورشيد كرامي والمفتي حسن خالد
وجد سليم الحص نفسه فجأةً زعيم السنّة الأوَّل

لقد لعبت الظروف السياسية دورَها فوجد سليم الحص نفسَه فجأةً زعيمَ السنّة الأول في لبنان في أواخر الثمانينيات.. لقد تمَّ إقصاء زعيم السنّة الأوَّل صائب سلام قسراً إلى خارج لبنان في أعقاب الإجتياح الإسرائيلي عام 1982.. ثم تمَّ اغتيال زعيم السنّة الأوَّل المنافس رشيد كرامي عام 1987.. ثم تمَّ اغتيال زعيم السنّة الأول الذي سدَّ الفراغ المفتي حسن خالد عام 1989.. وفجأةً وجد سليم الحص نفسَه زعيماً أوَّل وأوحد للسنّة في لبنان.
منذ عام 1992 شهدت الساحة السياسية اللبنانية بروزَ شخصٍ بحجم رفيق الحريري قادته الظروف السياسية الإقليمية آنذاك لأن يصبح رئيساً للوزارة وأهَّلته مواهبه لأن يكتسح كل الشعبيات، فتراجعت حظوظ سليم الحص ليصبح زعيماً للسنّة من الدرجة الثانية.. وهنا بدأت أزمته!
إنَّ أزمة سليم الحص منذ ذلك الحـين لم تكن سوى أزمة شخصية مع رفيق الحريري مردُّها إلى أنَّ الأخير جاء واحتلَّ مكانَه.. فعكسَ الحصُّ ما هو شخصيّ على ما هو عام..
سليم الحص في أزمةٍ شخصية مع رفيق الحريري
لقد كان رفيق الحريري بُعْبُعاً.. إنسانٌ مخيفٌ فعلاً.. سرعان ما بدا للبنانيين منذ اللحظة الأولى الـتي بدأ فيها العمل السياسي والحكومي كمحـترف منذ أواخر 1992 أنَّ حجمه أكبر بكثير من حجم بلدٍ صغير كلبنان، ولم يكن للمليارات التي كانت تفيض بها جيوبه سوى دور ثانوي في إبراز أهمية هذا الرجل، وإنما كان الدور الأبرز هو لمواهبه النادرة التي سرعان ما جعلت منه ليس زعيماً لبنانياً أو زعيماً عربياً فحسب، وإنما تخطت ذلك لتجعل منه زعيماً عالمياً.. والتاريخ الحديث يعلِّمنا أنْ ليس كل من يملك المليارات تصبح له المكانة التي حظي بها الحريري.. قد يصبح إنساناً شهيراً وصاحب نفوذ وسطوة، أي نعم، ولكن ليس زعيماً، اللهم إلا إذا امتلك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضح المعالم وقابلاً للتنفيذ كالذي امتلكه رفيق الحريري.. وهذا ما فاقم أزمة سليم الحص!
كان كل ما يملكه رفيق الحريري من مؤهلات علمية هو مجرَّد شهادة محاسبة، مقابل دكتوراه في الإقتصاد استطاع سليم الحص بفضل مواهبه أن يصبح من خلالها أكاديمياً مرموقاً وخبيراً اقتصادياً من الطراز الأول.. بيد أنَّ رفيق الحريري كان كما أشرنا يمتلك ليس مشروعاً سياسياً فحسب بل واقتصادياً تحديداً، في حـين أنَّ كل ما فاضت به مواهب سليم الحص خلال 35 عاماً من عمله السياسي والإقتصادي والنيابي والوزاري هو أنه يستطيع أن يدير أزمةً سياسية واقتصادية بنجاحٍ، ليس أكـثر.. وهنا تَعْوَصُ الأزمة!
منذ اللحظة الأولى الـتي بدأ فيها رفيق الحريري تطبيق مشروعه السياسي والإقتصادي برز سليم الحص كمعارضٍ رقم واحد لهذا المشروع وبتطرُّفٍ مبالَغٍ فيه.. كان الظاهر إلى العلن وقتها أنَّ سليم الحص- كرجلٍ إقتصادي مرموق- له وجهة نظر إقتصادية مختلفة، وهذا حقُّه.. على أنَّ عملية إقصاء الحريري عن الحكم عام 1998 وهرولة سليم الحص لإستلام مكانه في رئاسة الوزارة كشفت عن حقيقة الأزمة بـين الرجلين:
من ناحية أولى، شكَّل وجود سليم الحص على رأس الوزارة بـين عامي 1998 و2000 غطاءً فضفاضاً وحامياً سنِّياً لعملية كيدية سياسية وشخصية رخيصة طالت رفيق الحريري ورجالاته وقادها إميل لحود عـبر الجهاز الأمـني اللبناني- السوري الذي بدأ يتشكَّل منذ ذلك الحـين بمعيّة جميل السيد، حتى أنَّ أحد رجالات رفيق الحريري اتُّهم آنذاك بـ 19 تهمة واقتيد إلى السجن، برَّأَهُ منها القضاء اللبناني لاحقاً بـ 19 حكم براءة!
ومن ناحية ثانية، فإنَّ سليم الحص في هذين العامين (1998- 2000) انكشف انكشافاً صارخاً حينما راح يتَّبع في الإقتصاد كلَّ ما كان ينتقد فيه بعنفٍ ومغالاة  مشروعَ رفيق الحريري الإقتصادي.
عام 2000 جرت انتخابات نيابية، وكانت فرصة لرفيق الحريري لينتقم سياسياً وشخصياً من سليم الحص بأسلوبٍ نظيفٍ جداً ومشروعٍ جداً ضمن لعبة ديمقراطية بحتة.. لقد قام رفيق الحريري بمعيّة سنَّة بـيروت بإسقاط سليم الحص في الإنتخابات النيابية إسقاطاً مدوياً، ليتحوَّل الأخـيرُ إثرها إلى زعيمٍ سنّي من الدرجة العاشرة.. ومنذ ذلك التاريخ اتَّسعت أزمة سليم الحص الشخصية مع رفيق الحريري لتصبح أزمة شخصية مع سنَّة بيروت أنفسهم..
عام 2005 تمَّ اغتيال رفيق الحريري، وكان في اعتقاد جميع أعدائه كما في اعتقاد كل مَنْ أمر وخطَّط ونفَّذ هذا الإغتيال أنَّ صفحة هذا الرجل ستُطوى بعد موته نهائياً وإلى الأبد.. لكنَّ النتيجة جاءت عكسية تماماً، إلى درجة أنَّ رفيق الحريري في غيابه أصبح في الشارع اللبناني السنّي تحديداً أقوى بما لا يقارَن مما كان عليه في حضوره.. ومنذ ذلك التاريخ ازدادت أزمة سليم الحص الشخصية مع الراحل رفيق الحريري اتساعاً لتصبح أزمة شخصية مع سنَّة لبنان أجمعـين، فأَدخَلوه إثرَها في غياهب النسيان! لقد عـبَّر سليم الحص عن أزمته الشخصية مع سنَّة لبنان بأن أنشأ في أعقاب اغتيال الحريري ما أسماه بمنـبر الوحدة الوطنية جَمَعَ فيه من حوله أدواتٍ إستخباراتية تابعة للنظام السوري (الذي يتَّهمه سنَّة لبنان بقتل الحريري) كانت قد أمضت نحو خمسة عشر عاماً لم يكن لها من شغلٍ شاغل سوى التطاول على هامة هذا الراحل!
الآن، حدث قبل سبعة أشهر أنْ ثار سنَّةُ سوريا ثورةً شعبية سلمية شاملة ضد نظام آل الأسد العلوي زلزلت بنيانه الهش وأصبح سقوطه مسألة وقتٍ لا أكـثر، وسط تعاطف سنّة لبنان الجارف مع أشقائهم السنَّة السوريين من منطلق وطـني وعروبي وإسلامي وإنساني..


مع بدايات ثورة الشعب السوري البطل ظهرت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان لتقول إنَّ الأزمة في سوريا قد انتهت وأصبحت وراءنا، بعدما تهيَّأ للنظام بأنه نجح في قمعها أمنياً وبدموية مفرطة.. لكنَّ هذا التصريح كان أحد الدوافع الأساسية للشعب السوري لأنَّ يصعِّد من سقف مطالبه التي بدأها بالمطالبة بإصلاح النظام فأصبحت الآن مطالَبة بإسقاط النظام.. بعدها ظهر بشار الأسد إعلامياً ثلاث مرات على فـتراتٍ متباعدة ليكرِّر القول نفسه بأنَّ الأزمة في سوريا قد انتهت، وفي كلِّ مرة كانت الثورة تزداد تأججاً في عقب كل حديثٍ يُدلي به كان آخرها مطالبة الثوار في الداخل بتدخُّلٍ دولي..
الآن لم يَعُد بشار الأسد يجرؤ على الظهور إعلامياً ليقول إنَّ الأزمة في سوريا قد انتهت، خوفاً من أن يزداد طينُه بلَّة، وقد أدرك في الأسابيع الأخـيرة أنَّ بُعْبُع رفيق الحريري قد ظهر فجأة وبقوة في سوريا هذه المرة مع تزايد فرص نجاح ثورة السنَّة السوريين وفشل الحل الأمـني الذريع في إخمادها واحتمال أن يشكِّل سنَّةُ لبنان الخزان الأساسي الداعم لثورة أشقائهم الأبطال في الأسابيع المقبلة خصوصاً إذا ما حدث تدخل عسكري دولي، مترافقاً ذلك مع ما قد تعلنه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من اتهامات للنظام العلوي باغتيال زعيمٍ عربي سنّي من الطراز الأوَّل هو رفيق الحريري...
 بشار الأسد مستقبلاً سليم الحص
في 28/ 9/ 2011
فماذا فعل بشار الأسد؟! لم يجد أمامه سوى أن يستنجد بزعماء سنَّة من لبنان من الدرجة العاشرة ممَّن دخلوا غياهب النسيان، لينقلوا عن لسانه بأنَّ الأزمة في سوريا قد انتهت، وهو ما بات يعجز عن التلفظ به بلسانه في العلن.. فكان سليم الحص أوَّلَ المهرولين للقاء بشار  قبل بضعة أيام، ومن بعده المغلوب على أمره عمر كرامي..
الفارق بـين هرولة الإثنـين أنَّ عمر كرامي يلهث لأن يجعل من إبنه زعيماً سنّياً ولو من الدرجة العشرين.. أما هرولة سليم الحص فتعود إلى أنَّ أزمته الشخصية مع رفيق الحريري قد اتَّسعت لتتحوَّل هذه المرة إلى أزمة شخصية مع سنَّة سوريا!
       وعلى هذا الحال سيبقى سليم الحص، أطال الله بعمره، في أزمةٍ لا تنتـهي حتى آخر يومٍ من عمره!


                           

************************************************************************
                              فهرس كتاب:      
                 "حوار مع صديقي الإسلامجي"
************************************************************************
                 إقرأ قصيدة "مشايخ.. ومشايخ"
                                (شعر: حسين احمد صبرا)
************************************************************************
                            فهرس كتاب:
                "على هامش ثورة شباب مصر"
************************************************************************

************************************************************************
                إقرأ مجلة "الشراع" اللبنانية من على موقعها الإلكتروني التالي:
www.alshiraa.com                                                       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق